أهمية الكتابة لدى الكاتب محمد
الشبة
بين الفلسفة والتربية والتعليم
والديداكتيك...؟!
الجزء الأول
بقلم: بوسلهام
الكط
إن الكتابة
التي كتبها وتبناها هذا الكاتب الواعد محمد الشبة هي ذات طبيعة فلسفية تنسجم مع
تخصصه وتكوينه واشتغاله.. وهكذا منحها خاصية تفكيره وفكره وتفكره وإبداعه
واهتمامه، إنها كما يبدو واضحا من خلال الاضطلاع عليها وقراءتها بتمعن وتأمل
وتبصر.. لا تستوي على شأن واحد أو نمط وحيد، بل هي كتابات متعددة ومتنوعة ومختلفة
ومتفتحة. إنها خلاصة تصوراته ورؤيته إلى الأنا/الذات وإلى الآخر/الغير.. في
علاقاته مع الواقع الموضوعي المعاش والمعيش.. من خلال تجاربه واختباراته وقناعته..
وبذلك فهي كما نراها انعكاسا لكوامن اهتماماته وانشغالاته وكوامن قلقه ومعاناته
ومكابداته.. هي ذات مرجعيات ومحددات ومكونات وأبعاد وأهداف وتجليات.. حيث يقول على
سبيل المثال لا الحصر في كتابه (مفهوم المخيال عند محمد أركون) ص9: «أما الفصل
الأول فقد قسمناه إلى فقرتين؛ خصصنا الأولى للحديث عن الدلالات والمعاني التي
اتخذها الجذر اللغوي للكلمة المستحدثة ˝مخيال˝ في اللغة العربية، وذلك من خلال ما
عثرنا عليه من المعاني اللغوية لجذر ˝خيل˝ في معجم لسان العرب. أما الفقرة الثانية
من هذا الفصل، فقد حاولنا أن نكشف من خلالها عن الأهمية التي اتخذها المخيال في
الثقافة الغربية المعاصرة. وذلك حتى يكون بإمكاننا مقارنة دلالات واستعمالات
المخيال في هذه الثقافة مع الوظائف التي منحها له أركون في دراسته للفكر الإسلامي،
ذلك أن أركون يهدف في آخر المطاف إلى تبيئة المصطلح الغربي وتطويعه حتى يتلاءم مع
خصوصية الظاهرة الإسلامية التي يتناولها بالبحث والدراسة.»
ونحن بصدد
قراءة هذا الكتاب المتمركز والمركز على مفهوم ˝االمخيال˝ عند محمد أركون، لا بد في
هذا السياق من محاولة قراءته وتحليله ومناقشته والتساؤل حول طبيعته ووظيفته
وتوظيفه، كمفهوم اختبار أساسي للكاتب أو الدارس أو الباحث أو المفكر.. في قناعته
وتفكيره ورؤيته وطريقته/منهجه.. وكذلك في هويته وثقافته وأصالته وخاصيته
وإيديولوجيته..الخ. سيما أننا أمام منظومتين مرجعيتين مختلفتين في أشياء
ومتناقضتين في أخرى، ومشتركتين في أخرى كذلك. فقراءة وتحليل وتقديم الكاتب الشبة
لمفهوم ˝المخيال˝ في المنظومة العربية الإسلامية وفي المنظومة الغربية يظهر بجلاء
ووضوح مدى تركيزه في هذه الإشكالية المتشعبة والمتشابكة والمتأزمة، على إحدى
المنظومتين دون الأخرى، قراءة وتحليلا وتفسيرا وتعريفا.. نظرا لمكانتها وقوة
وجودها ودورها وكينونتها وحضورها.. في عصرنا المعاصر، في شبه غياب لأهمية وخصوصية
ودور.. الثانية المتخلفة والمتمزقة.. في الحاضر كذلك، دون العودة إلى الماضي
واستحضاره في إطار التاريخ الموضوعي والثقافة الإنسانية.. استنادا واستشهادا.. على
ما كتبه محمد أركون المتشبث والمؤمن بالمنظومة المرجعية الغربية أكثر فأكثر من
المنظومة العربية الإسلامية الفكرية والثقافية والفلسفية والعلمية..الخ. حيث يضيف
محمد الشبة قائلا في ص10 من كتابه السابق الذكر (مفهوم المخيال عند محمد أركون): «ويبقى أن نشير إلى أننا خصصنا الفصل الخامس للوقوف عند أهم العوامل
التي تساهم في تشكل المخيال الغربي تجاه الإسلام؛ وهي عوامل يرجع بعضها إلى الواقع
المتخلف والممزق للمجتمعات الإسلامية، و الذي لا يعكس المستوى المثالي للمجتمع
الذي يرسم ملامحه النص الديني سواء القرآني منه أو النبوي. ويعود ذلك أساسا إلى
التلاعبات الإيديولوجية التي يتعرض لها الرأسمال الرمزي، فضلا عن التأخر في مجال
الإنتاج العلمي والفلسفي، مما لا يمكن بشكل إيجابي من إعادة قراءة التراث وتملكه
من جديد بشكل يسمح بتحقيق التقدم المنشود. كما تساهم أيضا وسائل الإعلام الغربية
في تشكيل مخيال سلبي عن الإسلام لأسباب إيديولوجية خاصة بهذا الطرف أو ذاك.
