مواصفات الدرس الفلسفي في كتاب "من وحي الدرس
الفلسفي"
للباحث محمد الشبة
بقلم: أمين امقيرشل
ينطلق
الأستاذ محمد الشبة من فكرة أن الممارسة هي أساس كل تنظير ديداكتيكي فلسفي. ولذلك
نجده يصرح منذ البداية بأن «التجربة الفصلية هي أساس كل قول في ديداكتيك الفلسفة.»
(محمد الشبة، من وحي الدرس
الفلسفي، أفريقيا الشرق، الطبعة الأولى 2015، ص5) ومعنى ذلك
أنه بدل أن نستقي ونستورد نظريات ديداكتيكية خارجية ونعمل على إسقاطها على واقعنا
المتعلق بتدريس الفلسفة، يلزم أن تكون ممارستنا الفصلية مدخلا لكل تنظير. فمحاولة
فهم هذه الممارسة الفصلية والتفكير فيها لن يكون مجديا إلا إذا كان من الداخل؛ أي
من واقع الممارسة الفصلية نفسها. فنحن حينما نتسلح بسلاح النظر، أي حينما ننفتح
على نظريات ديداكتيكية قدمت فهما معينا لواقع التجربة الفصلية، يكون هدفنا هو فهم
وتفهم ما يحدث داخل الفصل الدراسي، والإشكالات التي تنتج عن التفاعلات المختلفة
داخله وعلاقته بالخارج كذلك. فعلينا أن نفهم هذه التفاعلات من الداخل، فالممارس هو
خبر أكثر من المنظر، مادام أنه يعيش التجربة ولا يفكر فيها فقط.
إن
النظريات الديداكتيكية "الخارجية" هي موارد معرفية أستثمر منها كأستاذ
ما يلائم الوضعية الفصلية؛ أي أن تصريفها يكون تبعا لمتطلبات تلك الوضعية
الواقعية، لأنها ليست موارد توظف كاملة أو لا توظف، وإنما يختار منها الأستاذ ما
يلائم وضعيته التي يشتغل عليها. وتبعا لذلك فالممارسة الفصلية تبقى أهم من هذه
النظريات، وقد لا تسعفنا هذه الأخيرة في فهمها أحيانا، مادام أن كل وضع هو سياق
خاص متميز ومتفرد. لذلك فالممارس أقرب إلى فهم هذه التجربة الفصلية الحية، لأنه
يستطيع أن يواكبها مادام أنه على مقربة منها، في حين أن المنظر لن يستطيع بالفعل
أن يتلمس ما يحدث من تفاصيل داخل هذه الممارسة، ولا أن يقف عند التفاعلات التي تقع
داخلها، فما ينتجه قد يعيننا أحيانا على فهم ما يقع داخل الفصل، وقد يقف أحيانا
أخرى حجرة عثرة أمام فهمنا له، لأن ما يقع أثناء الممارسة الفصلية يصعب التفكير
فيه بشكل سابق على هذه الممارسة نفسها.
وهكذا،
فبدل أن نفكر في تجربتنا الفصلية من خلال نظريات استقيناها واستخلصناها من الخارج،
علينا أن نجعل من التجربة الفصلية نفسها مدخلا ومنطلقا للتفكير فيها. وبذلك سوف
ننتج حسب الأستاذ الشبة شيئا متعلقا بنا، بتجربتنا، شيئا يخصنا، ديداكتيكا خاصة
بنا. لكن هناك من سيعترض بالقول إن الدرس الفلسفي يسعى إلى بناء إنسان ليس مشدودا
إلى خصوصية معينة وإنما متطلعا إلى الإنسانية ككل، وأنت من خلال الحديث عن
ديداكتيكا خاصة تدفعه ليبقى داخل هذه الخصوصية. وهذا اعتراض معقول. لكن أقول إن
محاولة بناء ديداكتيكا خاصة هدفه هو لفت انتباهنا إلى أهمية الشروط (الوضع) التي
تجعل من كل تجربة فصلية تجربة ممكنة...
