ملاحظاتي على إجابة تلميذة عن نص
في فرض محروس للسنة 2 باك
·
نص الموضوع:
أن
يكون المرء ذاتا معناه أن يحتل المركز داخل عالمه الخاص ويملأ موقع الأنا. إنه من
البديهي ان يكون كل واحد منا قادرا على قول "أنا"، وكل الناس قادرون على
قول "أنا" ولكن لا أحد يستطيع قول "أنا" إلا لذاته ولا أحد
يمكنه قولها للآخر حتى لو كان توأمه الحقيقي الذي يشبهه تماما، فكل من يقول
"أنا" إنما يقوله لذاته.
أن
يكون المرء قادرا على قول "أنا" وأن يكون ذاتا معناه أن يحتل موقعا
وموضعا حيث يكون في مركز عالمه حتى يتمكن من النظر إليه وإلى ذاته. وهذا ما نسميه
مركزية الذات. لكن تعقد شعورنا بفرديتنا [وهويتنا] هو على درجة تجعلنا حين نضع
أنفسنا في مركز عالمنا، نضع معها أيضا أهلنا أي آباءنا وأطفالنا ومواطني مدينتنا
ونكون قادرين حتى على التضحية بحياتنا من أجلهم. إن مركزية ذواتنا يمكن أن توجد
منضوية ضمن ذاتية مشتركة أكثر اتساعا. يجب أن يكون تصورنا للذات معقدا. أن يكون
المرء ذاتا هو أن يكون مستقلا وتابعا في الوقت ذاته
حلل النص وناقشه
·
إجابة التلميذة:
دأبنا على تعريف الشخص انه تلك الذات في طبعها الواعية لكن
كيف تكمن امكانية اثباث هذه الذات؟ هل في تقوقعها وعزلتها عن الغير ام في تعاملها
معه ؟
استهل صاحب النص نصه باسلوب الشرط "ان يكون ..."حيث
يشترط على امكانية ذاتية المرء، شروط عدة تتمثل في ان يحتل هذا المرء المركز داخل
عالمه الخاص : ويقصد بهذا المركز هنا هو الجوهر .اما عالمه الخاص فكل مايرتبط
باحاسيس وشعور ومعتملات داخلية، وكذا رغبات وافكار أي الوعي.
فمن البديهي على هذا المرء ان يكون قادرا على مناداة نفسه
"بأنا" ليستدرك صاحب النص نفسه في قوله "ولكن ..." ويحدد لنا
من يمكن مناداتهم "بأنا" ليستنتج ان لا احد بمقدوره مناداة ذات اخرى
بأنا، حتى ولو كان توأمه الحقيقي، فكل أنا تنسب الى الذات دون أخرى.
لينتقل الى الفقرة الثانية معيدا اسلوب الشرط ، وذلك لبيان
الشروط الممكن الأخد بها لقول أنا . وان يكون هذا "الأنا " ذاتا بطبيعته
ليفسر لنا ما قصده بالذات هنا .فهي تدل على احتلال موقع المركز داخل العالم
الداخلي ليتمكن من اعتبار نفسه ذاتا .هذا ما سماه صاحب النص بمركزية الذات ترى
ماهي ابعاد هذه النتيجة (مركزية الذات) ؟ الى ما يريد ان يوصلنا صاحب النص ؟
ربما هنا يشير الى ضرورة تقوقع الذات حول نفسها لاثباث
ذاتيتها دون اللجوء الى الغير او العالم الخارجي لاثباث ذلك .
ليستدرك كل هذا ويقول بان هذا الشعور بالتفرد و التقوقع داخل
مركز عالمنا الخاص او الدخلي لا يفتأ من ركام ارتباطنا بأهلنا وأطفالنا ومواطني
مدينتنا، وكذا صعوبة التخلص من هويتنا الثقافية و العرقية.
بل يصل مدى ارتباطنا بهذه الهوية والغير بصفة عامة الى
التضحية بحياتنا من اجلهم فما بالك و التقوقع داخل ذواتنا دون اللجوء الى الاغيار
والارتباط بهم .
ليخلص في اخر نصه ويفضي الى ان مركزية الذات ممكنة من خلال
احتمال واحد وهو ان تكون هذه المركزية منطوية ومنتمية لذاتية مشتركة واكثر اتساعا
، تشمل ذوات متعددة وهويات مختلفة أي لابد من الارتباط بالغير رغم استقلالية
الذات.
ناقش صاحب النص اطروحته بمبدأ ...الثنائيات ، والتقابل بين
الاخبار ، فحين يتطرف الى فكرة وهو مناقض لها ، يستعمل اسلوب الاستدراك فيها
وبالتالي ينفيها ويؤسس على أنقاضها فكرته .