بالإضافة إلى ضعف وقلة الدراسات التي يحظى بها الإسلام والتاريخ الإسلامي في
الجامعات والمعاهد الغربية.»
كما تجدر
الإشارة إلى أن الكاتب محمد الشبة المهموم بالقضايا والإشكالات والأفكار..
الفلسفية والتربوية والتعليمية.. والمنشغل والمهتم بكثرة القراءة والبحث
والدراسة.. كان عليه في هذا السياق الإشكالي، من التعمق في "المخيال"
العربي الإسلامي، أكثر، قراءة وبحثا وتحليلا وتفكيكا وتساؤلا ونقدا.. إيجابا وسلبا
سيما في وقتنا الحالي الذي أصبح الإسلام والمسلمون فيه.. معرضين ومستهدفين ومتهمين
بالإرهاب والقتل والعنف وعدم التسامح والعنصرية.. من طرف الإرهابيين الحقيقيين
والفعليين.. الذين اعتمدوا على القوة والعنف واستغلال العلوم، وفي المقدمة الصناعة
والتقنية والتكنولوجيا الحربية.. حين أقبلوا على تخريب وتدمير وتمزيق وقتل وتقتيل
وتهجير وإقصاء وكره.. العرب والمسلمين بالدرجة الأولى. فكيف والحالة هذه الثقة في
الغرب المركزي العنصري والإقصائي والإرهابي.. وفي تقدمه في جميع المجالات وعلى
جميع المستويات.. من أجل تقدم ونهضة وتنمية وتحرير ودمقرطة.. الشعوب والدول
والبلدان العربية والإسلامية كما اعتقد المرحوم محمد أركون، ومن يسير في نفس
الطريق حتى الآن!؟
من الواضح
إذن، أن الكاتب والباحث محمد الشبة قد عمل على بذل كل جهده في كتابه هذا
"مفهوم المخيال عند محمد أركون" الذي لا يخلو من أهمية في مجال القراءة
والكتابة والتأليف.. من أجل التعريف بمفهوم "المخيال" كمفهوم فكري
وثقافي وتراثي وفلسفي وعلمي وديني وخرافي وأسطوري.. في التراث الإسلامي وفي التراث
الغربي، مع أنه لم يتوسع في الخوض في الأول (الإسلامي..) وتوسع أكثر فأكثر في
الثاني (الغربي) كما تجلى ذلك بوضوح، حين خصص صفحتين 13 و14 في المخيال العربي
الإسلامي، ودلالاته واستعمالاته.. وفي المخيال الغربي، وفلاسفته.. من ص15 إلى ص24
على مستوى التعريف والتدليل والاستعمال.. لهذا المفهوم الذي هو المخيال الذي تعرف
وتتصف به كل الشعوب والحضارات والثقافات.. الإنسانية بالدرجة الأولى. هذا لا يعني
أن المجتمعات العربية والإسلامية.. التي تعنينا هنا في قراءة هذا الكتاب للكاتب
محمد الشبة.. بل نحن في حاجة ماسة إلى كل المفاهيم الفلسفية والعلمية والدينية
والفكرية والثقافية.. الإنسانية، التي تفيد الإنسان أينما كان وفي أي زمان،
والكينونة الإنسانية الخاصة والعامة.. وتعمل على الارتقاء بالإنسان وبتحريره
وبحقوقه.. لا بالحط منه وتدميره وتأخيره وظلمه واستعباده وإقصائه..الخ. إن إشكالية
الإنسان والإنسانية والشعوب والدول..المسماة بالمتخلفة أو السائرة في طريق النمو..