ويتوقف
بناء ديداكتيكا خاصة حسب الباحث محمد الشبة على عنصرين رئيسيين؛ التجربة الفصلية
من ناحية، وموهبة المدرس من ناحية أخرى. ويتعلق العنصر الأول، كما قلنا، بجعل
الممارسة مدخلا لكل تنظير ديداكتيكي فلسفي، مع اقتسام التجربة الفصلية مع الآخرين،
ذلك أن اختبارها ومدى صلاحيتها لا يكون إلا بقياسها على تجارب أخرى. وما قام به
أستاذنا في هذا الجانب ينم عن إدراك أن كل تجربة فصلية لا يمكن أن تتطور إلا عبر
احتكاكها بغيرها من التجارب الفصلية الأخرى؛ بمعنى أن تصبح موضوعا لتأمل العديد من
الأساتذة الممارسين أيضا. وأهمية التفكير من قلب التجربة الفصلية يساعدنا، كما
يقول الأستاذ الشبة، على إنتاج أفكار ديداكتيكية جهوية تناسب طبيعة الفصل الدراسي
المغربي، وتنسجم مع مواصفات المتعلم المغربي النفسية والاجتماعية والقيمية.
أما العنصر
الثاني فهو موهبة المدرس؛ إذ يرى محمد الشبة أنه لو اقترنت التجربة الفصلية بموهبة
المدرس فإن إبداع الأفكار الديداكتيكية المحلية يكون أكثر قوة وتميزا، مادام أن
التدريس ليس مهنة وإنما فنا. ولذلك لا يمكن أن ينجح المدرس في مهمته فقك لأنه تلقى
تكوينا أساسيا.. وإنما لكونه يتمتع باستعدادات فطرية تقوم الممارسة بصقلها
وإغنائها، فيكو مدرسا متميزا..
ينطلق
الباحث محمد الشبة في الفصل الأول من كتاب "من وحي الدرس الفلسفي" من
تساؤل مفاده: أي ديداكتيك فلسفي نريد؟ ونحن نجده يتحدث عن ديداكتيك جهوي ومطابق،
كما يميز في الديداكتيك الفلسفي بين الممارسة والتنظير. وفي هذا الصدد يقول: «يمكن
التمييز بين التنظير للديداكتيك الفلسفي وبين ممارسته؛ وقد يكون هذا التنظير صادرا
عن الممارسة الفصلية الواقعية لصاحبه المنظر، وهنا يكتسب التنظير مصداقيته انطلاقا
من الممارسة نفسها، فتمنحه القوة والمشروعية، أما إذا لم يكن التنظير مسبوقا
بالممارسة الذاتية لصاحبه، فإنه قد يكون منطلقا من ممارسة غيره، وفي هذه الحالة
الثانية تنقص مصداقيته وتضعف.» (نفسه، ص11)
لماذا لن
يكون تنظيرا حقيقيا؟ لأنه قد يكون تنظيرا هو نتاج لتجربة تختلف شروطها عن التجربة
التي يتم إنزالها عليها. وقد يكون التنظير الديداكتيكي غير مستند على أية تجربة أو
ممارسة مما يجعله، كما يرى الشبة، تنظيرا أجوفا، مادام أن الممارسة هي التي تمنح
المعنى والمصداقية للتنظير. وقد يكون التنظير مفتقدا للأصالة إذا كان قائما على
النقل والاستنساخ.
ويمكن
التمييز بين حالتين تنطبقين على مدرسي الفلسفة؛ حالة من يمارس ولا يكتب عن
ممارسته، وهي حالة أغلب مدرسي الفلسفة اليوم، وحالة من يمارس ويفكر في ممارسته
ويكتب عنها وينظر لها، ويقتسمها مع الآخرين، وبذلك يمنحها حياة ثانية ويجعلها
تستمر ولا تموت داخل جدران الفصل الدراسي. فالذي يهمنا، كما يرى الأستاذ الشبة، هو
أن نسمح للتجربة الفصلية أن تتحدث عن نفسها وأن تكشف عن الواقع الحقيقي لتدريس
الفلسفة بالمغرب.
وربما أن
الخوف من الكتابة عن تجربتنا الفصلية الفلسفية مرده أننا لم نتعلم بعد بما فيه
الكفاية أن التجارب وجدت ليستفيد منها غيرنا، أو مرده إلى خوفنا من الأخطاء التي
سيكتشفها غيرنا في تلك التجارب. ولهذا علينا أن ندرك أن من لا يمارس لا يخطئ، وأنه
لا توجد تجارب بدون هفوات وأخطاء، وأن الخطأ هو أساس كل تعلم؛ فنحن نتعلم من خلال
الخطأ، فأن لا نخطئ معناه أن لا نتعلم.
