الاثنين، 31 أكتوبر 2016

تحليل النص الفلسفي داخل الفصل الدراسي



تحليل النص الفلسفي
 داخل الفصل

بقلم: محمد الشبة



 1- إمكانية استخدام الجدول من أجل تحليل متكامل للنص:

نظرا للتداخل الموجود داخل النص الفلسفي بين المفاهيم والحجج والأفكار، فإنني أصبحت مقتنعا بأن استخراج الجوانب المكونة للنص (المفاهيم والأفكار والحجج) لا يمكنه أن يكون إلا دفعة واحدة، حتى نجعل التلاميذ يعيشون مع الفيلسوف المنعرجات والصعوبات التي واجهها وهو يخوض مغامرة التفلسف، لكي يكتشفوا منطق التفلسف بأنفسهم بكل ما يمكن أن يتسم به من عناء ومتعة.

ولهذا وجدت أنه من المناسب استخدام جدول من ثلاث خانات؛ واحدة للبنية المفاهيمية، والثانية للمضامين والوحدات الأساسية، والثالثة للأساليب الحجاجية ووظائفها في النص. ذلك أن مثل هذا الجدول هو ما يجعلنا، ونحن نقرأ النص، نسجل في نفس الوقت شرحا لمفهوم أو لعلاقة بين مفهومين أو أكثر في الخانة المخصصة لذلك، وفي نفس الوقت نسجل ما انتهينا إليه من دلالات أو أفكار أثناء هذا الاشتغال على المفاهيم في الخانة الأخرى، وإذا ما عثرنا على أسلوب حجاجي نسجله في الخانة الثالثة، ونحدد وظيفته حسب سياق النص؛ أي أننا إذا ما وجدنا أسلوب تشبيه مثلا، فإننا نبحث عن المشبه والمشبه به وطبيعة العلاقة بينهما، والغرض من هذا التشبيه..الخ.
وحينما ننتهي من كل هذا، نغلق الجدول ونسجل في أسفله أطروحة النص كنتيجة نهائية.
ومن خلال تجربتي مع التلاميذ، فإنني قد اكتشفت بأنه بعد الاشتغال على النص من خلال الجدول يسهل عليهم التعبير عن أطروح النص، وكأنها تأتي كتحصيل حاصل لما اكتشفناه في النص من قبل، أو تأتي أحيانا كتجميع لعناصر التحليل السالفة.
وبطبيعة الحال، بعد اكتشاف أطروحة النص يسهل تحديد إشكاله الرئيسي؛ لأن هذا الأخير لا يعدو أن يكون جملة تساؤلات مترابطة ومتداخلة تستخرج من عناصر الأطروحة، وتكون هذه الأخيرة إجابة عنها.
والخطوة الأخيرة التي نقوم بها بعد كل هذا هو أننا نعمل على أخذ مسافة نقدية من النص، وذلك بالعمل على مناقشته من خلال مستويين؛ مستوى التثمين فندعم بعض أفكاره، ومستوى النقد فنقدم اعتراضاتنا على بعضها الآخر.

 2- في الترتيب الخاص بخطوات تحليل النص داخل الفصل:

