الدرس
الفلسفي والحياة
بقلم: محمد الشبة
للمزيد من المقالات انظر كتابنا أعلاه
تسعى هذه المقالة إلى التأكيد على أنه ما دامت الفلسفة وثيقة
الصلة بالحياة، فإن على معلم الفلسفة أن يراهن على المؤسسة التعليمية لجعل درسه
مفعم بالحياة، وأن يجعل من الفصل الدراسي منبرا لتمرير خطابه إلى المتعلمين
والتأثير من خلالهم في المجتمع.
· الفيلسوف
والحياة
من رحم الدهشة ينبثق فعل التفلسف. هذا ما أكد
عليه العديد من الفلاسفة. ولعلنا نتذكر هنا أرسطو حينما اعتبر أن "الدهشة هي
التي دفعت الناس إلى التفلسف"، أو نتذكر شوبنهاور حينما ذهب إلى أن الدهشة هي
الدافع الأساسي لممارسة التفكير الفلسفي الميتافيزيقي. لكن أليست دهشة الفيلسوف هي
دهشة أمام الحياة ؟ ألم يعتبر شوبنهاور نفسه أن « امتلاك الروح الفلسفية يعني
القدرة على الدهشة أمام الوقائع الاعتيادية وأشياء الحياة اليومية، ويعني طرح أكثر
الأشياء عمومية واعتيادية للدراسة » ؟ (كتاب: العالم كإرادة وتمثل) ألم يذهب جون
لاكروا إلى اعتبار الفلسفة تجربة عقلية لتجارب معيشية ؟
بلى
! لقد أكدت شهادة هؤلاء الفلاسفة وغيرهم على الارتباط الوثيق بين الفلسفة والحياة،
باعتبار أن أفعال التفلسف تنبع من دهشة الفيلسوف أمام وقائع الحياة ومظاهرها
الأكثر اعتيادية. فالفيلسوف لا ينغمس في الحياة ولا يتيه في تفاصيلها وجزئياتها
كما يحدث للعامة، بل إنه يضع بينه وبينها مسافة من أجل تأملها وإرجاع شتاتها إلى
مبادئ عامة قمينة بتفسيرها. وإذا كانت الفلسفة من هيجل حتى سارتر عبارة عن مشروع
توحيدي، « يحاول توحيد التجربة البشرية وضمها في كل موحد» (فوكو)، وإذا غضضنا
الطرف عن العمل الإبستيملوجي أو الفعالية النقدية التي يمكن أن يمارسها التفكير
الفلسفي على باقي العلوم، فإن عمل الفلسفة سيكون حسب فوكو هو " تشخيص
الحاضر" على غرار ما يتم في مجال الفحص الطبي. فالفيلسوف بهذا المعنى هو طبيب
الحضارة، إنه المشخص لأمراض الحياة والكاشف عن عللها وملابساتها، في أفق رسم معالم
لتجاوزها. بيدأن هذا التفلسف التشخيصي هو ترجمة لتجربة ذاتية حية، تجربة الفيلسوف
ورؤيته الخاصة إلى الوقائع. فالفلسفة بهذا المعنى هي تحقيق لفكر حي وتأمل في هذا
الفكر، إنها إعمال عقلي في أفعال تصدر عن الحياة. ولذلك اعتبر كارل ياسبرز أن «
التجربة الشخصية وحدها هي التي تتيح للإنسان أن يدرك ما يمكن أن يجده في العالم من
فلسفة ». (ياسبرز: مدخل إلى الفلسفة)
· تعلم التفلسف هو تعلم لأدوات وآليات
التفكير في الحياة
انطلاقا
من هذا الاعتبار يكون تدريس الفلسفة هو تدريس لأشكال من التفكير العقلي في تجارب
الحياة. وهي أشكال موسومة بميسم ذاتي وشخصي، يجعلها تعبيرا عن تأملات ورؤى تصدر عن
ذات هذا الفيلسوف أو ذاك تجاه تجارب محزنة أو مفرحة عاشها في الحياة، وفي إطار
العلاقات التي جمعته بالآخرين. ولذلك، لا يمكن أن يكون تعلم الفلسفة سوى انخراطا
