ملاحظاتي على إنشاء فلسفي لتلميذة
تونسية
حول نص لدولوز يتعلق بمفهوم الغير
· نص الموضوع:
يمكن
أن نقول ما هو الغير من خلال مقارنة التأثيرات الأولي لوجوده بتلك المتعلقة
بغيابه. يكمن خطأ النظريات الفلسفية فى كونها اختزلت الغير ، مرة في موضوع ومرة في
ذات أخري... ولكن الآخر ليس لا موضوعا في حقل إدراكي، ولا ذاتا تدركني :إنه بنية
الحقل الإدراكي ، لولاها لما أمكن لهذا الحقل أن يشتغل في كليته كما يشتغل بالفعل.
وسواء تحققت هذه البنية في أناس واقعيين، أو في ذوات متغيرة ، فإن ذلك لا يمنع أن
تكون هذه البنية سابقة كشرط للتنظيم عامة ، سابقة علي الأشخاص التي تجعلها حاضرة
في كل حقل إدراكي. كحقلكم أنتم وحقلي أنا.وهكذا يؤسس الغير القبلي بما هو بنية
مطلقة ، نسبية الآخرين في كل حقل إدراكي . لكن ماهي البنية ؟ إنها بنية الممكن .
إنها وجه مذعورا ، هو تعبير عن عالم ممكن مثير للذعر والفزع ،أو عن شيء ما مفزع في
العالم ، ما زلت لم أره بعد.... إن الغير هو تعبير عن عالم ممكن ، فالأثر الأساسي
للغير هو التمييز بين وعيي وموضوعه . وهو تمييز ينتج فعلا عن بنية الغير . فهو إذا
يملأ العالم بإمكانات وأراض...ذلك هو الغير .
في
غياب الغير لا يعود الوعي وموضوعه سوي شيء واحد، فتختفي إمكانية الخطأ ، وذلك ليس
لأن الغير لم يعد موجودا هنا باعتباره محكمة لكل واقع ، بل من أجل مناقشة وإبطال
أو إختيار ما أعتقد أنني أراه، بل أن غياب الغير في بنيته ليترك الوعي ملتصقا
بالموضوع ومنطبقا معه في حضور أبدي.
دولوز: منطق المعني ص345-355
حلل هذا النص في
شكل مقال فلسفي مستعينا بالأسئلة التالية:
- فيم يكمن عدم
صواب النظريات الفلسفية بشأن تفكيرها في الغير ؟
-كيف تفهم قول
الكاتب " وهكذا يؤسس الغير القبلي بما هو بنية مطلقة ، نسبية الآخرين الذين
تشتغل البنية من خلالهم " ؟.
- ما هو أهم ما
يفقده الأنا في تجربة غياب الغير ؟
- هل في إنتماء
الإنسان للممكن ما يحمله إلي التحرر من كل تماثل مع ذاته ومع الأشياء؟
· محاولة
التلميذة :
يحتل الغير مكانة
هامة في الوجود الإنساني فمن الضروري أن تعترف الأنا بالغير لتتوصل إلى تحقيق عالم
يقوم على الوعي و التفاهم و الانسجام بين الأنا و الغير.
فعلى ماذا يقوم
اعتبار الأنا للغير و كيف تمثلت النظريات الفلسفية الغير باعتبار انه أصبح السؤال
المركزي في الفلسفة؟ هل اختزله باعتباره مجرد ذات أو موضوع أم انه يحوز منزلة
الممكن و اللاشخصي يكون في شرط المطلق لتحقق الوعي بالذات؟
إن في الاعتراف
بالغير تحرير للانا من كل تمثل و انغلاق على الذات. فهذا الاعتراف شرط آخر لتكوين
مغاير للذات و في ذلك تحرير لها و للغير كغير. و بذلك يكون تأويل الغير بعيدا عن
كل اختزال "يرتقي" به إلى أن يكون بنية مغايرة تفتح للممكن إمكاناته
الفعلية في تحقيق وعي الإنسان بذاته بنحو مغاير و للمغاير كمغاير.
فكيف يتعين
الاختزال سلبا لغيرية الغير؟
إن الغيراساسي في
وجوده و غيابه. فهو يحوز منزلة الممكن و اللاشخصي وهو الشرط الممكن لتحقق وعي
الإنسان بذاته في حقل مخصوص و مغاير. ففي الوقوف على دلالة الغير في حال وجوده،
باعتباره لا يؤدي إلا لتضعيفه و تضخيم الأنا و بالتالي اختزاله في هوية تسلب منه
غيريته، أو في حال غيابه، الذي يؤدي إلى اليقين و التناهي مع الذات و من ثمة إلى
الاعتقاد الذي يجمد الغير، فذلك يمثل شرط إمكان كل عمل تأويلي لما هو إنساني. و
هكذا فان تأويلية الغير كغير هو الذي يرتقي إلى مواجهة الادعاء بالتفكير في هذا
الغير أي ضرورة التفكير فيه كذات قائمة بذاتها باعتباره شرط لوعي الإنسان بذاته.
