هذا نص الحوار الذي أجرته معي "بوابة خنيفرة أون لاين" الإلكترونية حول الدرس الفلسفي بالثانوي التأهيلي؛
حوار صحفي مع الأستاذ الباحث محمد الشبة
حول وضع الدرس الفلسفي بالثانوي التأهيلي
2014-09-19
- سؤال: بادئ ذي بدء من
هو الأستاذ محمد الشبة؟
- جواب: محمد الشبة هو مدرس لمادة الفلسفة بالثانوية
التأهيلية الأمير مولاي رشيد بمدينة مشرع بلقصيري، حاصل على الإجازة في الفلسفة،
وعلى شهادة استكمال التكوين في الفلسفة الإسلامية. أمارس البحث في مجال ديداكتيك
الفلسفة، ولدي مجموعة من المؤلفات في هذا الشأن من بينها: "مقالات ديداكتيكية
في تدريس الفلسفة"، "محاورات فصلية في تدريس الفلسفة"، وكتاب موجه
لتلامذة الثانية بكالوريا، وكتابان يخصان مستوى الأولى بكالوريا. كما أصدرت كتبا
في مجال الفلسفة والفكر الإسلامي من بينها: "الاجتهاد والمجتهد عند أبي حامد
الغزالي"، "إشكالات وقراءات فلسفية"، "مفهوم المخيال عند محمد
أركون".. ولدي مؤلفات بعضها قيد الإعداد وبعضها قيد الطبع، سواء في الفلسفة
أو في الديداكتيك. وللإشارة، فأنا أب لبنت اسمها صوفيا (6 سنوات)، وابن اسمه يقظان
(3 سنوات).
- سؤال: هل لك أن تقدم
لنا صورة عن وضع الدرس الفلسفي بالثانوي التأهيلي بالمغرب؟
- جواب: لا يمكن فصل الوضعية التي يعيشها الدرس
الفلسفي بالمغرب عن المنظومة التعليمية ككل؛ فما تعاني منه هذه الأخيرة من تخبط في
وضع البرامج التعليمية، واستيراد لبيداغوجيات أجنبية هي حصيلة واقع مغاير، ينعكس
وينطبق بشكل أو بآخر على الوضع الذي يعيشه الدرس الفلسفي. وهكذا، فبدل أن يتم استثمار
الأطر المغربية العاملة في الميدان، وتخصيص موارد مالية، وتجنيد مؤسسات علمية
وتربوية، من أجل تشخيص الوضع الحقيقي للقسم الفلسفي المغربي ولحاجيات التلاميذ المغاربة،
ارتباطا مع متطلبات المجتمع الذي يعيشون فيه، والانطلاق من كل ذلك لوضع مقررات
دراسية تعكس مجهود الطاقات المحلية، وتفرز لنا مقررات دراسية تحمل الخصوصية
المغربية، وتساهم في تحقيق الغايات الحقيقية التي ننشدها كمغاربة من الفلسفة
والدرس الفلسفي. بدل كل ذلك، راح المسؤولون عن وضع البرامج يحاكون ويستنسخون ما هو
موجود في فرنسا على وجه الخصوص. وهذا ما أنتج لنا مقررات دراسية تكرس غرابة الدرس
الفلسفي في أذهان التلاميذ، وتجعلهم لا يتمكنون من استخدامها من أجل التكوين
الذاتي، كما تشكل بالنسبة لنا كمدرسين عوائق تحول بيننا وبين تقريب الفلسفة من
التلاميذ، وغرس قيمها وأدوات التفكير فيها لديهم. وأمام هذا الوضع، يبقى الحل
المتاح هو أننا نقوم كذوات فردية بالاجتهاد من أجل البحث عن موارد إضافية وأساليب
مبتكرة من أجل جعل الدرس الفلسفي يحقق الغايات المنشودة منه. ولهذا، فالمقالات
والمؤلفات الديداكتيكية التي قمت بنشرها، سواء إلكترونيا أو ورقيا، تندرج ضمن هذه
الجهود الفردية لأشخاص يحملون هم الدرس الفلسفي، ويسعون لإنقاذ ما يمكن إنقاده.