بكيفية أو بأخرى مع الفيلسوف فيما نقله في نصوصه من تجارب حياتية، وما ترجمه على
مستوى خطابه المفاهيمي العقلي من وقائع حدثت له بشكل فعلي أو عاينها في مسرح
التاريخ وفي مشاهد الحياة. وإذا كانت التجارب البشرية في الحياة تتقاطع وتتشابه،
بالرغم من فرادتها وتميزها لدى كل فرد أو مجتمع، فإن مهمة القارئين لنصوص الفلاسفة
والمتعلمين لأشكال التفكير الثاوية فيها هو مقارنة تلك التجارب، تجارب الفلاسفة،
بتجاربهم الخاصة، وذلك من أجل وضعها في محك الحياة وجعلها موضع اختبار حقيقي أمام
وقائعها الجديدة. وبهذا الشكل يكون بإمكان معلم الفلسفة ومتعلميه التفكير مع
الفلاسفة فيما فكروا فيه، والانخراط معهم في عمق التجارب الحياتية التي أدهشتهم
وحركت لديهم أفعال التفلسف المختلفة. لكن الأهم من ذلك، هو أن يكون بإمكان هؤلاء
المتعلمين أن يختبروا تلك الأفكار التي انبجست عن أفعال التفلسف لدى الفيلسوف، لكي
يفكروا فيها من جديد ويربطوها بواقعهم الاجتماعي وبحياتهم الخاصة والعامة،
ويجعلوها موضع فحص ونقاش فيما بينهم باعتبارها لصيقة بهم وتهمهم شخصيا بالقدر الذي
تهم الفيلسوف. وبهذا الشكل يكون بالإمكان ربط جسور حقيقية بين الدرس الفلسفي
والحياة.
·
المراهنة على الفلسفة
من أجل الحياة
وإذا كانت الفلسفة قد اعتبرت منذ فجر الحداثة علامة
أساسية على التحضر والرقي بإنسانية الإنسان؛ إذ بين ديكارت « أنه ما دامت تتناول
كل ما يستطيع الذهن الإنساني أن يعرفه، فيلزمنا أن نعتقد أنها هي وحدها تميزنا من
الأقوام المتوحشين والهمجيين »[ ديكارت:"مبادئ الفلسفة"]
، وإذا كان فعل التفلسف هو فعل تنويري وشرط أساسي للتحرر من مختلف أشكال الحجر
والوصاية (كانط)، فإن الحاجة إلى الفلسفة والتفلسف هي حاجة ملحة لبلوغ سن الرشد،
ولخلق مواطن يؤمن بقيم العقل والحوار والحرية والتسامح، ويجسدها في حياته اليومية
والعملية.
في
هذا السياق نجد أن المجتمعات التي اتجهت نحو تبني قيم الحداثة والديمقراطية وتخليق
الحياة العامة، كانت مضطرة إلى المراهنة على التفكير الفلسفي كفكر تتجذر فيه تلك
القيم. كما كانت ملزمة لكي تجعل للدرس الفلسفي حضورا قويا في منظومتها التربوية
والتعليمية. وهو ما يؤشر على العلاقة القوية بين التفلسف وواقع المجتمعات البشرية.
ذلك أن الفلسفة كما يرى جون لاكروا هي ممارسة تنبثق من صميم الحياة؛ فهي ترجمة
عقلية لتجارب معيشية تستقي مادتها الخام من هموم الإنسان وتواجده في هذا العالم.
ولذلك فتعليم الفلسفة لن يكون إلا من أجل إغناء هذه الحياة، والمساهمة في
ازدهارها، وتحسين عيش الإنسان فيها.
لكن حينما نتحدث عن الدرس الفلسفي، فإننا نربطه
مباشرة بالمؤسسة التعليمية كفضاء لإنجاز هذا الدرس. من هنا فإشكالية الدرس الفلسفي
والحياة تتقاطع بالضرورة مع إشكالية العلاقة بين الفلسفة والمؤسسة، كما تطرح
إشكالية الفلسفة كمعرفة والفلسفة كحياة.
