صدر لنا كتاب "عوائق الإبداع الفلسفي العربي حسب طه عبد الرحمن" سنة
2016 عن منشورات ضفاف بلبنان، وبشراكة مع ثلاثة دور عربية أخرى هي: دار الأمان
بالمغرب، منشورات الاختلاف بالجزائر، دار كلمة للنشر والتوزيع بتونس.
فهرس الكتاب:
محتوى
الكتاب
مقدمة
مدخل: مفهوم القومية العربية ..........................
الفصل الاول: مفهوم الحوار الاختلافي .........
1- الحوار والاختلاف .........................
2- إشكال الحوار الاختلافي: الجماعة والمنازعة .................
3- محاولة لحل هذا الإشكال: الاختلاف النقدي في مقابل العنف والخلاف والفرقة .......
4- ضوابط الحوار الاختلافي النقدي
..................................
1.4.
الضوابط المانعة من الوقوع في العنف
........................
2.4.
الضوابط المانعة من الوقوع في الخلاف ......................
3.4.
الضوابط المانعة من الوقوع في الفرقة
.......................
5- الدعوة إلى الاختلاف الفلسفي بين الشعوب .....................
الفصل الثاني: إشكالية كونية الفلسفة ............
1- اعتقاد سائد بكونية الفلسفة .....................................
2- الاعتراض على كونية الفلسفة
.................................
1.2.
الاعتراضات العامة ..........................................
2.2.
الاعتراض على الكونية الكلية والكونية
العالمية للفلسفة ..
3- من أجل فلسفة قومية عربية حية ويقظة ......................
4- ثلاث خطط من أجل بلوغ قومة فلسفية عربية ................
1.4.
خطة المقاومة .................................................
2.4.
خطة التقويم ...................................................
3.4.
خطة الإقامة ...................................................
الفصل الثالث:
أسطورة الفلسفة الخالصة كعائق أساسي أمام الإبداع الفلسفي العربي ..
1- منطلقات
ومبادئ من أجل تجاوز أسطورة الخلوص العقلي ...
2- إهمال
الجانب الإشاري في القول الفلسفي كأحد عوائق الإبداع الفلسفي العربي ...............
3- الدعوة
إلى فلسفة عربية حية
.................................
1.3. من أجل
إنتاج مفهوم فلسفي حي
..........................
2.3. من أجل
إنتاج تعريف فلسفي حي
..........................
3.3. من أجل
إنتاج دليل فلسفي حي
...........................
4- شروط عامة من أجل إبداع فلسفة عربية حية ............
الفصل الرابع: من أجل مقاومة عوائق الإبداع الفلسفي العربي ...........
1- من أجل
مقاومة مانع الابتكار الفلسفي والأساطير المتفرعة عنه...................
2- من أجل
مقاومة مانع الاختراع الفلسفي والأساطير المتفرعة عنه..............
3- من أجل
مقاومة مانع الإنشاء الفلسفي والأساطير المتفرعة عنه:
الفصل الخامس: تقويم
آفة التقليد في الترجمة الفلسفية المغربية الحديثة ........
1- الترجمة
الإتباعية وآفة التقليد ...................
2- تجاوز آفة
التقليد من خلال مسلك الترجمة الإبداعية ............
3- تصور طه عبد
الرحمن للترجمة الإبداعية من خلال مثال تطبيقي ..
ملحق: تأملات تساؤلية حول
مفهوم "السؤال المسؤول" عند طه عبد الرحمن ....
1-
من أجل شكل ثالث من أشكال السؤال الفلسفي .....................
2-
هل توجد شروط تاريخية فعلية لقيام "حداثة أخلاقية"؟! ...........
3-
هل فعلا أن السؤال السقراطي سؤال "غير مسؤول"
؟!
...........
4-
هل النقد الكانطي يعتقد في نقده وغير مسؤول
عنه ؟! ...........
5- كيف يمكن للفيلسوف العربي "الجديد" أن يكون في مستوى مسؤولية سقراط وكانط؟ .......
مقدمة الكتاب:
مقدمة
«"فقه
الفلسفة" مصطلح واضح الدلالة لا يفيد إلا معنى "المعرفة العلمية
بالفلسفة"
[كما] يجعل العمل جزءا من العلم.»
طه عبد الرحمن، فقه الفلسفة:
الفلسفة والترجمة، ص37.
لقد تميز المشروع الفكري للمفكر
المغربي طه عبد الرحمن باختراعه لعلم جديد سماه ب "فقه الفلسفة"، وهو
علم أراده أن يهتم بدراسة الفلسفة دراسة علمية، وذلك من أجل الكشف عن خصائصها
والقوانين المتحكمة فيها. وقد تحدث طه عبد الرحمن عن الفلسفة باعتبارها جملة من
الظواهر التي يتعين أن نضع لها علما يدرسها، مثلما هو الأمر بالنسبة للظواهر
الإنسانية التي وضعت لها علوم تهتم بدراستها وفقا لمناهج محددة. وهكذا ففقه
الفلسفة هو علم له موضوع محدد هو الفلسفة نفسها، كما يعتمد على مناهج مقررة في
دراسة ذلك الموضوع، مستهدفا من وراء ذلك تحقيق مجموعة من الغايات والمنافع، مثله
في ذلك مثل العلوم الاجتماعية والنفسية وغيرها.