ولكن هذه الجهود الفردية لا تكفي وحدها لبلوغ ما نصبو إليه، وهذا ما جعلني أدعو في
العديد من كتاباتي إلى ضرورة تقاسم التجارب الفصلية بين المدرسين، عن طريق نشرها
على نطاق واسع، لأن هذا هو الذي يمكنه أن يشخص المشاكل الحقيقية التي يعيشها كل
مدرس داخل القسم مع تلامذته، وبالتالي الوصول إلى حلول حقيقية، وليست مستوردة، عن
طريق مراكمة أبحاث ودراسات محلية من شأنها مستقبلا أن تعمل على تحسين الوضع الذي
يعيشه الدرس الفلسفي المغربي بالثانوي التأهيلي.
- سؤال: في
ضوء تشخيصكم لهذا الوضع القائم، كيف تنظر إلى مستقبل الفلسفة في التعليم المغربي
وخصوصا في الثانوي التأهيلي؟
- جواب: إذا كان وضع المنظومة التربوية بالمغرب ينعكس على وضع الدرس الفلسفي،
فيمكن القول أيضا أنه يتأثر بشكل كبير بالمنظومة المجتمعية المغربية ككل. وحينما
نتحدث عن المنظومة، فإن هذا يعني أنه تتقاطع داخلها عدة أبعاد وجوانب سياسية
واقتصادية وثقافية وغيرها. ولهذا، فالعقلية السائدة في المجتمع وطبيعة التفكير
المكرس سياسيا ومؤسساتيا، يؤثر على وضع الفلسفة والدرس الفلسفي بالمغرب. ونحن نعرف
كم عانت الفلسفة بالمغرب في العقود السابقة، حينما كانت مؤسسات الدولة تقاوم الفكر
اليساري، لكنها وإن كانت قد أعادت لها بعض الاعتبار الآن فإن ذلك لم يأت كنتيجة لتفكير
استراتيجي متكامل، ولم يتم كنتيجة لتغيير مجتمعي عميق، بل تحكمت فيه حسابات
إيديولوجية وسياسوية ضيقة. ولهذا السبب، فأنت تجد الدرس الفلسفي لا يزال يعاني،
وربما أكثر من السابق، من مشاكل بنيوية من الصعب الخروج منها بسهولة في المستقبل
القريب. وأنا أرى شخصيا، ومن موقعي كمدرس وباحث، أنه لا بد من المراهنة على رجل
الفلسفة المغربي، الذي هو المدرس والباحث والمفكر والفيلسوف، من أجل المساهمة في
تحديث العقليات وتغيير الوضع الراهن، عن طريق العمل الفردي المتمثل في التدريس
وإنجاز الدراسات والأبحاث الإلكترونية والورقية، وعن طريق العمل الجماعي من خلال
تأسيس جمعيات ومراكز بحث وجرائد ومجلات.. تكون مهمتها هي معالجة مختلف القضايا
التي تهم الدرس الفلسفي، والتغلغل من خلالها في المؤسسات التربوية الرسمية وإحداث
التغيير من داخل مراكز القرار. وإذا ما تضافرت الجهود في هذا النطاق، فإنه يمكننا
أن نأمل مستقبلا في وضع أفضل للدرس الفلسفي بالمغرب.