وقد كان
الأستاذ الشبة سباقا إلى تقاسم التجارب الفصلية والدعوة إلى هذا التقاسم، وذلك من
خلال الكتابة عنها ونشر هذه الكتابة عبر وسائط التواصل المختلفة، حتى تصل إلى أبعد
مكان ممكن، وتتسلل إلى كل الحجرات الدراسية الموصدة (التجارب الفصلية الأخرى)،
وتسائلها حتى تتطور الممارسة الفصلية والساحة الديداكتيكية الفلسفية على حد سواء.
وإذا كان
مدرسو الفلسفة يتسترون عن تجاربهم الفصلية، فإن هذا الامر لا يعود حسب الاستاذ
الشبة إلى غياب لفهم لدى أصحاب هذه التجارب، وإنما يعود إلى انعدام الجرأة
والشجاعة الكافية للبوح بتلك التجارب وعرضها أمام محك الفحص والنقد والتساؤل. يقول
الباحث محمد الشبة: «ففي البوح والانفتاح قوة وتقدم، وفي التكتم والانغلاق ضعف
وجمود.» (نفسه، ص12) وهذا يعني أن التجارب حينما تنقل تفيد وتستفيد، ووسيلتنا في
نقلها حسب الأستاذ الشبة هي اليراع، حيث يقول: «... وما دامت "الكاميرا"
هي أصدق وسيلة لنقل الحدث الواقعي، فقد حاولنا أن نجعل اليراع كاميرا فيديو تنقل
ما يجري في الفصل الدراسي.» (نفسه، ص16)
ويدعو محمد
الشبة إلى نوع من الديداكتيك الجهوي والمحلي، بحيث يكون بإمكاننا أن نساهم في
الكونية انطلاقا مما هو محلي وخاص، ويكون مدرس الفلسفة المغربي مدرسا فاعلا في هذه
الكونية لا مجرد منفعل بها؛ «فالإبداع الذاتي إذن هو ما يصنع التميز ويجعل صاحبه
يساهم في الكونية، أما استنساخ التجارب الأخرى فيجعله دوما في مستوى التقليد
والتبعية.» (نفسه، ص16) لكن هذا لا يعني السقوط في النسبوية المطلقة، بل يتعين على
كل تجربة أن تبرر نفسها بشكل معقول بالقياس إلى باقي التجارب الأخرى.
يقول
الأستاذ الشبة: «وهكذا فالعمل داخل الفصل الدراسي هو الذي يعتبر المحك الحقيقي
لصلاحية الأفكار الديداكتيكية.» (نفسه، ص17) ولذلك، فإن أفكار الديداكتيكي تأتيه
وهو يمارس ويعمل، وليس قبل ذلك. فالعمل هو أساس التنظير وليس العكس.
ولكي نبني ديداكتيكا
خاصة فإن الأمر يقتضي أن ننظر بعين فارقية إلى المتعلم؛ ذلك أن المتعلم المحلي الذي
تستهدفه هذه الديداكتيكا الخاصة يتميز عن المتعلم الموجود في جهة أو محل آخر.. بل إنه
داخل المتعلم المحلي نتحدث عن متعلمين أو ذوات فردية مختلفة. ولذلك ينبغي أن نراعي
الفروقات الفردية الموجودة بين متعلم وآخر، مادام أن هذا الأخير هو القلب النابض للعملية
الديداكتيكية التي ينبغي أن ينصب عليها اهتمامنا. وهكذا، فلكي نقدر المتعلم على
المعرفة يلزم أولا أن نعرف من هو، ونعرف خصائصه وسماته.. فهذه المعرفة الفارقية تجعل
العملية التعليمية التعلمية أكثر نجاعة وأكثر فعالية.
ومادمنا أمام
متعلمين مختلفين مستوياتيا، فتنويع طرائق وأساليب وتقنيات الاشتغال أمر ضروري لفهم
هذه الذوات المتفردة. وفي هذا الصدد يقول أستاذنا: «..ولهذا فاختلاف طبيعة هذا المتعلم،
واختلاف سنه وقدراته العقلية والإدراكية، وتباين مرجعيته الاجتماعية والثقافية، يجعل
المدرس مضطرا ولا شك إلى تغيير طرائقه الديداكتيكية وأساليبه البيداغوجية. ومن هنا،
فلا بد لديداكتيك الفلسفة أن يتلون وتختلف وسائله بحسب اختلاف مواصفات التلاميذ أنفسهم،
واختلاف بيئاتهم الثقافية والاجتماعية.» (نفسه، ص21) ويقول أيضا في نفس الصفحة: «فالطابع
الجهوي للديداكتيك الفلسفي لا يعني شيئا آخرا، سوى مراعاة طبيعة المتعلمين ومرجعيتهم
الاجتماعية والثقافية في الممارسة الديداكتيكية داخل الفصول الدراسية.»