كما يحلو للبعض أن يسميها بذلك.. لا تكمن في الدين وفي توظيفه.. اليوم فقط، بقدر
ما تكمن في السياسة المركزية الإمبريالية وفي هيمنة سلطة الأقوياء المتسلطين
والإقصائيين العنصريين..
ومن هنا
أهمية التحليل والتفسير والتساؤل والنقد الواعي والبناء.. المتحرر من سياسة
وإيديولوجيا القوة والعنف والعنصرية والإقصاء والاستبداد والتسلط بكل أشكاله.. ومن
فلسفة الوصف والتصوير والتفسير والتبرير..التي أنتجتها الفلسفة الوضعية والبرجماتية..
الغربية، المتواطئة. ونجد محمد الشبة يقول في ص57 من كتابه السابق الذكر، عن
إشكالية محمد أركون: «من هذا المنطلق يتساءل أركون عن الأسباب التي أدت إلى فشل
ابن رشد كممثل للعقلانية في الوسط الإسلامي، ونجاحه بالمقابل في الوسط اللاتيني
المسيحي. كما يتساءل من جهة أخرى عن الأسباب التي أدت إلى ازدهار الخيال الخلاق
لابن عربي في المشرق الشيعي على وجه الخصوص وفي المغرب الإسلامي أيضا. ولا يقدم
أركون أجوبة محددة بخصوص هذه التساؤلات، بل يكتفي فقط بالتأكيد على أن مثل هذه
التساؤلات تطرح على المؤرخ إشكالات نفسية-اجتماعية وثقافية ضخمة وذات أهمية كبرى.»
إننا، وكما قلنا، في حاجة إلى فلسفة إنسانية واجتماعية وثقافية وعلمية ودينية..
موضوعية ومتعمقة.. ومتسائلة وناقدة ومفسرة وموضحة.. لا إلى فلسفة متمايزة
وعنصرية.. مركزية وإقصائية.. استغلالية ومتسلطة..الخ. وهذا لا يتم إلا بإنتاج
نظريات وأفكار.. موضوعية وعلمية وواقعية.. يلعب فيها المنهج العلمي التحليلي
والتحديدي والتحقيقي.. والتساؤلي والنقدي والبنائي التركيبي.. الدور الفعال،
الهادف والملتزم.. في كل المجالات وعلى جميع المستويات.
لم يكن
الباحث محمد الشبة غافلا عن هذه الإشكالية التنظيرية والمنهجية المعقدة التي
يفرضها الواقع الموضوعي المعاش والمعيش، الذي تقدم فيه العلم كثيرا، وتشعبت وتأزمت
فيه المشاكل والقضايا.. أكثر. ومن هنا أهمية إشكالية الكتابة والبحث.. في أرض
الواقع الموضوعي.. الإنساني والاجتماعي والفكري والثقافي والسياسي.. واقع
المفارقات والتناقضات والكذب والنفاق والتزييف والتحريف.. واقع القوة والعنف
والإرهاب والقتل والتهجير والتجويع والعذاب والآلام..الخ.
انطلاقا من
هذا الواقع المرير، كما نرى، تبتدئ حيرته الفعلية وهو يكتب في شتى المواضيع ويفكر
في كثير من القضايا المتنوعة والمختلفة.. أصبح يقتضي لا الوقوف عند القراءة
والتحليل والتفسير والوصف.. فقط، بل أكثر فأكثر الدهشة الفلسفية القائمة على كثرة
الأسئلة والنقد والفضح.. وفق النسق الفلسفي الصارم الذي لا يكاد يفارقه كمدرس
وكاتب وباحث.. في مجال الفلسفة ومجال التربية والتعليم الذي خصص وألف فيه مجموعة
من الكتب المدرسية التربوية والتعليمية التي لا تخلو من أهمية وفائدة.. في المدرسة
وفي البيت وفي المجتمع. إنه الكاتب الذي استهواه وجذبه جذبا.. ميدان التربية
والتعليم أو ما أصبح يسمى كذلك بالبيداغوجيا والديداكتيك.. في عمله الوظيفي وفي
كتاباته الاختبارية والتجريبية الفعلية والتطبيقية.. التي تركز على التعليم
والمعرفة والفهم.. وطرق القراءة والتحليل والمناقشة.. والتساؤل والأسئلة والنقد..
في بناء الشخصية السوية والواعية والملتزمة. إنها تجربة بسيطة ومعقدة ومحيرة.. حول
الكائن الإنساني والكائنات الموجودة والكينونة.. التي تسكن الإنسان والإنسانية.