- سؤال: إلى أي حد ترون أن الدرس الفلسفي في
الفصول المغربية يساهم في بناء وعي فلسفي نقدي لدى المتعلم؟
- جواب: لقد علمتنا الماركسية أن مختلف أشكال الوعي لدى الإنسان، والمكونة
للبنية الفوقية لديه، هي نتاج للبنية التحتية التي تمثل الوجود الاجتماعي الذي
يعيش في كنفه. ولذلك، فسعي الدرس الفلسفي إلى غرس وعي نقدي لدى المتعلم المغربي،
يصطدم بمجموعة من العناصر والمعطيات المكونة لوعي هذا المتعلم، والتي استمدها مما
هو سائد في الوضع الاجتماعي ككل. ولهذا، فمن الصعب أن تغير بسهولة ما ترسخ في وعي
التلميذ خلال ما يزيد عن خمسة عشر سنة عبر التربية والتنشئة الاجتماعية. وربما هذا
هو ما جعل البعض، وفي أمريكا على الخصوص، ينادي بضرورة تعليم الفلسفة للأطفال بل
ويطبقها على أرض الواقع أيضا، وذلك من أجل ترسيخ الفكر النقدي لدى الطفل مبكرا.
ويضاف إلى المواصفات التشخيصية التي يحملها التلميذ المغربي معه من المجتمع، طبيعة
البرامج والمقررات التي ذكرت سابقا أنها تشكو من الكثير من النقائص التي يطول
الحديث عنها هنا. وهذا ما يجعل الأمل معقودا على المدرسين أنفسهم، لكي يجتهدوا في
ابتكار وسائل بيداغوجية وتوفير موارد ديداكتيكية، من شأنها أن تمكن من محاربة
الأحكام المسبقة لدى التلاميذ، والعمل على غرس قيم التفكير الفلسفي لديهم. وأنا
أومن شخصيا أن على مدرس الفلسفة أن يراهن على منبر الفصل الدراسي للتأثير في
المجتمع، من خلال تأثيره في عقول التلاميذ الذين هم عمدة المجتمع وأطر الغد. ويمكن
لهذا التأثير أن يستند على مجموعة من الأنشطة الفصلية التي يقوم بها المدرس بمعية
تلامذته، وأيضا الأنشطة التي يمكن أن يقوم بها خارج إطار الحجرات الدراسية، وذلك
من خلال النوادي الثقافية، والمسابقات وأشكال الدعم المختلفة.. وبطبيعة الحال،
سيظل تأثير المدرس في وعي التلاميذ نسبيا، ويختلف من مدرس إلى آخر، بحسب طبيعة
تكوينه وقدر الجهود التي يبذلها من أجل إشاعة روح التفلسف في أوساط التلاميذ.
- سؤال: إذا تساءلنا عن حصيلة تاريخ تدريس الفلسفة بالثانوي
التأهيلي بالمغرب، فما الذي يمكن استخلاصه؟
- جواب: إذا تأملنا تاريخ تدريس الفلسفة بالمغرب، فإننا نجد أنه بعد تعريبه
ابتداء من 1971 أصبح مرتكزا على تدريس الفكر الإسلامي بالإضافة إلى الفلسفة، وتم إنجاز
كتب فلسفية مدرسية اعتمدت بالأساس على العرض النظري لمجموعة من المعارف المتعلقة
بمجالات فلسفية متنوعة، يظل الغرض منها هو إرشاد الأساتذة وتقليص اختلاف وجهات
النظر بينهم، ومساعدة الطلاب على اكتساب المعارف والمعلومات بشكل منظم ومبسط وسهل،
وتوفير تكافؤ الفرص بينهم في الامتحانات. وقد كان الأساتذة في ذلك الوقت ينجزون
دروسهم وملخصاتهم انطلاقا من الكتاب المدرسي، وانطلاقا من مراجع أخرى حسب طبيعة اهتمامات
الأستاذ وتكوينه المعرفي، وأيضا نزوعاته الإيديولوجية. ولذلك يمكن القول بأن طابع
الإلقاء المعرفي والشحن الإيديولوجي كانا نازلين بثقلهما على الدرس الفلسفي، منذ
بداية السبعينيات إلى نهاية الثمانينيات من القرن الماضي. وقد تم ذلك على حساب تعليم
