الدرس الفلسفي؛ قضايا وإشكالات ديداكتيكية
على ضوء قراءة في كتاب
"من وحي الدرس الفلسفي" لمحمد الشبة
الجزء الرابع
بقلم: فريد أمدى
المبحث الثالث: نافذة على التجربة
الفصلية للمؤلف.
في إطار
تبادل الخبرات والأهمية الكبيرة لتقاسم التجارب الفصلية للأساتذة في بلورة الأفكار
الديداكتيكية وتطويرها، وتنزيلا لما دعا له محمد الشبة في بداية كتابه، ينقل إلينا
جوانب من تجربته في التدريس في بادرة حسنة لإزالة ذلك اللثام على الممارسات
الفصلية، وتنفتح على النقد والمساءلة وتتحاور مع تجارب أخرى، وهذا الـتأليف
التربوي هو ما من شأنه أن يساهم في تطوير المنظومة التعليمية لأن الأستاذ هو
المعاين الحقيقي لصعوبات وتحديات ونواقص وحتى محاسن الوضع التعليمي، لأنه في
الميدان وفي اتصال مباشر بالمعنيين والمستهدفين بالعملية التعليمية، وبالتالي نرى
أن تأليف الأساتذة حول تجاربهم سيكون له وقعه وتأثيره، إذا ما أخذت تلك المؤلفات
والتجارب بعين الإعتبار في أي رؤى تخطيطية تستهدف تطوير منظومتنا التربوية على
المستوى البيداغوجي والديداكتيكي على الأقل الذي نحن بصدده. وقد يساهم التأليف
التربوي في تطوير شمولي للمنظومة إذا ما اهتم به جميع الفاعلين وكافة المتدخلين في
هذا المجال من إداريين ومشرفين تربويين.. والذين عليهم أيضا تقديم إضافة وتقديم
تصورات.. ولا ينبغي أن يقتصر دورهم على مراقبة الأساتذة وتقويم أدائهم، بل الإدلاء
بدلوهم في تقديم البدائل والمقترحات التربوية وحمل هم التطوير من مدخل الكتابة
والتأليف.
يعطينا محمد الشبة إذن صورة عامة حول مقاربته
للدرس الفلسفي، وطريقته في العمل، وعلاقته البيداغوجية بالمتعلمين. ونستخلص في قراءتنا لهذا الجانب دور وأهمية:
1. التحضير والتخطيط:
معلوم أن
إنجاز الدرس الفلسفي يخضع لمنهجية محكمة لتحقيق أهدافه والكفايات المرتبطة به
نوعيا أو استعراضيا، ومعلوم كذلك أن العملية التعليمية موجهة بمنهاج وتوجيهات وخيارات
بيداغوجية وديداكتيكية خاصة بالدرس الفلسفي، وبالتالي فحضور الهاجس التخطيطي عند
الأستاذ ضروري ومهم ليكون الدرس منهجيا.[1]
وفي هذا السياق يؤكد المؤلف على دور الجذاذة في تسطير غايات الدرس وضبط خطواته
وتدبير الزمن[2]
وغيرها. ونذكر هنا جوانب تعامله مع تحضير الدروس:
القيام بقراءة الدرس كما هو موجود في جميع
المقرات الدراسية المختلفة، والإطلاع على مقررات دراسية سابقة تناولت عناصر الدرس..
قراءة النصوص الفلسفية وشرحها وتحليلها،
اعتمادا على التكوين المعرفي والديداكتيكي والإمكانات الذاتية والاستعانة
بالمقالات ذات الصلة..
اختيار النصوص وفق التصور العام للدرس وإشكاله، انطلاقا من الرجوع إلى
المنهاج الدراسي..
اختيار مداخل لكل مجزوءة أو درس أو محور على
شكل وضعيات مشكلات مستمدة من الواقع المعيشي أو من الوقائع التاريخية..
وضع معجم فلسفي لأهم المفاهيم الواردة في
الدرس المكونة لعناوين المحاور ولتلك الموجودة كذلك في النصوص، بتوظيف كتب فلاسفة
أو معاجم فلسفية أو تحديدها حسب سياقها في النصوص..
تحديد الوسائل والطرق والكفايات
المستهدفة من خلال الحصة والتقويمات التكوينية المواكبة..
