عالم الفلسفة
بقلم محمد الشبة
هناك من يعتبر أن " الفلسفة
لغز محير".
وربما يقصد أن الفلاسفة لا يتناولون إلا القضايا الشائكة، ولا يطرحون
سوى الأسئلة التي لا نجد جوابا واحدا حولها. وبهذا المعنى يمكن القول بأن الفلسفة
تهتم بألغاز الفكر البشري، وتنبثق أسئلتها من الألغاز التي تعتري الوجود سواء
الطبيعي أو الإنساني. فاللغز يدفع إلى الدهشة، وهذه الأخيرة تمثل الرحم الذي يخرج
منه السؤال الفلسفي الباحث عن حل أو إجابة ممكنة عن اللغز/المشكلة.
وهذا اللغز يعيشه كل من تجرأ على ولوج عالم الفلسفة الواسع والرائع. فالفلسفة
تحتاج إلى جرأة في استخدام العقل، إذ لا يلج عالمها إلا من كانت له مثل هذه الجرأة
الفكرية. كما أن عالم الفلسفة شاسع؛ فهي بحر لا ساحل له، إذ يهتم الفلاسفة بقضايا
لا حصر لها: وجودية وجمالية وأخلاقية وسياسية ولغوية ومعرفية ...الخ.
إن علم الفلسفة رائع؛ وروعته
تأتي من طبيعة مواضيعه المحيرة للعقل والمرتبطة بقضايا أساسية في حياة الإنسان.
كما أن طبيعة تناول الفلاسفة ومعالجتهم لتلك المواضيع هي أيضا ممتعة ورائعة.
فالروعة تأتي من الموضوع والمنهج معا.
إن تاريخ الفلسفة، كما عبر عن ذلك الفيلسوف الألماني الكبير كارل ياسبرز «هو تاريخ
أسئلة أكثر منه تاريخ أجوبة، وكل جواب يصبح بدوره سؤالا جديدا.»
ويمكن الوقوف عند خاصيتين أساسيتين في تفكير الفيلسوف؛ فهو أولا يحلل
القضايا والظواهر لكي يفككها إلى أجزائها الأساسية في محاولة منه لفهمها على نحو
أفضل، وقد جعل ديكارت قاعدة التحليل أو التقسيم كقاعدة أساسية ضمن قواعده الأربع
لحسن استخدام العقل. كما أن الفيلسوف يمنطق أفكاره ويعرضها على نحو معقلن ومبرهن
عليه؛ ولذلك فهو يعتمد على عدة أساليب حجاجية للدفاع عن أفكاره وجعلها معقولة
ومتناسبة مع قواعد التفكير السليم. لقد حاول الفلاسفة بشتى أساليبهم الفكرية أن
يرسموا صورة عقلية عن الحياة وعن القضايا التي يتخبط الإنسان فيها. وقد أشار
الفيلسوف جون لاكروا إلى أن الفلسفة لا تعدو أن تكون ترجمة عقلية لتجارب معيشية.
كما نبه مارتن هيدجر إلى أن الفلسفة شأن من شؤون العقل، إذ حتى العواطف النبيلة لا
مكان لها في الفلسفة؟؟
إننا نجد الفيلسوف يسعى إلى الكشف عن حقيقة الأشياء، لأن الفلسفة هي
محبة الحكمة؛ فهي بحث عن الحقيقة التي تعتبر ضالة الفيلسوف والهدف الذي ينشده.
وهذا يبين نزاهة الفكر الفلسفي وتجرده عن كل أنانية وتمركز حول الذات؛ فقضايا
الفيلسوف هي قضايا كونية وهدفه هو خدمة الناس جميعا.
إن من يحب الفلسفة يحب الحياة، لأن الفلسفة بناء وعطاء وليست هدما
وفناءا. فالفيلسوف وإن استخدم معاوله للهدم، فإنما يفعل ذلك تجاه من يراه باطلا أو
خاطئا، ليعقب ذلك بعملية البناء المتمثلة في إعطاء بدائل تخدم الحياة وتزرع فيها كل
ما هو حق وخير وجمال.
إن الفيلسوف يحب الحياة التي يراها من خلال تفكيره العقلي وليست
الحياة التي قد يعاينها بحواسه. ولذلك قال أحد الفلاسفة: «إننا لا نرى العالم
بحواسنا بل نراه بمفاهيمنا.»
صحيح أننا لا يمكن أن نعرف كل الأشياء. وقد قال سقراط قديما: « كل ما
أعرف هو أنني لا أعرفا شيئا». وهذا يعبر عن الوعي الفلسفي الحقيقي المتمثل في كون الفيلسوف الحق هو
الذي له وعي صحيح بالأشياء التي يجهلها، وهو يستخدم طاقته الفكرية من أجل تجاوز
هذا الجهل. لكن يبدو أن رحلته في البحث عن الحقيقة لا تنتهي إلا مع الموت، لأنه لا
يمكن أن نعرف كل شيء أبدا.
ورحلة بحث الفيلسوف هاته تتطلب منه الزاد والعدة العقلية، كما تحتاج
منه إرادة وعزيمة، أما إذا كان ضعيفا فأول مشكل يصدمه يتراجع إلى الخلف. فالقوة
والجرأة والإصرار وطول النفس والثقة في النفس ودماثة الخلق وعشق الحقيقة ... هي
لعمري من أهم سمات الفيلسوف الأصيل.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.