الأربعاء، 26 أكتوبر 2016

تجربتي في الكتابة الديداكتيكية الفلسفية




نافذة على تجربتي
في الكتابة الديداكتيكية الفلسفية

بقلم: محمد الشبة


  


بدأت مشواري في تدريس الفلسفة بمدينة الدار البيضاء، وبعد ذلك انتقلت إلى مدينتي الأم مشرع بلقصيري التابعة للنيابة التعليمية بسيدي قاسم، وبالضبط إلى الثانوية التأهيلية الأمير مولاي رشيد التي سبق وأن تلقيت فيها تعليمي الإعدادي والثانوي. 
وانطلاقا من خبرتي في التدريس، أحاول منذ سنوات أن أقطع مع عهد كان يكتفي فيه الباحثون المغاربة بمجرد نقل وترجمة وشرح واستنساخ ما هو موجود في الساحة الديداكتيكية الفلسفية الفرنسية، لأنني أعتبر أنه بالرغم من أهمية مرحلة التعرف والنقل والنسخ هاته، فإنه لا بد من الانتقال إلى مرحلة أخرى هي مرحلة الإبداع والابتكار في مجال ديداكتيك الفلسفة. ولن نكون مبدعين ومبتكرين إلا إذا كنا موهوبين من جهة، وانطلقنا من خصوصية تجاربنا الفصلية المغربية من جهة أخرى.
وقد جسدت هذا المبدأ الذي آمنت به، وهو اتخاذ التجربة الفصلية كمنطلق للإبداع الديداكتيكي، من خلال مجموعة من الأعمال الديداكتيكية النابعة من تجربتي الفصلية مع تلامذتي، والتي أحاول من خلالها أن أسس لنوع من الديداكتيك الفلسفي الجهوي. وهذا يظهر من خلال مجموعة من الأعمال التي أصدرتها لحد الآن، والتي يمكن تقديمها كما يلي:
1-   كتاب "2باك الفلسفة":


    وهو يتضمن ملخصات للمفاهيم الفلسفية المقررة نابعة من تجربتنا في التدريس، كما يحتوي على أمور كثيرة تتعلق بمنهجية الإنشاء الفلسفي، كملاحظاتنا على كتابات إنشائية تلاميذية واستقرائنا لمنهجية الإنشاء انطلاقا من نماذج تطبيقية وملموسة، واستخلاصنا لأخطاء التلاميذ في الكتابة الإنشائية انطلاقا من مواضيع إنشائية للتلاميذ أنفسهم، وغير ذلك مما تضمنه الكتاب من أعمال مصدرها هو التجربة الفصلية نفسها. وقد صدرت طبعته الثانية، وبيعت منه نسخ كثيرة في مختلف أنحاء المغرب، وبشهادة عدد كثير من التلاميذ فقد ساهم في تحسين مستواهم في الكتابة الإنشائية الفلسفية.
2-   كتابا "1باك مجزوءة الإنسان" و"1باك مجزوءة الفاعلية والإبداع":



 كما أصدرنا كتابين يتضمنان تحليلا لنصوص كثيرة من مقرر السنة الأولى بكالوريا، وهو التحليل الذي أخذناه مباشرة من دفاتر التلاميذ مع بعض التنقيحات التي لا بد منها طبعا. وهكذا، يمكن للدارس أو الناقد مثلا، أن ينطلق من النصوص الفلسفية التي قمنا بنقل التحليل الخاص بها من داخل الحجرات الدراسية، لكي يضع بعض القواعد المتعلقة مثلا بأساليب وطرق تحليل النص الفلسفي، أو يخرج بخلاصات نظرية تتعلق بممارسة أفعال المفهمة أوالمحاجة أو المناقشة أو استخدام الأمثلة، أو غير ذلك من الأفعال العقلية والمهارات التفكيرية التي يتطلبها تحليل النص الفلسفي. ونحن نتوقع أن يمكن هذان الكتابان الأساتذة المتدربين والجدد على وجه الخصوص، وباقي أساتذة الفلسفة على وجه العموم، من التغلب على الصعوبات التي يطرحها تحليل النص الفلسفي أثناء الاشتغال عليه مع التلاميذ داخل الفصل الدراسي.
3- كتاب "مقالات ديداكتيكية في تدريس الفلسفة":