ويحدد طه عب الرحمن موضوع فقه
الفلسفة بقوله إن
«موضوع فقه
الفلسفة هو دراسة الفلسفة من الخارج، تعبيرا ومضمونا وسلوكا، كما هي دراسة العالم
لظاهرة معرفية ما، حتى يقف العربي على مختلف الكيفيات التي يضع بها الفيلسوف مفاهيمه
وتعاريفه وأدلته ويكون بها أحكامه وحقائقه، مطبقا لها في حياته، إن زيادة أو
نقصانا.»(1) ومن هنا
فقد رأى طه أنه «يتعين
علينا أن ننظر في الفلسفة كما ينظر العالم في الظاهرة رصدا ووصفا وشرحا.»(2) وهذا
العمل هو الذي يضطلع به فقه الفلسفة، والذي هو بمثابة علم للفلسفة كنصوص وكظاهرة
معرفية تنبثق عنها أفعال وسلوكات معينة، وتظل الغاية القصوى من هذه الدراسة هو
إقدار الدارس على اكتساب وممارسة فعل التفلسف العميق والمبدع، لأنه لا يمكن إتقان
أي صناعة إلا بالوقوف عند قواعدها والأدوات التي تنبني من خلاله مادتها، وهذا هو حال
صناعة الفلسفة أيضا، كصناعة عقلية ولغوية.
وقد برر الأستاذ طه اختياره
لمصطلح "الفقه"
بدل "العلم" أو "الدراسة" أو "المعرفة"، في كون هذا
المصطلح يتضمن في استعماله الطبيعي معنى المعرفة المرتبطة بالتطبيق. ولهذا فهو
يعتقد، خلافا لما هو سائد أن الفلسفة ليست فكرا نظريا مجردا، بل إنها فكر مرتبط
ضرورة بالسلوك والعمل. وهذا هو السبب الذي جعله يرى أن «كلمة "الفقه" أنسب لإفادة مقصودي من كلمتي
"المعرفة" و"العلم" اللتين لا تفيدان بالضرورة معنى "العمل"
المطلوب لي، فقلت: "فقه الفلسفة"، ولم أقل: "معرفة الفلسفة"، ولا
"علم الفلسفة".»(3)
وقد تحدث الأستاذ طه عما سماه ب
"غفلة الفيلسوف"، والتي اصطلح على تسميتها ب "عمى الفيلسوف"
أو "العمى
الفلسفي" الذي «هو عبارة
عن الجهل بالأسباب الموضوعية للممارسة الفلسفية، خطابا وسلوكا.»(4) ومعنى ذلك
أن الفيلسوف يتفلسف وينتج المناهج والمضامين الفلسفية دون أن يتفطن إلى الأسباب التي
جعلته ينتجها، وهو بذلك سيترك المجال لفقيه الفلسفة الذي سيتولى هذه المهمة؛ أي
مهمة النظر العلمي في الأسباب المحيطة بالممارسة الفلسفية للفيلسوف. ويستخدم فقيه
الفلسفة في دراسته للظواهر الفلسفية منهجا يعتمد على أدوات وآليات وإجراءات مستمدة
من علوم متنوعة، كالمنطق والبلاغة وعلم اللسان والتاريخ وتاريخ العلم وتاريخ
الأفكار، وعلم النفس وعلم الاجتماع وعلم الأخلاق وعلم السياسة. وسيكون على هذه
العناصر المستمدة من مختلف العلوم أن تنتظم وتأتلف في ما بينها لكي تشكل منهجا واحدا
ومنسجما، هو منهج فقه الفلسفة. ويعود سبب اعتماد هذا المنهج على معطيات مأخوذة من
علوم مختلفة إلى تداخل أوجه وجوانب الظاهرة الفلسفية، والتي هي الموضوع الذي سينكب
على دراسته منهج فقه الفلسفة. فنحن نجد أن ظاهرة التفلسف يتداخل فيها ما هو لغوي
مع ما هو معرفي، وما هو معرفي مع ما هو تاريخي واجتماعي، وما هو ذاتي يرتبط بالفيلسوف
مع ما هو موضوعي يرتبط بالسياق التاريخي ككل. ولهذا، وجب أن يغرف منهج فقه الفلسفة
أدواته من ينابيع علمية متعددة، يكون بإمكانها أن تحيط بالظاهرة الفلسفية كظاهرة
شمولية تكاد تعكس التجربة الإنسانية في جميع جوانبها ومناحيها.
وقد ظهر لطه عبد الرحمن أن النظر
في الفلسفة «أشرف من
الفلسفة، وإن المعرفة الطبيعية أوسع من المعرفة الفلسفية».(5) ونحن نجد أن «فقيه الفلسفة يشرف على دائرتها
من أعلى، في حين يلج الفيلسوف بابها من أسفل.»(6) ومن هنا غدت الفلسفة موضوعا لفقه
الفلسفة، وتحولت من ذات تدرس باقي المواضيع، لكي تصبح موضوعا لعلم قائم بذاته هو
فقه الفلسفة.
