الثلاثاء، 25 أكتوبر 2016

قراءة في جوانب من التجربة الإبداعية لدى بوسلهام الكط



قراءة في جوانب من التجربة الإبداعية
 لدى الباحث بوسلهام الكط
  


بقلم محمد الشبة



بوسلهام الكط: باحث في الفلسفة والتراث
 
  سأسعى من خلال هذا المقال إلى تسليط الضوء على بعض الأفكار والقضايا التي تناولها الباحث بوسلهام الكط في مختلف كتاباته التي تضمنتها كتبه العديدة، والتي فاقت العشرين كتابا بحيث يصعب الإحاطة بكل مضامينها في مثل هذه المقالة.
إن القارئ والمتتبع لأعمال الكاتب والباحث بوسلهام الكط يمكنه أن يقف عند خمسة مجالات فكرية اهتم بها هذا الباحث؛ المجال الأول يتعلق بالنقد الأدبي، حيث ألف مجموعة من الأعمال النقدية التي قرأ من خلالها إبداعات أدبية وقصصية وروائية، أما المجال الثاني فيتمثل في اهتمامه بمجموعة من القضايا المرتبطة بقضايا التربية والتعليم، وهو المجال الذي يرتبط ارتباطا وثيقا بمهنة تدريس الفلسفة التي زاولها لسنين عديدة، في حين نجد المجال الثالث يتعلق بإنتاجه لمجموعة من الأعمال التي تتعلق بقضايا فكرية وفلسفية، أما المجال الرابع فيتعلق بتأملاته الفكرية والنقدية المتعلقة ببعض قضايا السياسة والفكر السياسي. وهناك مجال خامس تميز به الباحث بوسلهام الكط، وهو المجال المتعلق بأبحاثه في التراث وفي التراث الغرباوي على وجه الخصوص، وذلك في كتابه "من وحي التراث الغرباوي" الذي أصدر منه ستة أجزاء كاملة.
سأحاول إذن أن أقدم أهم الإشكالات والأفكار والقضايا التي تضمنها كل مجال من المجالات الخمس التي اهتم بها باحثنا.