فالغير إذا يعتبر
مركز الوجود الإنساني و بالتالي لا يمكن اختزاله لا في ذات و لا موضوع و هذا ما
قام دلو ز ببلورته، إذ انه أكد في مرحلة أولى على أن الغير ليس ما نختزله في ذات
لان في ذلك الاختزال تعيين للغير باعتباره ذات و الارتقاء بها إلي أن يكون شبيها
بي أنا و مماثل لي أي هو أنا مثلي أنا و بالتالي فقدان أنيته و استقلاليته و من
ثمة فقدان إنسانيته و الوقوع في تبعية للانا بمعنى أن هذا التشابه والتماثل هو
الذي يقضي على الغير من جهة انه مغاير و مختلف و لذلك يصبح الاختزال ضرب من العمل
المقلب الذي يعترف بالغير كغير و لكنه في الأصل يؤسس للذاتية.
كما أكد الكاتب في
مرحلة ثانية أن الغير ليس ما نختزله في موضوع لان في ذلك يكون الغير مختلف عني
اختلافا كليا أي كلما هو ليس أنا و بالتالي ما ليس هو أنا أي ما لا قوام له بذاته.
و بذلك يظهر البعد الاختزالي في تغييب الغير كمغاير أي تجريده من غيريته ما دام لا
يشبهني أي ليس له وعي بذاته إذ يصبح في حالة اغتراب.
و بالتالي نستنتج
أن مفهوم الاختزال مورط في منطق مغالطي إذ من جهة يرتفع إلى الحديث عن الغير لكنه
من جهة أخرى إما يسلبه غيريته و بالتالي ذاتيته أو انه يضخم هذه الذاتية فيجعله
ذات أخرى. إذن منطق الاختزال متورط في فلسفة التمثل و الحضور أي في منطق الشبيه و
لذلك لم يقدر على تحرير المختلف إلا ادعاء وهو الادعاء الذي يكشف عنه الكاتب من
جهة انه يتورط في نمط من اليقين و بالتالي عدم الوعي بحقيقة الذات و الأشياء
فالغير يبقى مغاير لهذا الآخر. حسب الفيلسوف دلوز نستنتج انه لا يمكن اختزال الغير
كما فعلت النظرية الفلسفية لا في ذات و لا موضوع باعتباره المركز الأساسي للوجود و
باعتباره غير ممكن يمثل شرط وعي الإنسان بذاته و بمواضيعه ضمن حقل الممكنات التي
ترسخه إلى أن مغايرا مع مغاير مغاير.
فبأي معني يكون
الغير الممكن إثراء لتجربة الذات؟
يعتبر الغير بنية
الحقل الإدراكي و هذا يقتضي ضرورة التمييز بين البنية لدي البنيويين باعتبارها
مكونة من مجموع من العناصر و العلاقات الصورية ضمن النسق المغلق و البنية كما هي
مفهوم إشكالي وارد في النص و متاولة ضمن البعد الإدراكي للذات و للآخر و لذلك
البنية في النص ليست منظومة
مغلقة من العلاقات
و لا هي صورة أو تمثل أو هي ما يختزل في يقين ما بل هي فعل اشتغال فعلي مفتوح على
الممكن كممكن أي ما لا يمكن توقعه أو اختزاله فهي الغيرية التي تؤسس نسبية الآخرين
في كل حقل إدراكي أي هي شرط مغاير لذاتي و مغاير مغايرا لذاته.
إن البنية إذن
ليست إلا هذا الانفتاح الذي يجد فيه دلوز شرط التكوين الحقيقي لوعي الذات كغير و
الغير كغير ما دام هذا الحقل ينعطي حقول إدراكية مدركة من خلال ما تفاجئ به الذات
و الغير أنهما مغايرين دوما لذاواتهما.
كما يمكن اعتبار
الغير كبنية هو الممكن و تتجلى بنية الممكن في أنها ليست هي أنا و ليست هي آخر بل
هي آخر مغاير ، متعدد و متشضي و البنية هي الممكن، الحادث، الطارئ، العارض،
المفاجئ الذي يشوش على الفكر كل نمط من التجانس و التماثل و الكلية. إذ أن تأسيس
الغير كبنية بعيدا عن الطابع الاختزالي و الموضوعي هو ما يجعلها انفتاحا على
الممكن إذ ليس الممكن ممكن إلا بما هو ممكن أي ما لا يمكن حده انطلاقا من حد
التمثل أو حد الموضوع فالغير ممكن لأنه ليس صورة للانا ليكون شبيها بها و لا آخر
قائم بذاته أي أنا آخر بل هو الغير الذي ينفتح على المغاير مطلقا و في ذلك كل
دلالاته و كل إمكاناته الممكنة.
الغير كممكن إطاحة
إذن بمنطق الهوية و التماثل و بمنطق الغير الذي لا يشبهنا و المختلف عنا و إعلان
لولادة المغاير لنا و لذاته من ثمة ينزاح إشكاليا عن كل تقييد ليصبح شرط للإمكان
المغاير يبتعد بنا عن الشبيه و الشبهة.
