اللغة خاصية إنسانية
بقلم: محمد الشبة
سننطلق من
التساؤل التالي: هل
للحيوان لغة ؟
ويمكن الإجابة
عنه بالقول: نعم توجد لدى
الحيوانات أشكال من التواصل خاصة بكل نوع منها.
ويمكن تقديم:
- دليل ديني: يتمثل
مثلا في قصة النبي سليمان عليه السلام مع النملة؛ حيث كان مارا وجنوده ف " قالت نملة يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم
لا يشعرون، فتبسم ضاحكا من قولها". (انظر
سورة النمل) وهذا يعني أن للنمل "قول" معين أو شكل من التواصل خاص
بأفراد النمل.
- دليل علمي: يتمثل
في إثبات مجموعة من الدراسات العلمية على وجود "لغة" معينة
لدى الحيوانات. ومن
بين تلك الدراسات نذكر دراسة العالم الهولاندي"فون فريش" لأشكال
التواصل لدى النحل، حيث بين أن أفراد النحل يتواصلون عن طريق "الرقصات" سواء
كانت اهتزازية أو دائرية.. من
أجل الإشارة إلى مكان الرحيق.
ويمكننا أن نتساءل: ما هي الخصائص المميزة لأشكال التواصل لدى الحيوان؟
ويمكن الحديث هنا عن خصائص أساسية تتميز بها "اللغة" الحيوانية:
§ غريزية؛ مرتبطة بدوافع فطرية وبيولوجية.
§ ثابتة وغير متطورة؛ تظل هي هي مع مرور الزمن.
§ مرتبطة بحاجات ضرورية وبيولوجية؛ الحيوان يمارس اللغة من أجل الاستمرارية
في العيش (البحث عن الطعام، التوالد..).
§ فقيرة وبسيطة من حيث الدلالات والمعاني؛ مرتبطة بالعالم الحسي وبالبعد
الغريزي ولا تعبر عن أفكار أو معاني عقلية !!
§ منغلقة وخاصة بالنوع الحيواني الواحد؛ لا يمكن لحيوان أن يتعلم لغة
حيوان آخر أو يتواصل معه.
§ مقيدة ومحكومة بميكانيزمات غريزيةّّ؛ تنتفي فيها الحرية والقدرة على
الإبداع.
والآن يمكننا التساؤل عن خصائص اللغة عند الإنسان؛
فماهي خصائص اللغة الإنسانية؟ وما الذي يجعل اللغة بالمعنى الدقيق خاصية
إنسانية؟
يمكن أن نقدم هنا أطروحة ديكارت الشهيرة، والتي يقول من
خلالها بأن الكلام خاصية إنسانية.
فقد رأى ديكارت أن اللغة من حيث هي كلام خاصية
مميزة للإنسان وحده، لأنها ترتبط بمقومات الفكر والوعي والعقل لديه. فالأبله،
وبالرغم من نقص قدراته العقلية، يستطيع أن ينتج أفكارا انطلاقا من التأليف بين
مختلف الكلمات، بينما لا يستطيع الحيوان الذي هو من أكمل نوعه أن يفعل ذلك. فاللغة
الكلامية هي خاصية مميزة للإنسان وحده ككائن عاقل ما دام أن "معرفة الكلام لا
تحتاج إلا إلى قدر قليل من العقل"، وهي لغة إبداعية ومتطورة وغنية بالدلالات
عكس لغة الحيوان التي تظل مجرد حركات غريزية وآلية تنتفي معها كل قدرة على التطور
والإبداع.
واستنادا إلى دراسة قام بها كارل فون فريش
حول لغة الرقص عند النحل، حدد عالم اللسانيات إميل
بنفنيست ثلاث خصائص تميز اللغة الإنسانية عن أشكال التواصل لدى
الحيوان، وتتمثل في:
أ- الارتكاز على الصوت:مما
يمكن الإنسان من التواصل في عدة أوضاع
وشروط فيزيائية، بينما لا يمكن للحيوان القيام بذلك.
ب- تحرر العلامة اللسانية
من الموضوع الخارجي الذي تشير إليه؛ بحيث يمكننا تعويض أشياء الواقع بالكلمات التي
تجعلنا نتحدث عنها في وقت وجيز، ودون استحضارها فعليا.
ج- قابلية اللسان للتفكيك
إلى وحدات صوتية ودلالية قابلة للتأليف وإعادة
التأليف إلى ما لانهاية؛ حيث يمكننا التركيب بين الحروف أو الكلمات من أجل
إنتاج ما لانهاية له من الأفكار والمعاني. وهذا يدل على الغنى الدلالي الذي تتميز
به اللغة الإنسانية، في الوقت الذي تظل فيه اللغة الحيوانية بسيطة وفقيرة من حيث
الدلالات التي تعبر عنها.
وقد تحدث أندري
مارتيني عن خاصية أساسية تتميز بها اللغة الإنسانية، هي خاصية التمفصل
المزدوج. وتعني أن اللغة تتكون من تمفصلين: الأول هو الفونيمات وهي أبسط وحدات غير
دالة في اللغة، والثاني هو المونيمات وهي أبسط وحدات دالة في اللغة. وتمكن هذه
الخاصية الإنسان من إنتاج ما لانهاية له من الدلالات والمعاني انطلاقا من عدد
محدود من الوحدات اللغوية، وهو ما لا يتوفر في اللغة الحيوانية إذ تظل لغة بسيطة
وفقيرة من حيث الدلالات.
ومن هنا، يمكن القول بأن
انفراد الإنسان باللغة هو امتياز يسمح له بالارتقاء فوق مملكة العضويات الحية، كما
يرى الفيلسوف الألماني ارنست كاسيرر، حيث يستطيع الإنسان تشكيل عوالم رمزية شاسعة
وغنية كالأسطورة والفن والدين والفكر... والخروج
من رتابة العوالم المادية المباشرة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.