فكيف يمكن لمعلم الفلسفة أن يجعل من الدرس
الفلسفي درسا من أجل الحياة، وليس فقط درسا في المعرفة؟ وكيف يمكن أن نجعل من
المعارف التي يتم تعلمها في هذا الدرس معارف ذات امتدادات في حياة المتعلم؟ وإذا
كان الدرس الفلسفي درسا في المعرفة، كما أنه درس في الحياة، فكيف نجعل المعرفة في
خدمة الحياة؟ وإذا كنا نتحدث عن درس فلسفي داخل المؤسسة التعليمية، فهل يمكن
اعتبار هذه المؤسسة عائقا، بما تمثله من إكراه، أمام تحقيق هذا الهدف أم أنه يمكن
اعتبارها، على العكس من ذلك، فضاءا يمكن لمدرس الفلسفة استثماره من أجل ربط
الفلسفة بالحياة وترسيخ قيمها لدى المتعلمين؟
·
كفايات الدرس الفلسفي
هي كفايات في خدمة المجتمع والحياة
ونحن حينما نربط الدرس الفلسفي بالحياة، فنحن
نتساءل عن جدواه وأثره في شخصية المتعلم، وهو تساؤل يستدعي الحديث عن الكفايات
المستهدفة من هذا الدرس باعتبارها كفايات تتوخى تأهيل المتعلم لكي يكون قادرا على
التكيف مع محيطه، ويصبح قادرا على تحمل مسؤولياته وحل مختلف المشاكل التي تعترضه
في محيطه السوسيوثقافي.
ويمكن
تلخيص هذه الكفايات، بحسب منهاج الفلسفة (2007م) الذي يتم العمل به الآن في
التعليم الثانوي التأهيلي، والذي يعتمد على التدريس بالمجزوءات، في خمسة أنواع
رئيسية: إستراتيجية وتواصلية وثقافية ومنهجية وتكنولوجية. وهي تسعى عموما إلى جعل
المتعلم يكتسب القيم التي يتأسس عليها التفكير الفلسفي، كقيم العقلنة والحرية
والنقد والمسؤولية، وجعله قادرا على اتخاذ قرار مستقل، وتجسيد موقف واع من الأفكار
والمعارف والممارسات السائدة في محيطه الاجتماعي. كما تروم إكساب المتعلم أدوات
التفكير الفلسفي الأساسية من أشكلة ومفهمة وحجاج، وقدرة على التحليل والتركيب
والنقد.
وواضح أن تحقيق هذه الكفايات من شأنه أن يكون
متعلما قادرا على التكيف مع محيطه، وعلى الاندماج في الحياة الاجتماعية، والانفتاح
على ثقافة الآخر، في إطار يتم فيه التحلي بأخلاق الحوار وقيم التسامح والاعتدال
ونبذ العنف والإقصاء.
هكذا يبدو أنه لا يمكن اختزال رهانات الدرس
الفلسفي فيما هو بيداغوجي فقط ، بل هي رهانات مرتبطة أيضا بأسئلة الفلسفة نفسها،
باعتبارها فكرا يروم نقد وتفكيك القيم والأفكار المتداولة، كما أنها تفكير مرتبط
بهموم المجتمع وقضاياه وطموحاته.
فكيف
نجعل الدرس الفلسفي يحقق الكفايات المتوخاة منه، وبالتالي نجعله ذا أثر إيجابي في
شخصية المتعلم، وقادرا على تنمية قدراته لكي ينخرط بشكل فعال في محيطه الاجتماعي؟
وهل تسمح المؤسسة التعليمية بنشر فكر يقوم على المساءلة النقدية، والتفكير الحر،
وخلخلة الأفكار السائدة؟
واضح
أن هذين التساؤلين يثيران مسألتين مترابطتين؛ الأولى تتعلق بإشكالية الفلسفة
والمؤسسة، والثانية تتعلق بمهمة مدرس الفلسفة.