إذن يمكن القول إن
الغير كممكن هو اللامحدود و المفاجئ و من ثمة فهو انفتاح و مغايرة. و بذلك كيف
يمكن اعتبار أن الغير ممكن لعوالم أخرى ممكنة؟
إن أهمية الممكن
تمكننا من إبداع عوالم جديدة و بالتالي التحرر من الدلالة الاختزالية للعالم على
انه عالمي من جهة ما تستنبطه الأنا في علاقتها بذاتها ضمن يقينها التماثلي لذاتها
و التحرر كذلك من الدلالة الاختزالية للعالم كموضوع من جهة تكوينه ضمن التحديد
البنيوي الذي يحوله إلى قدر يحكم ترنسندنتاليات الذات. فالعالم إذن ليس هو إلا ما
هو مغاير بمعنى ليس هو عالمي و لا عالمهم المغاير لي بل هو العالم كما تخترعه ضمن
الغيرية التقاطبية و المغاير التي تحملنا معا إلى اكتشاف إمكان مغاير لعالم مغاير.
فهذه العوالم ممكنة لان الممكن ممكن و لان الغير ممكن كممكن مغاير أي المفترض الذي
نخترعه و تنجزه في أفق انسانويتنا المتكونة كممكن.
و بالتالي يعتبر
الغير هو ما يفتح الحقيقة على النسبي داخل العوالم المختلفة بما إن الغير كبنية هو
الممكن فهو ينفصل بنا عن كل التصاق بالذات و الموضوع أي الانفصال عن كل يقين و
بالتالي فهو يفتح الإنسان على الممكن و من ثمة الإبداع المنجز داخل الممكن الذي
يحملنا إلى ما هو مختلف و تكون الحقيقة عندئذ هي مجموع الانزياحات الممكنة عن كل
مركزية و تطابق فهي عرضانية، متشضية أو أنها "الريزوم". و هنا لا ينفصل
معنى الحقيقة عن المغايرة كمقاومة من ثمة فهي ترتبط بالفعل المكون ليس في تمثل
الغير بل في اكتشافه و اكتشاف الرغبة في تحريره إذ له و لنا الحق في الحياة
المختلفة.
إذن حسب دلوز
الغير ليس ما هو مختزل في ذاته أو موضوع بل هو بنية الحقل الإدراكي الذي بواسطته
تدرك الذات ذاتها و الغير كغير وهو أيضا كبنية هو الممكن الذي هو شرط وعي الإنسان
بذاته و بمواضيعه ضمن حقل الممكنات التي ترسخه إلى أن يكون مغايرا في عالم مغاير
مع مغاير مغاير.
وبالتالي فان
تأويلية الأنا بعيدا عن المطلب الميتافيزيقي يفتحها على تكوينية مغايرة كآخر
متقاطبا مع الآخر، بذلك فان الارتقاء بالغير إلى أن يكون ليس شرط لوجوده بل شرط
قبلي لوعي الذات بذاتها ضمن النمط المغاير لذاتها و حمل الغير إلى التكوين المغاير
للانا كغير وهو ما يفتح الحقيقة على ما هو مغاير و مختلف.
كما تساهم على
المستوى الحضاري في تفتيت المفاعيل الإيديولوجية في أكثر أدواتها رهافة و نعومة
ثمة تحرير الإنسان من كليات تدعي الغيرية عندما تنسب للغير حق الوجود و التفكير و
تسلب منه الحق في أن يكون مختلفا و مغايرا.
صحيح أن الممكن
يحررنا من كل التصاق بالذات و بالموضوع أي من كل يقين و من ثمة يخو لنا إلى
الإبداع، و لكن الإقرار بهذا الممكن أليس تورط في الاختزال بمعنى إلى أي حد نستطيع
أن نجعل الممكن يأتي في خطاب لا يسجنه حتى و لو كان هذا الخطاب اسمه الفلسفة؟ أي
أن التفكير في الممكن دون التفكير مشكيليا في شروط إمكانه، أليس إجهاضا للغير
كممكن بأدوات و في مناخات لا تحتفل بالممكن إلا لتقتله؟
و بالتالي هل يمكن
أن يكون لهذا الغير و الممكن من جدوى إزاء منظومات إيديولوجية و عولمية عرفت كيف
توظف الغير من اجل إعدامه و محاصرته؟
إذن يمكن القول إن
مسالة الغير و إن استأنفت إشكاليا من اجل تحريره من كل فعل يختزل الغيرية فيه فان
هذا الاستئناف ما لم يرتقي إلى مشكل مغاير في اشكلة الغير يبقى محاصرا في بوتقة
الادعاء في التفكير فيه.
فأي مشكل مغاير
يستطيع اليوم أن يلتقي بالغير كممكن و كمغاير؟
· ملاحظاتي
على موضوع التلميذة:
-لقد جاء في مقدمة
موضوع التلميذة ما يلي:
يحتل
الغير مكانة هامة في الوجود الإنساني فمن الضروري أن تعترف الأنا بالغير لتتوصل
إلى تحقيق عالم يقوم على الوعي و التفاهم و الانسجام بين الأنا و الغير.
