الثلاثاء، 18 أكتوبر 2016

كتاب: "قضايا في تدريس الفلسفة وفي الإنشاء الفلسفي"

صدر لنا كتاب "قضايا في تدريس الفلسفة وفي الإنشاء الفلسفي" سنة 2015 عن عالم الكتب الحديث بالأردن. وهو طبعة ثانية منقحة لكتابنا السابق "مقالات ديداكتيكية في تدريس الفلسفة".






فهرس الكتاب:



مقدمة
الفصل الأول
 قضايا في تدريس الفلسفة.
الدرس الفلسفي والحياة.
الأشكلة في تدريس الفلسفة: مظاهرها ورهاناتها.
الحجاج في درس الفلسفة
الفصل الثاني
 مقالات في منهجية الإنشاء الفلسفي.
من أجل مقدمة إنشاء فلسفي بمواصفات فلسفية
ضرورة التفكير الذاتي في الإنشاء الفلسفي
منهجية الإنشاء الفلسفي بين الموهبة والاكتساب
معضلة المنهج في الكتابة الإنشائية الفلسفية: منهجية تحليل النص نموذجا.
تأملات في الأسئلة المرفقة بالقولة الفلسفية.
بحث استقرائي في مطالب الأسئلة المذيلة للقولة الفلسفية
ملحق
 تأملات وتساؤلات في البعد الإشكالي للدرس الفلسفي بالمغرب
لائحة المراجع

مقدمة الكتاب:

 
يتضمن هذا الكتاب مجموعة من المقالات والدراسات التي تعالج بعض القضايا المتعلقة بمجال تدريس الفلسفة، من قبيل دور الدرس الفلسفي في إحداث أثر إيجابي في حياة المتعلمين، وأهمية المقاربة الحجاجية للنصوص الفلسفية في ترسيخ التربية التفكيرية لديهم، كما يتناول بعض جوانب البعد الإشكالي في تدريس الفلسفة، بالإضافة إلى معالجة بعض المشكلات التي تثيرها منهجية الكتابة الإنشائية الفلسفية...
وينبغي الإشارة إلى أن المقالات والدراسات التي تضمنها الفصل الأول والفصل الثاني، هي في أساسها خلاصة لمجموعة من اللحظات أو التجارب التي عشتها مع تلامذتي داخل الفصل الدراسي، أو هي على الأقل انبثقت بوحي منها.
وقد سعت هذه المقالات إلى التأكيد على مجموعة من الأفكار المحورية المتعلقة بركائز الدرس الفلسفي وأساليبه وغاياته المتوخاة منه، ويمكن إجمالها كما يلي:
1-      ضرورة النظر في المنهاج الدراسي الخاص بالمادة:
 لأنه الوثيقة الرسمية التي نلتزم بها كمدرسين، وليس الكتب المدرسية الموجهة بصفة خاصة للتلاميذ، والتي لا تعدو أن تكون اجتهادات قام بها فريق التأليف المدرسي، والتي يمكن مراجعتها ونقدها وتجاوز مكامن الخلل فيها ...
2-      أهمية الاستناد إلى تاريخ الفلسفة:
لأنه من المفترض أن يجد كل إشكال في درس ما مرجعيته ومبرراته فيما ألفه الفلاسفة من نصوص وكتب، وما خاضوا فيه من قضايا وإشكالات تستمد من تأملهم في الكون والحياة. ولذلك، أعتقد أنه كلما وجدنا مرتكزا لإشكال محور ما داخل متن هذا الفيلسوف أو ذاك، أو فيما أثاره وبحث فيه هذا التيار أو المذهب الفلسفي أو ذاك، كلما كان الإشكال وجيها ودقيقا وحقيقيا وليس كاذبا أو مزيفا. وكمثال على ذلك: حينما نريد أن نضبط الإشكال المتعلق بهوية الشخص، كأول إشكال يواجهنا في مقرر السنة الثانية بكالوريا فنحن حيث نجد أنفسنا ونحن نبحث في تاريخ الفلسفة مضطرين إلى الرجوع إلى كتابات جون لوك، باعتباره الفيلسوف الذي بادر إلى طرح هذا الإشكال وفقا للمواصفات والشروط الدقيقة، وكل من جاء بعده من الفلاسفة يجد نفسه – وهو بصدد مناقشة هذا الإشكال- ملزما بالرجوع إلى نصوص لوك كنصوص مؤصلة ومؤسسة ... ونفس الشيء بالنسبة لإشكالات فلسفية أخرى؛ فبعضها يجد ينابيعه ومصدر تأسيسه عند هيجل (إشكالات الغير مثلا) أو عند ديكارت (إشكال الوعي بالذات مثلا) أو عند كانط (إشكال قيمة الشخص أو إشكال الحكم الجمالي مثلا) ... وهكذا دواليك. وما نريد أن نؤكد عليه هنا هو أهمية الرجوع إلى تاريخ الفلسفة من أجل البحث عن مقتضيات وركائز نبرر بها وجاهة الإشكالات وضرورة طرحها بهذه الكيفية أو تلك ...