وهذا ما تجلى بوضوح وبدقة
في كتابه الفلسفي المعرفي والتعليمي التربوي ذي المواضيع الفلسفية الإنسانية
والغربية بالأساس، وذلك من خلال الفلاسفة المنضوين بين طيات صفحاته وفلسفاتهم
ونصوصهم. أما العرب والمسلمون، فهم كمترجمين فقط، مثل: فؤاد زكريا وعبد الرحمن
بدوي وجورج طرابشي وعثمان أمين ومحمد هاشمي وألبير نصري نادر وإمام عبد الفتاح
إمام وزكريا إبراهيم.. هو كتاب "إشكالات وقراءات فلسفية" طبعة 2011م،
حيث جاءت محتوياته في 165 صفحة متضمنة للمواضيع التالية:
الفصل الأول: إشكالات وتأملات فلسفية
|
||
1
|
إشكالية الفن و الواقع عند أفلاطون
|
|
2
|
مفهوم المحاكاة في الفن عند أرسطو.
|
|
3
|
الجمال الطبيعي والجمال الفني عند هيجل.
|
|
4
|
فكرة النفس عند دفيد هيوم.
|
|
5
|
تأملات في فلسفة ديكارت.
|
|
6
|
المياتافيزيقا بعيون كانط .
|
|
7
|
الواجب الأخلاقي عند كانط .
|
|
8
|
في معضلة الحرية.
|
|
9
|
حرية الإنسان عند اسبينوزا.
|
|
10
|
تأملات في العنف.
|
|
11
|
مفهوم الشخص عند جون راولز.
|
|
الفصل الثاني: قراءات.
|
|
|
1
|
أسس ميتافيزيقا فلسفة لايبنتز: تقديم لكتاب
المونادولوجيا.
|
|
2
|
نظرية المعرفة عند دفيد هيوم؛ من خلال كتاب زكي نجيب
محمود: ديفد هيوم".
|
|
3
|
تقديم لكتاب التأملات لديكارت.
|
|
4
|
نظرية المعرفة عند كانط : تقديم لكتاب زكريا
إبراهيم " كانط أو الفلسفة النقدية ".
|
|
5
|
تاريخ الفلسفة عند هيجل.
|
|
ملحق: نصوص فلسفية
|
|
|
قائمة المراجع
|
|
شخصية
الكاتب والباحث محمد الشبة، كما قلنا عنه، شخصية واعدة، يمكن أن يتفق عليها أهل
الفلسفة والتربية والتعليم، على أنها كذلك شخصية إنسانية جمعت بين الكتابة
والتربية والتدريس والفكر الفلسفي ضمن التكوين البنائي النسقي لكتاباته.
وهكذا، فإن
المتأمل والمتمحص والمتعمق في أفكاره وتعابيره الفلسفية والتربوية والتعليمية.. قد
ينسبه، كما نرى، إلى ما يمكن تسميته بالفلسفة التربوية والتعليمية وبالديداكتيك،
باعتباره ينتمي إلى الفلسفة وإلى سلك التدريس/تدريس الفلسفة بكل أنساقها وأبعادها
وأهدافها.. ومميزاتها وخصائصها الفكرية..الخ.