1-   مجال النقد الأدبي:
لقد كتب الأستاذ الكط في هذا المجال كتابا بعنوان "تأملات في رسائل السجن في الأدب المغربي "، وهو الكتاب الذي صدرله في طبعته الأولى سنة 2006 . وفيه يقدم مجموعة من القراءات التأملية والنقدية لمجموعة من الأعمال الأدبية والإبداعية المتعلقة برسائل السجن في الأدب المغربي. وهكذا نجد في الفصل الأول من الكتاب قراءة أولى تتعلق برواية «العريس» لصلاح الوديع، وقراءة ثانية في «رسائل السجن» لعبد اللطيف اللعبي، وثالثة  في «مناديل وقضبان» لثريا السقاط ، ورابعة في رواية «كان وأخواتها» لعبد القادر الشاوي، وخامسة في «تذكرة ذهاب وإياب إلى الجحيم» وهي مذكرات لمحمد الرايس. كما نجد بنفس الفصل من الكتاب معالجة لإشكالية الكتابة السجنية وأهميتها وطرقها عند عزيز الوديع. أما في الفصل الثاني من الكتاب المذكور، فإننا نعثر على ثلاثة قراءات نقدية أخرى لأعمال إبداعية هي على التوالي: قراءة لرواية «باب تازة» لعبد القادر الشاوي، و قراءة لكتاب «أشعار ــ كتابات ــ رسائل السجن» لسعيد منبهي وقراءة لرواية (الآن... هنا) أو (شرق المتوسط مرة أخرى) لعبد الرحمن منيف. كما نجد بنفس الفصل ملحقا لأدب رسائل السجن في الأدب المغربي المعاصر، ويتعلق الأمر ب  " تازممارت الزنزانة رقم 10 " لأحمد المرزوقي و  "الغرفة السوداء" لجواد أمديدش. وقد انتهى الكاتب بوسلهام الكط في آخر الفصل إلى صياغة   خلاصة تساؤلية.. تتعلق بأدب السجون بالمغرب، كما عالج إشكالية الانتهاكات والاختفاء القسري التي طالت عدة قياديين ومناضلين بالمغرب في سنوات القمع والرصاص.
 كما نجده قد قام بتقديم قراءات للعديد من الإبداعات الأدبية في أماكن متفرقة من كتبه الأخرى.
2-   مجال التربية والتعليم:
صدر لباحثنا أربعة كتب في هذا  المجال؛ كتابان سنة 1998 تناول أحدهما بعض إشكاليات التعليم الأساسي بالمغرب، وتناول الآخر قراءات في مجال التربية والتعليم على المستويين السياسي والإداري. أما الكتابان الآخران، فقد قام الكاتب خلالهما بتقديم قراءة لدروس الفلسفة وللكتب المدرسية، وقد صدر أحدهما سنة 2007 والآخر سنة 2008.
وعلى العموم فقد أثار كتاب "قراءات في مجال التربية والتعليم.." مجموعة من الإشكالات والقضايا، نذكر منها إشكالات من قبيل: التعليم والتنمية، التعليم والديمقراطية، التعليم والدولة، التعليم والقيم الاجتماعية، التعليم وظاهرة الغش في الامتحانات، التعليم والتبعية، التعليم والحرية. كما تطرق الكتاب إلى بعض الجوانب الإدارية المرتبطة بمجال التربية والتعليم، مثل الحديث عن الأدوار والوظائف التي يتعين أن يضطلع بها المعيدون والحراس العامون وناظر الثانوية ومديرها، بالإضافة إلى حديث عن الهيكل التنظيمي لوزارة التعليم وللأكاديميات والنيابات.
أما كتاب "إشكاليات التعليم الأساسي .."، فقد قدم فيه الكاتب قراءات تتعلق بواقع الطفولة في التعليم الأساسي، مثل المسرح التعليمي، الصحة، الموسيقى، التربية البدنية، التكنولوجيا ...الخ. كما أثار الكتاب إشكاليات تخص التدريس بالأهداف ..وأخرى تتعلق بإشكالية التجهيز في مجال التربية والتعليم، مثل : إشكالية مركزية التجهيز وعلاقته بالتخطيط التربوي والتعليمي، وتجهيز المكتبة المدرسية، وتجهيز المختبرات، وتجهيز الكتاتيب والرياض ..الخ.
وفي نفس المجال المتعلق بالتربية والتعليم، خصص الأستاذ بوسلهام الكط كتابين لتقديم قراءته التأملية والنقدية لدروس الفلسفة ومقرراتها. وقد اهتمت هذه القراءة بنقد إشكاليات الدروس ومضامينها انطلاقا من الواقع الموضوعي والمعيشي ، وهو ما يسمح بالكشف عن مجموعة من المشاكل والأزمات التي تتخبط فيها المنظومة التربوية والتعليمية، والتي هي مشاكل لا ترتد فقط إلى إشكالية الكتاب المدرسي أو إلى المناهج والطرائق التعليمية، بل إنها ترتبط بإشكالية التخلف المجتمعي بشكل عام. كما أثارت هذه القراءة بعض القضايا المرتبطة بديداكتيك الدرس الفلسفي من قبيل: أهمية تدريس الفلسفة بواسطة النص الفلسفي، إشكاليات مفاهيم المجزوءات المقررة، إشكالية التبعية في تأليف الكتب المدرسية، مشكلة منهجية الإنشاء الفلسفي ... وغير ذلك من القضايا المرتبطة بمجال تدريس الفلسفة.