2. تدبير الحصة:
في هذه
المرحلة يتم القيام بالتنزيل الفعلي لما تم تحضيره واستثماره. ويحرص فيها الأستاذ على
التفاعل الإيجابي مع المتعلمين وتحقيق تجاوبهم وانخراطهم في بناء الدرس. فإذا كان التخطيط تصورا نظريا استشرافيا، فإن
التدبير تنفيذ وإنجاز وتطبيق لهذه الخطة النظرية التنبؤية. وفي هذا الصدد، يقول
الدكتور محمد أمزيان بأن التدبير" مرحلة التطبيق الفعلي للخطط والبرامج، ويتم
خلالها تدبير وضعيات التعليم والتعلم. كما يتم أيضا بناء الوضعيات التي تسمح بنقل
المعارف والخبرات والقيم للمتعلمين وفق خطة محكمة .[3] ويقوم مفهوم
التدبير على مجموعة من المفاهيم الأخرى كالتنظيم والقيادة والتتبع...
وهنا نشير
إلى بعض الممارسات التي يذكرها محمد الشبة في كتابه، والتي نرى أنها تدخل ضمن هذا السياق الخاص بالتدبير:
كمراقبة دفاتر التلاميذ وتوجيه الأسئلة التقويمية،
والتذكير بما تم تناوله في الحصة الماضية بين السابق واللاحق لضمان التنظيم الذي
أشرنا إليه سابقا.
بالإضافة إلى بدء الحصة بتقديم وضعية مشكلة لتحفيز
التلاميذ على الانخراط في الدرس لصياغة الإشكالات، أو قراءة نص أو تتمة تحليله، باعتماد
طريقة تفاعلية في إنجاز الدرس بتوجيه أسئلة للمتعلمين وتلقي إجابات، والتساؤل حول
تلك الإيجابات وتوليد الأفكار منها. [4]
وربط الفلسفة بالحياة، ونزع الغرابة عن الدرس
باستعمال الأمثلة، لتحبيب الدرس إلى التلاميذ وجعله مألوفا وممتعا.
قراءة النصوص وإعادة قراءتها، وادعاء عدم الفهم وممارسة نوع من التهكم
السقراطي.
الوقوف عند عبارات النص، وتوجيه أسئلة بيداغوجية محددة لشرحها وتوضيحها
بأمثلة.
تثمين الأجوبة الصائبة، وتقويم وتصويب
الخاطئة بطريقة لبقة، وتشجيع أصحابها واستثمار جميع المساهمات في بناء الدرس.
التنسيق بين مختلف التدخلات في الفصل
وصياغتها وتدوينها، أو الإملاء الشفوي المباشر للأفكار التي تكونت في ذهن المدرس
كمحصلة للنقاش الفصلي.
تعقب عملية الإملاء أسئلة وشرح، للانتهاء إلى
استنتاجات وخلاصات يطالب التلاميذ بصياغتها وكتابتها على السبورة.
v تحليل النصوص:
الاشتغال على مفاهيم النصوص..
استخراج أفكاره ومضامينه الأساسية..
استخلاص أطروحته..
تحديد إشكاله انطلاقا من تلك الأطروحة..
استخراج الأساليب الحجاجية وتحديد وظائفها..
مناقشة النص من خلال مستويين؛ مستوى التثمين
بإبراز قيمة أطروحته وتدعيمها، ومستوى النقد بإبراز جوانب الضعف والنقص وتقديم حجج
مضادة لتلك الموجودة في النص..
قد تتم
مقاربة النص دفعة واحدة عن طريق استخدام جدول أو خطاطة تكثف عناصره، خاصة في مستوى
الثانية بكالوريا الذي يتميز بطول المقرر وارتباطه بالامتحان. وانطلاقا من إكراهات
الزمن، لا يتم إتباع كل هذه الخطوات بل يتم استثمار بعضها، أو الانطلاق من أقوال
فلسفية قصيرة أو أسئلة إشكالية للتعرف على الأطروحات.[5]
3. التقــــويم
يعتبر
التقويم نشاطا مندمجا في سيرورة التعليم والتعلم. وتتنوع أساليب وتقنياته وأدواته
تبعا للأهداف التي يروم تحقيقها. وغالبا ما يتعلق الهدف من التقويم بقرار يتم اتخاذه
على ضوء نتائج التقويم، كتنظيم حصص للدعم والتقوية لفائدة التلاميذ أو انتقال
التلميذ إلى مستوى أعلى أو تكرار الخ ... ونظرا لخطورة بعض القرارات المبنية على
نتائج التقويم يتم العمل على توخي الموضوعية التامة، مما يستدعي اعتماد معايير
تتلاءم وهدف التقويم. وللتقويم وظائف أساسية نلخصها في الجدول التالي:
|
نتائج التقويم
|
موضوع التقويم
|
توقيت التقويم
|
وظيفة التوجيه
|
توجهات مع ما يجب إتباعه
|
المؤهلات والمخاطر