وإذا كان فقيه الفلسفة سيضطلع
بمهمة الكشف عن الأسباب التي تقف وراء إنتاج التصورات والأحكام الفلسفية المنقولة
وتؤثر فيها، فإنه سيكون بإمكانه أن يستثمر ما يقابلها في المجال التداولي العربي
من أجل إنتاج فلسفة عربية حية وأصيلة. وبذلك، فإن من شأن فقه الفلسفة أن يساهم في
إخراج الفلسفة العربية من الجمود والتبعية والاجترار، لكي تصبح فلسفة مبدعة
ومجددة، وذلك عن طريق تمكين أهلها من الوقوف على الأسباب التي تؤدي إلى الإنتاج
الفكري والإبداع الفلسفي. ولعل هذا ما جعل طه عبد الرحمن يعتبر أن فقه الفلسفة،
على وجه الحقيقة، هو «العلم بطرق الفلسفة في الإفادة وبطرق استثمارها في إحياء
القدرة على التفلسف.»(7)
وقد فضل الأستاذ طه استخدام
مصطلح "فقه" على مصطلحات أخرى من قبيل "علم" أو "معرفة"
أو "فهم" لعدة اعتبارات من بينها؛ أن لفظ الفقه يدل على العلم مع التأمل
وليس على العلم فقط، ولهذا ففقه الفلسفة يسعى إلى التأمل في الظاهرة الفلسفية من
أجل الكشف عن الأسباب الخفية المتحكمة فيها، والتي خفيت عن المتفلسفة للأزمان
طويلة. كما يمتاز لفظ "الفقه" على لفظ "المعرفة" لجمعه بين المعرفة
والسلوك، أو بين الفكر والعمل، ولهذا، إذا كانت المعرفة قد تتعلق بالفكر دون حاجة
للنظر في السلوك، فإن الفقه على العكس من ذلك يشترط النظر فيهما معا. وهذا ما يجعل
فقه الفلسفة يؤمن بأهمية العلاقة بين الفكر والسلوك، وبين القول والفعل، ويأخذ في
دراسته للظواهر الفلسفية هذه العلاقة الأساسية بعين الاعتبار، وهذا بخلاف غالبية
الدارسين والمؤرخين الذي اهتموا بالجانب النظري والفكري للفيلسوف، ولم يولوا عناية
خاصة لعلاقة ذلك بأفعاله وسلوكاته العملية. ويمتاز لفظ الفقه أيضا على لفظ الفهم
في كونه لا يقتصر على فهم المنطوق من الألفاظ والأقوال بل يتعدى ذلك إلى البحث في
المقاصد والغايات المتوخاة منها. ومادام أن هذه الغايات ترتبط بالأسباب الخفية
التي تقف وراء الظواهر الفلسفية المختلفة، فإن فقه الفلسفة هو أقدر من غيره لكي
يدل على التأمل في الظاهرة الفلسفية، قولا وفعلا، من أجل تحصيل علم بأسبابها
الخفية. وهكذا، ف «مصطلح "فقه
الفلسفة" يمتاز على نظيره الأول: "علم الفلسفة"، بكونه يقتضي
الدخول في التأمل، وعلى نظيره الثاني: "معرفة الفلسفة"، لأنه يوجب طلب
الوصل بين القول والفعل، وعلى نظيره الثالث: "فهم الفلسفة"، لكونه يقتضي
الوقوف على الأسباب الخفية.»(8)
وفضلا عن
هذا، يضيف طه عبد الرحمن خاصيتين أخريين يمتاز بهما "فقه الفلسفة" هما:
"العمل"
و"الشرف".
فلفظ "الفقه"يتخذ دلالة عملية واضحة، إذ نجد في الاصطلاح أن «علم الفقه
هو استنباط الأحكام العملية من الأدلة الشرعية»، ولهذا يجوز أن يكون فقه الفلسفة،
قياسا على فقه الدين، «هو استنباط الأحكام العملية من الأدلة العقلية». وهذا يدل
على أن فقه الفلسفة يربط الدليل العقلي بالفعل العملي، ويشرط صلاحية الفكر بما
يمكن أن يحققه من منافع على مستوى السلوك العملي. أما في ما يخص خاصية
"الشرف" التي يمتاز بها فقه الفلسفة، فإنها تأتيه من اللفظين اللذين
يتكون منهما؛ إذ أن الفقه هو أشرف العلوم الدينية الإسلامية، والفلسفة هي أشرف
العلوم العقلية، وبذلك يكون فقه الفلسفة قد استمد من مرتبة الشرف ما يجعله يعلو
على المرتبة الشرفية للفلسفة نفسها؛ ذلك أنه فضلا عن الشرف الذي يأتيه منها، فإنه
يعلو عليها بذلك الشرف الذي يأتيه من الفقه.