فعلى
ماذا يقوم اعتبار الأنا للغير و كيف تمثلت النظريات الفلسفية الغير باعتبار انه
أصبح السؤال المركزي في الفلسفة؟ هل اختزله باعتباره مجرد ذات أو موضوع أم انه
يحوز منزلة الممكن و اللاشخصي يكون في شرط المطلق لتحقق الوعي بالذات؟
ما يمكن ملاحظته
في هذه المقدمة هو أن التمهيد فيها لا يؤسس بدقة للطرح الإشكالي؛ إذ يتميز بنوع من
العمومية التي تجعله يصلح للاستخدام في شتى المواضيع، بينما المطلوب هو أن يكون
التمهيد مستمدا من خصوصية الموضوع قيد المعالجة وهو نص دولوز هنا، وأن يتضمن
المفارقات الضرورية التي تمكن من صياغة أسئلة الإشكال الثاوي في ثنايا النص.
لقد جاء في
التمهيد بأنه:
من
الضروري أن تعترف الأنا بالغير لتتوصل إلى تحقيق عالم يقوم على الوعي و التفاهم و
الانسجام بين الأنا و الغير.
أعتقد أنه يجب
تجنب مثل هذا الجزم الذي عبرت عنه التلميذة بتعبير (من
الضروري...)، وبدلا من ذلك يستحسن لو قدمت وصفا ترصد فيه ما هو حاصل فعلا
في عالم البشر من علاقات بين الأنا والغير، والتي لا يكون فيها الاعتراف والانسجام
والتفاهم هو السائد دائما بل تنبني العلاقة بينهما أيضا على الصراع والعداوة
والإقصاء ونزع الاعتراف بدل الاعتراف.
هذا وإن الحديث عن
علاقة الاعتراف والتفاهم والانسجام بين الأنا والغير لا يلامس بدقة الإشكال
المتضمن في نص دولوز، والذي لا يخص الجانب العلائقي الأكسيولوجي بقدر ما يخص
الجانب المعرفي الإدراكي؛ فالإشكال يتعلق في النص بتوضيح أهمية الغير وضرورته داخل
الحقل الإدراكي للأنا، والذي يمكن صياغته مثلا من خلال الأسئلة التالية:
كيف
يتجاوز الغير أن يكون مجرد ذات أو موضوع ليصبح بنية للحقل الإدراكي المشترك بينه
وبين الأنا؟
كيف
يصبح الغير شرطا ضروريا لتنظيم العالم من طرف الأنا وللتمييز بين الأنا وموضوعاته
(العالم) ؟
وماذا
يترتب عن افتراض غياب الغير داخل حقل إدراك الأنا لأشياء العالم؟
هكذا توجب أن يكون
التمهيد متضمنا لمعاني تؤسس لمثل هذه الأسئلة وتفضي إليها مباشرة وبشكل تلقائي،
والحال أن الأمر لم يكن كذلك فيما قدمته التلميذة.
كما أن التساؤلات
التي طرحتها اعتراها نوع من الغموض وأعوزها قليل من الدقة، مثلما هو الأمر في هذا
السؤال:
فعلى
ماذا يقوم اعتبار الأنا للغير
فعبارة (اعتبار الأنا للغير) غير واضحة ولا يكاد القارئ
يستوعب المقصود منها، فضلا عن التساؤل عن أسسها (على ماذا يقوم...)؛ ربما المشكل
يتعلق هنا بالتعبير اللغوي خصوصا كلمة (اعتبار)...
أو في هذا السؤال
أيضا:
هل
اختزله باعتباره مجرد ذات أو موضوع أم انه يحوز منزلة الممكن و اللاشخصي يكون في
شرط المطلق لتحقق الوعي بالذات؟
أعتقد أن المقصود
هو (اختزلته) لكي يعود الضمير على النظريات
الفلسفية، وليس (اختزله). ثم إن عبارة (يحوز منزلة الممكن واللاشخصي) غير واضحة بما فيه
الكفاية مما كان يتوجب على التلميذة شرحها بأسلوبها الخاص وليس الاقتصار على نقل
النعوت كما هي واردة في نص دولوز مباشرة، وهذا الوضوح شرط ضروري في نظري لكي نبين
مدى فهمنا للنص أولا ولطرح الإشكال بدقة ثانيا.
ثم إن الشطر
الأخير من التساؤل (يكون في شرط المطلق لتحقق الوعي
بالذات؟) هو الآخر غامض ولا ينتج معنى مفهوما بدقة؛ إذ ما المقصود بالمطلق
هنا؟ وهل الأمر يتعلق بوعي الذات فقط أم إدراك العالم والوعي به أيضا.
- أعتقد أن هذه
الملاحظات التي ترصد بعض الهفوات والجوانب السلبية، سواء تعلق الأمر بالطرح
الإشكالي أوبالموضوع ككل، سببها الرئيسي هو اختيار النص كموضوع للتقويم. فالنص
فعلا يتضمن الشروط اللازمة لكي يكون صالحا للتقويم، فهو يتضمن إشكالا وأطروحة وحجج
للدفاع عنها وحجمه مناسب...لكن مع ذلك فلغته ومعانيه، والأمران متلازمان، يظلان
فوق مستوى القدرة الاستيعابية للتلميذ المتوسط الذكاء. ولذلك كان من المفروض تجنب
مثل هذه النصوص التي تنتمي إلى ما يسمى بفلسفة الاختلاف الفرنسية المعاصرة، كنصوص
دولوز ودريدا وغاتاري وغيرذلك، واختيار نصوص أخرى تكون لغتها في مستوى تناول
واستيعاب الغالبية العظمى من التلاميذ.
