منهجية تحليل النص ومناقشته
بقلم: محمد الشبة
1-
الخطوات الأساسية للإنجاز:
1-1
- العمل في المسودة:
قبل كتابة الموضوع الإنشائي في ورقة التحرير
لا بد من القيام بإعداد قبلي للموضوع في المسودة. ونحن نقترح أن يتم هذا الإعداد
وفقا للخطوات التالية:
-
قراءة النص قراءة متأنية ومتفحصة...
-
إمكانية تقسيم النص إلى فقرات أو وحدات
أساسية، بالاعتماد على المؤشرات المفاهيمية أو التمفصلات الدلالية..
-
شرح جمل النص وفقراته من بدايته إلى نهايته،
وذلك بالعمل على تحليل المفاهيم المكونة لها وتحديد العلاقات الموجود بينها...
-
وهذا سيمكننا من اكتشاف وتسجيل مجموعة من
الأفكار والمعاني والدلالات الكامنة في النص...
-
استخراج الأساليب الحجاجية المتضمنة في
النص، وقد تكون بلاغية أو استدلالية أو مستمدة من الواقع، وتحديد وظائفها في سياق
النص...
-
استخلاص أطروحة النص الأساسية.
-
انطلاقا من أفكار النص وأطروحته نحدد إشكاليته،
ونصوغها من خلال أسئلة دقيقة ومترابطة، بعضها يستدعي تحليل النص وبعضها الآخر
يستدعي مناقشته.
-
ومن خلال كل ما سبق، نعمل على استحضار
معلومات متنوعة مستمدة من الواقع ومن حقول معرفية مختلفة من شأنها أن تساعدنا على
مناقشة أفكار النص، وكذلك استدعاء مواقف فلسفية ناقشت نفس إشكال النص، وتسعفنا في
نقد أو تثمين أطروحة النص والأفكار المتضمنة فيه...
بعد هذا ننتقل إلى ورقة التحرير:
1-2
- العمل في ورقة التحرير:
تتكون الكتابة الإنشائية الفلسفية من ثلاث خطوات كبرى: مقدمة، عرض
وخاتمة.
·
المقدمة:
تشتمل على:
أ-
التمهيد:
ويجب أن يكون مناسبا لموضوع
النص، ويتضمن تبريرات كافية لطرح الإشكال. وهو يعتمد عدة صيغ منها:
- الانطلاق من
تعريف المفهوم الأساسي في النص.
- أو الانطلاق
من التقابلات الموجودة في النص (الحرية والإكراه، المطلق والنسبي، العقل
والتجربة...الخ)
- أو الانطلاق من التأطير التاريخي لإشكالية النص؛ أي الإشارة إلى
السياق التاريخي والثقافي الذي أثار اهتمام الفلاسفة بالإشكالية المطروحة في النص.
- أو الانطلاق من الواقع المعيشي واليومي: حادثة، قصة، تجربة خاصة
أو عامة...
- أو يمكن للتلميذ إبداع صيغ أخرى للتمهيد، المهم هو أن تكون
مناسبة لموضوع النص، وتقدم تبريرات كافية لصياغة أسئلة الطرح الإشكالي.
نؤكد هنا أنه يجب أن يكون هناك ربط قوي بين التمهيد والصياغة
الإشكالية، وإلا لم يكن للتمهيد قيمة حقيقية. كما يجب أن يكون التمهيد مختصرا ولا
يتضمن حديثا مفصلا عما هو موجود في النص أو يصرح بأطروحة النص؛ إذ أن محل ذلك هو
لحظة التحليل وليس لحظة التمهيد.
ب-
طرح الإشكال:
وهنا نصوغ التساؤلات التي تعبر عن الإشكال الذي يتضمنه النص من خلال
صيغ استفهامية تنتهي بعلامات استفهام، وهو ما نكون قد قمنا به من قبل في المسودة،
فنكتفي هنا بنقله في ورقة التحرير مع التدقيق فيه أكثر. وقد نطرح تساؤلين أو أكثر
حسب طبيعة الإشكال الوارد في النص. كما يشترط في التساؤلات أن تكون مترابطة وبينها
وحدة عضوية.
ويتم صياغة الإشكال انطلاقا من أطروحة النص والأفكار الأساسية
المرتبطة بها في النص؛ إذ يتم طرح الأسئلة التي يفترض أن تلك الأطروحة إجابة عنها.
كما نطرح أسئلة تدعونا لمناقشة تلك الأطروحة.
