نصوص للاستثمار في مفهوم الغير
إعداد الأستاذ محمد
الشبة
أهلا بالجميع أقدم لكم
هذه النصوص التي يمكن استثمارها في درس الغير، سواء لمعالجة إشكالات الدرس أو
لاستخدامها في أشكال التقويم وفروض المراقبة المستمرة.
نصوص تتعلق بدرس الغير
· النص 1 :
” إن التباعد باعتباره خاصية
مميزة للوجود – مع- الغير، يلزم عنه أن “الموجود - هنا” يجد نفسه داخل وجود
مشترك يومي تحت قبضة الغير. إن الموجود – هنا، باعتباره وجودا فرديا خاصا، لا
يكون مطابقا لذاته، عندما يوجد على نمط الوجود مع الغير، لأن الآخرين أفرغوه من
كينونته الخاصة. فإمكانيات الوجود اليومية للموجود هنا، توجد تحت رحمة الغير. فالغير في هذه
الحالة ليس أحدا متعينا، بل على العكس من ذلك، بإمكان أي كان أن يمثله، فما يهم
هو هذه الهيمنة الخفية التي يمارسها الغير على الوجود - هنا عندما يوجد مع الغير. فالذات
نفسها عندما تنتمي إلى الغير تقوي بذلك من سلطته. إن ” الآخرين”، الذين نسميهم
بهذا الاسم لإخفاء أننا ننتمي إليهم بشكل أساسي، هم الذين يوجدون منذ الوهلة
الأولى، وفي الغالب، في الحياة المشتركة على نمط ” الموجود - هنا “. في استعمالنا
لوسائل النقل العمومية، أو في استفادتنا من الخدمات الإعلامية ( قراءة الصحف
مثلا)، نجد أن كل واحد منا يشبه الآخر. فهذا
الوجود - المشترك يذيب كليا الموجود
- هنا، الذي هو وجودي الخاص، في نمط وجود الغير، بحيث
يجعل الآخرين يختفون أكثر فأكثر و يفقدون ما يميزهم وما ينفردون به. إن وضعية
اللامبالاة واللاتمييز التي يفرضها الوجود مع الغير، تسمح للضمير المبني للمجهول ” on” أن يطور
خاصيته الديكتاتورية التي تميزه.
إننا نتسلى ونلهو كما يتسلى ” الناس” و يلهون، ونقرأ الكتب ونشاهد الأفلام، ونحكم على الأعمال الأدبية والفنية كما يقرأ الناس ويشاهدون
الأفلام ويحكمون على الأعمال الأدبية، وننعزل عن الحشود كما ينعزل الناس عنها
ونعتبر فضيحة ما يعتبره الناس كذلك (…)
يمكن أن نقول: لقد أريد هذا، كما يمكن أن نقول لا أحد
أراد هذا فيصبح كل واحد هو آخر، ولا أحد هو هو، إن المجهول الذي يجيب على سؤال من
هو هذا الموجود - هنا ليس شخصا متعينا، إنه لا أحد.”
مارتن هايدغر Martin Heidegger : “الوجود والزمن”
Etre et Temps ،
الترجمة الفرنسية لبويم دي ويلهانس، غاليمار، 1964، ص 158- 160 . عن مقرر رحاب الفلسفة،
2باك مسلك الآداب والعلوم الإنسانية، طبعة 2007، ص 31.