فصاحب النص يرى بأن المرء يجب عليه ان يكون ذاتا في طبعه من
خلال تمركزه في عالمه الخاص . لكن هذا التمركز وهذا الشعور بالفردية يعيقه
الارتباط بالغير والتشارك في هوية واحدة.
اجمالا فان صاحب النص يدافع عن اطروحته الجلية وهي ان لإثباث
الانا يجب التقوقع داخلها. ولكن هده الاستقلالية تظل تابعة في الوقت ذاته.
على عكس هيكل الذي يدحض الموقف الاقصائي للغير ليؤسس تصوره
المدافع عن ضرورة وجود الغير لاثباث الذات وذلك غير صراع مرير "جدلية السيد
والعبد" مند بداية التاريخ.
ولكن ما الذي دفع ديكارت الى الاستغناء عن الغير ؟
يجيب ديكارت ويقول بأن وجود الغير بالنسبة له هو وجود استدلالي
افتراضي فقط. مايجعله يعيش حالة توحد انطولوجي وعزلة ايبيستيمية .تدخل في نطاق
عملية الشك التي وردت في الكوجيطو ، انا اشك ، انا افكر، اذن انا موجود.
فهنا يتضح لنا ان صاحب النص يدمج بين موقف هيكل حين قال : أن
يكون المرء ذاتا يجب عليه ان يكونا مستقلا (ديكارت) وتابعا في نفس الوقت (هيكل).
ومن هنا فانا اتفق مع موقف صاحب الحيادي ، والذي يجمع بين
الموقفين السابقين وبذلك فان موقف ديكارت لايصمد أمام النقد .
ونلمس اطروحة النص من خلال واقعنا وذلك من خلال ضربنا للمثال
التالي : حين نرغب بإثبات ذواتنا نحتاج إلى عزلة قبلية فعلا ولكن لتطبيق تلك
النظرية يجب التعامل مع الغير .
وبدلك فان صاحب النص يدمج بين الموقفين ويخلص الى الازدواجية
التالية ، لتحقيق داتية الأنا يجب أن يكون مستقلا وفي نفس الوقت تابعا للغير .
·
الملاحظات:
لا بد أن أسجل في
البداية أن النص المختار للتقويم ليس نصا في متناول كل التلاميذ، خصوصا حينما
يتعلق الأمر بأجواء الفرض المحروس، والدليل أن التلميذة هنا -وهي صاحبة أحسن
موضوع- عانت في تعاملها مع هذا النص وتخبطت وسط منعرجاته ولم تتمكن من تقديم أمثلة
ملموسة لتوضيح أفكاره.
مصدر الصعوبة في
نظري هو أن التلميذ سيحتار أثناء محاولة فهمه للنص، بما إذا كان يتعلق الأمر بهوية
الأنا/الشخص في علاقته بذاته وبالغير أو يتعلق الأمر بوجود الذات/الشخص في علاقته
بأناه وبالغير، أو ما إذا كان الأمر يتعلق بهما معا؟؟؟
كل هذا يعني
بالطبع أن النص ليس واضحا بالنسبة للتلميذ ويحتاج منه مجهودا حقيقيا في محاولة
فهمه، وقد يتيه أثناء هذه المحاولة أو قد يوفق بهذه الدرجة أو تلك.
لنحاول إذن من
خلال الملاحظات التالية أن نتبين درجة نجاح التلميذة في فهم النص ومناقشته؛
1-
المقدمة:
ما يلاحظ عليها هو
أنها مختصرة جدا، لا تكاد تتجاوز السطرين، ولعل هذا الاختصار الشديد يبين كيف أن
التلميذة لم تقدم التبريرات الكافية لصياغة الإشكال؛ إذ من المعروف أن المقدمة
تتضمن التمهيد وطرح الإشكال، والأول هو الذي من شأنه أن يمنح للمقدمة غناها
وتميزها ويبين مدى قدرة التلميذة على فهم الموضوع وإعطاء تبريرات منطقية لصياغة
إشكاله صياغة دقيقة.
فهل يمكن اعتبار
الجملة التالية تمهيدا كافيا ؟:
دأبنا
على تعريف الشخص انه تلك الذات في طبعها الواعية لكن كيف ...
إذ لا يكفي أن
ننطلق من كون الشخص ذات واعية لكي نطرح إشكالا يتعلق بإمكانية إثبات الشخص لذاته
أثناء انعزاله أو انفتاحه على الغير؛ فلا بد من تضمن مقدمة الاستدلال على دلالات
تتعلق بمفهوم العزلة وإحراجاتها أو دلالات تتعلق بحضور الغير في قلب ذات الشخص أو
ببعض أشكال العلاقة بينهما حتى يتسنى لنا طرح الإشكال على النحو الذي صاغته
تلميذتنا:
كيف
تكمن امكانية اثباث هذه الذات؟ هل في تقوقعها وعزلتها عن الغير ام في تعاملها معه
؟
ثم دعنا الآن نعود
إلى النص لنرى مدى دقة هذا الإشكال، وما إذا كان بالإمكان صياغته على نحو آخر.