فإذا افترضنا مثلا أن أطروحة النص تقول بأن الشخص حر في بناء نفسه،
فسيكون علينا التساؤل: هل الشخص حر في بناء نفسه أم أنه خاضع لإكراهات؟ وهل القول
بأن الشخص حر في بناء نفسه يلغي خضوعه لأية إكراهات؟ وما هي هذه الإكراهات؟
أو يمكن اعتماد صيغ تعبيرية أخرى، المهم هو التعبير بدقة عن الإشكال
الموجود في النص.
وينبغي أن نشير هنا أنه لا يجب على التلميذ طرح كل إشكالات الدرس؛ أي
أنه لا يجب إسقاط إشكالات من الخارج على النص، بل يجب طرح فقط التساؤلات التي تعبر
بدقة عن الإشكال المتضمن فيه.
·العرض:
ويتضمن فقرتين أساسيتين: التحليل والمناقشة.
أ-
التحليل:
ويتعلق الأمر هنا بتحليل النص والاشتغال عليه من خلال كتابة فقرات
متناغمة ومتسلسلة، تتضمن الجوانب التالية التي سبق أن أثبتناها في المسودة:
- تحديد أطروحة
النص من خلال تعبيرنا الشخصي، وهي الأطروحة التي تعتبر جوابا عن جوهر الإشكال
المطروح في مقدمة الإنشاء.
- الاشتغال على
فقرات النص وأفكاره الجزئية وتقديم التفاصيل المتعلقة بها. ويجب أن لا نهمل هنا
أية عبارة في النص من أوله إلى آخره. كما يجب التدرج عبر التمفصلات الأساسية للنص
والانتباه إلى العلاقات الموجودة بين فقراته.
- الاشتغال على البنية المفاهيمية للنص من خلال تحديد دلالات
المفاهيم الرئيسية الواردة فيه، خصوصا تلك التي لها علاقة قوية بالأطروحة، وكذلك
استحضار ما يناقضها من مفاهيم، لأن المفهوم قد يشرح أحيانا باستحضار نقيضه. كما يتعين
تحديد العلاقات التي يقيمها النص بين مختلف تلك المفاهيم، وما تستدعيه من أبعاد
ودلالات مختلفة.
- الاشتغال على البنية الحجاجية للنص عن طريق استخراج الحجج أو الأساليب
الحجاجية المستعملة في النص (مثال، مقارنة، تشبيه، استقراء، استنباط، حجة
واقعية، حجة علمية...)، والعمل على
التعبير عن مضامينها ووظيفتها في النص؛ أي ربطها بالأفكار التي تسعى إلى إثباتها
أو نفيها.
- لا بد من أن يعمل التلميذ في لحظة التحليل هاته على توظيف بعض
مكتسباته المعرفية، وتقديم بعض الأمثلة من تجاربه في الحياة، من أجل إغناء النص
وتوضيح بعض الأفكار التي اكتفى صاحب النص بمجرد الإشارة أو التلميح إليها.
وينبغي الإشارة هنا أنه لا تخضع هذه الخطوات، أثناء التحليل، لترتيب
جاهز وقار، كما أنها لا تقدم منفصلة عن بعضها البعض، بل هي متداخلة ويمكن التعبير
عنها دفعة واحدة، بشكل سلس ومتساوق. فمثلا يمكن تقديم أفكار النص من خلال عرض
مفاهيمه أو أساليبه الحجاجية، فنقول مثلا:
« لقد قارن
(=أسلوب المقارنة) صاحب النص بين الإنسان والحيوان لكي يؤكد على فكرة رئيسية،
وهي أن الإنسان يتمتع بالكرامة ويعتبر غاية في ذاته في حين يعتبر الحيوان مجرد
وسيلة (=وظيفة أسلوب المقارن في النص)...»
فنحن نلاحظ أننا جمعنا هنا بين التعبير عن أسلوب حجاجي وارد في النص،
وتقديم الفكرة التي استخدم هذا الأسلوب الحجاجي للدفاع عنها.
ويمكن قول نفس الشيء بالنسبة لعلاقة المفاهيم بالأفكار الواردة في
النص؛ إذ يمكن تقديمهما دفعة واحدة. ويمكن تقديم المثال التالي:
« يعرف النص الدولة
باعتبارها تجمعا سياسيا (=تعريف مفهوم الدولة بشكل سلسل)... ويربط بينها وبين
مفهوم العنف الذي هو استخدام القوة بشكل قانوني ومن أجل تحقيق المصلحة
العامة للأفراد.(تعريف مفهوم العنف بشكل سلسل) والغرض من هذا الربط بين المفهومين
هو التأكيد على فكرة حق الدولة في احتكار العنف المشروع.(استخراج فكرة
انطلاقا من الربط بين مفهومين)»
والأمثلة في
هذا الباب كثيرة لا حصر لها...
