الأحد، 30 أكتوبر 2016

تأمل في تبعية فكرنا العربي المعاصر




تأمل في تبعية

 فكرنا العربي المعاصر

بقلم: محمد الشبة





إن ما يميز الفلسفة هو التفكير النقدي المستقل، إذ كل فيلسوف يقارب الأمور من زاوية نظر قد ينهل بعض عناصرها من آخرين، لكنها مع ذلك تكون نتاجا للمسة إبداعية تميزه عن غيره.
ويمكن أن نثير هنا إشكال الإتباع والإبداع، ونجعل هذا الأخير سمة أساسية من سمات الخطاب الفلسفي الأصيل. وبالفعل لا يمكن أن نكون فلاسفة دون أن نطلق العنان لعقولنا، لتبدع أنواعا من المفاهيم التي نؤثث بها تصوراتنا ونظرياتنا حول الوجود والمعرفة والقيم.  
من هنا يمكن القول بأن مشكلة فكرنا العربي الإسلامي تكمن في هذه النقطة بالذات، والمتمثلة في السؤال التالي: إلى أي حد نحن قادرون على الانتشال من التبعية والانعتاق من الوصاية، من أجل إبداع فكر يلامس بشكل صادق حاجيات مجتمعاتنا وتطلعاتها الحقيقية؟
وحينما نتحدث هنا عن التبعية، فإننا نتحدث عنها بنمطيها الرئيسيين؛ التبعية لتراثنا القديم والتبعية للغرب المعاصر. كيف يمكن الحديث عن التبعية للتراث؟ إننا نكون تابعين لا مبدعين في إطار تعاملنا مع التراث، حينما نتقوقع داخله ويسيطر علينا بمقولاته المتوارثة دون أن نتعامل معها بحس تاريخي ونقدي. كما أننا نكون تابعين للتراث حينما نقرأه ونفهمه كما فهمه أسلافنا، أي نفهمه بمقولاتهم وبالأطر العقلية التي كانت سائدة في المناخ العقلي القروسطي، وهذا ما يكرس التحجر والوصاية ويحول دون انطلاقة الفكر لارتياد آفاق أرحب، ولتقديم فهم متجدد للتراث الديني والفلسفي والأدبي اعتمادا على المستجدات المنهجية والمفاهيمية التي أفرزها تطور العلوم المعاصرة، لا سيما المناهج اللسانية والتاريخية والأنثروبولوجية التي من شأنها أن تضيء جوانب معتمة في التراث، وتعيد التفكير في ما لم يفكر فيه بعد.
أما تبعيتنا للفكر الغربي المعاصر فتتمثل في نظري في انكبابنا الأعمى على التهام مقولاته ونظرياته بنهم وشراهة، أخضرا ويابسا، وبدون تمييز بين غث وسمين. فالتعامل مع الغرب يجب أن يتم بحذر وفي إطار من الاستقلالية الفكرية، وذلك بتطبيق مقولات الغرب نفسها عليه بأن نفهم أفكاره في تاريخيتها ونضعها الموضع الذي تستحقه.
وإذا كانت الفلسفة تنعت بأنها فكر الاختلاف، فحري بنا أن نختلف مع الغرب ونحن نتعامل معه، لكي نشق لأنفسنا طريقا أصيلا خاصا بنا. وأنا لا أتحدث هنا عن أصالة موهومة ومستنسخة عن الماضي بل عن أصالة متجددة ومرنة، تستوعب أجمل ما في الماضي وتستدمج عناصر مضيئة من الحاضر، في أفق أن تنسج معالم غد أفضل.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.