3-   مجال الفلسفة والفكر الإسلامي:
نظرا لكثرة الكتب التي خصصها باحثا لهذا المجال، ونظرا للحيز الزمني الضيق المخصص لهذه المداخلة، سأكتفي بالإشارة فقط إلى بعض القضايا والإشكالات التي تضمنتها بعض الكتب.
وهكذا يمكن الإشارة مثلا إلى كتاب"تأملات في الفكر الفلسفي المغربي المعاصر...!؟!والذي صدرسنة 2005 ، وهو يتكون من خمسة أقسام يمكن أن نقدمها كما يلي:
- في القسم الأول يتساءل الكاتب: هل هناك فكر فلسفي مغربي معاصر...!؟!، وهو نفس التساؤل الذي يحمله عنوان الكتاب. وفي معرض جوابه عنه، ارتأى المؤلف أن يقدم لنا بعض النماذج التي تدل في نظره على وجود فكر فلسفي مغربي معاصر، ويتعلق الأمر بإبراز أهمية العقل ووظيفته في فكر طه عبد الرحمان، ومعالجة إشكالية المستقبلية والغدية عند الفيلسوف المغربي محمد عزيز الحبابي، وأخيرا البحث عند عبد الله العروي من أجل التأكيد على أن إنتاجاته المتميزة، وبالرغم من « طابعها التاريخاني القائم على منظور التاريخ .. فإنها لا تخلو من الاهتمامات الفلسفية والارتباط بالمواضيع والمشكلات والقضايا الفلسفية ».
- وفي القسم الثاني يسعى  المؤلف إلى البحث عن مصادر الفكر الفلسفي المغربي المعاصر، وهي مصادر تتعدد بحسب اهتمامات المفكرين المغاربة المعاصرين المهتمين بالشأن الفلسفي. وهذه الاهتمامات تتوزع بين البحث في التراث العربي الإسلامي وقراءته، وبين الأخذ عن الفكر الفلسفي الغربي الحديث والمعاصر وتقديم دراسات وترجمات عنه. فضلا عن الاهتمام بالنصوص الدينية والارتباط بالتجربة الصوفية عند البعض، وإثارة المسألة الأمازيغية عند البعض الآخر. وقد انصب البحث في هذا القسم، الخاص بمصادر الفكر الفلسفي المغربي المعاصر،  على مجموعة من النصوص لمفكرين مغاربة، أمثال: عبد السلام بن عبد العالي، عبد السلام ياسين، محمد المصباحي، عبد المجيد الصغير، جمال الدين العلوي، محمد سبيلا، عبد الصمد الديالمي،علي أومليل، الطاهر وعزيز، سالم يافوت، عبد الرزاق الدواي، محمد عابد الجابري، المهدي المنجرة، علال الفاسي وآخرون.
- أما في القسم الثالث، فيعالج فيه الكاتب إشكالية يمكن صياغتها من خلال ما يلي: هل هناك فكر فلسفي مغربي معاصر في مجال الأدب؟ أو هل هناك حضور لفكر فلسفي في بعض الأعمال الأدبية المغربية ؟
ويبدو أن كاتبنا حاول في هذا القسم أن يجد تجليات فلسفية في مجال الإبداع الأدبي، عند بعض الروائيين الذين يجمعون بين العمل الأدبي والإنتاج الفلسفي، وهي تجليات تتمظهر سواء على مستوى الرؤية والمضمون أو على مستوى المنهجية والتعبير. وينطبق هذا الأمر على روائيين ومبدعين أمثال: عبد الكبير الخطيبي، وعبد اللطيف اللعبي، و محمد عزيز الحبابي،  والميلودي شغموم، وعبد الله العروي، ومحمد زفزاف، وبنسالم حميش.
 وقد رام الكاتب بوسلهام الكط من خلال كل تلك الأعمال الإبداعية، إبراز ارتباط الكتابة الأدبية بالتفكير الفلسفي، وذلك باعتبار الإنسان كائنا مبدعا صانعا ومفكرا عاقلا في الآن نفسه. وينطبق هذا على التجربة الثقافية المغربية، بما هي تجربة تمخضت عن إبداعات في مجالات الأدب والفلسفة معا، وهو ما يؤشر على وجود إرهاصات لفكر فلسفي مغربي في طور الانبثاق والظهور. وهو فكر ينهل من التراث الإنساني العام، الذي يتمثل أساسا في الفكر الفلسفي الغربي المعاصر، مما يجعله رافدا من روافده دون أن يعني ذلك فقدانه لخصوصيات ومميزات واضحة.
 والملاحظ أن الكاتب ركز في إبرازه لوجود تفكير فلسفي في الأدب، على جنس أدبي بعينه وهو الرواية دون باقي الأجناس الأدبية الأخرى؛ كالمسرح أو الشعر أو القصة القصيرة ...الخ. وقد برر ذلك بقوله « إننا اتخذنا الرواية – كنموذج – لتسهيل عملنا ولمحاولة تحقيق هدفنا .. ليس إلا ..!؟! » (ص 226 من الكتاب المذكور في طبعته الأولى).