وبالرغم من
أن التفكير الفلسفي يرتبط بالإنسان بدون اعتبار الزمان والمكان، إلا أننا لا يمكن أن
نفهنه إلا داخل شرطي الزمان والمكان. وهو ما يؤكد عليه الأستاذ الشبة بقوله: «قد تكون
المادة المدرسة واحدة، وقد تكون حاملة لمكونات وخصائص كونية، ومع ذلك فهي لا يمكن
أن تلقن بنفس الكيفية إذا ما انتقلنا من متعلمين ينتمون لهذا البلد إلى متعلمين ينتمون
لبلد آخر..» (نفسه، ص22)
وقد كان لأستاذنا
السبق، بمعية بعض الأساتذة الكرام، في محاولة بناء ديداكتيكا جهوية مطابقة، وكتاباته
المتعددة تشي بهذه المسألة؛ ذلك أن محاولته تشييد ديداكتيكا محلية قد أثمرت بعض الكتب
مثل:
- كتاب "الفلسفة
لتلامذة السنة الثانية بكالوريا"؛ ويشتمل على ملخصات للمفاهيم الفلسفية الموجودة
في المقرر الدراسي، فضلا عن بعض التقنيات المتعلقة بالكتابة الإنشائية الفلسفية، وبعض
الملاحظات المستخلصة والمستوحاة من التجربة الفصلية...
- كتابا
"مجزوءة الإنسان" و"مجزوءة الفاعلية والإبداع"؛
ويشتملان على تحليل الكثير من النصوص الموجودة في مقررات السنة الأولى بكالوريا، وهو
التحليل الذي أنجزه الاستاذ الشبة مع تلامذته داخل الفصل الدراسي. فهذا التحليل هو
ثمرة جهد واصطدام مع النصوص الفلسفية، ومحاولة طرق أبوابها الموصدة بمعية التلاميذ...
- كتاب "مقالات
ديداكتيكية في تدريس الفلسفة"؛ وهو يحتوي على مقالات وأبحاث هي نتاج لحظات
وتجارب عاشها الأستاذ مع تلامذته داخل الفصل الدراسي...
- كتاب
"محاورات فصلية في تدريس الفلسفة"؛ ونجد فيه تصورا صادقا لما يقع
داخل الفصل بين المدرس وتلامذته من نقاشات وحوارات حول مختلف القضايا. وهذا الكتاب
كما يقول أستاذنا يعتبر تجربة جديدة في التأليف الديداكتيك بالمغرب، مادام أنه يعرض
لمعظم التفاعلات التي تحدث بين المدرس والتلاميذ داخل الفصل، ويجعلها موضوع تفكير
لمدرسين، مما يجعل التجربة تنتعش وتتقوى، بل ويجعلها حية باستمرار. ويتضمن هذا الكتاب
جملة من المبادئ والقيم والضوابط التي يمكن أن تشكل أساسا لديداكتيك الفلسفة، ومنطلقا
لبناء ممارسات ديداكتيكية أخرى. كما يتضمن هذا الكتاب قيما بيداغوجية تتعلق بأشكال
للتواصل والتحاور التي ينبغي أن تكون قائمة بين جماعة الفصل الدراسي.
ونحن نجد الباحث
محمد الشبة يدعو إلى "درس فلسفي حواري ومفعم بالحياة"، وهو عنوان أحد أهم
مقالات كتاب "من وحي الدرس الفلسفي". وهو طموح مشروع، لأنه لم يعد من الممكن
أن نشتغل في تدريس الفلسفة وفق الطريقة التقليدية التملكية، فليس الهدف من درس الفلسفة
أن نمتلك أفكار الفلاسفة بتوسط ناقل هو الأستاذ، وأن نتلقاها دون أن نكون فاعلين
فيها. فالنظرة التملكية لم تعد مجدية اليوم في عالم صائر باستمرار، لأنه لا يمكن لمعرفة
متملكة أن تفيدنا في فهم وجود يطبعه السيلان.. ففي الوجود حياة، والامتلاك موت، لذلك
وجب أن نكون وجوديين لا امتلاكيين. ولتحقيق ذلك، ينبغي أن لا نولي للمعرفة أهمية إلا
باعتبارها موردا من بين موارد أخرى. وإذا لم تكن قابلة للحياة، فلا حاجة لنا بها. فلا
أهمية للمعارف إلا إذا كانت قادرة على جعلنا نفهم الحياة في تغيرها المستمر والدائم.
