الجمعة، 31 يناير 2020

صدور سلسلة الفلسفة والحياة

صدرت عن دار أفريقيا الشرق للنشر والتوزيع بالدار البيضاء، مع مطلع سنة 2020م، الأجزاء الستة الأولى من سلسلة الفلسفة والحياة. وهي سلسلة تربوية وديداكتيكية موجهة إلى المتعلمين والمتعلمات من أجل تشجيعهم على القراءة الفلسفية، وإكسابهم المهارات والقدرات والكفايات التي من شأنها أن ترتقي بكتاباتهم الإنشائية الفلسفية إلى ما هو أحسن.
وفي ما يلي أغلفة الأجزاء الستة الأولى، مرفقة بالمدخل العام للسلسلة، والذي تجدونه في بداية كل جزء. 









مدخل عام لسلسلة
الفلسفة والحياة 

 يمكن القول عموما بأن الفلسفة هي تفكير من طرف هذا الفيلسوف أو ذاك في الحياة. ولذلك، فنحن نجد النصوص الفلسفية ممتلئة بقضايا وإشكالات وأفكار تتعلق بجوانب متعددة من الحياة الإنسانية. وإذا كان الفيلسوف يفكر في الحياة، فإنه لا يمكننا كتلاميذ إلا أن نستحضر ما تعج به الحياة الإنسانية اليومية من وقائع ومواقف مختلفة أثناء ممارستنا للكتابة الفلسفية، أو أثناء نقاشاتنا في الفصول الدراسية للعديد من المشكلات المطروحة في دروسنا الفلسفية.
ومسألة استحضار الحياة في الدرس الفلسفي وفي الكتابة الإنشائية الفلسفية، هي التي أوحت لنا بضرورة كتابة مثل هذه السلسلة الفلسفية التي نحن عازمون بحول الله على إصدار عدة أجزاء منها، تغطي قضايا فلسفية متنوعة يمكن أن يستفيد التلاميذ منها، سواء أولائك الذين يدرسون في المقررات الدراسية الحالية أو أولائك الذين سيدرسون في مقررات دراسية لاحقة.
وهكذا، فقد انطلقت من تجاربي الفصلية الفعلية في تدريس الفلسفة، فوجدت أنني أعمل بدون هوادة على تقريب الفلسفة من التلاميذ وتبسيط الأفكار الفلسفية لأذهانهم، من خلال استخدام الأمثلة الواقعية واليومية والمتداولة في الحياة، وجعل التلاميذ يفكرون في الإشكالات الفلسفية انطلاقا من خبرتهم الخاصة في الحياة، باعتبارها إشكالات تهمهم قبل أن تهم الفلاسفة. ولهذا، أردت من خلال هذه السلسلة أن أنقل، ما أمكن ذلك، تلك الأفكار والأمثلة والنقاشات التي كانت تجري بيني وبين تلامذتي ونحن نتجادل حول الكثير من الإشكالات والقضايا الفلسفية. ويمكن لمثل هذا العمل أن يفيد عموم التلاميذ؛ بأن يبسط لهم الأفكار الفلسفية ويقربها من واقعهم المعيشي، كما من شأنه أن يجعلهم يفكرون فيها بشكل ذاتي وشخصي انطلاقا من خبرتهم الخاصة في الحياة.
 ومن ناحية أخرى، فإن هذه السلسة تتوخى أن تساعد التلاميذ على تطوير قدراتهم في الكتابة الإنشائية الفلسفية، والتي تهمهم كثيرا في الامتحانات المتعلقة بمادة الفلسفة، كما تعتبر من بين الأهداف الأساسية لتدريس الفلسفة. فإذا ما استطاع التلميذ مثلا أن يكتب إنشاء بمواصفات فلسفية عالية، وطور ذلك خلال دراسته الجامعية، فإننا ولا شك سنكون أمام مشروع مثقف ومفكر يمكنه أن يساهم في تحقيق التنمية الثقافية والفكرية التي لا يمكن تصور أي تقدم مجتمعي بدونها. ولهذا السبب، فإننا نسعى من خلال هذه السلسلة الفلسفية إلى إعطاء التلاميذ نماذج من مقالات تتضمن بعض المواصفات