وحينما ننتهي
من تحليل النص ونستخرج أطروحته الرئيسية، يتعين علينا التساؤل حول هذه الأطروحة عن
طريق تحديد قيمتها من جهة، وإبراز حدودها وفتح المجال لإمكانية نقدها من جهة أخرى.
وهذا ما
سيجعلنا ننتقل إلى المناقشة عن طريق نوع من الانتقال المتدرج والمتسلسل.
ب-
المناقشة:
ويمكن التمييز
فيها بين مستويين:
·
مستوى التثمين: وفيه يتعين
على التلميذ إبراز جوانب القوة أو التماسك في أفكار النص وحججه. كما يمكنه توظيف
أمثلة من الواقع، أو معطيات مستمدة من مجالات معرفية مختلفة، أو استحضار معارف أو
مواقف فلسفية من أجل إبراز وجاهة أطروحة النص وقيمتها النظرية أو العملية.
·
مستوى النقد: وفيه يسعى
التلميذ إلى تبيان ضعف بعض حجج النص، أو تبيان بعض الثغرات أو الجوانب التي أغفلها
صاحب النص. كما يمكن للتلميذ استدعاء وقائع من الحياة، أو معارف متنوعة، أو
أطروحات فلسفية تسمح لنا بتوجيه أشكال مختلفة من النقد الموجه نحو أطروحة النص
والحجج التي تتأسس عليها. ولهذا، فالنقد هنا قد يتوجه إلى الأسس والمنطلقات
والفرضيات الضمنية أو الصريحة التي تنبني عليها الأطروحة، أو قد يتوجه إلى الحجج
التي تدعمها، أو قد يتوجه إلى النتائج
السلبية التي قد تنجم عن تطبيقها على أرض الواقع...
ويجب الإشارة
هنا أنه يجب أن لا نستدعي من أفكار الفلاسفة إلا ما يخدم مناقشتنا لما هو موجود في
النص؛ إذ لا يجب تقديم المواقف الفلسفية كما هي واردة في الملخص حرفيا، بل يجب
محورتها وتكييفها مع ما هو وارد في النص.
وهكذا إذن يتعين
إدخال المواقف الفلسفية في حوار مباشر مع النص من جهة، كما يتعين خلق حوار حقيقي
وفعلي بينها من جهة أخرى. هذا فضلا عن ضرورة اتخاذ التلميذ لموقف محدد من
الأطروحات والأفكار الفلسفية التي يستحضرها ويستخدمها أثناء المناقشة، ولا يقبل
منه أبدا الانسحاب من معركة النقاش!!
·
الخاتمة:
وهي تتضمن
خلاصة تركيبية وسؤالا مفتوحا.
أ-
الخلاصة:
هي تعبير عن
النتائج التي انتهينا إليها من خلال التحليل والمناقشة. ويمكن فيها التوفيق بين
المواقف المختلفة إذا كان بينها تكامل، أو الجمع بينها ضمن موقف تركيبي يتجاوزها
جميعا، أو ترجيح كفة موقف ما إذا بدا أكثر إقناعا للتلميذ. وهذا يرتبط بالموقف
الذي تبناه التلميذ منذ لحظة المناقشة.
والشرط
الأساسي الذي ينبغي أن يتوفر في الخلاصة، هو أن تعبر بصدق عن النتائج المنطقية
التي سبق أن تم تبريرها وتوضيحها في لحظة المناقشة.
ويجب أن نتجنب
هنا الخلاصات الجاهزة، وكذلك المقدمات الجاهزة، لأن هذا لا يتناسب مع طبيعة
التفكير الفلسفي كفكر إبداعي؛ فالمقدمة يشترط فيها أن تكون متناسبة مع طبيعة
الموضوع الاختباري الذي لا يمكن توقعه مسبقا، في حين يشترط أيضا في الخلاصة أن
تكون مرتبطة بما يتم تقديمه في التحليل والمناقشة، وهذا مما لا يمكن توقعه بشكل
مسبق أيضا.
ب-
السؤال المفتوح:
وهو عبارة عن
تساؤل أو تساؤلات نطرحها دون أن نجيب عنها، ووظيفتها هي نقد الخلاصة المرتبطة
بالموضوع وتبيان حدودها أو فتحها على آفاق أخرى أرحب، أو إثارة بعض التساؤلات
المرتبطة بالإشكال الذي تمت معالجته في الموضوع.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.