السبت، 24 يونيو 2017

بحث لفريد أمدى حول كتاب "من وحي الدرس الفلسفي" ج5 والأخير



الدرس الفلسفي؛ قضايا وإشكالات ديداكتيكية
على ضوء قراءة في كتاب
 "من وحي الدرس الفلسفي" لمحمد الشبة


الجزء الخامس








بقلم: فريد أمدى






الفصل الثالث: مقاربة نقدية للكتاب وأهميته التربوية


في هذا الفصل سنحاول أن ننظر في الكتاب ونمارس عليه فعل المناقشة الذي دعا له في طياته، وتبناه كمبدإ وقيمة نقدية يجب أن تتسلح بها عين القارئ في قراءتها لأي مضمون معرفي وتلقي أي خطاب فكري، لأن الروح النقدية هي التي من شأنها كشف وتمييز وإبراز وتصنيف الجوانب القويمة في الخطاب، والتمكن من إدراك أهميته وأفق الاستفادة منه واستثماره، وكذا كشف حدوده وجوانب النقص فيه ابتغاء التطوير، فأحسن تكريم للكاتب -كما قال محمد الشبة نفسه- هو أن تنتقد أعماله وتطرح للنقاش والتداول. ولا ندعي لأنفسنا هنا صفة الناقد أو الإبستمولوجي في تناول هذا الكتاب نظرا لأن أفقنا المعرفي في هذا المجال قد يفند هذا الادعاء، باعتبارنا باحثين مبتدئين في هذا المجال البيداغوجي والديداكتيكي بما يحمله من غنى وعمق وغزارة في الإنتاج، لكن فقط نحاول أن تتسم قراءتنا بنوع من الجرأة والمبادرة في رصد بعد الأهمية والقيمة في هذا  الكتاب، وما يمكن أن نفيده منه كمقبلين على الفعل البيداغوجي.
 وانخراطا في هذا السياق، نشير إلى أن كتاب من وحي الدرس الفلسفي للأستاذ محمد الشبة، والذي اتخدناه لبحثنا هذا كأرضية لدراسة قضايا وإشكالات الدرس الفلسفي، يكتسي أهمية بالغة يستمدها أساسا من راهنية القضايا التي يعرضها ويتناولها؛ بحيث أن الفلسفة داخل المؤسسات التربوية والتعليمية تواجه بلا شك في العالم العربي وفي المغرب بالخصوص مجموعة من الصعوبات بالرغم من التحولات النوعية والكمية المشهودة والحاصلة اليوم في اختيار البرامج ومناهج التدريس، فثمة صعوبة منهجية تفرض معاودة التفكير في الجانب الديداكتيكي والتربوي. وبالتالي فالفلسفة ككل الحقول ليست معطى سهل المأخذ وتحتاج إلى تطوير مستمر في محتواها وفي أدوات تدريسها، من أجل تجويد نقل الخطاب الفلسفي النقدي العقلاني للمتعلمين. ومن هذا الأفق يستمد الكتاب مشروعية نقاشه.
 أما معرفيا فقد يستدخل القارئ لهذا الكتاب معطيات غزيرة ويعمق من رصيده معرفيا ونظريا في جوانب متعددة، إذ لم يغص في نقاش ديداكتيكي عملياتي محض بل كان يساوق تصوراته الديداكتيكية والبيداغوجية بأمثلة يعرض من خلالها قضايا وإشكالات فلسفية كالغير والشخص والوعي والواجب، ويغوص في تمفصلاتها ويقدم مصوغات التعامل معها بيداغوجيا، إذ رافقها بوضعيات مشكلات وأستثمرها لعرض تصوره  حول التعامل الديداكتيكي مع لحظات وخطوات الدرس الفلسفي، ومن هنا يكتسب الكتاب قيمة بيداغوجية بحيث ينفتح على  مجموعة من الاستعمالات والاستثمارات، بحيث أن معرفة مضامين هذا الكتاب والاقتراب من إشكالاته سيفيدنا في  استعماله لاحقا بالطرق التي نشاء والمتوافقة مع مضامينه، بحيث يحيط تقريبا بكل الخطوات والإشكالات التي سيتصادف معها أي مقبل على تدريس الفلسفة، تخطيطا وتدبيرا؛ ابتداء بالتمهيد وكيفية بناء الإشكالات في الدرس ومعالجتها، وإستراتيجية مقاربة النصوص ودورها ووظيفتها في الدرس، وكذا ما يرتبط بالمناقشة والتركيب وغيرها من الكفايات والعناصر التي يستهدفها الدرس الفلسفي، ويعالج الكاتب هذه القضايا  بنفس التجربة والموهبة والإبداع الذي يدعو إلى ضرورة أن تكون أساسا للأفكار والإجراءات الديداكتيكية التي عليها أن تكون مطابقة للمجال والسياق الاجتماعي والثقافي الذي تنزل فيه.