وهكذا، كذلك، سنعمل ما
أمكن، وبكل اختصار، على الاهتمام بعلاقة بعض كتاباته الفكرية الفلسفية بقضايا
التربية والتعليم أو بإشكالية البيداغوجيا والديداكتيك.. في مجال تدريس الفلسفة في
المغرب على الخصوص، وفي مجال الدرس الفلسفي.. على العموم. كتاباته التي انبثقت من
هذه الإشكالية المعرفية والتعريفية والتربوية والوعيية.. الخ. ومن هنا يكون الكاتب
محمد الشبة قد مارس ويمارس حلما مركبا ومتداخلا ومتفاعلا.. تجلى في كتاباته عن
المواضيع والقضايا والإشكالات الفلسفية.. وعن الإشكاليات البيداغوجية
والديداكتيكية التي يتناولها في موقعه الخاص الإلكتروني باعتباره، كذلك، صاحب موقع
إلكتروني.. غاص في عمقه وإشكالاته أكثر من غيره. كما عمل على تجسيده في عمله وفي
الكثير من كتاباته الهادفة إلى المعرفة وتلقين الأفكار وتعليمها والحث على الأخذ
أو التأثير بها في عملية التربية والتعليم بكل صدق وأمانة وإخلاص.. بالتوازي
والانسجام والتطابق مع ما جاء في الكتاب المدرسي وفي المقرر الرسمي لتدريس مادة
الفلسفة في المدرسة المغربية الحالية.. حيث جاء في كتابه السابق الذكر (إشكالات
وقراءات فلسفية) مثلما هو الأمر بالنسبة لمفاهيم/مواضيع: إشكالية الفن والواقع،
المحاكاة في الفن، الجمال الطبيعي والجمال الفني، تأملات في فلسفة ديكارت، الواجب
الأخلاقي عند كانط، في معضلة الحرية، تأملات في العنف.. يقول على سبيل المثال لا
الحصر في ص78و79 حيث يظهر السؤال والتساؤل الفلسفيين واضحين وموجودين على العكس من
المواضيع الأخرى التي يطغى عليها السرد والوصف والتعريف والتحديد والتفسير.. أكثر
من الأسئلة والتساؤل والنقد..الخ. «أما ماكس فيبر، فقد تحدث عن مشروعية العنف
المادي الممارس من طرف الدولة، وعن حقها في احتكار هذا النوع من العنف (...)
وإذا كان العنف هو الوسيلة العادية التي استخدمت من طرف
السلطة لدى الجماعات السياسية المختلفة، فإن الدولة المعاصرة هي الوحيدة التي
تحتكر العنف المادي المشروع، بحيث لا تسمح لأي فرد أو جماعة ما بممارسته إلا
بتفويض منها (...)
لكن ألا تتعارض
ممارسة العنف مع المواصفات التي يجب أن تتوفر في دولة الحق؟ ألا يمكن أن يكون
العنف الممارس من قبل الدولة عنفا شرعيا بالنظر إلى القوانين الموضوعة فقط ، والتي
قد لا تكون في أساسها مشروعة ومطابقة لما هو حق وعادل؟ وبمعنى آخر؛ ألا يمكن أن
يكون تبرير العنف نابعا من رغبة القوي في الهيمنة على الضعيف وتحقيق مصالحه على
حسابه؟ ثم ألا يمكن قيام حياة خالية من العنف ورافضة له؟ ألا يمكن رفض العنف
مبدئيا وبصفة مطلقة؟» وكذلك الأمر بالنسبة لمفهوم الشخص، ونظرية المعرفة..الخ.
وهذا ما يجعل هذا الكتاب وغيره للكاتب الشبة، قريبا من تدريس الفلسفة وتعليمها
أكثر من التفلسف في الفلسفة ومواضيعها وقضاياها.. بالرغم من أنه منبثق من الفلسفة
ومرتبط بها أشد الارتباط؟!
سعينا في هذه القراءة المقتضبة، من أن الباحث محمد الشبة
وكتاباته الفلسفية والتربوية والتعليمية على نحو القراءة المتسائلة والناقدة
والمناقشة.. لا على مستوى الوصف والتفسير.. فقط. ولا ندعي أننا قد أحطنا بكل ما
كتبه وألفه من كتابات وكتب متعددة ومتنوعة.. فكرية وفلسفية وتربوية وتعليمية..
بيداغوجية وديداكتيكية.. مثيرة للقراءة والجدل.. ولا سيما في مجال الفلسفة وفي
ميدان التربية والتعليم..الخ، الذي استلهمه الكاتب حتى الآن أكثر من غيره. وهذا
يرجع في اعتقادنا، وكما قلنا إلى مدى تأثير الوظيفة/العمل، على الكتابة والنظر..
والكتاب المدرسي على الكتاب الإبداعي المتحرر..الخ. حيث تضمن الكتاب المدرسي
الرسمي المغربي لتدريس الفلسفة المحاور والمواضيع/الدروس التالية:
1- الجذوع المشتركة: يتضمن برنامج هذا المستوى
مجزوءتين هما مجزوءة الفلسفة ومجزوءة الطبيعة والثقافة. وتحتوي مجزوءة الفلسفة على
المواضيع التالية: نشأة الفلسفة، لحظات في تاريخ الفلسفة، منطق الفلسفة، الفلسفة
والقيم. أما مجزوءة الطبيعة والثقافة فتحتوي على المواضيع التالية: التمييز بين
الطبيعة والثقافة، مظاهر الثقافة، التنوع الثقافي..