المهارات والكفايات والقدرات المنهجية والاستقلالية في التفكير. ولهذا نجد أن هذه
الفترة لم تشهد أي أبحاث وازنة في مجال ديداكتيك التدريس والبحث في الطرائق
التعليمية، لأن التركيز فيها انصب على المضمون الفكري أكثر مما انصب على هاجس
تعليم وتعلم ذلك المضمون. إذن فالحصيلة هي هزالة أو شبه غياب للبحث الديداكتيكي في
مجال تدريس الفلسفة. وفي التسعينيات ستبدأ الأمور تتغير تدريجيا، حينما سيبدأ
الاعتماد على التدريس بالنصوص الذي تندرج ضمن وحدات دراسية، كالطبيعة والثقافة،
والتفكير الفلسفي، والحكمة والشريعة...الخ. أو تندرج في إطار مفاهيم أو موضوعات
فلسفية، كاللغة والعقل والحقيقة والشغل..الخ. خصوصا حينما بدأ المدرسون يطلعون على
بعض الأبحاث الديداكتيكية الفرنسية، مما خفف نسبيا من ثقل الدرس الإلقائي
والإيديولوجي الذي يرتكز على المضامين، وفتح المجال أمام التلاميذ للاحتكاك
بالنصوص واكتساب القدرات والمهارات المنهجية التي يتيحها الاشتغال على النص
الفلسفي. وسيمتد العمل بمقرر "المفاهيم" ابتداء من 1995 إلى حدود 2006
حينما سيظهر مقرر "المجزوءات" الذي يتضمن هو الآخر مجموعة من المفاهيم
التي تطرح إشكالات فلسفية تتم معالجتها من خلال تحليل النصوص، وهو المقرر الذي لا
يزال العمل به قائما إلى الآن. كما تميز هذا المقرر الجديد بتنوع الكتب المدرسية
وتحرير الدرس من هيمنة المقرر الواحد.
بالإضافة إلى ذلك، فقد بدأت الكثير من الأفكار والمبادئ والوسائل
الديداكتيكية والبيداغوجية الحديثة تعرف طريقها إلى الدرس المغربي، مع ظهور مقرر
"الألفية الثالثة" هذا. ومن بين هذه الوسائل والطرائق اعتماد الوضعية
المشكلة، والوسائل السمعية البصرية، وتقنية الاشتغال بالمجموعات، وبيداغوجيا
التعلم بالخطإ، واعتبار المتعلم هو مركز العملية التعليمية-التعلمية، مما يعني
اعتماد تقنيات الحوار والمحاججة وتشغيل المتعلم واعتباره شريكا أساسيا في بناء
الدرس... وقد ساعد على هذا تزامن ظهور الأنترنيت مع بداية العمل بهذا المقرر
الجديد، مما وفر للمدرسين –وأنا واحد منهم- الفرصة لإنشاء مواقع ومنتديات
إلكترونية، سمحت لهم بتقاسم التجارب الفصلية وتبادل المشاكل والهموم التي يعيشها
كل مدرس مع تلامذته، مما راكم بعض المقالات والدراسات ولأبحاث الديداكتيكية هنا
وهناك. كما مكن الأنترنيت من توفير موارد جديدة للاستثمار في التدريس، بالإضافة
إلى النصوص، كاللوحات الفنية والأفلام والبرامج الوثائقية، والأشرطة الموسيقية
والغنائية وغير ذلك.
وهكذا فقد مكن هذا الانفتاح على الأنترنيت من التعرف أكثر على الأبحاث
الديداكتيكية الموجودة في البلدان الأخرى، مما حفز المدرسون على أجرأتها في القسم
الفلسفي المغربي وتجريب العمل بها ميدانيا، وجعل مدرسون آخرون يبتكرون طرائق أخرى
وينجزون أبحاثا خاصة بهم، انطلاقا مما يتوفرون عليه من موهبة في التدريس واحتكاك
بالتجربة الفصلية المغربية، واستئناسا بما اطلعوا عليه من دراسات ديداكتيكية في
البلدان الأخرى.