المنهجية والمعرفية التي يمكنه أن يتمثلها ويستبطنها من خلال قراءته لمختلف أجزاء هذه السلسلة، وبعد ذلك يكون بإمكانه أن يوظفها في كتابته الفلسفية. فقد بينت التجربة أن التلاميذ الذين يواظبون على المطالعة هم الذين يتفوقون في الكتابة الإنشائية الفلسفية، لأن منهجية الكتابة الفلسفية لا نتعلمها بين عشية وضحاها، أو من خلال حصص دراسية معدودة نخصصها لهذا الغرض، بل إن المطالعة وقراءة أعمال ومقالات لكتاب آخرين تساعد التلاميذ أيضا، وبشكل كبير، على اكتساب أفكار ومهارات منهجية ستجعلهم يكتبون إنشاءات فلسفية بمواصفات جيدة.
وقد بينت لنا تجربتنا مع كتابات التلاميذ الإنشائية، سواء في فروض المراقبة المستمرة أو الامتحانات النهائية أو المسابقات المتعلقة بالإنشاء الفلسفي، أن الكثير من هؤلاء يميلون في معالجتهم للإشكال المطروح إلى تقديم مجموعة من المواقف الفلسفية، كما هي مختزنة في ذاكرتهم عن طريق الحفظ والاستظهار. ولذلك تأتي كتاباتهم الإنشائية خالية من التفكير الذاتي للتلميذ في القضية المطروحة للمعالجة والنقاش، بحيث لا يوظفون أمثلة من الواقع ولا يستحضرون خبرتهم الحياتية أثناء معالجتهم لتلك القضايا والإشكالات في كتابتهم الفلسفية. وقد حاولنا أن نساهم في التغلب على هذا المشكل من خلال هذه السلسلة، بأن قدمنا فيها للتلاميذ مجموعة من المقالات الفلسفية التي تجسد التفكير الذاتي لكاتبها في القضية الفلسفية التي يعالجها، بحيث لا يتم توظيف الأطروحات والمواقف الفلسفية إلا بحسب ما تخدم هذا التفكير الذاتي والمنطقي في الإشكال الذي يتم تحليله ومناقشته. وهذا التفكير الذاتي يستند بطبيعة الحال إلى توظيف المكتسبات والمعطيات والوقائع المتعلقة بالحياة، من أجل التفكير فيها فلسفيا وبشكل صادق وجاد وعميق.
ولكن هذا لا يعني أن ما كتبناه من مقالات في هذه السلسلة هو كتابات إنشائية فلسفية، بالمعنى المدرسي المعروف، لأننا لم نعالج فيها أي نص أو قولة أو سؤال مفتوح، وهي المواضيع الثلاثة التي يرتكز عليها الإنشاء الفلسفي في البكالوريا المغربية، بل فقط هي مقالات نعالج فيها غالبا إشكالا ما من الإشكالات الفلسفية، مما سيجعل المعالجة تتضمن ولا شك مجموعة من المواصفات والمهارات المنهجية التي يمكن أن يستأنس بها التلاميذ، ويوظفونها لاحقا في كتاباتهم الإنشائية الفلسفية. كما أن بعض تلك المقالات اتخذ شكلا يغلب عليه الطابع المعرفي، مما يعني أن الهدف المتوخى منه هو تزويد التلاميذ بمعلومات ومضامين معرفية، وتبسيطها لأذهانهم لكي يستوعبونها ويستخدمونها عندما يقتضي الأمر ذلك، سواء أثناء فعل الكتابة أو في حواراتهم الشفوية داخل الفصول الدراسية أو خارجها.