·
المؤسسة كوسيط ضروري
بين معلم الفلسفة والحياة
لقد
ولى زمن سقراط من غير رجعة، ولم يعد بإمكان فيلسوف اليوم أن يمارس نشاطه الفلسفي
في شوارع المدينة وأسواقها. وبالمثل لم يعد معلم الفلسفة قادرا على الاستغناء على
المؤسسة التعليمية من أجل تمرير خطابه؛ فبقدر ما تسجنه المؤسسة داخل أسوارها
وقوانينها وبرامجها، فهي توفر له نوعا من الحماية وتمكنه من استثمار موقعه بداخلها
من أجل القيام بنوع من المشاغبة العقلية المتخفية والذكية، لكي يؤثر بفكره في عقول
المتعلمين ويتسرب من خلالهم إلى الحقل الاجتماعي.
من
هنا فقد أضحت المؤسسة التعليمية فضاءا أساسيا يتعرف من خلاله المتعلم على الفلسفة،
كما أصبحت وسيطا لا بد منه لمعلم الفلسفة من أجل أن يتصل بالمجتمع، ويراهن على هذا
الفضاء المؤسساتي من أجل استغلال الفرصة، التي يكون المتعلمون فيها مجبرين على
الاستماع إليه، لكي يمرر من خلالهم خطابه إلى المجتمع ويجعله ذا أثر في الحياة.
من
هنا فالانضباط لنظام المؤسسة ولتشريعاتها الإدارية، والوعي بمخططاتها
الإيديولوجية، لا يؤدي إلى طمس هوية رجل الفلسفة، كرجل النقد والخلخلة والتفكير
الحر. فصحيح أن الإكراه المؤسساتي لا بد أن يطال مدرس الفلسفة بشكل أو بآخر، لكن مع
ذلك فهذا الأخير يجد في فضاء النصوص الفلسفية مساحات أوسع ليتحرك بشكل حر من أجل
تعليم أدوات التفكير العقلي، وترسيخ قيم الاختلاف والحوار والتسامح.
إنه،
إذن، لابد لمعلم الفلسفة من المراهنة على المؤسسة من أجل الفلسفة نفسها، ومن أجل
الإبقاء على دور الفيلسوف. ولن يكون ذلك برفض طوباوي لعالم المؤسسات كاختيار بشري
لا رجعة فيه، وإنما باستثمار هذا الفضاء من أجل المشاغبة العقلية والدفاع عن مبادئ
الفلسفة وقيمها.
هكذا يمكن للمؤسسة أن تشكل حماية لرجل الفلسفة،
باعتبارها الفضاء المنظم الذي يمنحه سلطة الكلمة، ويسمح له بالقيام بالدور المنوط
به.
·
معلم الفلسفة مطالب
بربط جسور بين الفلسفة والحياة
فأين
تكمن مهمة معلم الفلسفة؟
لعلها تكمن في خلق وضعيات تدهش المتعلم
وتحفزه، وتجعل من فعل التفكير الفلسفي فعلا ضروريا، وليس مجرد مناقشة لقضايا مجردة
تمثل تركة فكرية حفظها تاريخ الفلسفة، أو لائحة من المشاكل التي لا يدرك غير
الأستاذ منشأها ورهانها.
من
هنا فدور المدرس يصبح هو إثارة الدهشة والتساؤل لدى التلاميذ. وذلك انطلاقا من
ربطهم بمعارف حية يجدون فيها إجابات عن حيرات وأسئلة يحسون أنها نابعة من حياتهم.
وإذا كان معلم الفلسفة يمثل وسيطا بين الفيلسوف والمتعلم، من خلال ما يقوم به من
تحويل ديداكتيكي للمعرفة الفلسفية وجعلها قابلة للتعلم من طرف التلاميذ، فإنه
مطالب، من أجل ربط المعرفة الفلسفية بالحياة، بعملية تحويل ديداكتيكية من نوع ثان؛
وهي تلك المتمثلة في نقل الأفكار الفلسفية من مستوى النصوص إلى مستوى الحياة
الفعلية للمتعلم، عن طريق تقنية الأمثلة، وخلق وضعيات-مشكلة، وتفجير النصوص وجعلها
منفتحة على الحياة في كل أبعادها.