3-      التعامل النقدي مع المقررات المدرسية:
 ذلك أن الرجوع إليها يكون فقط بهدف الاستئناس والمقارنة، وليس أبدا من أجل الاعتماد الحرفي. بل نحن مطالبين كمدرسين بضرورة التعامل معها بحس نقدي، من أجل تقويم ما جاء فيها، أو تعديله أو استبداله بما هو أجود وأفضل ... دون أن ننكر طبعا بعض مزاياها أو نبخس المجهودات التي بذلت من أجل إعدادها.
4-         أخذ حياة المتعلمين بعين الاعتبار:
 فنحن نعتقد أن ضبط أي إشكال وطرحه بالدقة المطلوبة، لا بد وأن نبحث له عن مبرر أو مرتكز في عالم العيش –كما يسميه هوسرل- لدى المتعلمين، أي في مختلف التجارب الحياتية التي يعيشها المتعلمون يوميا، أو تلك التي سمعوا بها، أو تلك التي تدخل ضمن مجال ذاكرتهم التاريخية أو الثقافية أو الاجتماعية أو الدينية ... وهذا ينسجم تماما مع مبدأ ربط الفلسفة بالحياة، من أجل نزع الغرابة عن الدرس الفلسفي وتقريب الأفكار الفلسفية من أذهان المتعلمين. وهو ما يمكن أن تضطلع به الوضعية المشكلة التي ستؤسس للإشكال وتمهد لطرحه. ونحن نعتقد، في هذا السياق، أن الرجوع إلى الحياة لا يتنافى آو يتعارض أبدا مع الرجوع إلى تاريخ الفلسفة ونصوصها، لأن الفلاسفة لم يعملوا في حقيقة الأمر سوى – كما يرى جون لاكروا- على ترجمة التجارب المعيشية إلى مقولات عقلية، والبحث عن الأسئلة الكامنة فيها أو التنقيب عن الإشكالات التي تنبثق من جراء تأمل الفيلسوف ودهشته أمام وقائعها. ألم يقل شوبنهاور إن التفلسف ينبثق من الدهشة أمام الوقائع الاعتيادية اليومية للحياة ؟؟ وفي هذا السياق تكمن أهمية الوضعية المشكلة في الدرس الفلسفي؛  فهي أول ما يكون المدرس مطالبا به في درسه، كما أنها الوسيلة التي أصبحت معتمدة من أجل الولوج إلى العالم الإشكالاتي للدرس الفلسفي. كما أنها تمكن من تحقيق الهدف المتعلق بربط الفلسفة بالحياة، بالإضافة إلى أنها تنسجم مع مبدأ التعلم الذاتي الذي ترتكز عليه طرائق البيداغوجيا الفعالة، فضلا عن أنها تمكن من إنجاز الدرس على نحو تفاعلي وتشاركي يساهم فيه المتعلمون بدور فعال في بناء الدرس.ثم إن للوضعية المشكلة ارتباطا وثيقا بمنهجية الإنشاء الفلسفي،لاسيما مقدمته، إذ تشكل تمرينا فصليا فعليا يمكن من اكتساب مهارة التمهيد للإنشاء الفلسفي وطرح تساؤلاته الإشكالية.