ومن هنا فقد حاولنا في المقالات المختلفة والمتنوعة التي تتضمنها أجزاء هذه السلسلة الفلسفية، سلسلة الفلسفة والحياة، أن نبسط للتلاميذ الأفكار الفلسفية –كما نفعل في الفصل الدراسي- عن طريق ربطها بحياتهم اليومية وبما هو متداول في واقعهم الاجتماعي، أو بما يعرفونه من وقائع وأحداث تاريخية خاصة بالأمة العربية الإسلامية أو بباقي الأمم والشعوب، وجعلهم يفكرون في قضايا الفلسفة ومشكلاتها انطلاقا مما تحفل به حياتهم وحياة الشعوب والأمم من وقائع وأحوال إنسانية متنوعة. وهذا ما من شأنه أن يقرب الفلسفة من التلاميذ ويقنعهم بأهمية القضايا التي تتناولها بالتحليل والدراسة، كما من شأنه أن يساهم في نزع الغرابة عن الأفكار الفلسفية وجعلها مألوفة لديهم وقريبة من عقولهم ومحببة إلى نفوسهم.
وللمزيد من تحقيق هذا الهدف الأخير، فقد ضمنا جميع المقالات التي تتكون منها هذه السلسلة الفلسفية صورا للفلاسفة، مرفقة في الغالب بأقوال لهم لها علاقة بالفكرة التي يتحدث عنها المقال، وذلك من أجل أن يتعرف التلاميذ أولا على وجه الفيلسوف عن طريق الإدراك الحسي البصري، ثم لكي يتعرفوا ثانيا على الفترة الزمنية التي عاش فيها ويتأملوا في مضمون القول الفلسفي المرفق بالصورة الشخصية لذلك الفيلسوف. كما يمكنهم بطبيعة الحال أن يحفظوا ذلك القول، أو أجزاء منه على الأقل، ويوظفونه أثناء مناقشاتهم الفلسفية داخل الفصل الدراسي أو في كتاباتهم الإنشائية.
وفضلا عن صور الفلاسفة وأقوالهم، فقد جعلنا مقالات سلسلة الفلسفة والحياة تتضمن أيضا لوحات فنية وصور رمزية ومعبرة لها علاقة بمضمون المقال، وذلك من أجل ترسيخ تربية جمالية وفنية لدى التلاميذ من جهة، ومن أجل جعل الصورة تساعدهم على مزيد من فهم المحتوى المتضمن في الكتابة، وتشجيعهم على الإقبال على المطالعة الفلسفية والاستمرار في قراءة المقالات براحة نفسية أحسن من جهة أخرى.
وعلى العموم، فقد جاءت هذه السلسلة لكي تسد فراغا نحسبه حاصلا في الساحة الفلسفية المغربية، وهو ذلك المتعلق بغياب كتابات فلسفية موجهة للتلاميذ، خارج إطار الكتب الموازية التي تتضمن ملخصات الدروس ومنهجية الإنشاء الفلسفي. فقد أثبتت لنا تجربتنا مع التلاميذ أنهم بحاجة إلى كتيبات مبسطة يطالعونها خارج إطار الكتب والمقررات الدراسية، ولذلك فكثيرا ما كنت أجد نفسي محرجا أمام تلميذ أو تلميذة تسألني: ما هي الكتب الفلسفية التي يمكن أن أقرأها يا أستاذ؟ وسبب هذا الحرج هو أنه لا يمكن لتلاميذ المرحلة الثانوية التأهيلية، أو للغالبية العظمى منهم على الأقل، أن يقرؤوا كتبا لفلاسفة أو دراسات أكاديمية حول هؤلاء الفلاسفة، نظرا لطبيعة قدراتهم العقلية والمعرفية من جهة، ونظرا للظروف التي تحيط بالدراسة والتهييء للامتحانات من جهة أخرى. ولذلك نعتقد أن توفير كتيبات من مثل تلك التي تتضمنها هذه السلسلة، من شأنه أن يحفز التلاميذ على القراءة الفلسفية في زمن أقل، نظرا لصغر حجم كتب هذه السلسة الفلسفية، وبدافعية أكبر نظرا للبساطة التي اعتمدناها في تقريب الأفكار الفلسفية من عقول التلاميذ، ونظرا أيضا لارتباط مضامينها بما هو موجود في المقررات الدراسية الرسمية.
وكل ما نتمناه هو أن تتحقق بعض هذه الأهداف النبيلة التي توخيناها من وراء كتابة مختلف أجزاء هذه السلسلة الفلسفية، سلسلة الفلسفة والحياة، وأن تساهم في إشاعة روح التفلسف السليم داخل أوساط تلامذتنا الأعزاء.
والله أسأل أن يكون هذا العمل خالصا لوجهه الكريم.