كما ميز طه عبد الرحمن فقه
الفلسفة عن كل من التأويليات أو ما يسمى بالهيرمينوتيقا والحفريات التي اشتهر بها
فوكو والتفكيكيات التي اشتهر بها دريدا، وبدون الدخول في تفاصيل الاختلافات
الموجودة بين فقه الفلسفة وتلك "الفلسفيات الخطابية"، أي تلك التي تهتم
بالنظر في الخطابات الإنسانية، سنكتفي بإيراد تلك الاختلافات مختصرة كما قدمها
صاحبها إذ يرى «أن فقه الفلسفة يفارق التأويليات من حيث إنه علم متكامل واحد يعتمد
التفسير الموضوعي ويقارن بين الخطاب والسلوك، وإنها هي، على العكس، عبارة عن فلسفات
متعددة تعتمد الفهم وتطابق بين الخطاب والسلوك؛ كما أنه يفارق الحفريات من جهة أنه
علم ينظر في الخطاب والسلوك معا، سالكا في هذا النظر مسالك الوصف والتحليل والتفسير،
وأنها هي، على خلاف ذلك، فلسفة وصفية لا تعلق لها إلا بالخطاب؛ وأنه أخيرا يفارق
التفكيكيات من حيث إنه نقد علمي للفلسفة بشقيها الخطابي والسلوكي، طلبا لاستخراج
الآليات المتحكمة فيها، وإنها هي، في مقابل ذلك، نقد فلسفي للنص الفلسفي المكتوب،
طلبا لاستخراج الآليات التي تجمع بينه وبين النص الأدبي.»(9)
وعلى العموم، يتبين مما سبق أن
فقه الفلسفة هو علم يتخذ الفلسفة أو الظواهر الفلسفية، خطابية كانت أو سلوكية،
موضوعا له، وهو يتناول هذا الموضوع باعتماد منهج يستمد أدواته من علوم مختلفة، كما
يستهدف غاية أساسية تتمثل في إكساب المتفلسف القدرة على الإبداع الفلسفي داخل
مجاله التداولي الخاص. وهكذا، فكشف فقه الفلسفة عن الآليات المعتمدة في الإنتاج
الفلسفي ووقوفه عند التقنيات التي يستعملها الفيلسوف في إبداع المفاهيم وابتكار
المضامين، من شأنه أن يجعل صاحبه ينتقل من مجرد النظر في الفلسفة ودراستها إلى
مستوى التفلسف والإبداع فيها.
وإذا كانت الفلسفة الإسلامية
العربية قد ارتبطت بالترجمة منذ بدايتها إلى الآن، فإن طه عبد الرحمن يرى أن فقه
الفلسفة سيهتم بالعلاقة الموجودة بين الفلسفة والترجمة، وذلك من أجل تبيان الآفات
التي وقعت فيها الترجمات الإتباعية المختلفة، والعمل على تجاوزها عن طريق التأسيس
لترجمة إبداعية يكون بإمكانها أن تسمح للمتفلسف العربي من إبداع منتوجه الفلسفي
الخاص، ذلك أن إنشاء فلسفة عربية متميزة ومستقلة رهين باعتماده لمشروع "فقه
الفلسفة" كلبنة أساسية في هذا الإنشاء، وهذا ما جعل الفيلسوف طه يعتقد
اعتقادا جازما «بأن مشروع "فقه الفلسفة" –متى تمكنت بإذن الله من إنجاز
جميع أجزائه – لبنة لا يمكن للمتفلسف العربي الاستغناء عنها إذا ما أراد أن يكون
لنفسه شخصية فلسفية مستقلة تقدر على العطاء والنماء، كما أن اعتقادي جازم بأن العناية
به من هذه الجهة على الأقل لا بد أن تزداد، حتى تبلغ ذروتها (...) فلست أشك في أنه
سيأتي على المفكر المسلم أو العربي زمان قريب يجد فيه نفسه بين أمرين لا ثالث
لهما: إما الاضمحلال وإما الإبداع.»(10) ويعتقد طه أنه لا بد لهذا الإبداع
الفلسفي العربي المأمول أن يستند، على الأقل، على بعض العناصر الموجودة في مشروعه
الفكري والفلسفي.
ويأتي كتابنا هذا من أجل تسليط
الضوء على مناداة طه عبد الرحمن بحق العرب في الاختلاف الفلسفي، من أجل بناء فضاء
فلسفي عربي له من المقومات والخصائص ما يضاهي باقي الفضاءات الفلسفية المنتمية إلى
مجالات تداولية أخرى. وقد قسمناه، فضلا عن المقدمة والملحق، إلى مدخل ومجموعة من
الفصول:
وقد تناولنا في المدخل مفهوم
القومية العربية، كما يفهمها طه عبد الرحمن ويستخدمها في مشروعه الداعي إلى الحق
العربي في الاختلاف الفلسفي. ذلك أن سعيه إلى إنشاء فلسفة عربية حية، قد جعله
ينتبه إلى أن البعض قد ينتقده من منطلق أنه قد أهمل المكون الإسلامي في دعوته إلى
الإبداع الفلسفي العربي. ولذلك، فقد حاول الأستاذ طه أن يبين أن المحدد المتعلق
بالقيم والمبادئ الدينية الإسلامية هو جزء لا يتجزأ من القومية العربية، وأن
الإسلام والعروبة مندمجان فيها ولا يمكن أبدا الفصل بينهما، وهذا بخلاف بعض
التيارات الموجودة داخل "النزعة القومية العربية" أو "القومانية"
التي تفصل بينهما. وقد أثب احتواء القومية العربية على القيم والمبادئ الإسلامية،
انطلاقا من بحثه في دلالات لفظ "القوم" في القرآن الكريم، وانطلاقا كذلك
من تحديده للمعنى التداولي لمفهوم القومية الذي يرتبط بوجود قوم داخل مجال تداولي معين يتميز بسيادة مجموعة من المبادئ
والقيم اللغوية والدينية والمعرفية، مما يعني أن الدين هو مكون رئيسي من مكونات
القومية العربية.