2- الأولى بكالوريا: يتضمن هذا المستوى مجزوءتين
أيضا هما مجزوءة الإنسان ومجزوءة الفاعلية والإبداع؛ فالمجزوءة الأولى تتضمن
المفاهيم التالية: الوعي واللاوعي، الرغبة، اللغة والمجتمع، في حين تحتوي المجزوءة
الثانية على المفاهيم التالية: التقنية، الشغل، الفن والتبادل. ولهذا نجد فيها
إشكالات من قبيل: ماهية التقنية، علاقة التقنية بالعلم، نتائج التقدم التقني،
تقسيم الشغل وآثاره، إشكالية الفن والواقع، الفن والموهبة، الحكم الجمالي، التبادل
خاصية إنسانية، التبادل المادي والتبادل الرمزي..الخ.
3- الثانية بكالوريا: يتضمن برنامج هذا المستوى أربع
مجزوءات هي: مجزوءة الوضع البشري؛ الشخص، الغير، التاريخ، ومجزوءة المعرفة؛
النظرية والتجربة، مسألة العلمية في العلوم الإنسانية، الحقيقة، ومجزوءة السياسة؛
الدولة، العنف، الحق والعدالة، ومجزوءة الأخلاق؛ الواجب، السعادة، الحرية.
وجاءت كتابات وكتب محمد الشبة التعليمية والتربوية/
الديداكتيكية والبيداغوجية –كما قلنا- وفق مقررات وزارة التربية الوطنية والتكوين
المهني. وفي هذا الإطار، وإن اختلفت، نسبيا، على مستوى الشكل والطرح والرؤية..الخ.
مع الاحتفاظ على مفاهيم المجزوءات، ومحاولة الاجتهاد والتأويل وبذل أقصى الجهد في
طرح إشكالية قضايا فلسفية شائكة ومتشعبة ومعقدة، هي من صلب الفلسفة والدرس الفلسفي
والمقررات الفلسفية التي لا تخلو من إشكالات وصعوبات وانتقادات.. هي الأخرى، مثل:
منهجية الكتابة الإنشائية الفلسفية الخاصة بالصيغ الثلاث: النص والقولة والسؤال..
على مستوى القراءة والتحليل والمناقشة.. من أجل كتابة الإنشاء الفلسفي. وهذا ما
جاء واضحا في كتبه التالية المتوفرة لدينا: كتاب "2باك الفلسفة"
الصادر عن مطبعة لولانجي مشرع بلقصيري، الطبعة الثانية 2012. وكتاب "قضايا
في تدريس الفلسفة وفي الإنشاء الفلسفي" الصادر عن عالم الكتب الحديث
للنشر والتوزيع بالأردن سنة 2015، حيث جاء على ظهر الكتاب (هذا الكتاب):
« يتضمن هذا الكتاب مجموعة من المقالات والدراسات التي
تعالج بعض القضايا المتعلقة بمجال تدريس الفلسفة، من قبيل دور الدرس الفلسفي في
إحداث أثر إيجابي في حياة المتعلمين، وأهمية المقاربة الحجاجية للنصوص الفلسفية في
ترسيخ التربية التفكيرية لديهم، كما يتناول بعض جوانب البعد الإشكالي في تدريس
الفلسفة، بالإضافة إلى معالجة بعض المشكلات التي تثيرها منهجية الكتابة الإنشائية
الفلسفية...
وينبغي الإشارة إلى أن المقالات والدراسات التي تضمنها الفصل الأول
والفصل الثاني، هي في أساسها خلاصة لمجموعة من اللحظات أو التجارب التي عشتها مع
تلامذتي داخل الفصل الدراسي، أو هي على الأقل انبثقت بوحي منها.»
وكذلك الأمر بالنسبة لكتابه "مجزوءة الفاعلية والإبداع للسنة
الأولى من سلك البكالوريا؛ تحليل نصوص من المقررات الدراسية داخل الفصل
الدراسي"، الصادر عن دار الأمان بالرباط سنة 2013.