في بداية النص نجد
الجملة التالية:
أن
يكون المرء ذاتا معناه أن يحتل المركز داخل عالمه الخاص ...
ثم نجد في نهايته
الجملة التالية:
أن
يكون المرء ذاتا هو أن يكون مستقلا وتابعا في الوقت ذاته
فانطلاقا من
الجملتين يمكن صياغة الإشكال الرئيسي في النص، في حين يمكن استخلاص الأطروحة من
الجملة الأخيرة.
هكذا يمكن تحويل
الصيغة الخبرية للجملتين إلى صيغة استفهامية للحصول على الإشكال على النحو الآتي:
ما معنى أن يكون
المرء ذاتا؟ هل يكون كذلك من خلال انعزاله واستقلاله عن الغير أم من خلال انفتاحه
عليه؟ وبطبيعة الحال يمكن شرح وتطوير الإشكال من خلال تساؤلات أخرى من قبيل:
كيف يحضر الغير
كمكون أساسي من مكونات هوية الذات؟ وهل يمكن الحديث عن هوية للذات في تمركزها
وتقوقعها أم أن الغير وخصوصا أقاربنا ومواطنينا يساهمون في تكوين هذه الهوية
وتشكيلها؟
إن التساؤلين
الأخيرين يؤشر عليهما في النص ما يلي:
لكن
تعقد شعورنا بفرديتنا [وهويتنا] هو على درجة تجعلنا حين نضع أنفسنا في مركز
عالمنا، نضع معها أيضا أهلنا أي آباءنا وأطفالنا ومواطني مدينتنا ونكون قادرين حتى
على التضحية بحياتنا من أجلهم. إن مركزية ذواتنا يمكن أن توجد منضوية ضمن ذاتية
مشتركة أكثر اتساعا.
أما أطروحة النص
فنعثر عليها، كما أسلفنا، في الجملة الأخيرة:
أن
يكون المرء ذاتا هو أن يكون مستقلا وتابعا في الوقت ذاته
فهاهنا يؤكد صاحب
النص على استقلالية الذات وتبعيتها في نفس الوقت، وهذه الاستقلالية والتبعية هما
معا ما يجعلانها ذاتا.
لكن أعتقد أن رهان
فهم النص هو التأويل الذي سينصب من طرف القراء/التلاميذ/الأساتذة حول معنى قول
النص:
أن
يكون المرء ذاتا ...
فهل معناها: أن
يثبت الشخص ذاته كما فهمت التلميذة.
أم أن معناها: ان
يشكل المرء ذاته ويصنع هويته ...
أم أن معناها: أن
تكون للشخص هوية تميزه كذات إنسانية.
أم أن معناها كما
ورد في النص: أن يكون قادرا على قول أنا ... ؟؟؟
ثم كيف يمكن تأويل
وفهم المعنى الكامن وراء القدرة على قول أنا ؟ هل يعني التلفظ بقول أنا القدرة على
الوعي بالذات، وبالتالي نتحدث على إشكال دور الغير في قدرة الشخص على الوعي بذاته
وإثباتها مادام أنه لا يمكن إثبات الذات إلا من خلال عملية الوعي ؟؟ أم أن قول أنا
يعني إشارة الشخص لهويته ومن يكون، كأن أقول أنا مسلم أو أنا ليبيرالي أو أنا بطل
...؟؟
على أية حال أعتقد
شخصيا أن الأمر في النص يتعلق بإشكال الذات بين التبعية للغير واستقلالها عنه؛ فلا
يمكن أن أكون ذاتا إنسانية واعية وحرة ما لم أتمتع باستقلالية مبدئية عن الغير،
لكن في نفس الوقت لا بد أن أقر بحضور الغير داخل ذاتي نفسها ومن هنا صعوبة
الانفصال عنه. وبالتالي فالذات هنا تتأرجح بين الاستقلالية والتبعية، ورهانها هو
استغلال هذا النوع من التبعية للغير لصالح استقلاليتها.
2-
التحليل:
الملاحظة الرئيسية
على مستوى التحليل هي التي ألمحت إليها سابقا، والمتمثلة في عدم تمكن التلميذة بما
فيه الكفاية من تحويل عبارات النص ومضامينه لصالحها الخاص؛ أقصد العمل على شرح
أفكار النص وتبسيطها وإبراز مدى القدرة على فهمها من خلال أمثلة توضيحية من الواقع
المعيش أو من خلال معطيات معرفية أخرى. وهذا ما جعل التلميذة تكتفي أثناء تحليل
النص بترداد نفس كلماته وعباراته دون أن تغامر بتأويلها وجعلها تنفتح على الحياة.