· النص 2:
” لننظر مثلا إلى الخجل، إنه
ضرب من الشعور، إنه شعور غير مباشر بالذات كخجل، وهو بهذا الشكل مثال لما يسميه
الألمان بالمعيش، فهو سهل وممكن تأمله. وفضلا عن ذلك فإن تركيبه قصدي، إنه
إدراك خجول لشيء ما، وهذا الشيء هو أنا، إني خجول مما أكونه. فالخجل يحقق إذن
علاقة باطنية بين الأنا والأنا، وقد اكتشفت في الخجل مظهرا من وجودي. ومع ذلك
فعلى الرغم من أن بعض الأشكال المركبة والمشتقة من الخجل يمكن أن تظهر على
المستوى التأملي، فإن الخجل ليس أصلا ظاهرة للتأمل. والحق أنه مهما تكن النتائج
التي يمكن الحصول عليها في الخلوة بواسطة الممارسة الدينية للخجل، فإن الخجل في
تركيبه الأول هو خجل أمام شخص ما. لقد قمت بحركة غير لائقة، وهذه الحركة تلتصق
بي، لا أحكم عليها ولا ألومها، بل أحياها فقط ، وأحققها كنمط من أنماط الوجود
من أجل الذات. لكن ها أنذا أرفع رأسي فجأة، وكأن هناك أحدا رآني، وأتحقق
من كل ما في حركتي من سوقية فأخجل. ومن المؤكد أن خجلي ليس تأمليا، لأن حضور
الغير في شعوري.. لا يتوافق مع الموقف التأملي. ففي مجال تأملي الخاص لا أستطيع
أبدا أن أجد سوى الشعور الذي هو شعوري، ولكن الغير هو الوسيط الذي لا غنى عنه بيني
أنا وبين نفسي: فأنا خجول من نفسي من حيث أتبدى للغير. وبظهـور الغير، أصبح في مقدوري أن
أصدر حكما على نفسي كما أصدره على موضوع ما، لأني أظهر للغير بوصفي موضوعا، ومـع ذلك فإن هـذا الموضوع المتبدي للغير، ليس صورة تافهة في عقل الغير . إن هذه
الصورة ستنتسب كلها إلى الغير، ولا يمكن أن ” تمسني”. ويمكنني أن أحس بالضيق والغضب
إزاءها، كما يحدث أمام صورة لنفسي تضفي علي قبحا.. وهكذا نجد أن الخجل هو خجل من الذات
أمام الغير. فهاتان البنيتان غير منفصلتين، ولكن في الوقت نفسه أنا في حاجة إلى
الغير لأدرك إدراكا كاملا كل بنيات وجودي، ولهذا فإن ما هو من أجل ذاته يحيل على
ما هو من أجل الغير( في نظر الغير).”
جان بول سارتر : ” الوجود والعدم”،
باريز، غاليمار، 1957، ص 275-277 . عن مقرر
منار الفلسفة، للسنة الثانية باكلوريا مسلك الآداب والعلوم الإنسانية، طبعة 2007،
ص29 .
· النص 3:
” أكيـد أنــنا ندرك فــرح
الغيـر من خــلال ابتسامتـه، كما نــدرك همومـه وألمـه من دموعـه، وخجلـه من
احمـرار وجهـه، ودعاءه من يديه الملتصقين، وحبه من نظرته الحنونة، وغضبه من
اصطكاك أسنانه، و تهديده ورغبته في الإنتقام من قبضة يده. أما إذا قيل لي: إن هذه ليست
“إدراكات” لأن الإدراك هو مجموعة من الأحاسيس، وإننا لا نحس بالحالة النفسية
الداخلية لغيرنا، و إننا لا ننفعل بما يأتي من نفسية غيرنا، فإني سأكتفي بأن
أطلب من أصحاب هذا القول أن يتركوا هذه النظريات المرفوضة، و أن يلتفتوا إلى
الوضعية الفينومينولوجية(…) إني لا أرى “عيون” الآخر (كموضوع)، بل إني أراها
تراني، وقد أراها تراني بكيفية تجعلني لا أراها تراني! فأدرك، من خلال هذه
الطريقة، أن الآخر “يدعي” الإحساس بما لا يحس به، وبأنه يمزق الرابطة التي تربط تعبيره
الطبيعي (الخارجي) بحياته النفسية (الداخلية) (…) إن ما ندركه، منذ الوهلة الأولى،
ليس جسد الغير، و لا نفسيته، بل ندرك الغير بوصفه كلا لا يقبل القسمة، إذ لا
يمكن أن نقسمه إلى قسمين، أولهما يدرك داخليا(نفسيا)، وثانيهما يدرك خارجيا
(جسديا) (…) إن المضمونيــــن، الداخـــلي والخــــارجي، يترابطان ترابطا وثيقا
بخيط دائم و مستقل عن كل ملاحظة أو استقراء. فمظاهر هذه الوحدة الجسدية الفردية،
تبقى رغم تنوعها وخارجيتها( اللون، الشكل، الحركة) تابعة للكل الفردي الحي (…) لهذا
السبب، يكون من المستحيل تفكيك وحدة ظاهرة التعبير لدى الغير، سواء كان هذا
التعبير ابتسامة، أو نظرة مهددة أو حامية، أو حنونة، إلى وحدات صغرى لإعادة
تشكيلها، فيما بعد، للحصول على نفس الظاهرة الكلية التي التقينا بها في البداية. إن ما يكون ممكنا بالنسبة للعالم الطبيعي الفيزيائي، ليصبح، وأشدد على هذا
القول، مستحيلا بالنسبة للظواهر التعبيرية الإنسانية، إذ لا يمكنني، حسب نمط
الإدراك الخارجي، أن أتبنى موقف الإدراك الخارجي فأقطع الموضوع المدرك إلى
مكوناته الصغرى، غير أني لن أنجح، أبدا، بالرغم من كل التركيبات الممكنة لهذه
الأجزاء، في إعادة تشكيل الوحدة التعبيرية للابتسامة”، أو “الدعاء”، أو “التهديد”. ولهذا فإن
احمرار وجنتي الغير يتجاوز أن يكون مجرد احمرار وجنتين يختزل في المظهر الخارجي
للإحمرار، فهو لا يتساوى مع إدراكي الداخلي للإحمرار بوصفه “خجلا”.”