- وقد تم تخصيص القسم الرابع من الكتاب، لأهمية الإبستمولوجيا في الفكر الفلسفي المغربي، وذلك  من خلال التساؤل عن الإشكالات التي يواجهها البحث الإبستيمولوجي في الفكر الفلسفي المغربي المعاصر، وكذلك  التساؤل عن إمكانية الحديث عن إبستمولوجيا منبثقة من الواقع الثقافي المغربي، خصوصا وأن هذا  المبحث الفلسفي المعاصر يظل مرتبطا بالعلم والتكنولوجيا التي نستوردها من الآخر دون أن نساهم بشكل فعال في إنتاجها؟!

- أما القسم الخامس، فقد خصصه الباحث للنظر في إشكالية الفلسفة والتفلسف في الواقع التربوي والتعليمي المغربي؛ حيث أشار في البداية إلى أشكال المحاربة والتشويه التي تتعرض لها الفلسفة، سواء باسم الدين والمقدس أو باسم العلم والمنفعة أو انطلاقا من مبررات إيديولوجية وسياسية، وأحيانا أخرى يتم ذلك تحت مظلة التربية والتعليم والشغل والإشهار. وبعد ذلك حاول الباحث الكشف عن بعض مظاهر التضييق التي تمارس على الفلسفة في مجال التربية والتعليم ...
* كما صدر للأستاذ بوسلهام الكط كتاب خلال سنة 2009 تحت عنوان "إشكالية الوحدة والانقسام في الفكر العربي الإسلامي والفكر الغربي ..بين الدين والسياسة". وقد ضم الكتاب جزأين، تناول الأول منهما إشكاليات مثل: إشكالية الصراع بين مبدأ التوحيد والشرك في الإسلام، وإشكالية الوحدة والانقسام لدى الفلاسفة المسلمين، وإشكالية الإصلاح السياسي والوحدة في الفكر العربي الإسلامي ... كما تضمن هذا الجزء الأول ثلاث قراءات؛ الأولى لكتاب "التراث والحداثة" لمحمد عابد الجابري، والثانية لكتاب "الإصلاحية العربية والدولة الوطنية" لعلي أومليل، والثالثة لكتاب "العقل السياسي" لمحمد عابد الجابري. أما الجزء الثاني، فقد عالج مجموعة من الإشكاليات مثل: إشكالية الوحدة والتفكك في الغرب، وإشكالية التخلف والتقليد، وإشكالية الحرية والأخلاق في واقع الرأسمالية ... كما تضمن قراءة في كتاب "الجرح والحكمة – الفلسفة بالفعل" لبنسالم حميش، وأخرى في كتاب "من اللغة إلى الفكر" لعبد الكريم غلاب.
وفي سنة 2010 صدرت للمؤلف بوسلهام الكط كتابان:
*الكتاب الأول تحت عنوان "إشكالية التسامح والديمقراطية في الفكر الإسلامي"، وقد تضمن أربعة فصول؛ خصص الأول منهما لتحديد دلالة مفهوم التسامح وطرح الإشكالية المرتبطة به، أما الفصل الثاني فقد تطرق إلى مفهوم التسامح في الفكر الرشدي، في حين عالج الفصل الثالث إشكالية الطاغية/المتسلط من خلال كتاب "الضروري في السياسة" لابن رشد. أما الفصل الرابع فقد تناول إشكالية الديمقراطية وحقوق الإنسان من خلال قراءة في كتاب "الديمقراطية وحقوق الإنسان " لمحمد عابد الجابري، وإشكالية الديمقراطية بين الفلسفة والأدب، وإشكالية السلطة والديمقراطية في دول العالم الثالث، وانتهى الكتاب بحديث عن أهمية مفهوم السلطة في البلدان المتقدمة.
 *أما الكتاب الثاني فيحمل عنوان "نحن والفكر الإسلامي ..؟!". وهو يتكون من جزأين؛ يضم الأول منهما ثلاثة فصول أثارت إشكالات تتعلق بمصادر الفكر الإسلامي وإشكالية التصوف وإشكالية الدين والفلسفة .. كما شملت قراءات تعلقت بكتاب الجابري "الدين والدولة وتطبيق الشريعة"، وكتاب "الحكاية والبركة" للميلودي شغموم، وقراءة لقصة "اليوم الأخير للوسواس الخناس" لزكريا تامر، فضلا عن تناول المسكوت عنه في قصة "حي بن يقظان" للفيلسوف ابن طفيل. أما الجزء الثاني من هذا الكتاب فهو يتكون من قسمين؛ تناول الأول منهما دراسات في فلسفة كل من أبي بكر محمد بن زكريا الرازي وجابر بن حيان، والفارابي وابن خلدون وأبو حيان التوحيدي وابن طفيل، في حين أثار القسم الثاني بعض القضايا الفكرية والثقافية في الفكر العربي الإسلامي من خلال قراءة أولى في كتاب كليلة ودمنة لابن المقفع، وقراءة في إشكالية الفلسفة العربية الإسلامية بين الإبداع والإتباع. كما ضم هذا القسم دراسة في رسائل إخوان الصفا بين الغنوصية والإسلام.