5-      ضرورة التقعيد لمنهجية الإنشاء الفلسفي وإكساب التلاميذ كفاياته الأساسية:
 ومثل هذه الضرورة تفرض نفسها من منطلق أن مدرسي الفلسفة مطالبون بابتكار مناهج وأساليب من أجل تحويل ديداكتيكي ممكن للكتابة الفلسفية، كما يتم إنتاجها من قبل الفيلسوف، وجعلها قابلة للتعلم والاكتساب من قبل المتعلمين. ذلك أن الكتابة بطريقة فلسفية، من خلال الإنشاء الفلسفي كجنس مدرسي قائم بذاته، هي التتويج النهائي لكل أشكال التعلمات التي تتم داخل الدرس الفلسفي. ولهذا وجب العناية بها، ومنحها حيزا كبيرا أثناء إنجاز الخطوات والعناصر الأساسية للدرس. ونحن نعتقد كما أبرزنا ذلك في المقال الذي خصصناه في هذا الكتاب للتفكير الذاتي في الإنشاء الفلسفي، أن مجال تعلم منهجية الإنشاء الفلسفي هو مجال الدرس نفسه؛ فالمنهجية محايثة للدرس وتكتسب من خلال الإنجاز الفعلي لمختلف التفاصيل والإجراءات التي تتم أثناء مسار بنائه. ولذلك يتعين على المدرس أن يزاوج بين تعليم الأفكار وتعلم التفكير، بل ويمنح الأولوية لهذا الأخير باعتبار أن تعلم أشكال التفكير الفلسفية المختلفة، يمكن في الآن نفسه من اكتساب الأفكار وتعلم القواعد المنهجية الضرورية أثناء الكتابة الإنشائية الفلسفية.  
6-      التجارب الفصلية كأساس لكل قول في ديداكتيك الفلسفة:
إن الأبحاث الديداكتيكية التي تسود الساحة المغربية الآن، تعتمد في مجملها على ما هو مستورد من أبحاث ودراسات موجودة في الضفة الأخرى من المتوسط، لاسيما في الساحة الديداكتيكية الفرنسية ( أعمال توزي وجماعته، جاكلين روس ...). ولذلك فهي تفتقر في نظرنا إلى الأصالة، ولا تعكس بصدق خصوصية التجربة الفصلية المغربية المتعلقة بتدريس الفلسفة.
صحيح أن الأعمال الديداكتيكية في فرنسا أو غيرها من الدول، يمكنها أن تقدم لنا بعض الفائدة أثناء ممارستنا لتدريس الفلسفة بالمغرب، لاسيما أن ذلك ينسجم مع الطابع الكوني والعام للفكر الفلسفي، لكن مع ذلك فتجربة التدريس لا يمكنها إلا أن تختلف في العديد من الجوانب من بلد إلى آخر، ولا يمكنها بالتالي إلا أن تتلون بتلوينات البيئة الاجتماعية والثقافية الخاصة بكل مجتمع. ذلك أن العملية التعليمية- التعلمية، لاسيما تلك التي ترتكز على بيداغوجيا الكفايات، ترتكز في جوهرها على المتعلم كمحور تنطلق منه كل الأنشطة والعمليات التعلمية التي تجري داخل الفصل. ولهذا يتوخى أن تنسجم تلك العمليات وتراعي مواصفات المتعلم، الذهنية والثقافية والسيكولوجية، وهي المواصفات التي لا تتطابق ولا تظل هي هي إذا ما انتقلنا من متعلم مغربي إلى آخر فرنسي أو صيني أو غير ذلك. فاختلاف المرجعيات التاريخية والاجتماعية والدينية وغيرها، يجعلك كمدرس تنهج أساليب بيداغوجية وطرائق ديداكتيكية تناسب طبيعة المتعلم الذي يوجد أمامك.
