تأطير عام لمجزوءة
الأخلاق
بقلم: محمد
الشبة
يعيش الإنسان خبرات وتجارب مختلفة في الحياة، وهي في أساسها تجارب
أخلاقية ترتبط بأفعال تصدر عن الكائن البشري لتجسد مضمونا ذا قيمة أخلاقية معينة.
إن عالم الحيوانات غير العاقلة هو عالم محكوم بمحددات بيولوجية وطبيعية، والسلوكات
التي تتم داخله لا توصف لا بالخيرة ولا بالشريرة. فالخير والشر هما معنيان لا
يحتملهما سوى السلوك البشري. وهذا يعني أن الإنسان كائن مسؤول بما يشرعه لنفسه من
مبادئ وواجبات أخلاقية.
إن الإنسان ككائن أخلاقي سعى
دوما إلى سن قوانين أخلاقية لتنظيم سلوكه وضبط علاقاته بغيره من الناس؛ والسؤال
الأخلاقي الأساسي الذي كان يواجهه هو الذي حدده كانط كما يلي: « ما الذي ينبغي علي
أن أعمله ؟ ». وهذا يعني أن الإنسان كائن حر، وأنه يسعى لمنح أفعاله دلالات ومقاصد
بحسب ما يريده ويرغب فيه.
وإذا كان الإنسان كائنا أخلاقيا، فمعنى ذلك أنه يمتلك الإرادة وأن
أفعاله هي أفعال إرادية وأخلاقية. فللإنسان القدرة على تذكر الماضي والتطلع إلى المستقبل،
وانطلاقا من ذلك يعمل على إعادة إنتاج الواقع وفقا للقيم التي تراكمت لديه في
ذاكرته التاريخية، ووفقا أيضا لصورة ذلك الكائن الذي يريده في واجب وجوده أو وجوده
الممكن.
وإذا تأملنا السلوك البشري
نجده مرتبطا بفكرة الواجب الأخلاقي الذي يجثم بثقله على العقل البشري، ويوجه
حركاته وأفعاله سواء تجاه ذاته أو غيره أو وطنه أو إلهه. كما أن الإنسان يسعى
دائما إلى إضفاء طابع المشروعية والأخلاقية على سلوكاته، ويبحث عن شتى التبريرات
لإقناع ذاته وغيره بأن ما يفعله هو مطابق للشرف والنزاهة وحسن الخلق.
والإنسان يفعل ذلك لأنه يريد أن يتجاوز مستوى الحياة البهيمية
المحكومة بالميولات الغريزية، لكي يرقى بسلوكه إلى مستوى الحياة العقلية من خلال
تنظيم أفعاله ومراقبة دوافعه وإصلاح مجتمعه. وإذا كان الإنسان يعيش وفقا لقوانين
ومبادئ تحدد له واجباته تجاه نفسه والآخرين، فإن فعل الواجب يتأرجح لدى الفرد بين
الإكراه والحرية، وذلك بحسب ما إذا كان صادرا عن رغبته وإرادته أو مفروضا عليه
انطلاقا من ضغط خارجي. كما يختلف مصدر الواجب الأخلاقي ومعيار وضعه؛ بحيث قد يكون
مصدره إما الفطرة الإنسانية أو المجتمع وملابسات العيش أو العقل العملي الأخلاقي..
كما قد يتحدث البعض عن واجبات مشتركة بين جميع المجتمعات البشرية، ويتحدث البعض
الآخر عن واجبات تخص كل مجتمع على حدة.
والإنسان يطمح عموما، من
خلال وضع واجبات وقواعد أخلاقية، إلى تحقيق السعادة التي ينشدها. ولذلك تطرح إشكالية
علاقة السعادة بالواجب، وما إذا كان الالتزام بالواجب هو الذي من شأنه أن يحقق
للإنسان السعادة ؟ كما أن اختلاف تصور الناس للسعادة، سينعكس على الطرق التي
سيعتمدها كل واحد من أجل بلوغها. ولذلك ستتأرجح هذه الطرق بين البحث عن السعادة في
الجانب الحسي الغريزي في الإنسان، أو في الجانب العقلي أو في الجانب الروحي
والوجداني.
وإذا كان الإنسان يشرع لنفسه
واجبات لتحقيق السعادة والأمن والاستقرار الذي ينشده، فذلك يدل دلالة قوية على
كونه كائنا حرا ويمتلك إرادة وقدرة على الاختيار. بيد أنه غالبا ما تصطدم حرية
الإنسان بمجموعة من الحتميات التي تحد منها أو تؤثر فيها، وهي حتميات إما قد تعود
إلى طبيعته الداخلية أو إلى مجموعة من الحواجز الخارجية. وقد تكون هذه الحواجز
الأخيرة إما تتعلق بالعالم الطبيعي الفيزيائي أو بالعالم الثقافي الإنساني. وفي
هذه الحالة الأخيرة يطرح إشكال العلاقة بين الحرية والقانون، بحيث يبدو أن الحرية
الإنسانية هي بالضرورة حرية ثقافية وليست طبيعية، إنها حرية تبنى وليست جاهزة
ومعطاة. وهذا ما يجعل التشريعات والقوانين السياسية تلعب دورا كبيرا في رسم
المعالم الحقيقية للحرية البشرية، كحرية تتحدد في إطار الحقوق والواجبات التي
تتعلق بالفرد في علاقته بالآخرين. غير أن بلوغ الحرية الحقيقية يختلف بحسب طبيعة
القوانين التي تؤطرها؛ بحيث تختلف درجة هذه الحرية وطبيعتها بحسب ما إذا كانت هذه
القوانين ديمقراطية وتعبر عن الإرادة الحرة للجميع، أو كانت استبدادية مفروضة من
طرف أقلية على باقي أفراد الشعب.
وعلى العموم، فالتشريعات الأخلاقية تجعل الإنسان – إذا صح التعبير – يعيش في عالم أكسيولوجي
بالإضافة إلى العالم الطبيعي البيولوجي؛ إذ أنه يصنع انطلاقا منها عالما مليئا
بالدلالات والقيم، التي تظهر في إبداعه لعوالم متعددة في مجالات السياسة والدين
والأخلاق والعادات والنظم الثقافية المختلفة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.