صدر عن دار القرويين للنشر والتوزيع بمدينة
القنيطرة المغربية، مع مطلع سنة 2020م، كتابنا "حقوق الإنسان في الدرس
الفلسفي".
إليكم غلاف الكتاب ومقدمته؛
غلاف الكتاب
مقدمة الكتاب
مقدمة
يحاول هذا
الكتاب أن يتناول موضوع حقوق الإنسان، والقيم المرتبطة بها، من زاوية الممارسة
التدريسية المتعلقة بدرس الفلسفة في التعليم الثانوي التأهيلي. وذلك باعتبار أن
ترسيخ هذه القيم الحقوقية في وعي المتعلم، ودفعه إلى ممارستها مدرسيا ومجتمعيا، هي
من الغايات الأساسية التي يسعى درس الفلسفة إلى تحقيقها ضمن كفاياته المسطرة في المنهاج
الدراسي.
وهذا ما جعلنا نبحث في هذا المنهاج عن جملة من
الحقوق والقيم التي يراد من الدرس الفلسفي أن يجسدها ويحققها ضمن أنشطته التعليمية
والتعلمية، وذلك في أفق تكوين ذلك المتعلم/المواطن المتشبع بقيم الحرية والمساواة
والاعتزاز بالذات والتسامح والاستقلال في التفكير واحترام الرأي الآخر...
وإذا كان
المنهاج الدراسي الخاص بمادة الفلسفة في التعليم الثانوي التأهيلي قد احتوى على
جملة من الحقوق والقيم المرتبطة بها، فإن هذا قد جعلنا نبحث في البرنامج الدراسي
عن نصوص فلسفية تؤصل لحقوق الإنسان وتضع الأسس التي ترتكز عليها. وهو الأمر الذي
عثرنا عليه في نصوص لفلاسفة أمثال هوبز وروسو واسبينوزا وهانز كيلسن، فحاولنا
استقراءها والكشف عن المنطلقات التي ارتكزت عليها من أجل إعطاء تبريرات توضح من
خلالها تمتع الإنسان بهذه الحقوق أو تلك.
وإذا كان
الاختلاف في التصورات والمقاربات هو من السمات الأساسية التي تميز التفكير
الفلسفي، فقد كان من الطبيعي أن يختلف هؤلاء الفلاسفة، وغيرهم ممن لم يتم ذكرهم في
هذا الكتاب، حول المصادر والمنابع والمرجعيات التي تعود إليها حقوق الإنسان وتنبثق
عنها، وما إذا كانت هذه المصادر طبيعية أم ثقافية، مطلقة أن نسبية؟؟ وعلى العموم،
فقد لاحظنا أن هناك حقوقا أساسية، كالحرية والملكية والأمن مثلا، لا يمكن أن يكون
حولها اختلاف مبدئي بين الفلاسفة مهما تعددت مشاربهم الفكرية، ولكن الاختلاف بينهم
يكون حاصلا حول الأصول التي تعود إليها تلك الحقوق من جهة، وحول كيفية تجسيدها على
أرض الواقع ضمن البيئات والسياقات الاجتماعية والثقافية المختلفة والمتنوعة من جهة
أخرى.
وقد أوضحنا
من خلال استقرائنا لبعض محتويات ومضامين المقررات الدراسية الفلسفية، أن هناك
حضورا لمظاهر وتجليات كثيرة لحقوق الإنسان وللقيم المرتبطة بها أو الموازية لها،
خصوصا إذا علمنا أن التربية على هذه الحقوق والقيم هي تربية محايثة للأنشطة
التدريسية لمادة الفلسفة. وهكذا، فقد تتبعنا هذه التجليات الحقوقية والقيمية في
البرامج الدراسية الخاصة بمستويات الجذع المشترك والأولى والثانية بكالوريا،
فوجدنا أنه في كثير من جوانبها تسعى إلى جعل المتعلمين يناقشون ويتدارسون نماذج من
تلك القيم الحقوقية، مما من شأنه أن يجعلهم يمتلكون وعيا نظريا بها، ويؤهلهم
لممارستها على مستوى السلوك العملي والواقعي.
وإذا كانت
التربية على حقوق الإنسان ليست مادة دراسية قائمة بذاتها، وإنما هي مندمجة ومحايثة
لجميع المواد الدراسية المقررة في المؤسسات التعليمية، فقد سعينا لتبيان كيف أن
الدرس الفلسفي مؤهل أكثر من غيره من الدروس المتعلقة بالمواد الدراسية الأخرى لكي
ينافح عن حقوق الإنسان ويتدارسها، ويسعى إلى ترسيخها بشكل عملي لدى المتعلمين.
وذلك لعدة اعتبارات تتعلق بطبيعة التفكير الفلسفي وتميزه عن باقي أنواع التفكير
الأخرى، دون أن ننكر بعض التقاطعات الحاصلة بين أنواع التفكير هاته كالتفكير
الديني والعلمي والفلسفي وما إلى ذلك. ومن أهم ما يتميز به التفكير الفلسفي أنه
تفكير يعلي من شأن العقل ويدافع عن كرامة الإنسان، ويجعل العقل والكرامة هما أساس
كل الحقوق التي يتعين أن يتمتع بها الإنسان حيثما حل وارتحل، مما يعني التأسيس
لحقوق منفتحة وكونية وذات نزعة إنسانية، وترسخ قيم الحوار والمساواة وحرية التفكير
والاعتقاد والتعايش السلمي بين الشعوب.