وفي سنة 2011 صدر للمؤلف كتاب تحت عنوان "تأملات في مجال فلسفة العودة...!؟! وهو يتكون من أربعة فصول؛ تناول الفصل الأول فلسفة العودة إلى الذات في الفكر الغربي الحديث، حيث أوضح الكاتب أن العودة تمثل قاعدة أساسية وضرورية لكل فلسفة كيفما كانت منطلقاتها، وهي عودة إلى الذات مثلما هي عودة إلى الآخر، لأن أي بداية في الحاضر لا بد لها من العودة إلى نهاية ما في الماضي. وهكذا فقد عادت الفلسفة الحديثة إلى الفلسفة الإسلامية وإلى الفلسفة اليونانية لكي تنطلق منهما من أجل تأسيس مشروع فلسفي حداثي جديد ومغاير، وهذه هي العودة إلى الآخر، كما عادت هذه الفلسفة إلى واقعها الأوروبي المتخلف والمتأزم لكي تقرأه وتبحث له حلول وأجوبة، وهذه هي العودة إلى الذات. أما الفصل الثاني فسلط الضوء على فلسفة العودة في الذهنية العربية الإسلامية، لكي يؤكد على هاجس الخوف الذي ينتاب الذات العربية حين عودتها إلى التراث وإلى الماضي، حيث يخشى من أن تمثل هذه العودة عائقا أمام تحقيق التقدم والحداثة. لكن الكاتب يؤكد على ضرورة أن تكون هذه العودة بداية لتحقيق التقدم في الحاضر ولبناء عالم حديث ومعاصر، وليس من أجل أن نظل سجناء للأنماط والظروف المميزة للعالم العربي الإسلامي القديم. 
 وقد تضمن الفصل الثالث قراءات للمؤلف في ثلاثة كتب لفلاسفة مغاربة؛ ويتعلق الأمر بقراءة في كتاب "مسألة الهوية: العروبة والإسلام..والغرب" لمحمد عابد الجابري، وقراءة في كتاب "معهم حيث هم" لبنسالم حميش، وقراءة في كتاب "فقه الفلسفة" لطه عبد الرحمن. أما الفصل الرابع من الكتاب فهو عبارة عن ملحق توخى من خلاله المؤلف التأكيد على حضور فلسفة العودة في جانبين رئيسيين هما: الجانب التربوي والتعليمي من خلال قراءة في "الميثاق الوطني للتربية والتكوين"، وقراءة في كتاب "المجزوءات استراتيجية للتربية وتكوين الكفايات" لعبد الكريم غريب والبشير اليعكوبي، وقراءة في كتاب "بناء القدرات والكفايات في الفلسفة" لميشيل توزي ومن معه. أما الجانب الثاني فهو الجانب السياسي الذي عالج فيه الكاتب إشكاليتين هما: إشكالية العودة في الفلسفة السياسية لدى محمد الخامس والحسن الثاني ومحمد السادس، وإشكالية العودة لدى الأحزاب السياسية والحركات الإسلامية.
وسأكتفي بالإشارة إلى باقي مؤلفات الكاتب بوسلهام الكط، والتي تندرج ضمن هذا المجال المتعلق بالفلسفة والفكر الإسلامي، حيث يمكن الإشارة إلى كتاب: "الإسلام دين الوحدة والاختلاف.. والعودة؟! (الجزء1و2)، 2012 ، وكتاب: "الوهم والحقيقة.. فلسفة عصرنا المعاصر والثورات الشعبية العربية بين الاستعمار والاستغلال.. القمع والحرية (الجزء1و2) 2012، وكتاب: "تأملات في فلسفة التراث الإنساني.. ؟! 2012، وكتاب: "رهان الفلسفة بين الأمس واليوم..؟! والنفاق فلسفة عصرنا المعاصر..!؟ (الجزء1و2) 2013، وكتاب: "السياسة والسحر والوعي الإنساني؛ أية علاقة وأية عودة!؟ والتخلف والتقدم برؤية فلسفية (الجزء1و2) 2013، وكتاب: "جدلية الدين والفلسفة والأخلاق والنبي محمد(ص) فيلسوف الأرض والسماء وجدلية الخلق والاستخلاف في الفكر الإسلامي ؟! (الجز1و2و3) 2013، وكتاب: "الفلسفة والأطفال؛ قصص فلسفية على لسان الأطفال (الجزء1و2) 2014.ص222010فحة البداية