والهدف المتوخى من كل هذا هو نزع الطابع المجرد
عن المعرفة الفلسفية، ونزع الغرابة التي يعيشها الدرس الفلسفي بالنسبة للتلاميذ،
وخلق دافعية ذاتية لديهم من أجل الإقبال على الفلسفة كحاجة إنسانية ملحة وضرورية،
وليس كمادة من جملة مواد دراسية أخرى سيمتحن فيها.
هكذا
فعلاقة الدرس الفلسفي بالحياة، تثير أهمية المعنى داخل فعل التعلم: فما لم يدرك
التلميذ معنى ودلالات التعلمات، فإن دافعية التعلم تتضاءل لديه، ناهيك عن قدرته
على التعلم الذاتي أو الإبداع؛ فالذات المتعلمة تبحث دائما عن إجابات عن الأسئلة
المطروحة عندها والنابعة من انتظاراتها الخاصة.
إن مهمة معلم الفلسفة يجب أن تكون منبثقة من
الفلسفة نفسها، ومنصة لدقات قلوب نصوصها. كما أنها مهمة مرتبطة بالاختيارات
الأساسية لتعليمها، وهذا يعني أنها مهمة لا تملى من قبل المؤسسة التعليمية، بالرغم
مما تفرضه هذه المؤسسة من انضباط لزمن الحصص الدراسية، والتزام بمواعيد لإنهاء
الدروس، وإنجاز لأشكال التقويم المختلفة.
من هنا ففضاء القسم هو، في منظورنا الشخصي، منبر
أساسي يمكن لمدرس الفلسفة أن يؤثر من خلاله في المجتمع. ولن يكون ذلك إلا بإخراج
الدرس الفلسفي من مجرد تقنيات في خدمة المؤسسة، إلى درس مفعم بروح التفلسف، وقادر
على تحويل الممارسة الفلسفية إلى ثقافة مدرسية ومجتمعية معممة.
وتحقيق
هذه المهمة مرتبط ، في نظرنا، بالدور المحوري الذي يلعبه الاشتغال على النصوص في
تدريس الفلسفة. فما الذي يتيحه النص من إمكانيات لجعل الدرس الفلسفي فعالا، وذا
تأثير إيجابي في شخصية المتعلم؟
·
النص الفلسفي يسائل ذات
المتعلم ويمده بقيم الحياة الفلسفية !
إن
النصوص الفلسفية تسمح للمتعلم بالتمرن على التفكير الفلسفي، واكتساب آلياته
الرئيسية. كما أنها تمكنه من وضع تمثلاته الاجتماعية في منظور نقدي، بحيث تسمح له
بمراجعة تمثلاته التي تلقاها عبر التربية
عن طريق تعريضها للنقد والمساءلة.
وإذا
كان النص الفلسفي يخاطب العقل وليس الخيال والذاكرة، فهو يجعل المتعلم في حوار مع
ذاته من أجل مساءلة قناعاته، كما يسمح له بالدخول في حوار مع الآخر، من أجل إغناء
الذات والاعتراف بعدم كفايتها. فالنص الفلسفي لا يقدم معارف جاهزة، بل يسمح
بممارسة التفكير الذاتي، وتنمية الحس النقدي لدى المتعلم. كما يمكنه من استيعاب
القيم التي تنشدها الفلسفة، كقيم داعية إلى الحوار والتسامح والقبول بالاختلاف،
ونبذ العنف، ونشر قيم الحق والخير والجمال.
هكذا فالدرس الفلسفي يستطيع، اعتمادا على
مقوماته، أن يمد الجسور بين المدرسة والحياة. وبالتالي يصبح بإمكان هذا الدرس أن
يعيد تصور وإنتاج فكرة المدرسة وفق شروط الحياة ومتطلباتها. وهو وحده الذي بإمكانه
أن ينظر إلى التلميذ كمواطن، وإلى المدرسة كفضاء عمومي يوفر لهذا المواطن كل
الشروط الفكرية والأخلاقيات الضرورية لمواجهة الحياة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.