 المؤلف




الأربعاء، 29 يناير 2020

قراءة في قصة "السيمو" للقاص عبد الجليل الشافعي


قراءة في قصة "السيمو"
أو الصامت الثرثار
 للقاص عبد الجليل الشافعي

بقلم: محمد الشبة




صدرت للقاص عبد الجليل الشافعي عن دار القرويين للنشر، مع مطلع سنة 2020م، مجموعة قصصية تحت عنوان "المرأة التي في الأعلى"، وهي الإصدار الأول لهذا القاص الواعد. وتضم هذه المجموعة عشرين قصة مرتبة كما يلي: حلم قديم، المرآة، السيمو، كوب قهوة، المحكمة، حين غدر القدر، هي وهو، قاهابيل، المرأة التي في الأعلى، صرع، امرأة على الرصيف، رجاء، ورطة، صبيب الأنترنيت، أوديب المغربي، تردد، كبوة حصان، بْرْيلْ، وصية جد، إنسان للبيع.
ويسرني أن أقدم لكم قراءتي في قصة "السيمو"، وهي القصة الثالثة في هذه المجموعة القصصية.
تحكي هذه القصة عن متسكع اسمه "السيمو"، أو هكذا كان الناس يلقبونه. وقد كان رجلا صامتا، يجوب الطرقات بلا ملل، عاش في الرصيف ومات في الرصيف، ولم يكن ينطق بأي كلام وكأنه أبكم، سوى بعبارة "كلنا نسعى في هذه الدنيا". وقد كانت هذه العبارة بمثابة رصاصة الرحمة التي يبعث بها إلى قلوب الناس وعقولهم.
وتميط هذه القصة اللثام عن مجموعة من الأمراض النفسية والاجتماعية، كما تطرح مجموعة من التساؤلات للتأمل والنقاش، من بينها ما يلي:
1- العزلة القروية ومعاناة التلاميذ:
يصف السارد حال "السيمو" بطل القصة بأنه «لم يكن يتعب من الذهاب والإياب في تلك السبيل المتربة الرابطة بين الطريق المعبد والقرية النائية، القرية التي لا ترصدها خرائط الدولة، ولا مصالحها، ولا حتى نظام GPS ...».
وهنا نجد تلميحا ذكيا من القاص للعزلة التي تعيشها بعض القرى والبوادي عن المدن والحواضر، مما يجعلها تعيش الهشاشة والتهميش على مستوى البنية التحتية، وعلى كافة المجالات والمستويات الصحية والتعليمية والرياضية والثقافية والاجتماعية.
ويعاني من هذه العزلة التلاميذ أيضا، إذ يضطرون إلى قطع مسافات طويلة للوصول إلى المدرسة، خصوصا مع المسالك الوعرة والطرق غير المعبدة أو نصف المعبدة. ويزداد الأمر خطورة واستفحالا في أيام فصل الشتاء، حيث يضطر الكثير من التلاميذ إلى قطع مسافات طويلة في حلكة الظلام وتحت قسوة برد الطبيعة وأمطارها. وفي هذا الإطار نجد السارد يقول: «في الطريق النصف معبدة، الطريق الطويلة مثل وجع الفقراء، والتي كنا نقطعها، نحن أطفال القرية بشكل يومي شتاء وصيفا، حرا وبردا، أثناء توجهنا للمدرسة.»
2- حكمة السيمو المتسول الصامت: "كلنا نسعى في هذه الدنيا".
لم يكن "السيمو" ينطق من الكلام، وهو يجوب الطرقات ذهابا وإيابا، سوى تكرار عبارة "كلنا نسعى في هذه الدنيا". فقد كانت هذه الجملة القصيرة هي كل رأسماله الرمزي في هذه الحياة، بحيث كان يلقي بها في وجه كل من يكلمه أو يسخر منه.
وإذا تأملنا في هذه الجملة، فإننا نجد صاحبها يحاول أن يساوي بين وضعيته ووضعية باقي الناس. فإذا كان هؤلاء يشفقون لحاله أو يسخرون منه أو ينظرون إليه نظرة دونية، فإنه يقول لهم إننا نتساوى جميعا في مسألة جوهرية، وهي أننا "نسعى في هذه الدنيا". فبحكم أن السيمو كان متسكعا يهيم في الطرقات، بدون أهل ولا مأوى ولا عمل، فقد كان مضطرا لتلقي العون من الآخرين حيث يأخذ منهم بعض الدراهم أو أصناف من الأكل يسد بها رمقه. ولذلك فقد كان السيمو يجد نفسه في موضع ضعف وعوز وهشاشة، لكنه مع ذلك يهمس للناس في عبارته تلك بأنهم أيضا ضعفاء ومحتاجون إلى بعضهم البعض، ومحتاجون إلى قوة عليا لكي ترحمهم وتقف إلى جانبهم، مادام أن كل واحد من الناس يحس بالنقص، أو يعيش البؤس والفقر، أويعاني من المرض، أو يخاف من الموت. فالسيمو إذن يساوي بينه وبين الناس، ولا يرى أنهم أحسن منه حالا سوى في الدرجة، بل قد يكون حاله أحسن من بعضهم ممن يعيش الألم الناتج عن مرض فتاك، أو من يعيش عذاب الضمير من فرط ما ارتكب من آثام وشرور في حق الآخرين، أو من يعتصره الجرح الناتج عن غدر صديق أو خيانة حبيب.