|
قبل بداية التعلم
|
وظيفة التعديل
|
تشخيص الأخطاء وخطة العلاج
|
الأخطاء الشائعة
|
أثناء التعلم
|
وظيفة المصادقة
|
الدليل الحجة على التمكن
|
النجاحات
|
نهاية التعلم
|
بهذا المعنى
يمكن أن نتحدث على ثلاثة أنواع من التقويم:
Ø
تقويم تشخيصي : )وظيفة التوجيه(
لتحديد مستوى التلاميذ وضبط الفروق بينهم، والكشف
عن العلاقات ومواطن التباعدات، كما يمكن أن يساهم في وضع الحلول. ويكون في بداية
الدرس من خلال أسئلة وقد يكون في بداية الدورة. [6]
Ø
تقويم تكويني : )وظيفة التعديل(
للتعرف على
مواكبة التلاميذ لما تم إنجازه في التكوينات السابقة، والكشف عن الصعوبات التي
تواجه العملية التعليمية، وإعادة النظر في بعض الجوانب السلبية حتى يتم التحكم
أكثر في العملية،[7]
وتستعمل عادة أسئلة جزئية، ويرتبط بسيرورة
إنجاز المجزوءة وبمحتويات وشكل الأنشطة التعليمية المنجزة من لدن المتعلم.[8]
Ø
تقويم إجمالي: )وظيفة المصادقة(
تقويم ينجز
في نهاية التعلمات وقياس مستوى التكوين الذي تحقق لدى التلميذ فعليا. وينجز في
نهاية الدرس وهو المنظم في إطار المراقبة المستمرة والامتحانات.[9]
التقويم إذن
هو التحقق وقياس مدى تحقق أهداف الدرس، وقدرة التلميذ على استدماج معارفه لحل
الوضعيات التقويمية. ويرتبط التقويم
بالغاية المحددة له، وبطبيعة القرار الذي سيتم اتخاذه، فاللجوء إلى التقويم يتم في
فترات مختلفة لمعرفة هل بإمكان التلميذ أن ينجح )وظيفة المصادقة على التعلم)، أو هل هناك صعوبات
تحول دون استيعاب التعلمات )تعديل النشاط التربوي(، أو هل يتوفر على الأسس الضرورية لمتابعة التعلم )توجيه التلميذ أو الفعل التربوي( ؟؟
في الدرس الفلسفي
تتعدد أساليب التقويم وأدواته؛ إذ عادة ما يتم الاشتغال على معارف فلسفية، أو نص
فلسفي مرفق بأسئلة تستهدف قياس مدى تمكن التلميذ من مجموعات من المهارات والقدرات[10]
كالتأطير والأشكلة والتحليل واستخراج الحجج والتركيب وغيرها، أو الاشتغال على قولة
أو سؤال فلسفي أو توظيف وضعيات تقويمية[11]
باقتراح وضعية مشكلة دمجية، بهدف تقويم قدرة التلميذ على إدماج وتعبئة موارد وتعلمات
في سياقات مختلفة، إذ يعتبر النجاح في حل هذه الوضعية المشكلة دليلا على التمكن من
الكفاية. وفي هذا السياق نشير إلى أهمية أن تتم التعاقدات مع المتعلمين أنفسهم على
معايير ومؤشرات التقويم، بحيث يقتنعون بنتائج أعمالهم ويعملون على تدارك النقص
الحاصل في المعارف والكفايات المرسومة لتعلماتهم، وإنجاز تقويمات ذاتية لتحصيلهم. )البرامج والتوجهيات التربوية الخاصة بتدريس
الفلسفة بالثانوي(
الهيكلة
العامة للدرس
كما
استخلصناها من المؤلف
-
وضعية مشكلة تقدم
إشكالا وتعمل على تحفيز التلميذ على التعلم وانخراطه الفاعل في بنائه..
-
تحديد دلالات
المفهوم الرئيسي في الدرس..
-
الانتقال إلى المحور
والانطلاق من وضعية أو من تعريف المفاهيم لطرح التساؤلات المكونة للإشكال، ومحاولة
تقديم إجابات مع جماعة القسم..
-
الاشتغال على النصوص
لاستخراج الأطروحات، وتدريب التلاميذ على المهارات المرتبطة بالتحليل..
-
القيام بعملية
مقابلة ومواجهة بين النصوص والأطروحات، وتحديد الاختلاف والتكامل بينها..
-
تشغيل التلاميذ
بإنجاز تركيب واستنتاجات مختصرة لمحور الدرس على شكل كتابة إنشائية لتدريبهم على
المهارات المرتبطة بالكتابة الإنشائية الفلسفية...
[3] ،جميل حمداوي
،تدبير العملية التعليمية التعلمية،دراسات وبحوث،صحيفة المثقف،العدد ،3921 31 - 05 - 2017م
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.