بطبيعة الحال
فالتلميذة مع ذلك فقد أبانت عن فهم سليم للنص، لكنه فهم حذر يحتمي بما يقوله النص
على مستوى الظاهر، بينما المطلوب هو أن يغوص المحلل في باطن النص ويكشف لنا عن
الاحتمالات والمعاني والتأويلات المختلفة والممكنة لعبارات النص.
فالتلميذة تحدثنا
أثناء التحليل عن مفاهيم من قبيل:
التمركز على
الذات، ذاتية مشتركة، ارتباط بالغير، استقلالية الذات، العالم الداخلي، التقوقع
حول عالمنا الخاص، هويتنا الثقافية والعرقية ...
وأنا أعتقد أن هذه
التعابير والمفاهيم تحتاج لتوضيح وشرح أكثر من شأنه أن يغني تحليلنا للنص وإبراز
فهمنا الجيد له.
ولنتأمل العبارة
التالية التي أوردتها التلميذة في آخر التحليل كأطروحة للنص:
اجمالا
فان صاحب النص يدافع عن اطروحته الجلية وهي ان لإثباث الانا يجب التقوقع داخلها.
ولكن هده الاستقلالية تظل تابعة في الوقت ذاته.
ألا تحتاج هذه
الأطروحة إلى وضوح وجلاء أكثر؟ إذ ما معنى أن نثبت ذواتنا عن طريق التقوقع داخلها
؟ ما دلالات هذا التقوقع؟ ثم كيف تكون الاستقلالية تابعة في نفس الوقت ؟
لا شك أن هذا ما
يقوله النص، لكن التلميذة تردده دون أن تعمل على إبانته على نحو بسيط وواضح من أجل
فهمه على نحو أفضل.
3-
المناقشة:
في مستوى المناقشة
تظهر الصعوبات لدى التلاميذ أكثر؛ فالتلميذة هنا تنتقل بشكل مفاجئ إلى موقفي هيجل
وديكارت دون أن تربطهما ربطا حقيقيا بالنص، أو تستدمجهما من خلال تطويرها
ومناقشتها لأفكار النص. وهذا يعني الاحتماء بمواقف الفلاسفة في غياب التفكير
الذاتي في مضامين النص وأفكاره.
وقد جاء في كلام
التلميذة:
على
عكس هيكل الذي يدحض الموقف الاقصائي للغير ليؤسس تصوره المدافع عن ضرورة وجود
الغير لاثباث الذات
لكن صاحب النص لم
يقم بإقصاء الغير حتى نجعل هيجل معارضا له، بل اعتبر بأن الغير هو مكون أساسي من
مكونات الذات، وهذا واضح في قوله:
إن
مركزية ذواتنا يمكن أن توجد منضوية ضمن ذاتية مشتركة أكثر اتساعا. يجب أن يكون
تصورنا للذات معقدا. أن يكون المرء ذاتا هو أن يكون مستقلا وتابعا في الوقت ذاته
ثم تتساءل
التلميذة:
ولكن
ما الذي دفع ديكارت الى الاستغناء عن الغير ؟
دون أن تكون قد
ذكرت ديكارت من قبل ؟
ودون أن تأتي على
ذكر ديكارت ضمن سياق مناقشتها الفعلية لأفكار النص ؟؟
وقد استنتجت
التلميذة أن:
صاحب
النص يدمج بين موقف هيكل حين قال : أن يكون المرء ذاتا يجب عليه ان يكونا مستقلا
(ديكارت) وتابعا في نفس الوقت (هيكل).
وبالرغم من أن مثل
هذا الاستنتاج مقبولا إلا أنه قدم بشكل فجائي وبدون مقدمات وتوضيحات كافية.
وقد حاولت
التلميذة في الأخير توضيح أطروحة النص من خلال مثال يتيم حينما قالت:
ونلمس
اطروحة النص من خلال واقعنا وذلك من خلال ضربنا للمثال التالي : حين نرغب بإثبات
ذواتنا نحتاج إلى عزلة قبلية فعلا ولكن لتطبيق تلك النظرية يجب التعامل مع الغير .
لكنني أعتقد أن
هذا المثال يحتاج بدوره إلى مثال واقعي لتوضيحه.
على العموم فهذه
الملاحظات النقدية لا تقلل أبدا من المجهود الكبير الذي بذلته التلميذة في فهم
النص وتقديم مضامينه على نحو موفق. فهذه الملاحظات تستهدف فقط تنبيه التلميذة إلى
إمكانيات وأساليب أخرى لتطوير إمكانياتها في الكتابة الإنشائية الفلسفية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.