وإذا كان "السيمو" يشعر الناس بضعفهم ونقصهم في عبارته تلك، فإنه يشعرهم أيضا فيها أنهم عابرون وزائلون وغير خالدين ودائمين في هذه الدنيا. ففعل "يسعى" في تلك الجملة قد يدل على ما يسمى باللهجة العامية ب"اسعاية"؛ أي حال المتسول الذي يطلب الصدقة والعون من غيره. ولهذا فقد أراد "السيمو" أن يقول للناس أنني لست وحدي من يطلب العون ومن يعيش حالة العوز، بل أنتم أيضا تعيشون أحوالا كثيرة من الضعف والنقص والعوز تكونون محتاجين فيها إلى بعضكم البعض، أو محتاجين إلى خالقكم ورازقكم.
كما قد يدل فعل "يسعى" في تلك العبارة على "السعي إلى..."؛ أي التوجه أو السير نحو شيء ما أو مكان ما. وبالفعل فالناس في هذه الحياة الدنيا عابرون ومسافرون، وليسوا باقين وخالدين. فالموت هي الغاية التي يسعى نحوها الجميع، يستوي في ذلك الغني والفقير، الحاكم والمحكوم، المقيم أو المتسكع. ولذلك كان السيمو يساوي بين الناس على هذا المستوى، ويشعرهم بفنائهم وانصرامهم، وينصحهم بعدم الاطمئنان والارتكان إلى ما لديهم من ممتلكات وما يرفلون فيه من خيرات ومتع، ماداموا سيتركون كل ذلك ويرحلون ذات يوم.
وإذا كانت الحكمة تأخذ من أفواه المعتوهين والمجانين، فإن عبارة "السيمو" التي لم يكن يمل من تردادها كانت بمثابة حكمة تؤرق مضجع الناس، وتشعرهم بهشاشتهم وتفانيهم، وتلقي بهم في دوامات الحيرة وتأنيب الضمير. فصحيح أننا جميعا، على حد تعبير السيمو، نسعى في هذه الدنيا، ولهذا علينا أن نأخذ بوصية النبي المصطفى: «كن في الدنيا كأنك غريب، أو عابر سبيل.» (حديث نبوي)
3- أمراض في العلاقات الإنسانية: "التوكال"، العنصرية، الغدر.
كان "السيمو" الشاب المتسكع يعيش في عالم الصمت المطبق، إلا من عبارته التي يرددها من حين لآخر "كلنا نسعى في هذه الدنيا". وقد كان أمره محيرا، ويثير العديد من التأويلات لدى الناس وهم يبحثون عن الأسباب التي أدت به إلى هذه الحالة. وقد ذكر السارد ثلاثة حكايات رئيسية نسجت حول قصة "السيمو"؛ الأولى هي أنه سحر ب"التوكال" من طرف امرأة كانت تحبه ولم يبادلها نفس الحب، والثانية أنه أقصي بشكل عنصري من طرف مدرب إحدى فرق كرة القدم رغم أنه كان موهوبا فيها، والثالثة هي أن أخاه غدر به وسيطر على كل ماله، فأصيب بالاكتآب من جراء ذلك.
انطلاقا من هذه الحكايات الثلاث التي تروج حول قصة المتسكع "السيمو"، رصد لنا القاص عبد الجليل الشافعي ثلاثة أمراض اجتماعية تتجسد في السلوكات البشرية وهي: السحر والعنصرية والغدر. فالسحر يسود أكثر في أوساط النساء، ويستخدم أكثر للإيقاع بالرجال، وهو يرتبط بظاهرة الشعودة وسيادة الجهل والخرافة والأمية في أوساط شرائح واسعة من المجتمع المغربي. أما العنصرية فترتبط بالحقد والكراهية وإقصاء الآخر وعدم الاعتراف بمواهبه وقدراته، مما ينعكس سلبا على الشخص الموهوب، فيؤدي إلى إقبار موهبته، ويمنعه من التألق ومعانقة أحلامه وطموحاته، كما ينعكس سلبا أيضا على المجتمع، فيحرمه من عطاءات الشخص الموهوب ويحول بينه وبين التنمية والازدهار المنشودين. وبخصوص الغدر، يمكن القول أنه آفة خلقية ناتجة بشكل خاص عن الحقد والحسد أو الجشع والطمع، وهي أمراض نفسية تعمي البصيرة وتدفع بصاحبها إلى الإيقاع بالغير وإلحاق الأذى به.
4- مفارقة الصامت الثرثار:
لقد مات "السيمو" فجأة ورحل في صمت، مثلما عاش في صمت أيضا. ولم يترك مالا ولا ولدا ولا أي شيء، سوى عبارته التي كان لا يمل من تردادها في وجه كل من يخاطبه؛ "كلنا نسعى في هذه الدنيا". لقد كانت هذه العبارة هي التركة التي خلفها، أو هي الرأسال الرمزي الذي كان يملكه، وخلفه في ذاكرة الناس الذين تعرفوا عليه وعايشوه.
لكن المفارقة هنا تكمن في أن صمت السيمو كان ثرثارا ومدويا؛ فقد كانت حالته الصامتة وهو يهيم في الطرقات تبعث برسائل كثيرة، يتلقاها الناس وتؤثر في عقولهم ونفوسهم. لقد أشفقوا لحاله، واستغربوا لسلوكاته، وطرحوا حول وضعه أسئلة عديدة، ونسجوا حول قصته حكايات متضاربة ومتناقضة. لقد كان صمت السيمو إذن مدويا ومزعجا، يذكر النفوس بأمراضها وعاهاتها، ويزرع القلق في الضمائر الحية التي تشفق عليه وترثي لحاله. ويكفي صمت هذا المتسكع ثرثرة وعمقا أنه كان يزعج الناس ويذكرهم، من خلال العبارة اليتيمة التي كان يرددها،"كلنا نسعى في هذه الدنيا"، بأنهم ضعفاء ومحتاجون إلى بعضهم البعض، ومحتاجون إلى الله، وأنهم عابرون وراحلون، مثلما كان هو عابر سبيل، ثم رحل دون سابق إنذار.