وانت ترى معي
العزيز مينارفا بأن التلميذ، بالرغم من نجابتها وتضمن موضوعها لجوانب مشرقة سنشير
إليها، فهي سقطت في منزلقات ناتجة في نظري عن طبيعة النص الذي تم اختياره، وهو نص
فيلسوف يكتب بلغة يتجادل المتخصصون في تأويل معانيها وفك رموزها، فما بالك بتلاميذ
في السلك الثانوي التأهيلي.
- إذا ما انتقلنا
إلى لحظة تحليل النص، فإننا نجد كثيرا من الجوانب المضيئة في عمل التلميذة؛
والمتعلقة أساسا بوقوفها عند بعض دلالات مفاهيم النص وعباراته، وهذا واضح مثلا في
وقوفها عند التساؤل عن مفهوم الاختزال:
فكيف
يتعين الاختزال سلبا لغيرية الغير؟
وتوضيحها لمعاني
اختزال الغير كموضوع أو اختزاله كذات، وها واضح في قولها:
إذ
انه أكد في مرحلة أولى على أن الغير ليس ما نختزله في ذات لان في ذلك الاختزال
تعيين للغير باعتباره ذات و الارتقاء بها إلي أن يكون شبيها بي أنا و مماثل لي أي
هو أنا مثلي أنا و بالتالي فقدان أنيته و استقلاليته و من ثمة فقدان إنسانيته و
الوقوع في تبعية للانا (...) كما أكد الكاتب في مرحلة ثانية أن الغير ليس ما
نختزله في موضوع لان في ذلك يكون الغير مختلف عني اختلافا كليا أي كلما هو ليس أنا
و بالتالي ما ليس هو أنا أي ما لا قوام له بذاته.
بالرعم من ان
تأويل التلميذة لمفهوم الغير كذات وأنه في هذه الحالة يفقد إنيته واستقلاليته
وإنسانيته، هو تأويل غير دقيق؛ إذ أن الفلاسفة الذين اعتبروا الغير ذاتا لا يترتب
عن ذلك فقدانه لاستقلاليته أو إنسانيته، بل ما يقصده دولوز هو أن الغير ليس مجرد
ذات جزئية و معزولة توجد في مواجهة الأنا ومستقلة عنه، بل إن الغير بنية للحقل
الإدراكي؛ أي أنه يكمل إدراك الأنا لنفسه وللعالم ويمنح لهذا الإدراك معنى حقيقا
ويجعله ممكنا، كما أن الغير هنا هو شرط لازم لتنظيم العالم من طرف الأنا وللتمييز
بين الأنا وموضوعاته.
أو تساؤلها عن
الغير الممكن وعلاقته بتجربة الذات:
فبأي
معني يكون الغير الممكن إثراء لتجربة الذات؟
أو طرحها لمثل هذه
التساؤلات:
كيف
يمكن اعتبار أن الغير ممكن لعوالم أخرى ممكنة؟
و:
إلى
أي حد نستطيع أن نجعل الممكن يأتي في خطاب لا يسجنه حتى و لو كان هذا الخطاب اسمه
الفلسفة؟
و:
...
التفكير في الممكن دون التفكير مشكيليا في شروط إمكانه، أليس إجهاضا للغير كممكن
بأدوات و في مناخات لا تحتفل بالممكن إلا لتقتله؟
و:
هل
يمكن أن يكون لهذا الغير و الممكن من جدوى إزاء منظومات إيديولوجية و عولمية عرفت
كيف توظف الغير من اجل إعدامه و محاصرته؟
و:
فأي
مشكل مغاير يستطيع اليوم أن يلتقي بالغير كممكن و كمغاير؟
- كما نسجل وقوف
التلميذة عند بعض الاستنتاجات أثناء تحليلها للنص، مثل:
و
بالتالي نستنتج أن مفهوم الاختزال مورط في منطق مغالطي...
أو قولها:
إذن
يمكن القول إن الغير كممكن هو اللامحدود و المفاجئ...
أو قولها:
إن
البنية إذن ليست إلا هذا الانفتاح الذي يجد فيه دلوز شرط التكوين الحقيقي لوعي
الذات...
أو قولها:
إذن
يمكن القول إن الغير كممكن هو اللامحدود و المفاجئ و من ثمة فهو انفتاح و مغايرة.
أو قولها:
إذن
حسب دلوز الغير ليس ما هو مختزل في ذاته أو موضوع بل هو بنية الحقل الإدراكي...
أو قولها:
وبالتالي
فان تأويلية الأنا بعيدا عن المطلب الميتافيزيقي يفتحها على تكوينية مغايرة كآخر
متقاطبا مع الآخر،
أو قولها:
إذن
يمكن القول إن مسالة الغير...