إن الأساسي والذي يضفي  أيضا قيمة للكتاب هو أنه لا يعطي فقط إجراءات ديداكتيكية أو يعرض تجربة فصلية وإنما يحاول أيضا من خلالها تقديم رؤية منهجية للتنظير الديداكتيكي، تقوم  أساسا على الاستقراء والانطلاق من الواقع نحو الأفكار لتكون تلك الأفكار قابلة للتنزيل والتكييف مع الواقع الذي أفرزها ويكون بذلك الديداكتيك كما يسميه جهويا ومطابقا. لكن في هذا السياق ألا يمكن لهذه الدعوة إلى الاجتهاد والموهبة في إبداع الأفكار الديداكتيكية أن تقتل مطمح الكونية التي تطبع الفلسفة، والتي من المفترض أن يخدمها الدرس الفلسفي ويصرفها  من خلال مداخل ديداكتيكية وبيداغوجية؟ ألا يمكن أن تتحول الدعوة إلى الإبداع في الدرس إلى فوضى ديداكتيكية تطعن في الأشواط التي قطعها مسار تدريس الفلسفة في عقلنة وترشيد الفعل التربوي الخاص بالفلسفة وجعله خاضعا لضوابط واختيارات؟ إن الإبداع ليس بحال من الأحوال دعوة إلى الفوضى بل دعوة إلى أن يكون الديداكتيك حيا تكون فيه لمسة الأستاذ ويستحضر حياة التلاميذ، وجعل الدرس الفلسفي مفعما بالحياة يستثمر الحياة في بناء إشكالاته ومعالجتها وتحقيق أهدافه التي هي بالأساس موجهة إلى الحياة، وبالتالي فإن ما نفهمه هنا من الدعوة إلى الموهبة والتجربة في بناء الأفكار الديداكتيكية هو أن المدرس عليه أن يعمل على نحو إبداعي نوعا ما على تكييف المعرفة والأساليب والطرق مع طبيعة المتعلمين وخصائصهم السوسيوثقافية والسيكوذهنية.
من هنا يعود الاعتبار أساسا للمتعلم كأساس للعملية التعليمية،  يكون انخراطه وفاعليته جزءا وشرطا من شروط نجاح الدرس انسجاما مع البيداغوجيات الحديثة والمقاربات التربوية، ومن هنا أيضا تتجلى قيمة الكتاب بالإضافة إلى أننا  نستشف منه بيداغوجية منفتحة للدرس الفلسفي دونما تطبيل لأية مقاربة بل وحتى لم يذكر فيه اسم أي مقاربة، بقدرما دعا إلى استراتيجيات ذات أفق بيداغوجي متعدد كالتنشيط والحيوية كإشارة للكفايات، بالإضافة إلى التلقين وغيرها من المفاهيم التي تشير إلى ما يصنف الآن ضمن البيداغوجيات التقليدية، كما أشير إلى تجارب لفلاسفة مدرسين مما يوحي إلى الحاجة إلى مقاربات شمولية ونسقية قادرة على الانفتاح على جبهات مختلفة في آن واحد، في ظل لا مركزية بيداغوجية، تجيش فيها مختلف المداخل التربوية تقليدية كانت أو معاصرة لخدمة أهداف الدرس الفلسفي.
ويضع الكتاب أصبعا على قضية أساسية وهي الدعوة إلى التأليف وتدوين التجارب الفصلية للأساتذة، وهي قضية من شأنها أن تقدم إضافة ليس فقط في تطوير الدرس الفلسفي وإنما من شأن انتشار هذه العادة بين مختلف المتدخلين والفاعلين التربويين أن تساهم في إماطة اللثام عن الممارسة التعليمية، وتشخيص واقعها في بعده الديداكتيكي والبيداغوجي، مما يعطي للإجراءات التطويرية والصياغات النظرية أسسا معقولة تند عن كل تخمين ومزاجية.