وبهذا يكون الكاتب والباحث المنشغل والمهموم بقضايا
وإشكالات.. تدريس الفلسفة والدرس الفلسفي قد استطاع في هذه الكتب التربوية
والتعليمية أو البيداغوجية والديداكتيكية أن يوازن/يقارب بين الكتب والمقررات
والبرامج والمذكرات واللقاءات.. الرسمية.. وإبداعاته/كتبه الهادفة والباحثة
والمنشغلة.. وبين الرهان التربوي والتعليمي والديداكتيكي من خلال تجربته (الخاصة)
داخل القسم، فعلا وممارسة.. مقدما لقارئه على العموم، وتلميذه على الخصوص، خطابا
واقعيا ومعاشا، وليس خطابا مثاليا ومتعاليا على مجال التربية والتعليم
والبيداغوجيا والديداكتيك. وهذه في نظره استراتيجية ديداكتيكية أساسية من شأنها
تحقيق الأبعاد والأهداف والرهانات والمشاريع من جهة، ومن جهة أخرى تحقيق متعة
القراءة الفلسفية والتأثير في المتلقي. وهذا ما ركز عليه كثيرا، باعتباره منظومة
مرجعية لكل كتاباته في هذا المجال التربوي والتعليمي.. ففي كتابه الهام، الذي جاء
تحت عنوان "من وحي الدرس الفلسفي: إشكالات وحدوس ديداكتيكية"
الصادر عن أفريقيا الشرق بالدار البيضاء سنة 2015، يقول في المقدمة ص5: «لقد اخترنا
لهذا الكتاب عنوانا هو من وحي الدرس الفلسفي، وهذا انسجاما مع مبدإ انطلقنا
منه في هذا الكتاب، وفي كتبنا الديداكتيكية الأخرى، وهو تأكيدنا على أن التجربة
الفصلية هي أساس كل قول في ديداكتيك الفلسفة. ولهذا فمعظم الأفكار التي عبرنا عنها
في هذا الكتاب، إن لم نقل كلها، هي أفكار استوحيناها واستخلصناها من مختلف تجاربنا
المتعلقة بتدريس الفلسفة.»
وهكذا، وعلى الرغم مما جاء من أفكار وتصورات واقتراحات
ودراسات وتجارب وممارسات ونتائج.. في أعمال محمد الشبة، فإن الأمانة والموضوعية
العلمية تقتضي منا الإشارة إلى بعض الملاحظات وطرح بعض الأسئلة والتساؤلات..
الهادفة والملتزمة والناقدة.. التي تتعلق بالواقع التربوي والتعليمي المغربي
والإشكاليات التي تتعلق بالقسم وبالمدرس وبالتلميذ وبالأشياء الأخرى، بحيث أن
الواقع التربوي والتعليمي، بالرغم من سياساته ومقرراته وبرامجه وكتبه وأنظمته..
يعرف منذ وقت طويل إشكالات ومشاكل شائكة ومتشعبة ومعقدة بل ومؤزمة.. على
المستويات: الإنسانية والاجتماعية والثقافية والتربوية والتعليمية
والأخلاقية..الخ.
هذا الواقع التربوي والتعليمي والديداكتيكي والسياسي.. لا
نعني به إطلاقا الحط أو عدم الاعتراف ببعض المجهودات التي يقوم بها فرد أو جماعة..
في هذا المجال، هؤلاء الذين لهم غيرة وحرقة وحيرة.. على الواقع الموضوعي المغربي
والتربوي والتعليمي المعاش.. ولكن ماذا تحقق في المدرسة والبرامج والمناهج.. التي
أتعبتنا وأرهقتنا بل وزادت في إغراقنا وتأزيمنا وتخلفنا.. في مجال التربية
والتعليم على العموم، وفي تدريس مادة الفلسفة على الخصوص!؟ إن النتائج المحصل عليها
في الواقع الموضوعي المعاش، هي بإمكانها أن تجيب وتحكم.. على ما أصبح، اليوم، ينخر
هذا الوطن في كل المجالات الأخرى تقريبا، لا في مجال التربية والتعليم وحده!؟ وهل
أغلب تلاميذنا اليوم يقرأون ويبحثون ويجتهدون!؟ وهل كثير أو قليل من مدرسينا اليوم
يقومون بواجباتهم أحسن قيام، بما في ذلك، القراءة والبحث والاجتهاد وتحفيز
الطلبة..!؟ وهل بإمكان أغلب التلاميذ اليوم القيام بتحليل أو شرح فكرة أو قولة أو
نص.. استنادا على النقد والبرهنة والحجاج والتساؤل.. من خلال الكتابة الجزئية أو
الشمولية، مثل كتابة إنشاء فلسفي يقوم على المقومات والخصائص والمميزات..