إن مثل هذه
التساؤلات و الاستنتاجات التي أشرنا إليها تمثل نقطا مضيئة في موضوع التلميذة؛إذ
تبين وجود ترابط بين فقرات الموضوع وتسلسل الأفكار فيه، وهذا بغض النظر عن فحوى
تلك التساؤلات والاستنتاجات ومدى دقة مضمونها في علاقتها بنص دولوز.
بالإضافة إلى هذا
نسجل نقطة إيجابية تتعلق بالأسلوب الذي كتبت به التلميذة موضوعها، وهو ينم عن
امتلاكها لثروة لغوية جيدة تمكنها من التعبير بيسر وسلاسة عن أفكارها، خصوصا إذا
ما قارناها بالكثير من المواضيع التي يكتبها التلاميذ في مستواها الدراسي، وهي
مواضيع مليئة بالأخطاء التركيبية والإملائية والركاكة في التعبير.
غير ان هذا لا
يمنع من ان نقف من حين لآخر، ونحن نقرأ موضوع التلميذة، على بعض الأخطاء اللغوية
التي لا تؤثر عموما على جودة الأسلوب ككل، من قبيل:
يكون
الغير مختلف عني اختلافا كليا
والصحيح هو:
(يكون الغير مختلفا عني اختلافا كليا )
أو:
أي
كلما هو ليس أنا
والصحيح:
( أي كل ما هو ليس أنا )
أو:
فيجعله
ذات أخرى
والصحيح هو:
( فيجعله ذاتا أخرى )
أو:
ليس
الممكن ممكن...
والصحيح هو:
( ليس الممكن ممكنا... )
أو:
ليصبح
شرط للإمكان...
والصحيح هو:
( ليصبح شرطا للإمكان... )
أو غير ذلك من
الأخطاء النحوية التي كما قلت لا تؤثر على جمالية الموضوع من ناحيته الأسلوبية
الشكلية.
وأستسمح التلميذة أن أشير أيضا لعدم استخدامها لعلامات الوقف (Ponctuation ) في بعض المواطن التي يكون استخدامها
ضروريا؛ إذ لا يعقل أن يكتب التلميذ أكثر من سطرين دون وضع نقطة أو فاصلة أو نقطة
فاصلة أو غير ذلك من علامات الوقف التي تلعب دورا هاما في توضيح المعنى والتمييز
بين الأفكار.
وإليك مثالا على
ما أقول:
إذ
انه أكد في مرحلة أولى على أن الغير ليس ما نختزله في ذات لان في ذلك الاختزال
تعيين للغير باعتباره ذات و الارتقاء بها إلي أن يكون شبيها بي أنا و مماثل لي أي
هو أنا مثلي أنا و بالتالي فقدان أنيته و استقلاليته و من ثمة فقدان إنسانيته و
الوقوع في تبعية للانا بمعنى أن هذا التشابه والتماثل هو الذي يقضي على الغير من
جهة انه مغاير و مختلف و لذلك يصبح الاختزال ضرب من العمل المقلب الذي يعترف بالغير
كغير و لكنه في الأصل يؤسس للذاتية.
انظر فقرة بكاملها لا تتضمن سوى نقطة في نهايتها :
ومثال آخر:
يعتبر
الغير بنية الحقل الإدراكي و هذا يقتضي ضرورة التمييز بين البنية لدي البنيويين
باعتبارها مكونة من مجموع من العناصر و العلاقات الصورية ضمن النسق المغلق و
البنية كما هي مفهوم إشكالي وارد في النص و متاولة ضمن البعد الإدراكي للذات و
للآخر و لذلك البنية في النص ليست منظومة مغلقة من العلاقات و لا هي صورة أو تمثل
أو هي ما يختزل في يقين ما بل هي فعل اشتغال فعلي مفتوح على الممكن كممكن أي ما لا
يمكن توقعه أو اختزاله فهي الغيرية التي تؤسس نسبية الآخرين في كل حقل إدراكي أي
هي شرط مغاير لذاتي و مغاير مغايرا لذاته.
انظر مرة أخرى كيف
أن فقرة طويلة لا تتضمن نقطا وفواصلا، سوى نقطة يتيمة في
نهايتها.
وهناك طبعا أمثلة
أخرى في الموضوع لم نشأ الاستشهاد بها لتجنب الإطالة.
قد تبدو الأخطاء
اللغوية وغياب النقط والفواصل مسألة غير ذات أهمية بالنسبة للبعض، ولكنها مهمة
بالنسبة إلي، وأنا ألح على تلامذتي من أجل الانتباه إليها وتجنب الوقوع فيها نظرا
لتأثيرها الكبير على جمالية الكتابة وإنتاج المعنى في نفس الوقت.
- كما قلت سابقا،
فإن صعوبة لغة النص جعلت التلميذة تتخبط في محاولة شرح
معانيه ودلالاته بعبارات بدت غامضة، ولا تنتج معنى واضحا ودقيقا. وإليك بعض
الأمثلة لعبارات غير واضحة المعنى في موضوع التلميذة:
...في
تحقيق وعي الإنسان بذاته بنحو مغاير و للمغاير كمغاير.
