صدرت عن دار أفريقيا الشرق للنشر والتوزيع
بالدار البيضاء، مع مطلع سنة 2020م، الأجزاء الستة الأولى من سلسلة الفلسفة
والحياة. وهي سلسلة تربوية وديداكتيكية موجهة إلى المتعلمين والمتعلمات من أجل
تشجيعهم على القراءة الفلسفية، وإكسابهم المهارات والقدرات والكفايات التي من
شأنها أن ترتقي بكتاباتهم الإنشائية الفلسفية إلى ما هو أحسن.
وفي ما يلي أغلفة الأجزاء الستة الأولى،
مرفقة بالمدخل العام للسلسلة، والذي تجدونه في بداية كل جزء.
مدخل عام لسلسلة
الفلسفة والحياة
يمكن القول عموما بأن الفلسفة هي تفكير من طرف
هذا الفيلسوف أو ذاك في الحياة. ولذلك، فنحن نجد النصوص الفلسفية ممتلئة بقضايا
وإشكالات وأفكار تتعلق بجوانب متعددة من الحياة الإنسانية. وإذا كان الفيلسوف يفكر
في الحياة، فإنه لا يمكننا كتلاميذ إلا أن نستحضر ما تعج به الحياة الإنسانية
اليومية من وقائع ومواقف مختلفة أثناء ممارستنا للكتابة الفلسفية، أو أثناء
نقاشاتنا في الفصول الدراسية للعديد من المشكلات المطروحة في دروسنا الفلسفية.
ومسألة
استحضار الحياة في الدرس الفلسفي وفي الكتابة الإنشائية الفلسفية، هي التي أوحت لنا
بضرورة كتابة مثل هذه السلسلة الفلسفية التي نحن عازمون بحول الله على إصدار عدة
أجزاء منها، تغطي قضايا فلسفية متنوعة يمكن أن يستفيد التلاميذ منها، سواء أولائك
الذين يدرسون في المقررات الدراسية الحالية أو أولائك الذين سيدرسون في مقررات
دراسية لاحقة.
وهكذا، فقد
انطلقت من تجاربي الفصلية الفعلية في تدريس الفلسفة، فوجدت أنني أعمل بدون هوادة
على تقريب الفلسفة من التلاميذ وتبسيط الأفكار الفلسفية لأذهانهم، من خلال استخدام
الأمثلة الواقعية واليومية والمتداولة في الحياة، وجعل التلاميذ يفكرون في
الإشكالات الفلسفية انطلاقا من خبرتهم الخاصة في الحياة، باعتبارها إشكالات تهمهم
قبل أن تهم الفلاسفة. ولهذا، أردت من خلال هذه السلسلة أن أنقل، ما أمكن ذلك، تلك
الأفكار والأمثلة والنقاشات التي كانت تجري بيني وبين تلامذتي ونحن نتجادل حول
الكثير من الإشكالات والقضايا الفلسفية. ويمكن لمثل هذا العمل أن يفيد عموم
التلاميذ؛ بأن يبسط لهم الأفكار الفلسفية ويقربها من واقعهم المعيشي، كما من شأنه
أن يجعلهم يفكرون فيها بشكل ذاتي وشخصي انطلاقا من خبرتهم الخاصة في الحياة.
ومن ناحية أخرى، فإن هذه السلسة تتوخى أن تساعد
التلاميذ على تطوير قدراتهم في الكتابة الإنشائية الفلسفية، والتي تهمهم كثيرا في
الامتحانات المتعلقة بمادة الفلسفة، كما تعتبر من بين الأهداف الأساسية لتدريس
الفلسفة. فإذا ما استطاع التلميذ مثلا أن يكتب إنشاء بمواصفات فلسفية عالية، وطور
ذلك خلال دراسته الجامعية، فإننا ولا شك سنكون أمام مشروع مثقف ومفكر يمكنه أن
يساهم في تحقيق التنمية الثقافية والفكرية التي لا يمكن تصور أي تقدم مجتمعي
بدونها. ولهذا السبب، فإننا نسعى من خلال هذه السلسلة الفلسفية إلى إعطاء التلاميذ
نماذج من مقالات تتضمن بعض المواصفات المنهجية والمعرفية التي يمكنه أن يتمثلها
ويستبطنها من خلال قراءته لمختلف أجزاء هذه السلسلة، وبعد ذلك يكون بإمكانه أن
يوظفها في كتابته الفلسفية. فقد بينت التجربة أن التلاميذ الذين يواظبون على
المطالعة هم الذين يتفوقون في الكتابة الإنشائية الفلسفية، لأن منهجية الكتابة
الفلسفية لا نتعلمها بين عشية وضحاها، أو من خلال حصص دراسية معدودة نخصصها لهذا
الغرض، بل إن المطالعة وقراءة أعمال ومقالات لكتاب آخرين تساعد التلاميذ أيضا،
وبشكل كبير، على اكتساب أفكار ومهارات منهجية ستجعلهم يكتبون إنشاءات فلسفية
بمواصفات جيدة.