الفلسفية!؟
ما هو واقع القراءة والكتابة.. لدى الطلبة على العموم،
وفي الدرس أو الإنشاء أو العرض.. الفلسفي على الخصوص!؟ وكيف تحضر هذه القضايا
الفلسفية/الكتابة لدى المدرس نفسه حين يقبل على تحضير الدرس!؟ ما هي الأبعاد
والأهداف والأصناف والمذاهب والوظائف.. التي يقوم بها حتى ينظمها ويبسطها..
ويغرسها ويطورها لدى المتعلم/المتلقن!؟ من غير شك تدفعنا هذه الأسئلة وغيرها إلى
الانتباه والتفكير في مجموعة من المفارقات والإشكالات القائمة في الواقع المعيش،
من بينها: المفارقات بين الإنسان وواقعه.. بين الفكر والواقع.. بين المعلم
والمتعلم.. وبين الفلسفة والبيداغوجيا.. وبين الأقوال والأفعال.. وبين التنظير
والتطبيق والممارسة.. وبين التعليم والتربية، والسياسة.. وبين التعليم والتشغيل..
وبين الحرية والإلزام والقمع، والإبداع والإتباع.. في عملية التدريس..الخ.
لقد جاء في "ممارسات تربوية، العدد الخامس، يناير
1998، وضع المعرفة الفلسفية في درس الفلسفة، الفريق التربوي لأكاديمية القنيطرة،
ص12و13:
"3- معرفة مدرس الفلسفة: محاكاة أم إبداع!؟
إن العودة إلى التراث الفلسفي بنصوصه القديمة والحديثة
يشكل سندا معرفيا وتربويا لتدريس الفلسفة، ومثالا لعمليات التفلسف. فهل تشكل هذه
العودة الضرورية إبداعا أم محاكاة للنصوص والمعارف المستثمرة؟
إذا ما رجعنا إلى التقاليد التعليمية، سواء في أوروبا أو
في العالم العربي الإسلامي، يتبين أن مدرس الفلسفة من خلال اشتغاله على المعرفة
الفلسفية هو ذاك "الناقل الأمين" لتقليد فلسفي وليس هو ذاك المشتغل
بفلسفة تتشكل دوما.
كل المجهودات البيداغوجية المعاصرة حول ديداكتيك الفلسفة
تحاول إخراج المدرس من هذا التصور، ومع أنها تتأسس على أطروحة كانط حول تعليم
الفلسفة، فإنها تريد أن تؤكد على الوضع الإشكالي لمعرفة المدرس: "إنه لا
يمتلك فلسفة خاصة لتوصيلها ونقلها، إنه يعلم التفلسف". كيف ذلك؟
نجد أنفسنا داخل سيرورة مغلقة أثناء إثارتنا هذا الحديث
من جديد: كيف يمكن أن نعلم التفلسف؟ "داخل الأعمال الفلسفية الكبرى، نتعلم
الفلسفة، ففي هذه الأعمال دون غيرها توجد النماذج الوحيدة لفعل التفلسف".
وبذلك يكون العمل الفلسفي الفعلي يتشكل عبر ممارسة متواصلة ومباشرة على الخطاب
الفلسفي. يقول بول ريكور: "أن نتفلسف معناه أن ننخرط في لحظة ما داخل الخطاب
الفلسفي، ذلك الخطاب الفلسفي الذي تشكلت فيه أعظم الدلالات."
ولكن دعونا نتريث ونتعمق ونصغ إلى الباحث الشبة وهو يقدم
مشروعه الفكري والديداكتيكي، والغاية من تأكيده عليه، كما جاء واضحا في كثير من
كتبه التربوية والتعليمية والديداكتيكية، كما رأينا. فهو لا ينكر صعوبة تحقيقه
بالرغم من تفاؤله وتحمسه وعشقه له. إنه مشروع مركب من الفلسفة والديداكتيك بل حتى
الأدب/الشعر. أما تعلقه وتشبثه بالديداكتيك، فلأنه يرى فيه العنصر الضروري..
لتحقيق أبعاده وأهدافه.. وهذا ما يجعل هذا الأمر، أكثر تأكيدا لديه.
وهكذا، كذلك، يبدو من خلال ما كتبه وأكد عليه، أنه يهدف
إلى إجراء تغيير لا يطال فقط، مجال التربية والتعليم –كما قلنا- وإنما حتى
المجالات الأخرى. ولنزداد وضوحا وقناعة بأن اهتمام محمد الشبة بالفلسفة
وبالديداكتيك ليس نابعا من لاشيء، بل من قناعة ومعرفة وتكوين وفعل وممارسة..الخ.
يتبع...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.