و:
...ضمن
حقل الممكنات التي ترسخه إلى أن مغايرا مع مغاير مغاير.
و:
إذن
منطق الاختزال متورط في فلسفة التمثل و الحضور أي في منطق الشبيه و لذلك لم يقدر
على تحرير المختلف إلا ادعاء وهو الادعاء الذي يكشف عنه الكاتب من جهة انه يتورط
في نمط من اليقين و بالتالي عدم الوعي بحقيقة الذات و الأشياء فالغير يبقى مغاير
لهذا الآخر.
و:
و
التحرر كذلك من الدلالة الاختزالية للعالم كموضوع من جهة تكوينه ضمن التحديد
البنيوي الذي يحوله إلى قدر يحكم ترنسندنتاليات الذات.
و:
فالعالم
إذن ليس هو إلا ما هو مغاير بمعنى ليس هو عالمي و لا عالمهم المغاير لي بل هو
العالم كما تخترعه ضمن الغيرية التقاطبية و المغاير التي تحملنا معا إلى اكتشاف
إمكان مغاير لعالم مغاير.
و:
فهذه
العوالم ممكنة لان الممكن ممكن و لان الغير ممكن كممكن مغاير أي المفترض الذي
نخترعه و تنجزه في أفق انسانويتنا المتكونة كممكن.
و هناك عبارات
أخرى شبيهة بهاته، وبعضها أشار إليها ديوجين في رده، وكلها تبين مدى امتلاك
التلميذة لكفاءة لغوية، لكن للأسف صعوبة لغة النص جعلتها تراكم الكلمات وتنضضها
دون أن تتمكن من إنتاج معنى واضح ودقيق.
- وغموض المعنى
هذا يدل عليه أيضا غياب الأمثلة في الموضوع؛ إذ أن
التلميذة لم تتمكن من تقديم أمثلة من الواقع المعيش لتوضح ما تدعي أنها تنتجه من
أفكار. وغياب الأمثلة التوضيحية يعني بكل بساطة أنها لا تدري في معظم الأحيان ما
تقول، بل هي ألفاظ تتناسل وتنتج اللامعنى.
لقد قال برجسون: ( إن الفلسفة هي البساطة، ولكنها بساطة نتوصل إليها بعد جهد شاق
). ولذلك فإذا لم يستطع المدرس ان يبسط الأفكار الفلسفية المجردة بأمثلة من
الواقع، فمعنى ذلك انه لا زال لم يفهمها فهما دقيقا وواضحا. ونفس الشيء بالنسبة
إلى التلميذ، فإذا لم يقدم أمثلة توضيحية لما ينتجه من أفكار فهو لا يمتلك فهما
واضحا بصددها. ولأجل هذا فأنا دائما أنصح تلامذتي وأحثهم على تطوير أفكار الفلاسفة
وتوضيحها بأمثلة من محيطهم الاجتماعي، حتى يبينوا مدى فهمهم لها ويربطون جسورا بين
الفلسفة والحياة، أي بين الأفكار الفلسفية ووقائع الحياة اليومية، وفي هذا تكمن
أهميتها.
- أسجل أيضا ملاحظة
أساسية، في إطار تحليل النص، وتتعلق بتهميش التلميذة و عدم وقوفها على أفكار
أساسية في النص لها علاقة مباشرة بالأطروحة التي يدافع عنها دولوز. ويتعلق الأمر
بالأفكار المتضمنة في عبارات النص التالية:
يمكن
أن نقول ما هو الغير من خلال مقارنة التأثيرات الأولي لوجوده بتلك المتعلقة بغيابه
... إنها وجه مذعورا ، هو تعبير عن عالم ممكن مثير للذعر والفزع ،أو عن شيء ما
مفزع في العالم ، ما زلت لم أره بعد.... فالأثر الأساسي للغير هو التمييز بين وعيي
وموضوعه . وهو تمييز ينتج فعلا عن بنية الغير . فهو إذا يملأ العالم بإمكانات
وأراض...ذلك هو الغير .
في
غياب الغير لا يعود الوعي وموضوعه سوي شيء واحد، فتختفي إمكانية الخطأ ، وذلك ليس
لأن الغير لم يعد موجودا هنا باعتباره محكمة لكل واقع ، بل من أجل مناقشة وإبطال
أو إختيار ما أعتقد أنني أراه، بل أن غياب الغير في بنيته ليترك الوعي ملتصقا
بالموضوع ومنطبقا معه في حضور أبدي.
هكذا لم توضح
التلميذة ما يترتب عن غياب الغير في عالم الأنا حسب دولوز؛ فغيابه يجعل الأنا لا
يدرك العالم إدراكا منظما، كما يصبح متماهيا مع موضوعاته ولا يتمكن من تمييز ذاته
عن موضوعات العالم الخارجي؛ أي أن بغياب الغير يتشيأ الأنا ويفقد جوانب أساسية من
إنسانيته، ذلك أن كل أشكال الوعي الأخلاقية والسيكولوجية والمعرفية لا يمكنني أن
أمارسها إذا افترضت أنه لا وجود للغير في عالمي. فالحب والكراهية والخجل والتفكير
في قضايا سياسية وقانونية وغير ذلك لا يكون ممكنا ويصبح بدون معنى إذا ما غاب
الغير عن عالمي كأنا.
