الخميس، 20 أكتوبر 2016

فعل المناقشة في صيغة القولة المرفقة بسؤال




المناقشة في صيغة القولة
على ضوء الأسئلة المذيلة لها

بقلم: محمد الشبة



تتخذ لحظة المناقشة في صيغة القولة المرفقة بسؤال أشكالا متعددة، بحسب ما هو مطلوب في السؤال المذيل لها؛ فالأمر قد يتعلق إما بإبراز قيمة القولة أو حدودها أو أبعادها، كما قد يتعلق بالإجابة عن سؤال بعينه، تكون أطروحة القولة هي إحدى الإجابات الممكنة عنه. وبطبيعة الحال، يتعين على التلميذ أن ينتبه جيدا إلى أداة الاستفهام في السؤال المرفق بالقولة، لأن هذه الأداة هي التي ستحدد ما هو المطلوب بالضبط من التلميذ أثناء مناقشة أطروحة القولة. كما يتعين عليه أيضا أن يدرك جيدا ما المقصود بتبيان قيمة القولة أو حدودها أو أبعادها، لأن هذا الإدراك الواعي والجيد هو الذي سيحدد المسار الحقيقي والفعال للمناقشة.

1-   السؤال الذي يطالبنا بتبيان قيمة القولة:

سنقف هنا عند النموذج المتعلق بالقولة المرفقة بالسؤال ذي المطلبين؛ أحدهما يطالبنا بتوضيح مضمون القولة، والثاني بتبيان قيمتها.
وهنا نؤكد على أن من بين معاني مناقشة القولة هو توضيح قيمتها. ولذلك، نجد أنفسنا بصدد طرح السؤال التالي: ما هو الفهم الذي تقدمه عناصر الإجابة الرسمية لمعنى تبيان قيمة القولة، وهو ما يعني بطبيعة الحال مناقشتها؟ نطرح هذا السؤال، لأنه على ضوء المعنى الذي نقدمه لمفهوم "القيمة" ستتحدد استراتيجية مناقشة أطروحة القولة. وسنتخذ عناصر الإجابة المقدمة رسميا للقولة الموجودة في الامتحان الوطني الموحد للبكالوريا، مسلك الآداب، الدورة العادية 2013، كنموذج للإجابة عن السؤال الذي طرحناه.
جاءت هذه القولة كما يلي:
« القوة المستخدمة طبقا للقانون أقل ضررا من القوة التي تحركها الأهواء.»
أوضح (ي) مضمون القولة وبين (ي) قيمتها.
فما الذي ورد في عناصر الإجابة على مستوى مناقشة هذه القولة؟
أول مفارقة نصادفها في عناصر الإجابة هو القول بأنه «يمكن أن يناقش المترشح (ة) الأطروحة الكامنة في القولة بإبراز قيمتها ومحدوديتها، وذلك من خلال العناصر الآتية:..». وتكمن هذه المفارقة في الخلط الواقع هنا بين مصطلحي "القيمة" و"المحدودية"، مما يعني أن دليل التصحيح لا يميز بينهما. فهل المترشح إذن يكون مطالبا في المناقشة بنفس الشيء حينما يطلب منه تبيان قيمة القولة، وحينما يطلب منه مرة أخرى تبيان حدودها؟
يبدو أن عدم تمييز "دليل التصحيح" بينهما، يعني أن على مناقشتنا للقولة أن تتضمن التثمين والنقد معا، وليس التثمين وحده باعتبار أنه الأكثر دلالة على مفهوم القيمة. وبالفعل فقد وردت في عناصر الإجابة إشارات إلى أفكار تميل إلى تثمين القولة مثل «ميل السلطة الطبيعي إلى العنف ضد الفرد»، وأفكار أخرى تميل إلى إبراز محدوديتها مثل «حق الفرد مقاومة السلطة المتسلطة، باعتبارها قد تكون أداة للهيمنة الطبيعية.»
ولكن من وجهة نظر مخالفة لدليل التصحيح الرسمي، يمكن للبعض أن يفهم أن الأمر في المناقشة منحصر فقط في تبيان قيمة القولة، وليس في إبراز محدوديتها. وإذا كانت القيمة تعني ما هو جدير بالتقدير والاهتمام، فإن مناقشة القولة ستتجه نحو تبيان أهميتها وإبراز النتائج الإيجابية المترتبة عنها، مادام أن عنف الدولة، سواء كانت استبدادية أم ديمقراطية، هو أقل ضررا من العنف المدمر الصادر عن الأهواء والغرائز الطبيعية.
لكن هناك، من سيذهب في اتجاه ما ورد في دليل التصحيح، وسيعتبر أن مطالبة المترشح بتبيان أطروحة القولة يعني أيضا نقدها، وذلك لاعتبارين؛ الأول هو أن كل أطروحة في الفلسفة لا تسلم من النقد والمراجعة وتقليبها على كافة الأوجه للكشف عن ثغرات موجودة فيها، والثاني أن قيمة الشيء هي قيمة نسبية تختلف باختلاف الرؤى والمنظورات.
ونحن لا نملك أمام هذا الاختلاف إلا أن نقف في منزلة بين المنزلتين؛ وتتمثل في أن تبيان قيمة أطروحة القولة يعني بالأساس إبراز وجاهتها وأهميتها والنتائج الإيجابية المترتبة عنها، وهذا ما ينبغي للمترشح أن يخصص له الحيز الأكبر في المناقشة، ولكن يمكنه أيضا أن يخصص حيزا ثانيا صغيرا للتساؤل حول درجة أهمية أطروحة القولة، وإمكانية الاختلاف معها في بعض الأوجه.