ويمكن القول بأننا لا زلنا إلى حدود الآن نمضي في إطار القيام بأبحاث
تربوية وديداكتيكية، من شأنها الرقي بطرائق الدرس الفلسفي وجعله يحقق الغايات
المتوخاة منه. وتظل النجاحات دائما نسبية، ولا يمكن أن تظهر نتائجها إلا لاحقا،
خصوصا إذا كانت هناك مواظبة واستمرارية، وتم الوعي بالعوائق المجتمعية التي تحول
دون تحقيق تلك الغايات.
- سؤال: هل ساهم الدرس الفلسفي في بلورة ثقافة تنويرية لدى
المتعلم المغربي؟ وهل حقق الكفايات المتوخاة منه؟
- جواب: على ضوء
المعطيات التي رصدناها عن تاريخ تدريس الفلسفة بالمغرب، وعلى ضوء تجربتنا لسنوات
في تدريس الفلسفة بالثانوي التأهيلي، يمكن القول بأن الدرس الفلسفي لا يمكنه أن يكون
إلا قد ساهم ولا يزال في إشاعة روح التفلسف النقدي والحجاجي بين التلاميذ، لكن ذلك
يظل محدودا وتختلف درجته بحسب طبيعة تكوين كل مدرس والمجهودات التي يبذلها في
الفصل الدراسي من جهة، وبحسب طبيعة التلاميذ أنفسهم من جهة أخرى. فقد بينت لي
تجربتي الشخصية أن هناك بعض التلاميذ يملكون ميولات فلسفية جعلتهم يتجاوبون معي
بكيفية رائعة، من خلال نقاشاتنا في القسم، وقد حصلوا على نقط جيدة في الامتحانات
النهائية، وبعضهم حصل على الإجازة في الفلسفة وبعضهم الآخر أصبحوا أساتذة فلسفة.
وما دمت أشتغل منذ سنوات في العالم الافتراضي، من خلال موقعي الخاص ومن خلال منتدى
"الحجاج"، ومن خلال صفحات أخرى في العالم الافتراضي، فقد اكتشفت أن هناك
الكثير من التلاميذ الذين ترسخت لديهم، بهذا القدر أو ذاك، كفايات منهجية ومعرفية
وتواصلية فلسفية لا يمكنها إلا أن تبشر بالخير، خصوصا وقد تزامنت الجهود التي تبذل
من أجل الرقي بالدرس الفلسفي في الألفية الثالثة مع التطورات الحاصلة في العالم
العربي وبقية العالم، والتي لا يمكنها إلا أن تنعكس على مستوى تغيير الوعي والتشبع
بقيم الحوار والتسامح والتفكير النقدي الحجاجي.
وإذا كان مفعول ثورات الربيع العربي قد ظل محدودا على مستوى تغيير
العقليات، فإنه يمكن القول أيضا بأن سعي الدرس الفلسفي إلى إشاعة روح التفلسف
النقدي والحر ظل هو الآخر محدودا، ويطرح تحديات كبيرة من أجل تجاوز العقبات
والعوائق الموروثة التي لا تزال تكبل العقل العربي عموما، وتحول دون تحقيق النهضة
الفكرية المنشودة، والتي لا يمكن أن تتم إلا عبر بوابة الدرس الفلسفي.
وهكذا، فإذا كنت قد أشرت إلى تحقق كفايات الدرس الفلسفي لدى بعض
التلاميذ ذوي الميولات الخاصة، فإن شريحة أخرى من التلاميذ تظل دون هذا المستوى
المطلوب، وتظل التربية والثقافة السائدة في المجتمع، وطبيعة المقررات والبرامج
الدراسية، والوضع المتعلق بطبيعة تكوين مدرس الفلسفة، من بين أهم المحاور التي
يتعين الاشتغال عليها من أجل السعي نحو جعل الدرس الفلسفي يحقق الغايات المتوخاة
منه.