خاتــــــــــــــــــمة

رغم النواقص التي يمكن تسجيلها حول الكتاب،  بالإضافة إلى النقاش النقدي الذي يمكن أن يطال مضامينه التي قد نتفق مع البعض منها وقد لا نتفق مع تصورات أخرى منها، إلا أنه شكل بالنسبة لنا أرضية خصبة لاقتحام واستكشاف تضاريس الدرس الفلسفي، وباعثا  للتفكير والبحث  في موضوع الدرس الفلسفي وأهدافه ورهاناته وإستراتيجياته وكذا تحدياته،  ودفعنا إلى  معايشة لحظاته ومقتضيات التعامل معها ديداكتيكيا، بما من شأنه جعل الدرس الفلسفي مفعما بالحياة ينطلق من الحياة ويعود إليها، يستهدف أبعادا تفكيرية وعقلية تنسجم مع خصائص التفكير الفلسفي ذاته ويرسخ قيمه الإنسانية والنقدية، مما يدعونا إلى القطع مع الدرس الإلقائي والانتقال من درس في الأفكار إلى درس في التفكير يكون فيه التلميذ ملزما بالبحث والاستكشاف والانخراط في الإشكالات التي ندرسها، كإشكالات وجودية تمسه كما مست الفيلسوف. وشكل الكتاب دافعا للتفكير في الإشكالات  والتحديات البيداغوجية والديداكتيكية التي ستواجهنا كمدرسيين للفلسفة التي علينا أن نتسلح لها  بهاجس  الفاعلية والإبداع  والقراءة والاطلاع على التجارب والكتابة حول التجارب الخاصة  لتحقيق التراكم الكفيل بالتطوير وإغناء الساحة الديداكتيكية والبيداغوجية المغربية، نحو صياغة أفكار وتنظيرات ديداكتيكية محلية وجهوية مطابقة للمجال الذي تنزل فيه ومطابقة لخصائص التفكير الفلسفي في نفس الآن.


 المراجع
  



ç محمد الشبة،من وحي الدرس الفلسفي إشكالات وحدوس ديداكتيكية، أفريقيا الشرق، 2015
ç التوجيهات التربوية  وبرامج تدريس مادة الفلسفة بالتعليم الثانوي التأهيلي 2007
ç الإطار المرجعي المحين  للتقويم 2014
ç محمد أوحدو ، محاضرات حول التعلم وأنشطته في درس الفلسفة ، المدرسة العليا للأساتذة الرباط2017
ç عبد الإله شهاب، محاضرات في ديداكتيك الفلسفة، المدرسة العليا للأساتذة، الرباط،2017
ç جميل حمداوي ،تدبير العملية التعليمية التعلمية،دراسات وبحوث،صحيفة المثقف،العدد ،3921  31 - 05 - 2017م
ç فريد أمدى،تقرير التدريب الميداني في مهن تدريس الفلسفة،المدرسة العليا للأساتذة بالرباط 2017
ç       الطيب بوعزة، يوسف بن عدي ،في تدريس الفلسفة ، مؤمنون بلا حدود قسم الفلسفة والعلوم البحثية ،2015





فهرس المحتويات
الصفحة
العنوان
1
تقـــــــــــديم
3
الفصل الأول: تأملات في عتبات الكتاب

4
1.      المبحث الأول: المؤلف

4
2.      المبحث الثاني: سياق الكتاب

4
3.      المبحث الثالث: أسباب اختيار الكتاب

5
4.      المبحت الرابع: تأملات في عنوان الكتاب وغلافه
8
الفصل  الثاني: قراءة في مضامين الكتاب ومحتوياته المعرفية
9
. المبحث الأول: في النموذج البيداغوجي والديداكتيكي المأمول للدرس الفلسفي
10
1.       ديداكتيك الفلسفة بين التنظير والممارسة
10
2.     من أجل درس فلسفي مفعم بالحياة
12
3.      من درس إديولوجي إلى درس نقدي

12
4.      في إستلهام تجارب الفلاسفة المدرسين

15
المبحث الثاني:  في بعض لحظات الدرس الفلسفي ومقتضيات التعامل معها ديداكتيكيا

15
1.     اللقاء الأول للتلميذ بالفلسفة

16
2.     بناء ومعالجة الإشكال في الدرس الفلسفي

18
3.     تحليل النص الفلسفي داخل الفصل الدراسي: 

19
4.    لحظة المناقشة 

23
المبحث الثالث: نافدة على التجربة الفصلية للمؤلف

23
1.      التحضير و التخطيط

25
2.      تدبير الحصة:

27
3.     التقــــويم
29
الهيكلة العامة للدرس كما إستخلصناها من المؤلف

30
الفصل الثالث:
 مقاربة نقدية للكتاب وأهميته التربوية
33
خاتــــــــــــــــــمة

34
البيبليوغرافيا
35
الفهرس




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.