وقد بينت
لنا تجربتنا مع كتابات التلاميذ الإنشائية، سواء في فروض المراقبة المستمرة أو
الامتحانات النهائية أو المسابقات المتعلقة بالإنشاء الفلسفي، أن الكثير من هؤلاء
يميلون في معالجتهم للإشكال المطروح إلى تقديم مجموعة من المواقف الفلسفية، كما هي
مختزنة في ذاكرتهم عن طريق الحفظ والاستظهار. ولذلك تأتي كتاباتهم الإنشائية خالية
من التفكير الذاتي للتلميذ في القضية المطروحة للمعالجة والنقاش، بحيث لا يوظفون
أمثلة من الواقع ولا يستحضرون خبرتهم الحياتية أثناء معالجتهم لتلك القضايا
والإشكالات في كتابتهم الفلسفية. وقد حاولنا أن نساهم في التغلب على هذا المشكل من
خلال هذه السلسلة، بأن قدمنا فيها للتلاميذ مجموعة من المقالات الفلسفية التي تجسد
التفكير الذاتي لكاتبها في القضية الفلسفية التي يعالجها، بحيث لا يتم توظيف
الأطروحات والمواقف الفلسفية إلا بحسب ما تخدم هذا التفكير الذاتي والمنطقي في
الإشكال الذي يتم تحليله ومناقشته. وهذا التفكير الذاتي يستند بطبيعة الحال إلى توظيف
المكتسبات والمعطيات والوقائع المتعلقة بالحياة، من أجل التفكير فيها فلسفيا وبشكل
صادق وجاد وعميق.
ولكن هذا
لا يعني أن ما كتبناه من مقالات في هذه السلسلة هو كتابات إنشائية فلسفية، بالمعنى
المدرسي المعروف، لأننا لم نعالج فيها أي نص أو قولة أو سؤال مفتوح، وهي المواضيع
الثلاثة التي يرتكز عليها الإنشاء الفلسفي في البكالوريا المغربية، بل فقط هي
مقالات نعالج فيها غالبا إشكالا ما من الإشكالات الفلسفية، مما سيجعل المعالجة
تتضمن ولا شك مجموعة من المواصفات والمهارات المنهجية التي يمكن أن يستأنس بها
التلاميذ، ويوظفونها لاحقا في كتاباتهم الإنشائية الفلسفية. كما أن بعض تلك
المقالات اتخذ شكلا يغلب عليه الطابع المعرفي، مما يعني أن الهدف المتوخى منه هو
تزويد التلاميذ بمعلومات ومضامين معرفية، وتبسيطها لأذهانهم لكي يستوعبونها
ويستخدمونها عندما يقتضي الأمر ذلك، سواء أثناء فعل الكتابة أو في حواراتهم
الشفوية داخل الفصول الدراسية أو خارجها.
ومن هنا
فقد حاولنا في المقالات المختلفة والمتنوعة التي تتضمنها أجزاء هذه السلسلة
الفلسفية، سلسلة الفلسفة والحياة، أن نبسط للتلاميذ الأفكار الفلسفية –كما نفعل في
الفصل الدراسي- عن طريق ربطها بحياتهم اليومية وبما هو متداول في واقعهم
الاجتماعي، أو بما يعرفونه من وقائع وأحداث تاريخية خاصة بالأمة العربية الإسلامية
أو بباقي الأمم والشعوب، وجعلهم يفكرون في قضايا الفلسفة ومشكلاتها انطلاقا مما
تحفل به حياتهم وحياة الشعوب والأمم من وقائع وأحوال إنسانية متنوعة. وهذا ما من
شأنه أن يقرب الفلسفة من التلاميذ ويقنعهم بأهمية القضايا التي تتناولها بالتحليل
والدراسة، كما من شأنه أن يساهم في نزع الغرابة عن الأفكار الفلسفية وجعلها مألوفة
لديهم وقريبة من عقولهم ومحببة إلى نفوسهم.