الثلاثاء، 28 يناير 2020

صدور كتاب حقوق الإنسان في الدرس الفلسفي

صدر عن دار القرويين للنشر والتوزيع بمدينة القنيطرة المغربية، مع مطلع سنة 2020م، كتابنا "حقوق الإنسان في الدرس الفلسفي".
إليكم غلاف الكتاب ومقدمته؛

غلاف الكتاب  


  
مقدمة الكتاب




                  مقدمة                 

يحاول هذا الكتاب أن يتناول موضوع حقوق الإنسان، والقيم المرتبطة بها، من زاوية الممارسة التدريسية المتعلقة بدرس الفلسفة في التعليم الثانوي التأهيلي. وذلك باعتبار أن ترسيخ هذه القيم الحقوقية في وعي المتعلم، ودفعه إلى ممارستها مدرسيا ومجتمعيا، هي من الغايات الأساسية التي يسعى درس الفلسفة إلى تحقيقها ضمن كفاياته المسطرة في المنهاج الدراسي.
 وهذا ما جعلنا نبحث في هذا المنهاج عن جملة من الحقوق والقيم التي يراد من الدرس الفلسفي أن يجسدها ويحققها ضمن أنشطته التعليمية والتعلمية، وذلك في أفق تكوين ذلك المتعلم/المواطن المتشبع بقيم الحرية والمساواة والاعتزاز بالذات والتسامح والاستقلال في التفكير واحترام الرأي الآخر...
وإذا كان المنهاج الدراسي الخاص بمادة الفلسفة في التعليم الثانوي التأهيلي قد احتوى على جملة من الحقوق والقيم المرتبطة بها، فإن هذا قد جعلنا نبحث في البرنامج الدراسي عن نصوص فلسفية تؤصل لحقوق الإنسان وتضع الأسس التي ترتكز عليها. وهو الأمر الذي عثرنا عليه في نصوص لفلاسفة أمثال هوبز وروسو واسبينوزا وهانز كيلسن، فحاولنا استقراءها والكشف عن المنطلقات التي ارتكزت عليها من أجل إعطاء تبريرات توضح من خلالها تمتع الإنسان بهذه الحقوق أو تلك.
وإذا كان الاختلاف في التصورات والمقاربات هو من السمات الأساسية التي تميز التفكير الفلسفي، فقد كان من الطبيعي أن يختلف هؤلاء الفلاسفة، وغيرهم ممن لم يتم ذكرهم في هذا الكتاب، حول المصادر والمنابع والمرجعيات التي تعود إليها حقوق الإنسان وتنبثق عنها، وما إذا كانت هذه المصادر طبيعية أم ثقافية، مطلقة أن نسبية؟؟ وعلى العموم، فقد لاحظنا أن هناك حقوقا أساسية، كالحرية والملكية والأمن مثلا، لا يمكن أن يكون حولها اختلاف مبدئي بين الفلاسفة مهما تعددت مشاربهم الفكرية، ولكن الاختلاف بينهم يكون حاصلا حول الأصول التي تعود إليها تلك الحقوق من جهة، وحول كيفية تجسيدها على أرض الواقع ضمن البيئات والسياقات الاجتماعية والثقافية المختلفة والمتنوعة من جهة أخرى.
وقد أوضحنا من خلال استقرائنا لبعض محتويات ومضامين المقررات الدراسية الفلسفية، أن هناك حضورا لمظاهر وتجليات كثيرة لحقوق الإنسان وللقيم المرتبطة بها أو الموازية لها، خصوصا إذا علمنا أن التربية على هذه الحقوق والقيم هي تربية محايثة للأنشطة التدريسية لمادة الفلسفة. وهكذا، فقد تتبعنا هذه التجليات الحقوقية والقيمية في البرامج الدراسية الخاصة بمستويات الجذع المشترك والأولى والثانية بكالوريا، فوجدنا أنه في كثير من جوانبها تسعى إلى جعل المتعلمين يناقشون ويتدارسون نماذج من تلك القيم الحقوقية، مما من شأنه أن يجعلهم يمتلكون وعيا نظريا بها، ويؤهلهم لممارستها على مستوى السلوك العملي والواقعي.
وإذا كانت التربية على حقوق الإنسان ليست مادة دراسية قائمة بذاتها، وإنما هي مندمجة ومحايثة لجميع المواد الدراسية المقررة في المؤسسات التعليمية، فقد سعينا لتبيان كيف أن الدرس الفلسفي مؤهل أكثر من غيره من الدروس المتعلقة بالمواد الدراسية الأخرى لكي ينافح عن حقوق الإنسان ويتدارسها، ويسعى إلى ترسيخها بشكل عملي لدى المتعلمين. وذلك لعدة اعتبارات تتعلق بطبيعة التفكير الفلسفي وتميزه عن باقي أنواع التفكير الأخرى، دون أن ننكر بعض التقاطعات الحاصلة بين أنواع التفكير هاته كالتفكير الديني والعلمي والفلسفي وما إلى ذلك. ومن أهم ما يتميز به التفكير الفلسفي أنه تفكير يعلي من شأن العقل ويدافع عن كرامة الإنسان، ويجعل العقل والكرامة هما أساس كل الحقوق التي يتعين أن يتمتع بها الإنسان حيثما حل وارتحل، مما يعني التأسيس لحقوق منفتحة وكونية وذات نزعة إنسانية، وترسخ قيم الحوار والمساواة وحرية التفكير والاعتقاد والتعايش السلمي بين الشعوب.