2-   السؤال الذي يطالبنا بتبيان حدود القولة:

يمكن القول أن إبراز حدود أطروحة القولة أثناء المناقشة هو صورة معكوسة لإبراز قيمتها. ولذلك، فتبيان حدود الأطروحة يعني ممارسة النقد عليها وإبراز تهافتها وضعفها، وذلك بالنظر إلى النتائج السلبية المترتبة عنها أو بالنظر إليها من زوايا مغايرة أو معارضتها بأطروحات أخرى، أو بتبيان ضعف حججها واستدلالاتها..الخ. ويمكن للمترشح أن يقف عند هذا الحد، أما إذا أضاف فقرة يبرز فيها جانبا من القيمة أو الأهمية التي تتمثل في أطروحة القولة، فلا بأس في ذلك، على أساس أن يكون مستوى النقد قد احتل الجزء الأكبر في المناقشة. ولعل الأمر في ذلك متروك إلى قناعات التلميذ واختياراته، مادام أن من بين أهداف منهاج الفلسفة هو تعلم التلميذ ممارسة التفكير الحر والمسؤول، وتعلم الشجاعة في استخدام العقل وفي التعبير عن الرأي المدعوم بحجج.

3-   السؤال الذي يطالبنا بتبيان أبعاد القولة:

سننظر في نموذج اختباري يتعلق بسؤال ذي مطلبين، يدعونا مطلبه الثاني إلى تبيان أبعاد القولة. ويتعلق الأمر بالنموذج التالي، والذي ورد في الامتحان الوطني الموحد للبكالوريا، مسالك الشعب العلمية والتقنية والأصيلة، الدورة العادية 2010:
« لكي يكون المجرب جديرا بهذه الصفة، عليه أن يكون منظرا وممارسا في الوقت نفسه... فاليد الماهرة التي لا يوجهها عقل هي أداة عمياء، والعقل دون اليد التي تنجز يظل عاجزا.»
اشرح مضمون القولة وبين أبعادها
وبين أن مناقشة القولة، هنا، ستنصب حول تبيان أبعاد الأطروحة المتضمن فيها. وهذا ما يدفعنا إلى التساؤل: ما المقصود بأبعاد القولة؟
 حينما نتحدث عن أبعاد فكرة ما، فإننا نقصد دلالاتها ومعانيها البعيدة، وأيضا مختلف الجوانب أو المستويات التي تتعلق بها أو تحيل إليها، كالأبعاد الذاتية والاجتماعية والثقافية والتاريخية، أو الجوانب الاقتصادية والسياسية والاقتصادية..الخ. ولذلك، يبدو أن تبيان أبعاد أطروحة القولة هو تقليبها على أوجه متعددة من أجل اختبار مدى صحتها وصلاحيتها ومحدوديتها. وهنا قد نكون أمام عدة احتمالات ممكنة؛ فقد يبرز التلميذ صلاحية وقيمة أطروحة القولة في هذا المستوى أو الجانب، ويظهر محدوديتها في مستوى أو جانب آخر. كما قد يبرهن على قيمتها وأهميتها على كافة الأبعاد والمستويات، وبالعكس قد يبرز ضعفها وحدودها على كافة الجوانب والأبعاد، وذلك بحسب قناعات التلميذ وطبيعة الحجج التي سيستخدمها من أجل تبرير موقفه المساند أو المعارض للأطروحة المتضمنة في القولة. وواضح أن موقف التلميذ هنا سيتأرجح بين التثمين أو النقد، أو المزاوجة بينهما. 
وإذا طبقنا ما نقوله على النموذج الذي اخترناه، فإن موقف التلميذ إما أن يوافق الأطروحة المتضمنة في القولة، والتي ترى أن إنتاج النظرية العلمية يتطلب التكامل بين العقل والتجربة، وذلك عن طريق تبيان دلالات وأهمية هذا التكامل في حقول معرفية مختلفة، وأثناء خطوات المنهج العلمي نفسه. كما قد يختار التلميذ معارضة هذه الأطروحة، بأن يبين أن هناك مجالات علمية نظرية تكون النظرية فيها إبداعا عقليا خالصا، ولا تتطلب أي تدخل للتجربة، أو يبين العكس بأن هناك مجالات علمية تكون التجربة فيها هي منطلق بناء النظرية ومعيار صحتها، ويكون للعقل فيها دورا ثانويا وباهتا. كما يمكن أن يزاوج التلميذ بين التثمين والنقد، فيبين أن التكامل ضروري بين العقل والتجربة في حقول معرفية معينة، ولكنه غير ضروري في بعض الجوانب أو الحقول المعرفية الأخرى.