وقد جاءت مقالات هذا الكتاب محتوية على قضايا رئيسية يعيشها كل مدرس مع تلامذته. ومن بينها مثلا قضية الأشكلة في الدرس الفلسفي، حيث قمنا برصد مواقعها في الدرس، واقترحنا تمارينا ممكنة لاكتسابها، وقدمنا نماذج حية تتعلق ببعض إشكالات الدروس التي نشتغل عليها في الفصل الدراسي. كما بحثنا أيضا في الحجاج الفلسفي، وأوضحنا الطابع الحجاجي للفلسفة ودعونا إلى سميناه بالتربية الحجاجية التي يتعين ترسيخها لدى التلاميذ، كما عملنا على تقديم نماذج للمقاربة الحجاجية للنص الفلسفي، وهي نماذج اشتغلنا عليها في الفصل الدراسي. وبالإضافة إلى الأشكلة والحجاج، فقد بينا ضرورة استحضار حياة المتعلمين في الدرس الفلسفي، وأشرنا إلى ضرورة تنبيههم إلى التقاطعات الموجودة بين إشكالات المفاهيم والمجزوءات المقررة، وذلك انطلاقا من الصعوبات والتحديات التي طرحت علينا فعلا أثناء الممارسة الفصلية. وتناولنا في الكتاب أيضا جوانب مهمة تتعلق بمنهجية الكتابة الإنشائية الفلسفية، وقد عالجنا خلالها إشكالات نابعة من الصعوبات التي تعترض التلاميذ في كتاباتهم الإنشائية الفلسفية، والتي عايناها في مواضيع إمبريقية وملموسة. وهكذا فقد توخينا التنظير للإنشاء الفلسفي ووضع قواعد ممكنة له، انطلاقا من استقرائنا للكتابة الفلسفية التلاميذية نفسها.
4-   كتاب "محاورات فصلية في تدريس الفلسفة":



 كما ألفنا كتابا رابعا تحت عنوان "محاورات فصلية في تدريس الفلسفة"، حيث قمنا في هذا الكتاب بتصوير فيه الكثير من الصدق لما تم بيننا وبين تلامذتنا من نقاشات تتعلق بحصص دراسية متنوعة. وهذا الكتاب هوتجربة جديدة في التأليف الديداكتيكي بالمغرب، بل وفي باقي بلدان العالم في ما نعلم. ولذلك يمكن لمدرس الفلسفة، استنادا إلى تجربته الفصلية الجهوية، أن يبدع كتابة ديداكتيكية متميزة ومتفردة، يكون بإمكانه أن يحاور من خلالها باقي التجارب الديداتيكية في البلدان الأخرى، ويقدم إضافات جديدة تجعله يساهم في العالمية والكونية انطلاقا مما هو محلي وجهوي.
ونحن نعتقد أن كتاب "محاورات فصلية" يتضمن قيما بيداغوجية تتعلق بأشكال التواصل والتحاور التي ينبغي أن تتم بين جماعة الفصل، كما يتضمن تقنيات تتعلق بكيفية توليد المدرس للأفكار الفلسفية انطلاقا من حواره مع التلاميذ، كما يحتوي على طرائق ديداكتيكية وبيداغوجية تخص المقاربة الحجاجية للنص الفلسفي، كما نجد فيه طرقا لتوظيف المثال في الدرس الفلسفي، وكيفيات للاشتغال على الوضعية المشكلة واستثمارها لتأطير المجزوءة أو الدرس، وصياغة الإشكالات المكونة لهما. كما نجد في الكتاب أيضا تجارب ممكنة لكيفية ممارسة أفعال المفهمة والاشتغال على المفاهيم، من أجل صياغة محور من محاور الدرس. وغير ذلك من القيم والأفكار الديداكتيكية التي لم نتحدث عنها بشكل نظري، بل تركنا التجربة الواقعية تحدثنا عنها بشكل صادق وعفوي. ولعل من شأن اشتغال الدارس أو الباحث على مثل هذه التجارب في الكتابة، أن يكشف عما يوجد فيها من مبادئ وقيم وأفكار ديداكتيكية، مما لا يمكن لكاتبها نفسه أن يعرفها على نحو تام ومفصل!! وبهذا الشكل سيكون بإمكاننا ولا محالة أن نتيح للموهبة أن تصنع الديداكتيك، وتجعله ديداكتيكا جهويا وأصيلا ومطابقا للتجربة الفصلية المحلية.
ومن هنا فقد صرحنا بأن التجربة الفصلية كانت هي بمثابة ذلك المنبع الذي نمتح منه الأفكار التي تضمنتها مختلف تلك الكتب التي ألفناها. وهذا ما يمنح لتلك الكتب قدرا غير قليل من الأصالة والتفرد. وهذه الأصالة لا يمكنها إلا أن تكون مغربية؛ مادام المدرس مغربيا والمتعلمون مغاربة، ذلك أن ثقافة المتعلم ومرجعيته الاجتماعية تمثل طرفا أساسيا في الممارسة الديداكتيكية، وتمنحها طابعها المميز عن أية ممارسة ديداكتيكية أخرى يحضر فيها متعلمون بمواصفات ثقافية ونفسية وقيمية مغايرة.
5-    كتاب "من وحي الدرس الفلسفي":