وللمزيد من
تحقيق هذا الهدف الأخير، فقد ضمنا جميع المقالات التي تتكون منها هذه السلسلة
الفلسفية صورا للفلاسفة، مرفقة في الغالب بأقوال لهم لها علاقة بالفكرة التي يتحدث
عنها المقال، وذلك من أجل أن يتعرف التلاميذ أولا على وجه الفيلسوف عن طريق
الإدراك الحسي البصري، ثم لكي يتعرفوا ثانيا على الفترة الزمنية التي عاش فيها
ويتأملوا في مضمون القول الفلسفي المرفق بالصورة الشخصية لذلك الفيلسوف. كما
يمكنهم بطبيعة الحال أن يحفظوا ذلك القول، أو أجزاء منه على الأقل، ويوظفونه أثناء
مناقشاتهم الفلسفية داخل الفصل الدراسي أو في كتاباتهم الإنشائية.
وفضلا عن
صور الفلاسفة وأقوالهم، فقد جعلنا مقالات سلسلة الفلسفة والحياة تتضمن أيضا لوحات
فنية وصور رمزية ومعبرة لها علاقة بمضمون المقال، وذلك من أجل ترسيخ تربية جمالية
وفنية لدى التلاميذ من جهة، ومن أجل جعل الصورة تساعدهم على مزيد من فهم المحتوى
المتضمن في الكتابة، وتشجيعهم على الإقبال على المطالعة الفلسفية والاستمرار في
قراءة المقالات براحة نفسية أحسن من جهة أخرى.
وعلى
العموم، فقد جاءت هذه السلسلة لكي تسد فراغا نحسبه حاصلا في الساحة الفلسفية
المغربية، وهو ذلك المتعلق بغياب كتابات فلسفية موجهة للتلاميذ، خارج إطار الكتب
الموازية التي تتضمن ملخصات الدروس ومنهجية الإنشاء الفلسفي. فقد أثبتت لنا
تجربتنا مع التلاميذ أنهم بحاجة إلى كتيبات مبسطة يطالعونها خارج إطار الكتب
والمقررات الدراسية، ولذلك فكثيرا ما كنت أجد نفسي محرجا أمام تلميذ أو تلميذة
تسألني: ما هي الكتب الفلسفية التي يمكن أن أقرأها يا أستاذ؟ وسبب هذا الحرج هو
أنه لا يمكن لتلاميذ المرحلة الثانوية التأهيلية، أو للغالبية العظمى منهم على
الأقل، أن يقرؤوا كتبا لفلاسفة أو دراسات أكاديمية حول هؤلاء الفلاسفة، نظرا
لطبيعة قدراتهم العقلية والمعرفية من جهة، ونظرا للظروف التي تحيط بالدراسة
والتهييء للامتحانات من جهة أخرى. ولذلك نعتقد أن توفير كتيبات من مثل تلك التي
تتضمنها هذه السلسلة، من شأنه أن يحفز التلاميذ على القراءة الفلسفية في زمن أقل،
نظرا لصغر حجم كتب هذه السلسة الفلسفية، وبدافعية أكبر نظرا للبساطة التي
اعتمدناها في تقريب الأفكار الفلسفية من عقول التلاميذ، ونظرا أيضا لارتباط
مضامينها بما هو موجود في المقررات الدراسية الرسمية.
وكل ما
نتمناه هو أن تتحقق بعض هذه الأهداف النبيلة التي توخيناها من وراء كتابة مختلف
أجزاء هذه السلسلة الفلسفية، سلسلة الفلسفة والحياة، وأن تساهم في إشاعة روح
التفلسف السليم داخل أوساط تلامذتنا الأعزاء.
والله أسأل
أن يكون هذا العمل خالصا لوجهه الكريم.
المؤلف