وتجدر الإشارة إلى أن تحليل النص أثناء إنجاز الدرس يكون تحليلا وظيفيا؛ أي أننا نحلله من أجل الإجابة عن إشكال المحور الذي يندرج داخله ذلك النص.
لكن ذلك لا يمنع من أن النص يحتوي في حد ذاته على إشكاله الخاص. وهذا الإشكال لا يمكن التوصل إليه مع التلاميذ منذ البداية وبمجرد قراءة النص، لأن ذلك سيكون ضربا من التخمين أو المجازفة، بل لا بد من البدء إما بالاشتغال على مفاهيم النص أو حجاجه، أو الاشتغال عليهما معا، وهو ما سيمكن تلقائيا من استخراج أفكار النص الأساسية، وبعدها يسهل تحديد أطروحة النص ثم إشكاله، باعتبار أن الإشكال يكون متضمنا في الأطروحة إذ تعتبر هذه الأخيرة إجابة عن الأسئلة المكونة للإشكال.
وهكذا يبدو أن الإشكال هو آخر ما نستخرجه، بعد أن نحدد أطروحة النص. لكن مع ذلك يمكن في بعض الأحيان أن نشتغل على المفاهيم، وانطلاقا من هذا الاشتغال نحدد إشكال النص ثم أطروحته، أو يمكن في حالات أخرى أن نشتغل على الحجج ومنها نستخرج الإشكال ثم الأطروحة.
كما يمكن في بعض النصوص أن نقتصر على المفاهيم دون الحجج، أو الحجج دون المفاهيم، أما الأطروحة والإشكال فلا بد منهما، وهما يأتيان بعد الاشتغال على المفاهيم أو الحجج وليس قبل ذلك.
ولا ننسى أن نعمل على تعويد التلاميذ على مناقشة أفكار النص وحجج وأطروحته بشكل شخصي، وانطلاقا من معارفهم الذاتية وتجاربهم المعيشية، حتى نغرس لدى التلميذ التجرأ على استخدام عقله، والاعتزاز بأفكاره، واكتساب القدرة على المحاججة وممارسة التفكير الذاتي، وربط الفلسفة بالحياة، وتجسيد كل ذلك أثناء الكتابة الإنشائية الفلسفية التي لا تكتسب جودتها إلا بتوفرها على تلك الخصائص، ونحن نعلم أن الإنشاء الفلسفي هو بيت القصيد بالنسبة لتلميذ البكالوريا.

3- هل نبدأ باستخراج الإشكال والأطروحة منذ بداية تحليل النص؟؟

يمكن تقديم الإشكال عن الأطروحة أو القيام بالعكس، وذلك بحسب الاستراتيجية المعتمدة من قبل جماعة الفصل في التعامل مع النص وتحليله، خصوصا وأن الإشكال والأطروحة هما وجهان لعملة واحدة؛ ذلك أن الأطروحة هي جملة خبرية أو تقريرية إذا ما أضفنا إليها أدوات استفهام معينة أضحت إشكالا، كما تعتبر أطروحة النص إحدى الإجابات الممكنة عن التساؤلات المكونة للإشكال المتضمن فيه. فإذا ما وجدنا مثلا أن أطروحة النص هي "الوعي المرافق دوما لأفعال الشخص هو ما يمنحه إحساسا بهويته"، فإن إشكاله يمكن أن يتكون من الأسئلة التالية: ما الذي يمنح للشخص الإحساس الدائم بهويته؟ ما الذي يحدد هوية الشخص؟ أو بأي معنى يمكن القول بأن الوعي المرافق دوما لأفعال الشخص هو ما يمنحه إحساسا بهويته؟ وهكذا فقد اكتفينا بإضافة علامات استفهام لكي نحول الأطروحة إلى إشكال، مما يؤشر على الارتباط القوي بينهما. وبالعكس فإذا ما كشفنا عن الإشكال قبل الإطروحة، فإنه يتعين علينا البحث داخل النص عن الجواب الذي يقدمه صاحبه عن الأسئلة المكونة للإشكال.