فإذا كان من الممكن الانطلاق من معتقد أو طقوس خاصة بالموروث الثقافي المغربي، لنسج وضعية مشكلة  لطرح إشكال فلسفي في درس ما مع متعلمين مغاربة، فلا يمكن فعل نفس الشيء مع متعلمين ألمان أو فرنسيين أو صينيين أو غيرهم، لأن الحقل الاجتماعي والثقافي  الذي ينتمي إليه التلميذ المغربي ليس هو نفسه الذي ينتمي إليه المتعلم الفرنسي أو الألماني أو الصيني أو ... ففكرة الانتماء إذن – انتماء المتعلم إلى مجتمع ما - أساسية في رسم أفق أي فعل ديداكتيكي يسعى المدرس إلى إقامته من أجل توصيل الإشكالات والمعارف الفلسفية إلى تلامذته.
من أجل كل هذا، ولكي نكون أصيلين ومتفردين، علينا أن نؤسس تقاليد ديداكتيكية ذات طابع مغربي، ويكون منبعها الأساسي هو الفصل المغربي بما يحفل به من متعلمين ينقلون الأفكار والأفعال والأحاسيس التي يعج بها المجتمع المغربي إلى عالم الحجرات الدراسية، والتي لا يمكن بدون الانطلاق منها تأسيس أية ديداكتيكا تجعل المتعلم المغربي يكتسب الكفايات الأساسية التي يروم الدرس الفلسفي تحقيقها.
قد يتهمنا البعض بالانغلاق وبتضييق الدرس الفلسفي وخندقته في المجال السيكوسوسيولوجي الذي ينتمي إليه المتعلم المغربي، خصوصا وأن هذا الدرس يطمح إلى تحقيق أهداف منهجية ومعرفية وقيمية ذات طابع كوني. ولكننا نرد على ذلك بالقول إن تحقيق الكوني لا يمكن أن يتم إلا من خلال المحلي؛ فصحيح مثلا أن إشكال الهوية الشخصية هو إشكال فلسفي عام يخص جميع البشر، لكن ابتكار وضعية مشكلة تحفز المتعلم وتقنعه بضرورة طرحه هو ابتكار لا يمكنه إلا أن يراعي ما هو محلي؛ أي ينطلق من طبيعة المتعلم الذي يوجد أمامنا ويراعي مختلف المرجعيات التي تحكمه.
نفس الشيء فيما يخص تحليل النصوص مثلا؛ فنحن مضطرون بالضرورة - وهذه مسألة أعبر عنها انطلاقا من تجربتي الفصلية الخاصة-  لتقريب أفكار النص من التلاميذ إلى تقديم أمثلة من واقعهم الخاص، وربط مضامين النص بالأفق المعيشي للتلميذ وانتظاراته في الحياة، وهذا ينسجم طبعا مع إحدى المبادئ التي يرتكز عليها الدرس الفلسفي في نظرنا، وهو مبدأ ربط الفلسفة بالحياة. لكن ليست أية حياة، بل حياة يعرفها المتعلمون ويعايشون أحداثها وقضاياها المختلفة.
هكذا، وفي إطار توضيح هذه النقطة، وجدت نفسي حينما انتقلت من التدريس بالدار البيضاء إلى التدريس بمشرع بلقصيري، مضطرا أحيانا إلى اختيار أمثلة وابتكار وضعيات مشكلة ترتكز على ما هو سائد ومعروف لدى التلاميذ من تقاليد وأحداث وأفكار تنتمي إلى التراث الغرباوي المحلي. وكل هذا بغرض تقريب الفلسفة من الحياة الخاصة التي يعرفها المتعلم أكثر من غيرها، وتمكنه على نحو أنجع من اكتساب معارف التفكير الفلسفي ومهاراته الأساسية.
ولعل هذا التوجه الأخير الذي أشرت إليه، يجعلنا ننادي بنوع من الديداكتيكا الجهوية على غرار الإبستملوجيا الجهوية التي كان ينادي بها غاستون باشلار. ولهذا، فبالرغم من إمكانية الحديث عن خصائص مشتركة بين الديداكتيكات السائدة في مختلف البلدان، فإن ذلك لا ينفي تميز كل ديداكتيكا بالطابع المحلي الذي ينسجم مع مواصفات المتعلمين وطبيعة البيئة الاجتماعية التي ينتمون إليها.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.