4-   في مجال الفكر السياسي:

ألف الكاتب بوسلهام الكط، في هذا المجال السياسي، كتابا سنة 2010 يحمل العنوان التالي: "تأملات في الفكر السياسي المغربي المعاصر". وقد قدم فيه المؤلف تأملاته في الفكر السياسي المغربي المعاصر من خلال بعض النماذج، مثل: عبد السلام ياسين، عبد الحميد البجوقي وعبد الله إبراهيم، كما عالج فيه الكثير من الإشكالات ذات الطابع السياسي مثل: إشكالية الوحدة الوطنية وإشكالية التفرقة في فكر المهدي بن بركة، وإشكالية السياسة في المغرب المعاصر بين الإسلامي واليساري...  وانتهى الكتاب بملحق هو عبارة عن رواية بعنوان: "رواية تأملات في الوطن"، يهمنا أن ننقل لكم منها المقطع التالي:

« .. وطني، ها أنا ذا واقف على بابك الكبير أبكي في صمت وأصرخ في علنية.. بعدما أنهكتني مسافات الليالي الطويلة الحزينة، وأنا أبحث عن غربة الفقراء وصمتهم في أرجائك. حرارة جسمي كانت ترتفع كلما كنت أمشي بثبات وبحماس كبيرين. لقد أصبحت أكره الثرثرة والكلام الفارغ الهزيل.. أرقب وأنا غارق في أحزاني الكئيبة متى يحين إعدام الخونة.. الذين تنتظر المشنقات أعناقهم.. يا وطني..!؟!»(ص211)
5-   مجال البحث في التراث:
أعتقد أن اسم بوسلهام الكط سوف يرتبط بالأبحاث والدراسات التي قام بها في مجال التراث الغرباوي أكثر مما سيرتبط بالمجالات الأخرى التي كتب فيها. فالباحث هو ابن المنطقة ترعرع داخل أحضانها وهو صغير، ودرس في مؤسساتها التعليمية ثم عاد بعد ذلك ليدرس بها حوالي ثلاثة عقود من الزمن. ولذلك فمنطقة الغرب والثقافة الغرباوية تسكن باحثنا من الداخل، وتشكل هما أساسيا في انشغالاته الفكرية وتحتل أجزاء مهمة من ذاته الواعية واللاواعية. ولهذا السبب وجدناه قد كتب عنها بعمق وصدق وإخلاص، وبدل جهودا مضنية في التأمل والتنقل والبحث من أجل إنجاز دراساته المتعلقة بها. وهذا واضح في ضخامة العمل الذي قام به بوسلهام الكط حول التراث الغرباوي، إذ وصلت الأجزاء المتعلقة به إلى ستة؛ صدر الجزء الأول منفردا سنة 1999 تحت عنوان: "من وحي التراث الغرباوي"، وصدر الجزء الثاني والثالث والرابع ضمن كتاب واحد حمل نفس الاسم، وذلك سنة 2007، في حين صدر الجزءان الخامس والسادس سنة 2008.
وعلى العموم فقد تناول الباحث خلال كل هذه الأجزاء جوانب متعددة تتعلق بالتراث الغرباوي، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر ما يلي:
-    الحديث عن الثقافة الشعبية الغرباوية من خلال بعض الظواهر التراثية الشعبية، مثل ظاهرة الهيت، ظاهرة اعبيدات الرما، عيساوة، احمادشة، جيلالة، اولاد الرياحي، درقاوة ...الخ.