وإذا اتفقنا على أنه لا توجد أية مشكلة فيما يخص تسبيق الإشكال عن الأطروحة أو العكس، فإن ما ينبغي التشديد عليه هنا هو أن الكشف عن الإشكال أو الأطروحة لا يكون إلا من خلال الاشتغال المسبق على مفاهيم النص أو حجاجه، لأن الإشكال والأطروحة في حد ذاتهما يرتبطان ضرورة بمفهوم ما أو بالعلاقة الكامنة بين مفهومين أو أكثر، والكشف عن دلالات المفاهيم والعلاقات الموجودة بينها هو ما من شأنه أن يسمح لنا بتحديد أطروحة النص وطرح إشكاله على نحو دقيق. وهكذا يبدو أن المسار المعقول الذي يتعين أن يسلكه التحليل هو المرور عبر مفاهيم النص وأفكاره للوصول بعد ذلك إلى أطروحته وإشكاله.
كما يمكن بطبيعة الحال، إذا ما كان النص حجاجيا، أن نقاربه من خلال الاشتغال على أساليبه الحجاجية، مما سيمكننا من الوقوف على أفكاره الأساسية، وبعد ذلك مباشرة يمكن تحديد إشكاله وأطروحته. أما تحديد هذين الأخيرين منذ البدء، وبدون الاشتغال على المفاهيم والحجج أو على أحدهما، فهو لعمري ضرب من الرجم بالغيب، أو هو من قبيل الحدس الذي قد يقوم به كبار المتمرسين بقراءة النصوص الفلسفية وتحليلها، لكنه لا يستقيم مع متعلمين مبتدئين لا يكادون يقوون على فك طلاسيم النصوص والكشف عن رموزها وألفاظها المشفرة.

4-  الكشف عن الأطروحة يتم على نحو استقرائي:

أثناء قراءتنا لجمل النص، أطالب التلاميذ باكتشاف الدلالات والمعاني الكامنة فيها، ويتم ذلك طبعا عن طريق الوقوف عند المفاهيم الأساسية المكونة لتلك الجمل؛ إذ أن إنتاج الدلالة الفلسفية لا يكون بدون ربط الفيلسوف بين جملة من المفاهيم. هكذا نحاول تحديد معنى المفاهيم حسب سياقها داخل النص، كما نقوم -وهذا هو المهم- بتحديد العلاقات الكامنة بينها، لأن هذه العلاقات هي التي تجعلنا نكتشف أفكار النص.
وحينما نتدرج في اكتشاف الجمل المكونة للنص، نكتشف أن بعض المفاهيم تتكرر، وأن تكرارها يولد معاني وأفكار متشابهة أو متداخلة أو متلازمة. وهذا التشابه والتلازم هو ما يمنح لأفكار النص نوعا من الوحدة؛ أي أنها تدور في فلك واحد، أو تسعى لإثبات نفس الشيء، أو تنتظم ضمن فكرة محورية واحدة. وهذه الفكرة هي ما نكتشفه ونعلنه كأطروحة هي بمثابة "مخ" للنص.

من هنا يتبين أن عملية البحث داخل النص، واكتشاف مفاهيمه وحججه، لا تكون مسبوقة بأطروحة نحن على علم بها ونبحث في النص على المفاهيم التي تؤسسها وترتكز عليها؛ لأن معرفة مثل هذه الأطروحة غير ممكن منذ الوهلة الأولى وقبل خوض مغامرة الكشف عن مجاهيل النص، فيبقى الحل الثاني وهو قراءة النص والعمل على الحفر في جزئياته، والتنقيب عما يوجد فيه من مفاهيم وأفكار وحجج.. وهذا النوع من العمل الاستكشافي هو ما يجعلنا نصل، وعلى نحو استقرائي، إلى أطروحته أو الموقف الفلسفي الأساسي الذي يسعى الفيلسوف إلى إقناعنا كقراء به.

عوامل نشأة الفلسفة





عوامل نشأة الفلسفة

                                                     بقلم:محمد الشبة


                                                                                     