ماكس شيلر : “طبيعة التعاطف و شكله” Max Scheler: Nature et Forme de la Sympathie ·
النص 4:
” كيف لا أحس (…) بأن هذه
الحميمية مع ذاتي التي تحميني وتحددني، هي عائق نهائي أمام كل تواصل مع الغير؟
فقبل قليل، كنت بالكاد موجودا وسط الآخرين . والآن اكتشفت فرحة الإحساس بأنني
أحيا، إلا أنني وحيد في الانتشاء بفرحي . إن روحي ملك لي فعلا، غير أنني سجين
داخلها، و لا يمكن للآخرين اختراق وعيي، مثلما لا يمكنني فتح أبوابه لهم، حتى ولو تمنيت ذلك بكل صدق (…) إن نجاحي الظاهري يخفي هزيمة شاملة: فالتجربة الذاتية وحدها
هي الوجود الحقيقي، و هي تجربة تظل غير قابلة، اعتبارا لجوهرها، لتكون موضوع
نقل أو إخبار. فأنا أعيش وحيدا محاطا بسور، و أشعر بالعزلة أكثر من شعوري
بالوحدة، وعالمي السري سجن منيع.
وأكتشف، في نفس الوقت، أن أبواب عالم الآخرين موصدة
في وجهي وعالمهم منغلق بقدر انغلاق عالمي أمامهم. إن ألم الغير، يكشف لي بمرارة
انفصالنا الجذري عن بعضنا البعض، انفصالا لا يقبل بتاتا الإختزال. فعندما يتألم
صديقي، يمكنني، بكل تأكيد، مساعدته بفعالية، و مواساته بكلامي، و محاولة تعويض
الألم الذي يمزقه بلطف. غير أن ألمه يبقى رغم ذلك، ألما برانيا بالنسبة لذاتي.
فتجربة الألم تظل تجربته الشخصية هو وليست تجربتي أنا. إني أتعذب بقدر ما يتعذب، وربما أكثر منه، لكن دائما بشكل مغاير تماما عنه. فأنا لا أكون أبدا “معه”
بشكل كلي (…) هكذا هو الإنسان، سجين في آلامه، و منعزل في ذاته ووحيد في موته (…)
محكوم عليه بأن لا يشبع أبدا رغبته في التواصل، والتي لن يتخلى عنها أبدا.”
غاستون بيرجي G Berger: “من القريب إلى الشبيه”، حضور
الغير، عمل جماعي، 1957، ص 88-89
. عن مقرر رحاب الفلسفة، 2باك مسلك الآداب والعلوم
الإنسانية، طبعة 2007، ص 34 .