كما أن ما يميز درس الفلسفة هو أنه درس يتخذ حقوق الإنسان موضوع استشكال وتساؤل وتفلسف، فيجعل المتعلمين يناقشونها ويطلعون على آراء الفلاسفة حولها، سواء عن طريق التأصيل لها أو نقدها أو مناقشة القيم المرتبطة بها، أو إثارة الصعوبات التي تطرح على مستوى تطبيقها على أرض الواقع، أو الوقوف عند العلاقات المتشابكة الموجودة بينها وبين قضايا ومواضيع كثيرة ومتنوعة يهتم بها الدرس الفلسفي. هذا فضلا عن أهمية مبحث القيم في مجال التفكير الفلسفي، إذ يعتبر من بين المباحث الأساسية في الفلسفة، ونجد له حضورا قويا في البرنامج الدراسي لمادة الفلسفة. 
وإذا كان درس الفلسفة يستشكل القيم الحقوقية ويتخذها موضوع دراسة ونقد وتحليل، فإن الغاية القصوى من ذلك هي السعي إلى غرسها لدى الناشئة وتمريرها من خلالهم إلى السلوكات السائدة في الوسط الاجتماعي، بمختلف مظاهرها وتجلياتها الفردية والجماعية، الثقافية والسياسية، الأسرية والجمعوية والمؤسساتية. ولهذا السبب، وجب على مدرس الفلسفة أن يكون أول من يتحلى بتلك القيم ويجسدها على مستوى سلوكه داخل الفصل الدراسي، من خلال العلاقات المختلفة التي ينسجها مع التلاميذ، سواء تم ذلك من خلال العلاقات الأخلاقية والإنسانية والروحية أو من خلال الأنشطة التعليمية والتعلمية التي يعج بها الفصل الدراسي الفلسفي، والأنشطة المدرسية الموازية له.
وحيث أن الفلسفة تدافع عن حقوق الإنسان وتهتم بها، عن طريق التأصيل لها ودراستها ونقدها واستشكالها، فقد بدا لنا أن الدفاع عن هذه الحقوق هو دفاع عن الفلسفة نفسها، كتفكير عقلي ونقدي وحر ومنفتح ذي طابع قيمي وإنساني، يستحيل التمتع بتلك الحقوق في غيابه. ومن هنا تغدو الفلسفة نفسها حقا من حقوق الإنسان؛ إذ الحق في الفلسفة يعني الحق في التفكير العقلي الحر والمستقل، إنه الحق في الاعتقاد والإيمان بالتعدد والتعايش الآمن والسلمي، والاعتراف بالكرامة المتأصلة في الإنسان والتي هي أساس تمتعه بجميع الحقوق، في إطار الاحترام والمساواة القائمة بينه وبين الآخرين.
وهكذا، فالعلاقة بين الفلسفة وحقوق الإنسان هي علاقة محايثة وتماهي، بحيث أن القيم الحقوق هي جزء لا يتجزأ من ماهية الفلسفة نفسها، كما أنه لا يمكن أن تقوم لحقوق الإنسان قائمة على أرض الواقع بدون وجود فكر فلسفي ينظر لها ويدافع عنها، معرفيا وقانونيا ومؤسساتيا. ولهذا، فانتعاش التفكير الفلسفي النقدي والحر في أمة من الأمم، يوازيه تلقائيا انتعاش مماثل على مستوى تجلي القيم الحقوقية في البيئة الاجتماعية والسياسية، وبالعكس فإن جمود ذلك التفكير أو اختفائه في تلك الأمة، يعني مبدئيا تراجع قيم حقوق الإنسان وتعرضها للمساس والقهر والاغتصاب.
وإذا كان ذلك كذلك، وجب إشاعة روح التفلسف في المجتمع، عن طريق ترسيخ حق الناشئة في تعلم أدوات التفلسف وممارستها على نطاق واسع، لأن في ممارستها لتلك الأدوات ستضمن لنفسها التمتع بالقدرة على ممارسة تلك الحقوق عمليا، والدفاع عنها ضد كل أشكال الظلم والطغيان والقهر التي قد تصدر عن جهات مناوئة لحقوق الإنسان ومعادية لها، لأسباب عرقية أو دينية أو سياسية أو إيديولوجية.
وإذا كنا قد أوضحنا في هذا الكتاب، ومن زوايا متعددة، أن الفلسفة تؤصل لحقوق الإنسان وتدافع عنها، وأن الدرس الفلسفي يجعل من ضمن كفاياته المتوخاة ترسيخ تربية حقوقية لدى المتعلمين، فإننا واعون كل الوعي بأنه توجد عوائق وصعوبات وإشكالات عويصة تطرح حول العديد من القضايا المتعلقة بحقوق الإنسان في مجتمعاتنا العربية الإسلامية، وذلك بفعل عدة أسباب دينية وطائفية وعرقية وسياسية. وهو الأمر الذي يعرقل سعي الدرس الفلسفي إلى تحقيق التربية القيمية والحقوقية المنشودة، وبالكيفية الصحيحة والسليمة التي نطمح إليها. ولهذا السبب، وفضلا عن بعض الإشارات الموجودة في محتوى الكتاب، فقد قمنا بتخصيص خاتمته للحديث عن أهم تلك الصعوبات والعوائق، والتي يتداخل فيها ما هو تربوي وبيداغوجي وديداكتيكي بما هو مجتمعي وديني وسياسي 
وإيديولوجي.  