لقد كان ظهور الفلسفة في بلاد اليونان إعلانا عن إحداث قطيعة في التفكير لدى الإغريق، حيث تم الإنتقال من الخطاب الشفوي الأسطوري إلى الخطاب الفلسفي المكتوب الذي يعتمد على الاستدلال العقلي وإنتاج الأفكار والمفاهيم العقلية المجردة. وقد كان للعامل السياسي دور كبير في بزوغ هذا الفكر الجديد حيث ظهرت الفلسفة في مناخ ديمقراطي عرفته المدينة الدولة، حيث سادت حرية التعبير وأصبحت كل القضايا مطروحة للنقاش الحر والعلني.
ويعتبر طاليس وأنكسمانس وأنكسمندر أقطاب المدرسة الأيونية التي ظهرت في مدينة ملطية في القرن 6 ق.م. وقد كانوا علماء يهتمون أساسا بالرياضيات والعلوم الطبيعية.غير أن هذا لم يمنع الكثير من الباحثين من نعتهم  بالفلاسفة الطبيعيين نظرا لاهتمامهم بالطبيعة وأصل الكون. وقد شكلت أبحاثهم قطيعة مع الفكر الأسطوري الذي كان سائدا من قبل في بلاد اليونان، مما يجعلهم يمثلون الإرهاصات الأولى للفكر الفلسفي في الحضارة الإغريقية. وسميت المدرسة الأيونية بهذا الاسم نسبة إلى إقليم أيونية الواقع على شاطئ آسيا الصغرى. وتم تكوينها وتأسيسها في مدينة ملطية خلال القرنين 7و6 ق.م. وقد سمي فلاسفتها بالطبيعيين لبحثهم في أصل الطبيعة والوجود.
  وقد ساهمت عدة عوامل في ظهور الفلسفة : منها استفادتهم من ثقافات وعلوم الحضارات الشرقية القديمة كالفرعونية والبابلية. كما ارتبط ظهور الفلسفة بظهور نظام الدولة المدينة كنظام سياسي ديمقراطي عرف جدلا وحوارا وحرية في التعبير، واستخداما للأساليب الحجاجية والبرهانية.
وتقع بلاد اليونان في القارة الأوروبية. وتحدها من الشرق آسيا الصغرى، ومن الغرب إيطاليا. أما في الشمال فنجد مقدونيا، في حين تقع جزيرة كريت في الجنوب.
وواضح أن موقع اليونان الاستراتيجي ساهم في تحضرها وازدهار مدنها؛  فآسيا الصغرى التي توجد شرق اليونان كانت، في الفترة السابقة للفيلسوف اليوناني الكبير أفلاطون، تعرف رواجا تجاريا وصناعيا، وكذلك ازدهارا فكريا و ثقافيا. كما كانت جزيرة كريت التي تتواجد في البحر الأبيض المتوسط جنوب بلاد اليونان تعرف هي الأخرى تحضرا وتمدنا في الألف سنة الثانية قبل المسيح. وهذا الازدهار الحضاري الذي عرفته بلاد اليونان سواء في الشرق أو الجنوب، فضلا عن استعمار أجزاء منها من طرف صقلية وإسبانيا، سيساهم بشكل كبير في تحضر المدن اليونانية نظرا لما عرفته من رواج اقتصادي وازدهار ثقافي.
وقد كانت المدن اليونانية منعزلة عن بعضها البعض بفعل العوامل الطبيعية من تضاريس وبحار، وهو أمر جعل كل مدينة عبارة عن دويلة صغيرة تعيش اكتفاءا ذاتيا، سواء من الناحية الاقتصادية بفعل الأرض الزراعية الخصبة أو من الناحية السياسية والثقافية، إذ عرفت هذه المدن نظما في الحكم وأسلوبا في العيش وأشكالا ثقافية تميزها عن باقي المدن في الولايات الأخرى.
