الخميس، 3 نوفمبر 2016

نص لهيجل حول تاريخ الفلسفة




هيجل؛ تاريخ الفلسفة





نص لهيجل:

مفهوم تاريخ الفلسفة

« الفلسفة هي الفكر الذي يجلب نفسه إلى الوعي، الفكر الذي ينشغل بنفسه، ويجعل نفسه موضوعا لنفسه، ويفكر في نفسه، في خطواته النوعية ومراحله المختلفة. وهكذا نجد أن الفلسفة (كعلم) هي تطور الفكر الحر، أو هي بالأحرى مجمل هذا التطور، وهي دائرة ترتد القهقرى عائدة إلى نفسها، وتظل في بيتها ومع ذاتها تماما، وهي بكاملها عينها، وليس في قدرتها سوى الرجوع إلى نفسها. إننا عندما نهتم بالأمور الحسية، لا نكون في بيتنا مع أنفسنا، وإنما مع شيء آخر. لكن الأمر يكون مختلفا عندما ننشغل بالفكر؛ لأن الفكر هو وحده الذي يكون في بيته، ومع نفسه. وهكذا تكون الفلسفة تطورا للفكر الذي لا يعوق نشاطه شيء، وبالتالي فالفلسفة هي النسق. ولقد أصبحت كلمة "النسق" في العصور الحديثة مصطلحا أسيء استخدامه، إذ كان يعتقد أنها تعني التمسك بمبدإ أحادي الجانب. غير أن المعنى الحقيقي "للنسق" هو الشمول الكلي. وذلك وحده هو النسق الحق، فهو شمول يبدأ من أبسط العناصر، ثم يصبح باستمرار أكثر عينية كلما تطور.
تاريخ الفلسفة هو هذا النسق على نحو مطلق وليس شيئا آخر غيره. ففي الفلسفة بما هي كذلك، وفي أحدث الفلسفات، أو فلسفة اليوم، تجد كل شيء متضمن فيها فهي تشتمل على الجهود التي بذلت آلاف السنين وما أنتج فيها، فهي محصلة كل ما حدث في الماضي ونتيجة كل ما سبقها. وهذا التطور للروح – منظور إليه تاريخيا – هو تاريخ الفلسفة، فهو تاريخ كل تطور ذاتي للروح، وعرض لهذه اللحظات والمراحل الحاسمة على نحو ما تعقب الواحدة منها الأخرى في الزمان. فالفلسفة هي عرض لتطور الفكر كما هو في ذاته لذاته، دون أية إضافة، وتاريخ الفلسفة هو هذا التطور في الزمان، وبالتالي يتحد تاريخ الفلسفة في هوية واحدة مع نسق الفلسفة ...
وعندما يتقدم الروح، فإنه يتقدم في شموله، ولما كان تقدمه يحدث في الزمان، فإن تطوره بأسره يحدث كذلك في الزمان. إن مبدأ أي عصر وفكره هو الروح الذي يتغلغل في كل شيء، وعلى الروح أن يتقدم في وعيه بذاته. وهذا التقدم هو تطور كتلة بأسرها، أعني شموله العيني الذي يتخارج، وبالتالي يقع في الزمان.
يهتم تاريخ الفلسفة بالفكر الخالص، ومن ثم فهو بذاته علم، أعني ليس كومة من الوقائع مرتبة على هذا النحو أو ذاك، وإنما هو تطور للفكر – تطور ضروري على نحو مطلق ...
... وهذا هو مغزى تاريخ الفلسفة ومعناه، فالفلسفة تتطور مستمدة أصلها من تاريخ الفلسفة والعكس صحيح أيضا. فالفلسفة وتاريخها مرآة كل منهما للآخر. ودراسة تاريخ الفلسفة هو دراسة للفلسفة نفسها ولاسيما المنطق قبل كل شيء ...
النتيجة الأولى المستخلصة من المناقشة السابقة هي أننا في تاريخ الفلسفة لا شأن لنا على الإطلاق بالآراء الشخصية. فنحن لنا آراء شخصية في الحياة اليومية العامة، أعني لنا أفكارا عن الأشياء من حولنا، فهذا الشخص يعتنق آراء بطريقة معينة، وذلك يعتنق آراء بطريقة أخرى. لكن روح العالم ينشغل، جادا، بأنواع أخرى من الاهتمامات، فهو يهتم بمسألة الكلية، أعني بالمقولات الكلية للروح، لكنك لا تجد أي تساؤل حول رأي هذا الشخص أو ذاك. فالروح الكلي يطور نفسه داخل ذاته طبقا لضروراته الخاصة، ورأيه هو – ببساطة – الحقيقة ...
لا بد من القول بأنه ليس ثمة سوى فلسفة واحدة. ولهذا القول بالطبع، معنى صوري؛ لأن كل فلسفة تظل، على الأقل فلسفة. ومثلما أن الأنواع المختلفة من الفاكهة هي كلها تسمى "فاكهة"، فإنه على أساس المبدأ نفسه لا بد أن ننظر إلى علاقة الفلسفات المختلفة بالفلسفة الواحدة. وبمعنى أكثر دقة: إننا نستطيع أن نتحدث عن فلسفات كثيرة ومتعددة إذا نظرنا إليها على أنها مراحل ضرورية في تطور الفلسفة الواحدة، أو درجات ضرورية في نمو العقل الذي أصبح واعيا لذاته ».

مصدر النص:
هيجل، تاريخ الفلسفة، ترجمة إمام عبد الفتاح إمام، مكتبة مدبولي، القاهرة، 1997.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.