كما أن ما
يميز درس الفلسفة هو أنه درس يتخذ حقوق الإنسان موضوع استشكال وتساؤل وتفلسف،
فيجعل المتعلمين يناقشونها ويطلعون على آراء الفلاسفة حولها، سواء عن طريق التأصيل
لها أو نقدها أو مناقشة القيم المرتبطة بها، أو إثارة الصعوبات التي تطرح على
مستوى تطبيقها على أرض الواقع، أو الوقوف عند العلاقات المتشابكة الموجودة بينها
وبين قضايا ومواضيع كثيرة ومتنوعة يهتم بها الدرس الفلسفي. هذا فضلا عن أهمية مبحث
القيم في مجال التفكير الفلسفي، إذ يعتبر من بين المباحث الأساسية في الفلسفة،
ونجد له حضورا قويا في البرنامج الدراسي لمادة الفلسفة.
وإذا كان
درس الفلسفة يستشكل القيم الحقوقية ويتخذها موضوع دراسة ونقد وتحليل، فإن الغاية
القصوى من ذلك هي السعي إلى غرسها لدى الناشئة وتمريرها من خلالهم إلى السلوكات
السائدة في الوسط الاجتماعي، بمختلف مظاهرها وتجلياتها الفردية والجماعية،
الثقافية والسياسية، الأسرية والجمعوية والمؤسساتية. ولهذا السبب، وجب على مدرس
الفلسفة أن يكون أول من يتحلى بتلك القيم ويجسدها على مستوى سلوكه داخل الفصل
الدراسي، من خلال العلاقات المختلفة التي ينسجها مع التلاميذ، سواء تم ذلك من خلال
العلاقات الأخلاقية والإنسانية والروحية أو من خلال الأنشطة التعليمية والتعلمية
التي يعج بها الفصل الدراسي الفلسفي، والأنشطة المدرسية الموازية له.
وحيث أن
الفلسفة تدافع عن حقوق الإنسان وتهتم بها، عن طريق التأصيل لها ودراستها ونقدها
واستشكالها، فقد بدا لنا أن الدفاع عن هذه الحقوق هو دفاع عن الفلسفة نفسها،
كتفكير عقلي ونقدي وحر ومنفتح ذي طابع قيمي وإنساني، يستحيل التمتع بتلك الحقوق في
غيابه. ومن هنا تغدو الفلسفة نفسها حقا من حقوق الإنسان؛ إذ الحق في الفلسفة يعني
الحق في التفكير العقلي الحر والمستقل، إنه الحق في الاعتقاد والإيمان بالتعدد
والتعايش الآمن والسلمي، والاعتراف بالكرامة المتأصلة في الإنسان والتي هي أساس
تمتعه بجميع الحقوق، في إطار الاحترام والمساواة القائمة بينه وبين الآخرين.
وهكذا،
فالعلاقة بين الفلسفة وحقوق الإنسان هي علاقة محايثة وتماهي، بحيث أن القيم الحقوق
هي جزء لا يتجزأ من ماهية الفلسفة نفسها، كما أنه لا يمكن أن تقوم لحقوق الإنسان
قائمة على أرض الواقع بدون وجود فكر فلسفي ينظر لها ويدافع عنها، معرفيا وقانونيا
ومؤسساتيا. ولهذا، فانتعاش التفكير الفلسفي النقدي والحر في أمة من الأمم، يوازيه
تلقائيا انتعاش مماثل على مستوى تجلي القيم الحقوقية في البيئة الاجتماعية
والسياسية، وبالعكس فإن جمود ذلك التفكير أو اختفائه في تلك الأمة، يعني مبدئيا
تراجع قيم حقوق الإنسان وتعرضها للمساس والقهر والاغتصاب.
وإذا كان
ذلك كذلك، وجب إشاعة روح التفلسف في المجتمع، عن طريق ترسيخ حق الناشئة في تعلم
أدوات التفلسف وممارستها على نطاق واسع، لأن في ممارستها لتلك الأدوات ستضمن
لنفسها التمتع بالقدرة على ممارسة تلك الحقوق عمليا، والدفاع عنها ضد كل أشكال
الظلم والطغيان والقهر التي قد تصدر عن جهات مناوئة لحقوق الإنسان ومعادية لها،
لأسباب عرقية أو دينية أو سياسية أو إيديولوجية.
وإذا كنا
قد أوضحنا في هذا الكتاب، ومن زوايا متعددة، أن الفلسفة تؤصل لحقوق الإنسان وتدافع
عنها، وأن الدرس الفلسفي يجعل من ضمن كفاياته المتوخاة ترسيخ تربية حقوقية لدى
المتعلمين، فإننا واعون كل الوعي بأنه توجد عوائق وصعوبات وإشكالات عويصة تطرح حول
العديد من القضايا المتعلقة بحقوق الإنسان في مجتمعاتنا العربية الإسلامية، وذلك
بفعل عدة أسباب دينية وطائفية وعرقية وسياسية. وهو الأمر الذي يعرقل سعي الدرس
الفلسفي إلى تحقيق التربية القيمية والحقوقية المنشودة، وبالكيفية الصحيحة
والسليمة التي نطمح إليها. ولهذا السبب، وفضلا عن بعض الإشارات الموجودة في محتوى
الكتاب، فقد قمنا بتخصيص خاتمته للحديث عن أهم تلك الصعوبات والعوائق، والتي
يتداخل فيها ما هو تربوي وبيداغوجي وديداكتيكي بما هو مجتمعي وديني وسياسي
وإيديولوجي.
محمد الشبة
يوليوز/تموز 2017م
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.