-    القيام بدراسات حول الزوايا بالمنطقة الغرباوية، مثل زاوية قرية الحباسي، والزاوية الحمدوشية، والعيساوية، وزاوية سيدي محمد الدريويش "القادرية"، والزاوية التيجانية، والزاوية الدرقاوية ...الخ.
-    البحث في الوعي الثقافي الغرباوي من خلال ظاهرة الأولياء الصالحين، مثل الشيخ محمد بن عيسى/الهادي بنعيسى/الشيخ الكامل، والولي سيدي قاسم اللوشي/سيدي قاسم بوعسرية، والولي مولاي بوسلهام ...الخ.
-    البحث في الأمثال الشعبية والحكايات والأساطير السائدة في المنطقة الغرباوية، نذكر من ذلك  حكاية عروسة الغرب، الخوف »سلال الكلوبا/القلوب«، عيشة قنديشة، لاله رحمة ...الخ
-         إثارة واقع المرأة البدوية في منطقة الغرب ..
-         تأملات في إشكالية الفلاحة الغرباوية ..
-         أهمية صناعة النسيج والطين.. وإشكالية المعامل والضيعات في الواقع الغرباوي..
-    إشكالية المعمار في الواقع الغرباوي - مشرع ابن القصيري كنموذج، إشكالية أنماط السكن بمنطقة الغرب - قبائل التوازيط نموذجا-، وإشكالية التمدن والحواضر في جهة الغرب الشراردة بن احسن قبل الحماية.
-    أهمية المقاومة الغرباوية في مواجهة الأخطار والدفاع عن الاستقرار في عهد سيدي محمد بن عبد الله، والزوايا والمقاومة في منطقة الغرب...
-         إشكالية الرياضة في الواقع الغرباوي...
-         اكتشافات أثرية عظيمة في منطقة الغرب...

كما تجدرالإشارة إلى كتاب آخر صدر للباحث بوسلهام الكط حول التراث الشعبي سنة 2009، وهو يحمل عنوان: "المقاومة في التراث الشعبي بين الكلمة والفعل والحركة..؟!؟". وقد تناول فيه مجموعة من الإشكالات والظواهر الشعبية بالمغرب، نذكر منها:
-    إشكالية التراث الموسيقي والحركي المغربي بين العام والخاص وبين الأصالة والمعاصرة، وذلك من خلال نماذج: العيطة، أحيدوس، الهيت ..الخ.
-    مقارنة بين الثقافة الشعبية التازية والثقافة الشعبية الغرباوية من خلال ظواهر: الأعراس، الموت، الفرق الشعبية المتنقلة...الخ.
-         البحث في دور اللغة العامية في عملية الوعي والتواصل من خلال "القصيدة الزجلية" ..
-         البحث في أهمية صوت وحركة المرأة في الأغنية المغربية..
-    إشكالية المقاومة الشعبية في منطقة الغرب خلال القرون: 19و20 و21؛ مثل مقاومة سكان الجماعة السلالية الكباصية بجماعة النويرات، ومقاومة ورثة ضيعة "الزهرة" بالحوافات-مشرع ابن القصيري، وانتفاضة سوق أربعاء الغرب سنة 1956، وانتفاضة سكان مشرع ابن القصيري ضد الاستعمار الفرنسي 1953 و 1955 ...
-    كما تضمن الكتاب في الأخير إشارة إلى بعض شخصيات المقاومة الغرباوية والمغربية.. وخلاصة تساؤلية تتعلق بإشكالية المقاومة الشعبية المغربية ...