وخصصنا الفصل الأول
لمفهوم الحوار الاختلافي لكي نبين دلالته عند طه عبد الرحمن، من حيث أن كل حوار
يتطلب بالضرورة وقوع اختلاف بين المتحاورين، كما أن هذا الاختلاف لا يضر الجماعة
الإنسانية في شيء إذا كان حوارا اختلافيا ونقديا ومؤسسا على مجموعة من الضوابط
والشروط. ويختلف هذا الحوار الاختلاف عن ثلاثة مضادات له هي العنف والخلاف والفرقة؛
بحيث أنه حوار لا يتأسس على القوة والعنف وإنما على الحجة والإقناع، كما أنه لا
ينبني على التقليد والتشهي، كما هو الأمر بالنسبة للخلاف، بل على الاجتهاد والإقناع
العقلي، ثم إنه حوار اختلافي يرتكز على الإقرار بالمساواة بين الأطراف المتحاورة
ويؤدي إلى أقصى حالات التوافق والائتلاف بينها، وهذا على عكس الفرقة التي تنبني
على عدم المساواة وتؤدي إلى التفرقة والانشقاق. وهكذا يمثل العنف والخلاف والفرقة
آفات يتعين على الحوار الاختلافي التغلب عليها، وذلك بالاستناد إلى مجموعة من
الضوابط الخاصة بكل واحد منها. ويجمل طه عبد الرحمن الضوابط المانعة من آفة العنف
في ثلاثة ضوابط هي: "ضابط حرية الرأي وحرية النقد"،
و"ضابط الحقائق المشتركة"، و"ضابط قواعد الاستدلال". أما
الضوابط المانعة من آفة الخلاف، فتتمثل في ثلاثة رئيسية هي: "ضابط واجب
الإثبات"، و"ضابط الإثبات
الأنسب"، و"ضابط الاعتراض الأنسب". في حين يتطلب دفع آفات الفرقة
عن الحوار الاختلافي الالتزام بثلاثة ضوابط هي: "ضابط إحكام العبارة"،
و"ضابط استقامة السلوك"، و"ضابط قبول الصواب". وبالالتزام بهذه
المبادئ، نكون أمام حوار عقلي اختلافي ونقدي مفيد للجماعة الإنسانية، ومبرر لحق كل
قوم في ممارسة اختلافه الفلسفي مع باقي الأقوام والأمم الأخرى.
وأفردنا الفصل
الثاني لمناقشة إشكالية الفلسفة بين القومية والكونية، فبينا الاعتراضات التي
قدمها طه عبد الرحمن عن القول بكونية الفلسفة، سواء كانت كونية كلية كما تجلت في
الفلسفة اليونانية أو كونية عالمية كما برزت في الفلسفة الأوروبية الحديثة. وقد
قدم اعتراضات عامة على دعوى كونية الفلسفة تمثلت أولا في ارتباط الإنتاج الفلسفي
بالإطار التاريخي والاجتماعي الذي نشأ داخله، وتمثلت ثانيا في ارتباط المضمون
الفلسفي بالشكل اللغوي الذي يتشكل من خلاله، وتمثلت ثالثا في الاختلاف الحاصل بين
الفلاسفة في المذاهب والمناهج والنظريات، كما تمثلت رابعا في وجود تصنيف قومي
للفلسفة؛ حيث نتحدث عن "فلسفة يونانية" و"فلسفة فرنسية" و"فلسفة إنجليزية" وغير ذلك. وبالإضافة
إلى هذه الاعتراضات العامة، فقد وجه الأستاذ طه اعتراضات تخص كل معنى من معنيي
الكونية الفلسفية على حدة؛ فأما الكونية الكلية للفلسفة فقد اعترض عليها من منطلق
أن العقل ليس واحدا لدى جميع الشعوب وفي كل العصور، بل هو مختلف ومتعدد، كما أن
العقل ليس ذاتا، وإنما هو فعالية، وهذا ما يجعله يمارس وظائفه بطرق مختلفة. وأما
الكونية العالمية للفلسفة فهو يعترض عليها من منطلق رفضه للفكرة القائلة بأن
الفلسفة أوروبية في جوهرها، ورفضه للاعتقاد الذي ساد لدى الألمان من أنهم يمثلون
الأصالة الفلسفية الأوروبية أكثر من غيرهم، ورفضه للتوظيف السياسي للفلسفة من قبل
القومية اليهودية، مما أدى إلى تهويد الفلسفة وخلق فضاء فلسفي يهودي عالمي مهيمن.