وقد ارتأينا تقسيم هذا الكتاب إلى ثلاثة فصول:
·        فصل أول تضمن مجموعة من المقالات التي قدمنا خلالها معالم ديداكتيك فلسفي، أردناه أن ينطلق من تجاربنا الفصلية ويعود إليها. ولهذا فهو ديداكتيك مطابق للتجربة المحلية من جهة، ومطابق للفلسفة ولقواعد التفلسف من جهة أخرى. ولا يمكنه أن يكون كذلك، إلا إذا كان مستوحى من درس حواري وحجاجي ومفعم بالحياة. وهذا ما جعلنا نؤكد، في لحظة البناء الإشكالي، على ضرورة أن يبادر التلاميذ إلى الإجابة عن الإشكالات الفلسفية قبل التعرف على أطروحات الفلاسفة، من أجل أن يجسد التلميذ تفكيره الذاتي في الدرس، ويستحضر أمثلة مستمدة من الواقع من أجل مناقشة مواقف الفلاسفة وأخذ مسافة نقدية منها، سواء تمت هذه المناقشة في الدرس أو في الإنشاء الفلسفي، خصوصا وأننا نؤمن بأن التدرب على مهارات الإنشاء الفلسفي ينبغي أن يكون محايثا لبناء الدرس نفسه. وهذا ما يستدعي أهمية التربية الحجاجية في الدرس الفلسفي، من خلال اقتراحنا لمجموعة من الإجراءات لتطوير قدرات التلاميذ في الكتابة الفلسفية، ككتابة حجاجية ترتكز على حجج مصاغة من قبل الذات المحاججة نفسها، وليس على مجرد الاستناد إلى حجاج بالسلطة.
·        فصل ثان ناقشنا خلاله مجموعة من القضايا المستمدة من تجاربنا الفصلية نفسها؛ حيث تعلق بعضها بالنص الفلسفي نظرا لأهميته في تدريس الفلسفة، فقدمنا تجربتنا الخاصة في تحليل النص الفلسفي داخل الفصل الدراسي، كما عبرنا عن تصورنا بخصوص كيفية استخراج إشكال النص وأطروحته. وإذا كنا قد عاينا صعوبات يجدها التلاميذ في فهم النصوص الفلسفية، فقد حاولنا أن نقف عند أهم الأسباب التي تقف وراء تلك الصعوبات، واقترحنا حلولا ممكنة لتجاوزها. كما تمثلت بعض قضايا هذا الفصل الثاني من الكتاب، بوضعيات مشكلة شئنا تقديمها هنا انسجاما مع مبدإ تقاسم التجارب الفصلية، والذي نادينا به في غير ما موضع من كتاباتنا الديداكتيكية، إيمانا منا بأن هذا التقاسم هو الذي من شأنه أن يوفر كمية هائلة من التجارب الخام، والتي يمكن أن تتخذ كمنطق للتقعيد والتنظير الديداكتيكيين. وقد اشتمل هذا الفصل أيضا على تصورنا للكيفية التي ينبغي أن يتعرف من خلالها تلميذ الجذع المشترك عن الفلسفة، وذلك انطلاقا من تجربتنا الفصلية التي عملنا خلالها على جعل هذا التلميذ نفسه يتعرف عليها من خلال نصوص الفلاسفة، عوض أن نقوم مقامه في ذلك فنساهم في تقديم صورة ضبابية، ومشوبة بكثير من اللبس وسوء الفهم عن الفلسفة لدى هذا التلميذ المبتدئ. كما تضمن هذا الفصل جوانب متعددة من تجاربنا في تدريس الفلسفة؛ تعلق بعضها بطرح بعض الإشكالات المبثوثة في الدروس، وتعلق بعضها الآخر بدعوتنا إلى ضرورة الانطلاق من الكتابات الفلسفية للتلاميذ أنفسهم من أجل التقعيد لمنهجية الإنشاء الفلسفي، كما تمثل بعضها الآخر في تصويرنا "الفوتوغرافي" لممارستنا المتعلقة بتدريس الفلسفة، وذلك من أجل مزيد من الإلحاح على ضرورة أن يقدم المدرسون على فتح قلاعهم المحصنة أوثكناتهم العسكرية، من أجل أن نطلع على ما يجري بداخلها.
·        فصل ثالث تضمن شذرات وأقوال ونصوص قصيرة، مأخوذة من مواضع متفرقة من كتاباتنا. وقد أردنا لها مثل هذا الإخراج الشذري، لكي تكون بمثابة مفاتيح تمكن القارئ من ولوج منظومة فكرنا الديداكتيكي. ولهذا فهذه المنظومة تضم أفكارا لنا حول الكثير من القضايا التي تشغل مدرس الفلسفة والمهتم بديداكتيكها، من أهمها: مسألة غائية الدرس الفلسفي والكفايات المتوخاة منه، والمشاكل التي تطرحها الكتب المدرسية، ومسألة علاقة الفلسفة بالمؤسسة، وقضايا أخرى تتعلق بالنص الفلسفي والوضعية المشكلة والإنشاء الفلسفي وغير ذلك.
وكل ما نأمله، هو أن يساهم مجهودنا هذا في إذكاء نار النقاش حول مختلف القضايا الديداكتيكية التي تضمنتها هذه الكتب، وأن يفتح آفاق التفكير في قضايا جديدة. وهذا النقاش هو الذي من شأنه أن يغني الساحة الديداكتيكية المغربية، ويجعلنا نقترب من ذلك الدرس الفلسفي الذي نأمله جميعا، والذي نطمح من خلاله إلى إشاعة روح التفلسف بين تلامذتنا، ومن خلالهم إلى كافة مناحي الحياة المجتمعية.       

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.