ومن أهم تلك المدن "أثينا" التي تحتل موقعا متميزا في بلاد اليونان، إذ كانت البوابة التي تطل على مدن آسيا الصغرى وعلى حضارة الشرق القديم. وهذا الموقع جعلها تستفيد من علوم الحضارات الشرقية العريقة وثقافاتها وخيراتها الاقتصادية، خصوصا إذا علمنا أن أثينا كانت تتوفر على أسطول بحري كبير حولته فيما بعد إلى أسطول تجاري، سيجعلها في تلاقي ثقافي وتجاري دائم مع الشعوب المجاورة.
ومن بين العوامل التي ساعدت على ظهور التفكير الفلسفي في بلاد اليونان  يمكن الإشارة إلى ما يلي:
- إشاعة السلطة السياسية بين الناس: إذ لم تعد حكرا على بعض العائلات، بل أصبح الجميع يساهم في اتخاذ القرارات السياسية  التي يتوصل إليها عن طريق قواعد الإشهار والدعاية السياسية والحوار الصريح والنقاش الحر الذي يتأسس على تبادل الحجج ووسائل الإقناع المختلفة.
- إشاعة الثقافة بين الجميع؛ وذلك بفضل انتشار الكتابة الأبجدية التي أتاحت للناس تعلم القراءة والكتابة، والمشاركة في المنتديات الثقافية واللقاءات الأدبية والأنشطة الفنية والمسرحية، التي كانت تعرض في الساحة العمومية أو "الأغورا" أمام أعين الناس.
وهكذا فإن انتشار حرية الرأي وإشاعة ثقافة الحوار ساهم في تطور فكر يتأسس على قواعد الحجاج والاستدلال والبرهان والنقد وحوار المناظرة.... وهي من أهم الخصائص التي يرتكز عليها التفكير الفلسفي.
وعلى العموم يمكن اختصار عوامل نشأة الفلسفة عند اليونان في ما يلي:
- عوامل اقتصادية: عرف المجتمع الإغريقي خلال القرن 7 ق.م تطورا اقتصاديا هاما، تمثل في التحول إلى النشاط التجاري والصناعي بدل الاعتماد على النشاط الرعوي والفلاحي. وقد رافق هذا ظهور العملة النقدية. ومعلوم أن التعامل بالنقود يساعد على تطور الفكر التجريدي بالقياس إلى المقايضة التي ترتكز على ما هو حسي.
- عوامل سياسية : وتتمثل أساسا في الانتقال من حكم النبلاء، أي الأوليغارشية « oligarchia » أو حكم الأقلية، إلى الحكم الديمقراطي الذي تجسد في نظام الدولة المدينة التي عرفت مناخا سياسيا وفكريا سادت فيه حرية التعبير والجدل والحوار، الذي كان يتم أساسا في الساحة العمومية –agora – التي توجد في قلب المدينة – الدولة.
- عوامل ثقافية: تمثلت في ازدهار العلوم الدقيقة كالرياضيات وعلم الفلك، لاسيما أن الفلاسفة الأوائل كانوا علماء أمثال طاليس وفيتاغورس. كما نسجل هنا انتقال الفكر اليوناني من الميثوس mythos إلى اللوغوس logos؛ أي من التفكير القائم على الأسطورة إلى التفكير القائم على العقل. فضلا عن انتشار الكتابة الأبجدية، وإشاعة الثقافة بين عموم الناس؛ وهي كلها عوامل ساعدت على نمو فكر فلسفي قائم على الاستقلال والبرهنة والنقد.