وانطلاقا من كل هذه الاعتراضات، العامة والخاصة، سينبه طه عبد الرحمن إلى خطورة
التقليد والتبعية للفلسفة الغربية، وسيدعو إلى إبداع فلسفة قومية عربية حية تتميز
بثلاث خصائص رئيسية هي: "القيام"؛ وينقسم إلى "قيام جهادي"
غايته دفع الضرر عن الجماعة، و"قيام اجتهادي" هدفه هو جلب المنفعة لها، و"القوام"(بكسر
القاف)؛ وهو جملة من القيم الروحية التي تميز القومية الحية، والتي يرتكز عليها
القوم في إبداعاتهم الحضارية ويسعون بهدي منها إلى تحقيق مجموعة من المقاصد
والغايات، و"القومة"(بفتح القاف)؛ وهي ذلك الفعل الموجه من طرف جملة من
القيم الروحية.
وبعد أن ميز طه عبد
الرحمن مفهوم القومية الحية بمجموعة من الخصائص، نجده يسعى إلى وضع خطط من شأنها
أن تخلص الفيلسوف العربي من التبعية للفلسفة الغربية، وتجعله يبدع فلسفة قومية
متناسبة مع مقتضيات المجال التداولي العربي. وتتمثل في ثلاث خطط رئيسية هي: خطة
المقاومة؛ والتي تعني ضرورة الاعتراض على المفاهيم الفلسفية المنقولة، حتى يثبت
الدليل صحتها وفائدتها للمجال التداولي العربي، وخطة التقويم؛ والتي تعني العمل
على وصل المفاهيم الفلسفية بالقيم العملية السائدة في المجال التداولي العربي،
لجعلها تتمتع بأقصى حد من الحركية والفاعلية داخل هذا المجال التداولي الخاص. أما
الخطة الثالثة، وهي خطة الإقامة، فتعني أن يعمل المتفلسف العربي على إبداع مفاهيمه
انطلاقا من اشتغاله الصناعي على المفاهيم الطبيعية السائدة في مجاله التداولي
الخاص، بحيث تكون مختلفة عما هو سائد في المجال التداولي الغربي.
وخصصنا الفصل الثالث
للحديث عن العوائق التي تقف أمام الإبداع الفلسفي العربي حسب طه عبد الرحمن، والتي
ترجع عنده إلى عائق أساسي سماه ب"أسطورة الخلوص العقلي"، وهي
تعني ذلك الاعتقاد السائد بأن
الفلسفة
تفكير عقلي خالص. وعلى العكس من ذلك، فقد اعتبر الأستاذ طه أن القول الفلسفي يتضمن
جانبا إشاريا ومجازيا بالقدر الذي يتضمن جانبا عباريا وتقريريا. ولذلك، فأخذ المتفلسفة
العرب بالجانب الثاني وإهمالهم للجانب الأول هو ما حال بينهم وبين الإبداع الفلسفي. كما أن هذا الإهمال هو الذي جعل الترجمة العربية للنصوص
الفلسفية الغربية عقيمة وغير منفتحة على المجال التداولي العربي. ومن هنا، لا بد
من تأسيس ترجمة فلسفية عربية بديلة تأخذ بعين الاعتبار الجانبين المكونين للقول
الفلسفي؛ وهما الجانب العباري والجانب الإشاري. وإذا كان القول الفلسفي ينقسم إلى أقسام ثلاثة، وهي
المفهوم والتعريف والدليل، فإن طه عبد الرحمن يدعو إلى إنتاج مفهوم فلسفي عربي حي؛
عن طريق الأخذ بعين الاعتبار الجانبين الأساسيين المكونين للمفهوم، وهما الجانب
الاصطلاحي العباري، والجانب التأثيلي الإشاري، وإنتاج تعريف فلسفي عربي حي؛ عن
طريق الأخذ بعين الاعتبار الجانبين الأساسيين المكونين للتعريف، وهما الجانب
التقريري العباري والجانب التمثيلي الإشاري، وإنتاج دليل فلسفي عربي حي؛ عن طريق
الأخذ بعين الاعتبار الجانبين الأساسيين المكونين للدليل الفلسفي، وهما الجانب
العباري الاستنتاجي والجانب الإشاري التخييلي. وهكذا يمكن إبداع فلسفة عربية حية،
تكون قادرة على تجاوز عوائق الإبداع التي وقعت فيها الفلسفة الخالصة، عن طريق
الانتباه، سواء أثناء الترجمة أو الإنتاج، إلى ما تتضمنه النصوص والأقوال الفلسفية
من جانبين مزدوجين؛ يتضمن أحدهما ما هو عباري واصطلاحي وتقريري واستنتاجي من جهة،
ويتضمن الآخر ما هو إشاري وتأثيلي وتمثيلي وتخييلي من جهة أخرى. وهذه العناصر
المرتبطة بالجوانب التأثيلية والتمثيلية والتخييلية هي التي من شأنها أن تمنح
للفلسفة عناصر الإبداع والحياة والديمومة، أما الاقتصار على مقابلاتها فهو ما يجعل
الفلسفة الخالصة تحكم عل نفسها بالعقم والموت والجمود.