- سؤال: كيف تجيب من يرى أن درس الفلسفة أصبح
مجالا للإثارة والإحباط؟
- جواب: لا يمكنني أبدا أن أكون متشائما وأقر بشكل جازم بأننا وصلنا إلى لحظة
الإحباط. فإذا كان صحيحا أن الدرس الفلسفي المغربي يعيش العديد من المشاكل في
الثانوي التأهيلي، والتي أشرنا إلى بعضها سابقا، فإن هذا ينبغي أن يكون محفزا أمام
مدرس الفلسفة والمهتمين بالشأن الفلسفي لبذل أقصى الجهود من أجل إحداث التغيير
وخلق بصيص الأمل. وعوض أن نلعن الظلام علينا أن نوقظ بعض الشموع التي يمكنها أن
تساهم في إنقاذ ما يمكن إنقاذه. وأنا أعتقد أن التغيير لا يمكن أن يأتي إلا من قبل
رجل الفلسفة، ولذلك فتحلي مدرس الفلسفة بروح التفكير الفلسفي الحقيقي، واجتهاداته داخل
الفصل الدراسي، وتجديده المستمر لدرسه، وتطوير قدراته المعرفية والمنهجية عن طرق
التكوين الذاتي المستمر، وقيامه بأبحاث ودراسات في مجال ديداكتيك الفلسفة، وتقاسمه
لتجاربه الفصلية مع باقي المدرسين، وخلق مجالات للعمل المشترك.. كل هذا وغيره من
شأنه في نظرنا أن يخلق متعة الاشتغال داخل القسم، ويساهم في تقريب التلاميذ من
الفلسفة وتحبيبها إلى نفوسهم، وتحقيق بعض النتائج المرجوة، ويفتح أبواب الأمل
ويتغلب على الشعور باليأس والإحباط.
- سؤال: ما هي في نظرك مواصفات مدرس الفلسفة
الناجح؟
- جواب: إذا كنا قد تحدثنا عن وجود أمل في التغيير والارتقاء بطرائق تدريس
الفلسفة إلى ما هو أفضل، فإن ذلك لا يمكن أن يقوم به سوى مدرسون ذوو مواصفات
محددة. فما هي أهم تلك المواصفات؟
يمكن الإشارة أولا إلى طبيعة التكوين المعرفي للمدرس؛ فسنوات الجامعة
الثلاث كما نعلم تمر بسرعة، ولذلك فمعظم الطلبة، حسب احتكاكي مع الكثير منهم،
يركزون فقط على الملخصات والمطبوعات التي تمكنهم من اجتياز الامتحانات والنجاح
فيها، ولا يقرؤون كما هائلا من الكتب الأصلية للفلاسفة، وهذا ما يجعلهم يحصلون على
شهادة الإجازة، بل وينجحون في مباراة المدرسة العليا للأساتذة نظرا لطبيعة
الامتحانات الموجودة فيها، ونظرا لحاجة الدولة إلى أطر التدريس، ولكن دون أن
يكونوا قد بلغوا مستوى متميزا من التكوين يؤهلهم لخوض غمار تجربة التدريس داخل
القسم بالشكل المطلوب. وهذا ما ينعكس سلبا على عطائهم ومردوديتهم في التدريس،
خصوصا إذا لم يرتبط ذلك بالتكوين الذاتي المستمر من قبل المدرس.
ومن هنا، فالتكوين المعرفي الجيد من خلال القراءة
المستمرة يعتبر من أهم عناصر نجاح مدرس الفلسفة في مشوار تدريسه لهذه المادة. يضاف
إلى ذلك التكوين المنهجي والتربوي المتمثل في ضرورة الاطلاع على مختلف الأبحاث
والدراسات في مجال البيداغوجيا وديداكتيك الفلسفة، وتجريب تطبيقها في الفصل
الدراسي، وكذلك عشق المدرس للفلسفة وتفانيه في خدمة الدرس الفلسفي من خلال بذله
لأقصى الجهود داخل القسم من أجل تطوير درسه والتأثير إيجابا على تلامذته، كل هذا
يشكل خصائص أساسية يتعين على مدرس الفلسفة التحلي بها لكي يكون ناجحا بنسبة عالية
في أدائه لمهمة التدريس الملقاة على عاتقه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.