هوية فر أم هوية جماعة ؟؟




تجربة فصلية في تدريس الفلسفة
هوية الشخص

التلميذة تسأل : الفكر والوعي والذاكرة هي خصائص تنطبق على الفرد كما تنطبق على الجماعة، فهل الأمر يتعلق هنا (في محور الشخص والهوية) بهوية فرد أم جماعة؟؟


بقلم: محمد الشبة



ونحن بصدد محاولة صياغة الإشكال المتعلق بمحور الشخص والهوية، سألتني تلميذة قائلة:
هل سنبحث عن الهوية المتعلقة بالفرد الواحد أم بهوية الجماعة التي ينتمي إليها ذلك الفرد أو الشخص؟
مما يعني أن سؤالها يتعلق بما يلي:
هل سنعالج في هذا المحور هوية الشخص كفرد واحد أي الهوية الفردية، أم أن الأمر يتعلق أيضا بهوية جماعة معينة، سواء كانت هذه الجماعة سياسية أو وطنية أو عرقية أو دينية ؟؟
وقد أجبتها، أثناء لحظة إنجاز الدرس، باختصار بما يلي:
- يبدو أن الهوية تتعلق بالشخص كفرد وليس بالهوية الشخصية الجماعية؛ ذلك أن مفهوم الشخص يطلق على الإنسان بغض النظر عن انتماءاته المختلفة؛ الوطنية والعرقية والدينية وغيرها. ولذلك فالأمر يتعلق بهوية الفرد الواحد وبالتساؤل ما الذي يجعله يحس بهويته كشخص. وبالرجوع إلى تعريف مفهوم الهوية عند جون لوك –باعتباره صاحب نص مؤسس في هذا الإطار- نجده يربطها بالشخص الواحد ويعتبرها ما يجعل ذلك الشخص مطابقا لذاته ويحس أنه نفسه في أزمنة وأمكنة مختلفة، ويرى أن الوعي المصاحب دوما لإدراكات وأفعال الشخص هو ما يمنحه هويته. كما أحلت التلميذة إلى تعريف للهوية أخذناه من معجم جمل صليبا جاء فيه ما يلي: "تطلق الهوية على الشخص إذا ظل هذا الشخص ذاتا واحدة رغم التغيرات التي تطرأ عليه في مختلف أوقات وجوده"، وبينت لها انطلاقا من هذا التعريف أن الهوية تتعلق هنا بالشخص الواحد، وهي تعني ما يمنح للشخص وحدته وثباته رغم ما يطاله من تغير. ولذلك فإشكال الهوية يتعلق بخاصية أو خصائص تظل ثابتة لدى الشخص وتجعله يحس أنه نفسه بالرغم مما يطرأ عليه من تغير في الزمان والمكان. وقد جعل بعض الفلاسفة هذه الخاصية في الفكر وجعلها بعضهم الآخر في الوعي أو الذاكرة أو الإرادة أو المزاج أو غير ذلك.
 وحينما حددنا مع ديكارت الهوية في الفكر وحددناها مع جون لوك في الوعي والذاكرة، تساءلت نفس التلميذة قائلة: إن مفاهيم الفكر والوعي والذاكرة لا تتعلق فقط بالشخص الواحد بل هي مفاهيم عامة تتعلق بالجماعات المختلفة أيضا، ولذلك فالهوية تتعلق أيضا بالجماعة ؟؟
فوضحت لها قائلا:
حينما نتحدث عن الفكر فإننا نكون أمام مفهوم عام ومجرد يشمل الناس جميعا، وبالتالي فهو لا يختص بجماعة بشرية دون أخرى. ولذلك فهو يطلق على كل شخص أو فرد مهما كانت انتماءاته الدينية أو الوطنية أو العرقية أو غيرها؛ فالأنا عند ديكارت أو الشخص عند جن لوك ليس هو الأنا الفرنسي أو الإنجليزي أو الكاثوليكي أو البروتستانتي... بل هو الأنا أو الشخص كإنسان له أفكار ومشاعر أي كذات واعية وعاقلة دون النظر إلى الانتماءات الضيقة والجزئية. ولهذا فالهوية تتعلق بكل إنسان فرد له خصائص تسمح له بالإحساس بهويته كشخص، وتجعله يدرك أنه نفس الشخص مهما طرأت عليه من تغيرات.
ونفس الشيء يمكن قوله بالنسبة للوعي أو الذاكرة أو المزاج مثلا كعناصر يمكنها أن تحدد هوية الشخص؛ فالأمر لا يتعلق هنا بذاكرة جماعة دينية أو ذاكرة وطن...الخ، بل ذاكرة شخص فرد بغض النظر عن محتوى تلك الذاكرة؛ فالمهم بالنسبة لجون لوك هو أن امتلاك الفرد لذاكرة ما، أي قدرته على استحضار أحداث الماضي في الوعي، هو ما يمنحه هويته الشخصية. وكذلك الأمر بالنسبة للمزاج؛ فهو يتعلق بمزاج فرد وليس بمزاج الجماعة، وكذلك الوعي فهو وعي فرد بذاته وبأفعاله وأحاسيسه دون النظر إلى محتوى هذا الوعي في علاقته بالجماعة أو الحزب أو الأمة أو الوطن الذي ينتمي إليه.