وأفردنا الفصل الرابع للحديث عن
موانع الإبداع الفلسفي العربي حسب طه عبد الرحمن، وتقديم تصوره الخاص بالكيفية
التي ينبغي بواسطتها التغلب على تلك العوائق المانعة من الإبداع. وقد قسم
الإبداع إلى ثلاثة أنواع هي: الابتكار والاختراع والإنشاء، وحاول أن يجيب عن
الإشكال المتعلق بالإبداع الفلسفي العربي، والمتمثل في كيف يمكن للمتفلسف العربي
أن يبتكر ويخترع وينشئ فلسفيا؟ ولن يتأتى الإبداع الفلسفي إلا بالتغلب على موانعه،
وهي موانع تتفرع عن مانع رئيسي يتمثل في الاعتقاد المتمثل في اعتبار أن الفلسفة
تفكير عقلي خالص، أو ما يسميه الأستاذ طه بأسطورة الفلسفة الخالصة. ويكمن المانع
المتعلق بالابتكار الفلسفي في تقديس المتفلسف العربي للقول الفلسفي المنقول؛ ذلك
أن الابتكار هو منح صورة جديدة لمضمون القول الفلسفي، وإذا حافظ المتفلسف العربي
على القول الفلسفي المنقول كما هو، لفظا ومضمونا، يكون قد وقع في تقديسه، ومنعه
هذا التقديس من أن يكون متفلسفا مبتكرا. وقد أدى النقل اللفظي الحرفي إلى التطويل
اللغوي، بينما أدى النقل المضموني الكلي إلى التهويل المعرفي، مما لزم معه تجاوز
ذلك عن طريق الأخذ بخطابية القول الفلسفي وجعله قولا يراعي طبيعة المتلقي العربي.
ويتجلى المانع الخاص بالاختراع الفلسفي في مانع الإعجاز، والذي مفاده أن يعتبر
المتفلسف العربي أن القول الفلسفي المنقول هو قولا معجزا من الصعب عليه أن يأتي
بمثله. وإذا كان الاختراع الفلسفي هو إبداع يحصل من غير معطى سابق، فإنه يتعين على
المتفلسف العربي أن يخترع فلسفيا عن طريق الأخذ ببيانية الخطاب الفلسفي، وذلك
بالعمل على صياغته ونقله إلى المتلقي العربي بما يناسب مقتضيات اللسان العربي، كما
أن عليه أن يعمل على وصل القول الفلسفي بالقول الطبيعي؛ وذلك بأن يعمل على
الانطلاق من اللغة الطبيعية السائدة في مجاله التداولي، ويرتقي بها إلى مستوى
التفكير الفلسفي المجرد. أما المانع المتعلق بالإنشاء الفلسفي فيتجلى في قول البعض
باستقلال المضمون الفلسفي عن شكله اللغوي، وهو ما يرفضه طه عبد الرحمن لكي يعتبر
على العكس من ذلك بأن الإنشاء الفلسفي هو إبداع لا يمكن أن نفصل فيه المضمون
المعرفي عن الشكل اللغوي الذي يصاغ من خلاله، وبالتالي لا يوجد مضمون فلسفي مجرد
ومستقل عن الشكل اللغوي الذي انبنى من خلاله. وانطلاقا من هنا، يتعين على المتفلسف العربي، لكي يكون
مبدعا ومنشئا، أن يدرك أن النص الفلسفي العربي لا يمكنه أن يكتب إلا وفق خصائص
البلاغة العربية. فالتداخل الحاصل بين المعنى واللفظ، يجعل الألفاظ والتراكيب
اللغوية تساهم بشكل أساسي في خلق المضامين والأفكار وإنشائها. وهذا ما يمكنه أن
يتيح للمتفلسف العربي أن يبدع نصوصا فلسفية، بالاستناد إلى ما توفره له البلاغة
العربية من إمكانيات غنية في التركيب اللغوي للأفكار والمعاني الفلسفية.
وعلى العموم، فإن الإبداع
الفلسفي العربي لا يكون ممكنا إلا بمقاومة العوائق الثلاثة المتمثلة في تقديس
القول الفلسفي المنقول، واعتباره شيئا معجزا، والقول باستقلال المضمون فيه عن
الشكل. ولذلك، لن يكون الابتكار الفلسفي ممكنا إلا عن طريق إدراك أن القول الفلسفي
خطاب يتوجه إلى متلقي معين، وعليه أن يصاغ وفق ألفاظ ومعاني تناسب ما هو معروف لدى
المتلقي العربي، كما لن يكون الاختراع الفلسفي ممكنا إلا عن طريق إدراك بيانية
القول الفلسفي، والعمل على ربطه باللغة الطبيعية العربية، ثم لن يكون الإنشاء
الفلسفي ممكنا إلا عن طريق إدراك كتابية القول الفلسفي، مما يقتضي من المتفلسف
العربي أن يستثمر الإمكانات الهائلة التي تتيحها له البلاغة العربية من أجل ممارسة
فعل التفلسف.