4-   السؤال الإشكالي المذيل للقولة:

هذه الصيغة خاصة بمسلك العلوم الإنسانية، وهي التي تكون فيها القولة مرفقة بسؤال إشكالي مفتوح، أو مرفقة بسؤال يطالبنا بالانطلاق من القولة والإجابة عن سؤال إشكالي مفتوح. وسنتخذ كمثال على ذلك النموذجين التاليين:
-          النموذج الأول: (الامتحان الوطني الموحد للبكالوريا، الدورة العادية 2013، مسلك العلوم الإنسانية)
« ينبغي أن نكون عبيدا للقوانين كي نكون أحرارا.»
بين (ي)، انطلاقا من تحليلك للقولة، هل الحرية خضوع للقوانين أم تجاوز لها؟
يطالبنا هذا النموذج الأول بتحليل القولة واستخراج أطروحتها، ثم بعد ذلك بالإجابة عن سؤال مفتوح تعتبر أطروحة القولة هي إحدى الإجابات الممكنة عنه. وهكذا سيكون علينا أن نجيب عن السؤال انطلاقا مما تطالبنا به أداة استفهامه، لأن استراتيجية المناقشة ستختلف بحسب أداة الاستفهام في السؤال؛ ومن أشهر أدوات الاستفهام الواردة في الامتحانات الوطنية نجد "هل" التي يراد منها طلب التصديق، وذلك من خلال الإجابة بنعم أو لا، مما يجعلنا أمام جوابين أو أطروحتين مختلفتين، مع إمكانية وجود أطروحة ثالثة توفق بينهما أو تتجاوزهما.
 وهكذا سيكون علينا في النموذج الأول أن نقدم أطروحة القولة كجواب أول عن السؤال، وهي الأطروحة التي تقول بأن الحرية تكمن في الامتثال للقوانين والخضوع لها، ثم بعد ذلك نناقشها بأطروحة أخرى معارضة ترى أن الخضوع للقوانين يكون أحيانا متنافيا مع الحرية، إذا كانت تلك القوانين ديكتاتورية أو ظالمة. ويمكن للتلميذ أن يتبنى إحدى الأطروحتين أو يتجاوزهما معا ويركب بينهما، المهم هو أن يستخدم في ذلك حججا متماسكة ومناسبة.
غير أننا نجد في الأسئلة المذيلة للقولة أدوات استفهام أخرى، مثل: كيف، بأي معنى، لم، من أين..الخ. وبطبيعة الحال، فمسار المناقشة سيتحدد ويختلف باختلاف أدوات الاستفهام نفسها؛ فأداة الاستفهام "بأي معنى"، مثلا، يراد منها طلب التفسير والتوضيح، بحيث نكون مطالبين بتوضيح أو تفسير الأطروحة المتضمنة في السؤال، أما أداة الاستفهام "لم"،  فهي تطالبنا بالبحث عن العلل والأسباب المتعلقة بالأطروحة المتضمنة في السؤال، وأداة الاستفهام "من أين" تطالبنا بالبحث عن الأسس أو المنابع التي تستند إليها فكرة ما، في حين أن أداة الاستفهام "كيف"، وهي الواردة في النموذج الثاني أعلاه، تستدعي منا التوضيح والتفسير شأنها شأن أداة الاستفهام "بأي معنى".
-         النموذج الثاني:(الامتحان الوطني الموحد للبكالوريا، مسلك العلوم الإنسانية، الدورة العادية 2011م)
« إن المساواة واللامساواة التامتين، هما ظالمتان بين أفراد ليسوا متساوين عموما.»
كيف للمساواة واللامساواة التامتين أن تناقضا العدالة؟

سيكون علينا في هذا النموذج الثاني أن نبين كيف أن العدالة لا تكمن في المساواة التامة بين الناس، ونقدم الحجج التي تبرر ذلك، ثم نبين أنها لا تكمن أيضا في اللامساواة التامة بين الأفراد، ونقدم المبررات الكفيلة بتدعيم ذلك. وهنا سنجد أنفسنا بصدد تدعيم وتثمين أطروحة القولة التي تتضمن إجابة ممكنة عن السؤال، وبعد ذلك يمكننا الاعتراض عليها من بعض الأوجه؛ بأن نبين مثلا بأن المساواة التامة أمام الدستور والقانون هي شرط ضروري للحديث عن العدالة القانونية، وبأن اللامساواة من الناحية الاقتصادية هي أيضا شرط ضروري لتحقيق العدالة كإنصاف، مادام الناس غير متساوين في القدرات والكفاءات. وهكذا تتطلب المناقشة هنا تقديم عدة توضيحات بصدد علاقة العدالة بالمساواة واللامساواة، وربط ذلك بالأشكال المختلفة للعدالة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.