· النص 5:
” إن الصداقة ، في صورتها
المثلى ، هي اتحاد بين شخصين يتبادلان نفس مشاعر الحب و الاحترام . ونرى بسهولة أن
الصداقة عبارة عن “مثال” (Idéal
) للتعاطف و التواصل بين الناس ، وغاية هذا المثال تحقيق
خير الصديقين اللذين جمعت بينهما إرادة طيبة أخلاقية ، بالرغم من أن الصداقة لا
تضمن سعادة الحياة . إن قبـول هـذا المثال يجعلنا مؤهلين للبحث عن السعادة ما دامت
الصداقة تمثل بالنسبة للإنسان واجبـا . هذا يعني أنه من السهل أن ننظر إلى
الصداقـة باعتبارها فكـرة بسيطة ، يستحيل تحقيقها فعـلا . غير أن السير في اتجاه
تحقيقها يشكل واجبا عقليا غير عادي ، و مع ذلك سيحقق هذا الواجب الخضوع له بكل
احترام . كيف يمكن للإنسان في علاقته بقريبه أن يساوي بين العناصر المطلوب توفرها
في واجب أخلاقي ما ، فواجب الرعاية والعناية المتبادلة مثلا بين شخصين يفترض حضور
نفس الاستعداد العقلي عند الطرفين معا(…) إن أحد الشخصين عندما يظهر حماسا في
مشاعر الحب و الاحترام ، يصل في هذه الحالة إلى التوازن المطلوب للصداقة . لذلك ، يمكن
تصور مشاعر الحب باعتبارها قوة جذب بين صديقين ، و مشاعر الاحترام قوة دفع بينهما
. و يتولد عن الحب تجاذب بين الصديقين ، ويتولد عن الاحترام تباعد بينهما . يمكن للملاحظات
الآتية أن تثير انتباهنا إلى الصعوبات التي تواجهها الصداقة : فإذا تناولناها من جانبها الأخلاقي ،
فواجب الصديق تنبيه صديقه إلى أخطائه متى ارتكبها ، لأن الأول يقوم بهذا التنبيه
لأجل خير الثاني ، وهذا الواجب هو واجب حب الأول تجاه الثاني. بينما تشكل أخطاء
الثاني تجاه الصديق الأول إخلالا بمبدأ الاحترام بينهما(…) لكن كيف لا نتمنى أن
يكون لنا صديق في وقت الشدة! ألا نكون في هذا التمني نشعر بقيد يشدنا إلى قدر
غيرنا ، فيضيف إلينا مشقة تحمل أعبائه .
لا يجب إذن أن تقوم الصداقة على منافع مباشرة و متبادلة
، بل يجب أن تقوم على أساس أخلاقي خالص
.”
إمانويل كانط Emmanuel Kant: ميتافيزيقا الأخلاق Métaphysique des Mœurs ، الجزء الثاني، ترجمه إلى الفرنسية ألان
رونو، فلاماريون، 1994، ص 342-343
. عن مقرر رحاب الفلسفة، 2باك مسلك الآداب والعلوم الإنسانية،
طبعة 2007، ص 35 .
· النص 6:
” كل شيء فينا ينتمي للإنسانية
، و كل شيء يأتينا منها : الحياة، و الثروة، و الموهبة، و المعارف والحنان(…) وهكذا، فعندما تختزل النزعة الوضعية كل الأخلاق الإنسانية في فكرة واحدة هي أن يحيا
الإنسان من أجل غيره ، فإن هذه النزعة تهدف إلى تهذيب الغريزة البشرية الكونية وتسيــيجها ، بعد أن تم الارتقاء بالفكــر النظـري البشـري وتجــاوز كل التركيبات
الذهنية اللاهوتيـة والميتافيزيقية(…)
لا يمكن للإنسان الأكثر مهارة وفطنة ونشاطا أن يرد
للإنسانية ولو جزءا صغيرا مقابل ما تلقاه منها. يستمر الإنسان ، كما كان في
طفولته، يتغذى بالإنسانية ، و يتلقى الحماية من الآخرين ، ويطور قدراته داخلها
(…) و ذلـك كله بفضــل الإنسانيــة عليه (…) لكن وبدل أن يتلقى كل شيء منها
بواسطة آبائه، تنقل الإنسانية له خيراتها عبر فاعلين متعددين غير مباشرين ، لن
يتعرف على الكثير منهم . أن يحيا الإنسان من أجل الغير ، يعني إذن ، عند كل واحد منا ،
واجبا ضروريا ومستمرا ينبثق عن هذه الواقعة المتعذر تجاوزها وهي : أن يحيا الإنسان
بفضل الغير. إنها ، وبدون حماس عاطفي ، النتيجة الضرورية المستخلصة من تقدير دقيق
لمجريات الواقع المدرك فلسفيا في مجموعه (…) علاوة على ذلك ، يجب أن يقوم انسجام
أخلاقي، وبصفة جوهرية، على الغيرية، فهي وحدها القادرة أن تزودنا بأعظم زخم
الحياة . إن الكائنات البشرية المنحطة، التي تطمح اليوم أن تحيا بفضل الغير، يجب
عليها أن تتخلى عن أنانيتها الهمجية . فإذا ما تذوقت هذه الكائنات، بما فيه
الكفاية، ما تفضلت بتسميته ملذات الوفاء، ستفهم آنذاك أن الحياة من أجل الغير
تمنح الوسيلة الوحيدة لتطوير كل الوجود البشري بحرية(…) وحدها دوافع التعاطف الإنسانية تصنع
الانطلاقة الحقيقة الثابتة لحياة من أجل الغير، حياة يجد فيها كل واحد من أفراد
المجتمع مساعدة من طرف الآخرين، لكن مقابل هذه المساعدة يقوم هؤلاء بكبح ميولات
الفرد الشخصية و الأنانية.”