أما الفصل الخامس، فقد سلطنا فيه
الضوء على مظاهر وأسباب آفة التقليد في الفلسفة المغربية من منظور طه عبد الرحمن.
فنحن نجده يعتبر أن المتفلسفة المغاربة قد وقعوا تحت طائلة تقليد المنقول الفلسفي،
بحيث أن كل واحد منهم يقلد مذهبا فلسفيا بعينه؛ كالشخصانية أو الوجودية أو
التاريخانية أو الاختلافية أو غير ذلك. كما يعتبر أن الترجمة الإتباعية هي السبب
الرئيسي الذي يقف وراء آفة تقليد المنقول الفلسفي الغربي من طرف المتفلسفة
المغاربة. ويميز فيها بين ثلاثة أنماط؛"النمط الترجمي الغربي" الذي وقع
تحت آفة تقديس القول المنقول، و"النمط الترجمي الفرنسي" الذي وقع تحت
آفة الحرفية في النقل، و"النمط الترجمي العربي" الذي وقع تحت آفة
الحرفية اللفظية والحرفية المضمونية معا. كما يميز في الترجمة الفلسفية العربية بين ثلاثة
أنواع؛ هي الترجمة التحصيلية التي تؤدي إلى التطويل اللغوي، والترجمة التوصيلية
التي تؤدي إلى التهويل المعرفي، والترجمة التأصيلية التي تراعي مقتضيات المجال
التداولي العربي في نقلها للمنتوج الفلسفي الأجنبي، وبالتالي فهي ترجمة إبداعية
سيكون بإمكانها أن تتجاوز الآفات التي وقعت فيها الترجمتين السابقتين، كما سيكون
بإمكانها أن تتيح للمتلقي العربي وسائل التفلسف وتفتح المجال أمامه من أجل الإنشاء
والإبداع. ولن تؤدي بنا الترجمة الإتباعية إلا إلى "حداثة فلسفية
جامدة"، تجعل المتفلسف العربي يدور في فلك الغير ويجتر ما يوجد عنده، أما
الترجمة الإبداعية فهي التي من شأنها أن تجعلنا نبلغ "حداثة فلسفية حية"، مادامت تربط التفلسف
بالمجال التداولي المغربي، وتبث فيه إشكالات واستدلالات مستمدة من المقومات
الموجودة في هذا المجال التداولي الخاص. وقد قدمنا في آخر هذا الفصل نموذجا
تطبيقيا للترجمة الفلسفية، يتعلق بجملة لأحد رواد الفلسفة المغربية الحديثة
هو محمد عزيز الحبابي. وقد أراد طه عبد الرحمن أن يبين من خلال هذا النموذج
التطبيقي، كيف يمكن للترجمة التأصيلية الإبداعية أن تتجاوز الآفات والمزالق التي
وقعت فيها الأشكال المختلفة للترجمة الإتباعية، وتتمكن بالتالي من التأسيس لحداثة
فلسفية حية، وفتح المجال لإبداع كونية فلسفية منفتحة.
وقد أنهينا الكتاب بملحق قدمنا خلاله تأملاتنا
التساؤلية حول مفهوم "السؤال المسؤول" عند طه عبد الرحمن. ذلك أننا نجد
هذا الأخير يميز بين نوعين رئيسيين من السؤال في تاريخ الفلسفة؛ أحدهما هو
"سؤال الفحص" الذي يختص به الطور اليوناني القديم، والآخر هو "سؤال
النقد" الذي تميز به الطور الأوروبي الحديث، ونجده يدعو إلى ضرورة تجاوز هذين
الشكلين من السؤال من أجل بلوغ شكل ثالث يتجاوزهما معا، وهو "السؤال المسؤول" الذي يسعى من
خلاله طه عبد الرحمن إلى التنظير لحداثة أخلاقية تتأسس
على سؤال مسؤول وأخلاقي. وقد وقفنا في هذا الملحق عند وجاهة هذا النقد الذي وجهه
الأستاذ طه لسؤال الفحص السقراطي وسؤال النقد الكانطي، كما تساءلنا عن مدى وجود
شروط تاريخية عربية كفيلة بجعلنا نبلغ هذه الحداثة الأخلاقية المأمولة.
هوامش المقدمة:
1- طه عبد الرحمن، حوارات من أجل المستقبل، منشورات الزمن، أبريل 2000، ص72-73.
2- طه عبد الرحمن، فقه الفلسفة، الجزء2، القول الفلسفي، كتاب المفهوم والتأثيل،
الطبعة الأولى، المركز الثقافي العربي، بيروت 1999، ص13.
3- نفسه، ص73.
4- طه عبد الرحمن، فقه الفلسفة، الجزء1، الفلسفة والترجمة، المركز الثقافي
العربي، الطبعة الأولى 1995، ص 20.
5- نفسه، ص18-19.
6- طه عبد الرحمن، فقه الفلسفة، الجزء2، القول الفلسفي، ص20.
7- نفس المصدر، ص 26.
8- نفس المصدر، ص 29.
9- نفس المصدر، ص 45.
10- طه عبد الرحمن، حوارات من أجل المستقبل، ص78.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.