وفي سنة 2011  أصدر المؤلف كتابا آخرا تناول فيه إشكالية الوحدة والاختلاف والخلاف في التراث الغرباوي، وفي الترث المغربي، وفي التراث الإنساني، وقد حمل الكتاب عنوان "التراث الإنساني بين الوحدة والاختلاف والخلاف وإشكالية الغذاء والداء والدواء؟! وقد سعى الجزء الأول من الكتاب إلى إبراز أهمية التأثيرات التي خلفها التراث الإنساني العام في التراثات المحلية، وفي مقدمتها التراث المغربي، وذلك من خلال عملية المثاقفة التي حصلت بين مختلف الشعوب والحضارات. ومن هنا فبقدر ما هناك من خصائص ثقافية عامة مشتركة بين الشعوب، فكذلك توجد خصائص محلية تميز ثقافة كل شعب أو أمة على حدة. وهذا يحتم علينا ضرورة الاستفادة من أجمل ما يوجد في التراث الإنساني من خلال دراسته، والبحث فيه عن عناصر الوحدة والالتقاء التي من شأنها أن تكرس ثقافة التضامن والاعتراف والتسامح بين الشعوب، بدل سيادة ثقافة الكراهية والانقسام والعنف والإقصاء، كما من شأنها أيضا أن تؤسس لغيرية جذرية منفتحة ومتسامحة. وبقدر ما يوجد تداخل وانسجام دخل التراث الواحد، أو بين مختلف التراثات، فكذلك نجد فيها نزاعات وخلافات تناقضات، وهي مسألة حتمية وطبيعية وضرورية.
وكتاب "البادية المغربية بين إشكالية سلطة المعرفة ولعبة سلطة المخزن 2014


هذه، باختصار شديد، هي أهم القضايا والإشكالات التي تناولها الباحث بوسلهام الكط في كتاباته المختلفة، وهي تنم ولا شك عن أوقات كثيرة ومجهودات كبيرة بذلها الباحث في القراءة والكتابة والبحث.
ولعل التجربة الإبداعية للكاتب بوسلهام الكط تنم عن ولعه الشديد بالقراءة والكتابة؛ فقد خصص أوقات طويلة من حياته لهذا الغرض، وهي التي أثمرت مؤلفات عديدة اقتربت من الثلاثين كتابا. وفي هذا السياق يمكن أن نلاحظ على باحثنا بأنه قد تمكن من التعريف بالكثير من الأعمال الإبداعية المغربية سواء الأدبية أو الفكرية أو الفلسفية، وذلك من خلال تقديم قراءاته لها. إلا أنه ما يلاحظ على هذه القرءات هو أنها تأتي في الغالب مقتضبة ومختصرة، ولا تتناول بالنقد والتحليل التفاصيل الموجودة في الكتب المقروءة. ولكن يبقى لأستاذنا الفضل في التعريف بها، وإتاحة الفرصة أمام القراء للبحث عنها والاطلاع عليها.
ويجد القارئ لأعمال الكط أنه نموذج للمثقف العضوي الذي يلتصق بهموم الناس وبقضايا الفئات المهمشة والمحرومة، ويدافع عنها باستماتة قل نظيرها، وهو يشجب بقوة كل أشكال التسلط والظلم والحرمان الذي يطال هذه الفئة المهمشة من قبل من يسميهم كاتبنا بالمستبدين والظالمين والجشعين والخونة، أعداء الوطن والإنسانية.
 ولا يفوتني في الأخير أن أشير إلى تلك النفس الطيبة والطاهرة والمطمئنة التي تقبع داخل أعماق صديقنا وأستاذنا بوسلهام الكط، وهي طيبوبة تتجسد من خلال سلوكاته وعلاقاته الإنسانية الرفيعة مع الآخرين، كما أنها روح كريمة جادت بعطاءاتها الفكرية داخل الحجرات الدراسية أولا، ومن خلال التأليف والكتابة ثانيا.





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.