ولذلك فتركيزنا ينبغي أن ينصب على المتعلم، كأنا قادرة على الفعل والإبداع، لا كأنا
منفعلة بمثيرات خارجية. ولهذا يعتبر محمد الشبة أن الإبداع الفلسفي هو تفكير ذاتي في
الحياة، والفلسفة نفسها هي رد فعل ضد التقليد والنمطية.
وحينما نولي
أهمية للمتعلم ونعترف به، فإنه يصبح بإمكانه أن يفكر في الأشياء ويسائل الأفكار، لا
أن يأخذ بها فحسب. ولذلك يدعو أستاذنا إلى جعل الدرس الفلسفي درسا في التفكير أكثر منه درسا
في الأفكار، لأن المهم هو تعلم أدوات التفكير الفلسفي العقلي من خلال الاحتكاك بنصوص
الفلاسفة ومساءلتها. فالمهم هو أن يكتسب المتعلم من الفلاسفة أساليب وأدوات تساعده
على التفكير بكيفية شخصية وإنتاج أفكار خاصة به. ولذلك فليس المهم هو أن يأخذ المتعلم
من الفيلسوف السمكة، بل الأهم هو أن يتعرف على الكيفية التي اصطاد بها تلك السمكة،
وذلك من أجل أن يصبح قادرا هو بدوره على أن يصطاد له سمكة خاصة به.
كما يدعو الأستاذ
الشبة إلى الانتقال من درس في تاريخ الفلسفة إلى درس في الحياة، حيث يقول: «يتعين
الانتقال من درس في تاريخ الفلسفة إلى درس في الحياة. ونحن نقصد بدرس في تاريخ الفلسفة؛
ذلك الدرس الذي يكتفي بتقديم معلومات وأفكار تاريخية، فقط من اجل ان يتعرف عليها التلميذ
ويشحن بها ذاكرته، وهذا هو الدرس الإخباري والإلقائي. ولذلك فنحن ندعو إلى تجاوزه
من اجل درس آخر ل يكتفي بعرض الأفكار الفلسفية، بل يقف عند المهارات والآليات التفكيرية
التي أنتجتها..» (نفسه، ص31)
ويبدو لنا أن
الانتقال من الدرس الماجسترالي إلى الدرس الحياتي، لا يمكن أن يتم إلا بالانتقال من
الإيديولوجي إلى النقدي. فليس المهم اليوم أن ندافع عن الأفكار، بل المهم أن نؤشكل
ونسائل ونحاجج. فبالرغم من أننا لا نستطيع أن نفكر خارج الإيديولوجيا، مثلما أنه لا
يمكننا أن نتنفس خارج هذا الهواء الذي يحيط بنا، إلا أن هدفنا يبقى بلغة فينومينولوجية
أن نتعالى بأنفسنا عن أحكامنا المسبقة وإسقاطاتنا الذاتية، لنرى الشيء ذاته لا أحكامنا
المسبقة عليه.
ولهذا السبب،
فالدرس الفلسفي لا يمكن أن يكون فضاء لنشر الإيديولوجيا والقناعة الذاتية، وإنما فضاء
لتعلم التفكير الحر والمستقل. وفي هذا السياق يقول الأستاذ محمد الشبة: «..فالفلسفة
تجعل التلميذ أستاذ نفسه، ولا سلطة فيها إلا لسلطة العقل والحجة العقلية.» (نفسه، ص36)
وينبغي أن يكون
الدرس الفلسفي درسا حيا، يعتمد على الحوار ويهدف إلى البناء. وبالتالي لا ينبغي أن
يظل رهين ثنائية الأستاذ الحامل للمعرفة والمتعلم الطاولة الممسوحة أو الفارغة. فالدرس
يبنى ولا يعطى، ولا يمكن الحديث عن فاعل واحد في عملية البناء، وإنما عن فواعل هم المدرس
والمتعلمون. وفي هذا الإطار يقول محمد الشبة: «..ومن هنا لا بد من التأكيد مجددا على
الطابع التشاركي والتفاعلي والحواري الذي ينبغي أن يميز الممارسة التدريسية الفلسفية،
إذ يعتبر المتعلم فيها طرفا أساسيا في بناء مختلف التعلمات المؤثثة لفضاء الدرس.» (نفسه،
ص39)
يتبع...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.