الإنسان كائن راغب
بقلم: محمد
الشبة
يمكن القول مع
كثير من الفلاسفة بأن الإنسان حيوان راغب. فقد اعتبر العديد منهم بأن الرغبة
متجذرة في الطبيعة الإنسانية، وأنه لا يمكن للإنسان أن يعيش بدون رغبات. وتتعدد
رغبات الإنسان؛ فمنها ما يرتبط بالجانب الحسي الغريزي، ومنها ما يرتبط بالجانب
الوجداني العاطفي، كما أن هناك رغبات تتعلق بالجانب الفكري والعقلي.
وإذا كانت للإنسان حاجات بيولوجية غريزية مثله
مثل الحيوانات الأخرى، فإنه مع ذلك يتميز عنها بالرغبة لأنه يسعى إلى تحقيق حاجاته
بأشكال وفي أوقات مختلفة، وبحسب ما يريد.
وقد
تساءل أفلاطون منذ القديم عن طبيعة
الرغبة وأنواعها، وكيفية التحكم فيها، وبين أن
الرغبة فطرية في الإنسان، وقسمها إلى رغبات مشروعة وغير مشروعة. وبين أن الرغبات غير المشروعة هي تلك التي تظهر في الأحلام أثناء
النوم لتعبر عن الجزء الحيواني في الإنسان. لذلك
دعا أفلاطون إلى ضرورة تدخل العقل من أجل استئصالها أو على الأقل تنظيمها والتخفيف
منها.
ومن هنا ذهب
أفلاطون إلى القول بأن العقل يعمل
بقوانينه على قمع الرغبة وتنظيمها، حيث يعمل على تحقيق الرغبات الفاضلة، ويعمل
بالمقابل على استئصال أو التخفيف أو إضعاف تلك الرغبات التي تتعارض مع المبادئ
العقلية والأخلاقية. وإذا
كانت الرغبة فطرية في الإنسان، ففي أعماق كل فرد - حتى
عند العقلاء من الناس - توجد
تلك الرغبات التي سماها أفلاطون بالفظيعة والهمجية التي يمكن التحكم فيها وتوجيهها
بواسطة العقل. ونحن نجد أن
الرغبات الهمجية تبحث لنفسها عن منفذ لإشباع شهواتها ، وهي تجده في الأحلام هذا
المجال الواسع لكي تتحقق بعيدا عن رقابة العقل.
ولذلك يمكن التمييز مع أفلاطون بين نوعين رئيسيين من الرغبات؛ رغبات عاقلة: تتوافق مع قوانين العقل ومبادئ الأخلاق، ورغبات حيوانية وهمجية: تتعارض
مع العقل، وتسعى فقط لإشباع شهواتها وغرائزها الصادرة عن الجزء الحيواني من النفس.
وقد اعتبر سبينوزا
فيما بعد أن الإنسان ينتج الأفكار من أجل أن يستمر في الوجود، وهذا الجهد الذي
يبذله مرتبط بماهيته وطبيعته الإنسانية. لذلك اعتبر اسبينوزا أن الرغبة هي شهوة
مصحوبة بالوعي، مما يجعلها خاصية إنسانية، ويكون الإنسان بذلك كائنا راغبا
بامتياز.
ولذلك يمكن القول مع سبينوزا بأن
الإنسان حيوان راغب، وأن الرغبة تمثل ماهيته وطبيعته الأصلية. ويربط اسبينوزا بين الرغبة والشهوة؛ فيعتبر أن لا اختلاف
بينهما سوى أن الرغبة هي شهوة مصحوبة بالوعي والإرادة. وإذا كان الإنسان يعي رغباته فهو مع ذلك يجهل أسبابها
الخفية.
وقد انطلق سبينوزا
من فكرة عامة مفادها أن عقل الإنسان ينتج أفكارا لكي يستمر في الوجود، ثم انتقل
إلى فكرة أخرى تقول بأن هذا الجهد الذي يبذله العقل من أجل البقاء هو جزء من ماهية
الإنسان وطبيعته. وفيما بعد اعتبر أن ماهية ليست سوى شهواته ورغباته، لينتهي إلى
فكرة خاصة هي أن الرغبة شهوة مصحوبة بالوعي. وإذا كانت الرغبة تمثل ماهية للإنسان، فإن الإرادة والوعي
يعتبران شرطين ضروريين لأية رغبة إنسانية.
وبعد أن عرف سبينوزا
الرغبة بأنها شهوة مصحوبة بالوعي، و أنها تمثل ماهية
الإنسان، عمل على تبيان الفرق بين الشهوة والرغبة، لكي يوضح أن الرغبة هي امتداد
للشهوة وأنها ترجمة واعية لها على مستوى الواقع. كما أنهما يمثلان ذلك المجهود الذي يبذله الإنسان من أجل
الحفاظ على ذاته واستمرار وجوده . كما خلص إلى القول بأن الرغبة شهوة مصحوبة بالوعي
والإرادة، وأن رغبات الإنسان متعددة إلى الحد الذي يجعله لا يعرفها ولا يعرف
الأسباب الكامنة وراءها.
وقد استنتج سبينوزا فكرة
أساسية مفادها أن الرغبة هي أساس كل الأفكار والإرادات والمعتقدات والسلوكات
الأخلاقية. وهو ما جعله يفند الأطروحة التي تؤسس أفعال الإنسان وأفكاره على أساس
أخلاقي وثقافي، ويقول، خلافا لذلك، بأنها تتأسس على طبيعته المتمثلة في شهواته
ورغباته.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.