محمد الشبة
يوليوز/تموز 2017م


الأربعاء، 8 يناير 2020

مسابقة فلسفية وعروض تلاميذية


مسابقة ثقافية لتلاميذ الجذوع المشتركة




نظم نادي أصدقاء الحكمة بالثانوية التأهيلية الأمير مولاي رشيد بمشرع بلقصيري، مديرية سيدي قاسم، يوم 8 يناير 2020، نشاطا تربويا وتثقيفيا قدم خلاله تلاميذ الجذوع المشتركة عروضا حول لحظات من تاريخ الفلسفة. وذلك على شكل مسابقة ثقافية فلسفية، أظهر خلالها هؤلاء التلاميذ عن قدرات طيبة في الفهم والإلقاء والحوار والتواصل.   

وقد أسفرت هذه المسابقة عن النتائج التالية: 
  
- جائزة الأداء الفردي؛ أمينة الهبشي من قسم جذع مشترك علمي 5 
جائزة الأداء الجماعي؛ قسم جذع مشترك علمي 5 -
- جائزة التميز؛ مريم عزيزي من قسم جذع مشترك أدبي 8
وستقدم جوائز تحفيزية وشواهد تقديرية للفائزين في لقاء ثقافي لاحق سينظمه نادي أصدقاء الحكمة في القريب العاجل بحول الله.


   دمتم أصدقاء للحكمة