بالإضافة إلى هذا،
فالغير هو الذي يكمل إدراكنا للأشياء؛ فأنا لا أدرك من الأشياء سوى جانبا ما
وأفترض أن الغير يدرك جوانبها الأخرى. والأمثلة في هذا كثيرة؛ فأنا أفسر ظاهرة
اجتماعية كالبطالة مثلا انطلاقا من مؤشرات اقتصادية بينما قد يفسرها غيري بمؤشرات
ثقافية أو سياسية. وأنا أفسر الدعارة بإرجاعها إلى أسباب اقتصادية وطبقية بينما
يفسرها الغير بعوامل أخلاقية وثقافية...الخ. وهذا يدل على ضرورة الاعتراف بالغير
والقبول باختلافه، ولعل لهذا علاقة بفلسفة الاختلاف الفرنسية التي يعتبر دولوز من
بين أقطابها.
كما لم توضح
التلميذة مسألة الخطأ في علاقتها بغياب الغير في عالم الأنا؛ ذلك أن في غياب الغير
تنتفي إمكانية الخطأ، باعتبار أن الغير هو الذي يحكم على ما يصدر عن الأنا من
أفكار ومواقف ويبين مدى صحتها أو خطئها على الأقل من المنظور الذي ينطلق منه. إن
الغير والحالة هاته، يجعل كما تقول كريستيفا النحن (الأنا) إشكاليا وربما مستحيلا؛
فهو يؤشكل أفكار الأنا ويجعله يحس بالنقص ويضع فيه بقية من عدم الفهم.
لم تقف التلميذة
أيضا إلى مثال الوجه المفزوع في النص؛ حيث أنني حينما أرى الذعر أو الفزع على وجه
الغير فإنني أستدل من ذلك على عالم ممكن، أي على أشياء أعرفها في العالم المشترك
بيني وبين الغير وهي التي أدت إلى فزعه، وبالتالي فإنني أحتاط منها أيضا كممكنات
قد تطالني وتهددني بالذعر والفزع أيضا.
إن إدراك العالم
من طرف الأنا يصاحبه افتراض وجود الغير كهامش على المجال الإدراكي؛ إذ أنني لا
أدرك سوى بعدا من أبعاد الوجود وأفترض أن الغير يدرك الأبعاد الأخرى. كما أفترض أن
الغير يدرك الأشياء حتى في غياب إدراكي لها، وبذلك فهو يكمل إدراكي للعالم ولا غنى
عنه بالنسبة لذاتي. أنتقل الآن إلى مستوى المناقشة في الموضوع؛ وأسجل ملاحظة أساسية
تتعلق بغياب المناقشة سواء الداخلية أو الخارجية. ونقصد بالأولى دخول التلميذة في
حوار حقيقي مع النص من أجل نقد أفكاره وحججه وتبيان مدى قوتها وتماسكها أو عكس
ذلك، وهذا ما لم تفعله التلميذة إذ اكتفت بطرح أسئلة نمطية تعيد ما هو موجود في
النص ولا تفتح آفاقا لتبيان مدى حدود ما ورد فيه. ونقصد بالثانية توظيف مواقف
وأطروحات فلسفية مؤيدة لأطروحة النص أو معارضة، وهو ما نسجل غيابا تاما له في
موضوع التلميذة. ربما أن هذا الغياب يعود إلى شكل صيغة التقويم الخاصةبالنص في
تونس؛ إذ لا يكون التلميذ مطالبا فيها بمناقشة النص انطلاقا من استحضار مواقف
فلسفية أخرى، وإن كان ذلك صحيحا فملاحظتنا الأخيرة غير ملزمة للتلميذة. أما
بالنسبة إلينا في المغرب، فإننا نطالب التلميذ بتحليل النص ثم بعد ذلك مناقشته
مناقشة داخلية وخارجية، وأثناء هذه الأخيرة يكون ملزما عليه أن يوظف مواقف فلسفية
درسها وإدخالها في حوار مع ما ورد في النص من أفكار.
وعلى أية حال،
فالأخ مينارفا مطالب بإعطاء توضيح بصدد المطلب الحقيقي في الصيغة التي قدمها لنا،
والمتعلقة بنص مرفق بأسئلة، وتوضيحه ما إذا كانت المناقشة من خلال استحضار مواقف
فلسفية ضرورية في هذا المطلب أم غير ضرورية.
هذه هي أهم
الملاحظات التي تمكنت من رصدها بعد قراءات متأنية ومتعددة لموضوع التلميذة، وهي
ملاحظات بناءة تهدف إلى تطوير عمل التلميذة إلى تحقيق ما هو افضل، كما أنها لا
تنقص أبدا من مجهود التلميذة التي أهنئها على امتلاكها لثروة لغوية وقدرة على
الفهم لا بأس بها وقابلة لكي تتطور إلى ما هو أحسن.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.