أوغست كونت Auguste Comte:
“مواعظ وضعية”، الحوار التاسع، غارنيي، بدون تاريخ، ص
276-279 . عن مقرر رحاب الفلسفة، 2باك مسلك الآداب والعلوم الإنسانية، طبعة 2007، ص 36 .
· النص 7:
” ليس الغريب، الذي هو اسم
مستعار للحقد و للآخر، هو ذلك الدخيل المسؤول عن شرور المدينة كلها… ولا ذلك
العدو الذي يتعين القضاء عليه لإعادة السلم إلى الجماعة . إن الغريب يسكننا على
نحو غريب . إنه القوة الخفية لهويتنا، والفضاء الذي ينسف بيتنا، و الزمان الذي
يتبدد فيه وفاقنا و تعاطفنا. ونحن، إذ نتـعرف على الغريب فيـنا، نوفـر على
أنفسنا أن نبغـضه في ذاتــه. إن الغريب، بوصفه عرضا دالا يجعل ال”نحن” إشكاليا وربما
مستحيلا، يبدأ عندما ينشأ لدي الوعي باختلافي، وينتهي عندما نتعرف على أنفسنا
جميعا على أننا غرباء متمردون على الروابط والجماعات… كيف يصبح الإنسان غريبا؟ نادرا ما
يخطـر على بالنا هذا السؤال، لشدة اقتناعـنا بكوننا مواطنين بصـورة طبيعية… أما
إذا نحن انسقنا إلى طرحه طرحا سطحيا، فسنضع، على الفور، من يتمتعون بالحقوق
الوطنية في جهة، ونقصي من ينتمون إلى بلد آخر ولم يعرفوا كيف يحرصون على
الانتماء إليه في الجهة المقابلة. حقا إن لفكرة الغريب، اليوم، دلالة حقوقية،
فهي تدل على من لا يتمتع بمواطنة البلد الذي يقطنه. ومن المؤكد أن هذا الضبط من شأنه
تهدئة الخواطر وإتاحة إخضاع الأهواء الشائكة للقوانين، تلك الأهواء التي
يستثيرها تطفل الآخر وانحشاره داخل انسجام أسرة أو جماعة بشرية. غير أنه يسكت عن
ضروب القلق والانزعاج التي تتصل بهذه الوضعية الشاذة، التي تتمثل في أن يتخذ
الإنسان وضعية المختلف داخل جماعة بشرية تنغلق على نفسها مقصية المخالفين لها.”
جولياكريستيفا Julia Kristeva Etrangers à nous meme, éd. Fayard, 1988, p.7 عن مقرر منار الفلسفة، للسنة الثانية باكلوريا مسلك الآداب
والعلوم الإنسانية، طبعة 2007، ص 37
.
· النص 8:
” مثــلما أدرك الإنسان نفسه
مباشرة بواسطة الكوجيتو، فانه اكتشف أيضا الآخرين جميعا، و يكتشفهم بصفتهم شــــرط
وجوده. ولقد تفطــــن – الإنسان ــ أنه لا يمكن أن يوجـــــد البتة (بالمعنى الذي
نقوله أننا روحانيون أو إننا أشـــرار أو إننا غيورون)، شرط أن يعترف الناس به كما
هو. و لكي أحصل على وجه من وجوه حقيقة ما عني (أنا)، ينبغي أن أمر عبر الآخر. إن
الآخر ضروري لوجودي، وهو ضروري بنفس القدر أيضا عن المعرفة التي لدي عني (أنا ).
وضمن هذه الشروط، فان اكتشاف ما هو حميم في ، سيكشفني في الوقت نفسه للآخـر بصفته حرية
ماثلة أمامي، فالآخر لا يفكر ولا يريد إلا من أجلي أنـــــــــا أو ضدي؛ وهكذا
فإننا نكتشف في الحال عالما سنسميه البينذاتية، ويقرر الإنسان في هذا العالم ما
يكون، وما يكون الآخرون. “
- ورد هذا النص في امتحان وطني سابق.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.