أقدم لكم هذه النصوص التي يمكن
استثمارها في مفهوم الشخص، سواء لمعالجة إشكالات الدرس أو لاستخدامها في أشكال
التقويم وفروض المراقبة المستمرة.
نصوص تتعلق بمفهوم الشخص
إعداد الأستاذ محمد
الشبة
· النص 1 :
” على ماذا تتوقف هوية الشخص؟
ليس على مادة جسمه فان هذه تتجدد في بضعة
أعوام ٬ وليس على صورة هذا الجسم ٬ لأنه يتغير في مجموعه وفي أجزائه المختلفة ٬
اللهم إلا في تعبير النظرة ٬ ذلك أنه بفضل النظرة نستطيع أن نتعرف شخصا ولو مرت
سنوات عديدة .
وباختصار، فإنه رغم كل التحولات التي
يحملها الزمن إلى الإنسان٬ يبقى فيه شيء لا يتغير٬ بحيث نستطيع بعد مضي زمن طويل
جدا أن نتعرف عليه ٬ وأن نجده على حاله . وهذا ما نلاحظه أيضا على أنفسنا ، فقد
نشيخ ونهرم ٬ ولكننا نشعر في أعماقنا أننا ما زلنا كما كنا في شبابنا ٬ بل حتى في
طفولتنا . هذا العنصر الثابت الذي يبقى دائما في هوية مع نفسه دون أن
يشيخ أو يهرم أبدا٬ هو بعينه نواة وجودنا الذي ليس في الزمان . وقد يرى الناس عامة
أن هوية الشخص تتوقف على هوية الشعور٬ فإذا كنا نعني بهذا الذكرى المترابطة لمسار
حياتنا ٬ فإنها لا تكفي لتفسير الأخرى (أي هوية الشخص) . وليس من شك أننا نعرف عن
حياتنا الماضية أكثر مما نعرف عن رواية قرأناها ذات مرة٬ ورغم ذلك فان ما نعرفه عن
هذه الحياة قليل ، فالحوادث الرئيسية والمواقف الهامة محفورة في الذاكرة ٬ أما
الباقي ٬ فكل حادثة نذكرها تقابلها آلاف الحوادث التي يبتلعها النسيان ٬ وكلما
هرمنا توالت الحوادث في حياتنا دون أن تخلف وراءها أثرا . ويستطيع تقدم السن أو
المرض ٬ أو إصابة في المخ أو حمق أن يحرمنا كلية من الذاكرة ٬ ومع ذلك فإن هوية
الشخص لا يفقدها هذا الاختفاء المستمر للتذكر . إنها تتوقف على الإرادة التي تظل
في هوية مع نفسها ٬ وعلى الطبع الثابت الذي تمثله(…)
ولا شك أننا قد تعودنا تبعا لعلاقتنا
بالخارج أن نعتبر الذات العارفة هي ذاتنا الحقيقية ٬ ذاتنا العارفة التي تغفو في
المساء ثم تستغرق في النوم ٬ لتتألق في الغد تألقا أقوى . ولكن هذه الذات ليست سوى
وظيفة بسيطة للمخ ٬ وليست هي ذاتنا الحقيقية . أما هذه ٬ التي هي نواة وجودنا ،
فهي التي تختفي وراء الأخرى ٬ وهي التي لا تعرف في قراراتها غير شيئين ׃ أن تريد أو
ألا تريد
.”
أرثور شوبنهاور Arthur Schopenhauer : “العالم كإرادة وتمثل”، ترجمة بوردو، 1966، ص943.
عن مقرر رحاب الفلسفة، 2باك مسلك
الآداب والعلوم الإنسانية، طبعة 2007، ص 16.
· النص 2:
“إن فكرة استقلال الذات
المفكرة والشخص الأخلاقي ٬ كما تمت صياغتهما من طرف الفلاسفة ٬ لم تتحقق في الفكر
الإنساني إلا في وقت متأخر. فهي بمثابة نقطة وصول لمسار طويل في التعلم ٬ وتحقيقا
للنموذج الذي ربما ينبغي على الإنسان أن يتوجه إليه بجهده. لكن ٬ لا ينبغي أن ننسى
أن تجربة الإستقلال والعزلة لا تشكلان الواقعة الأولى في الوجود ٬ كما عاشها الناس
فعليا . فالإدعاءات الإيديولوجية حول الإنسان٬
لا يمكن بأية حال ٬ أن تنكر أشكال التضامن البسيطة والأساسية التي سمحت لتلك
التنظيمات بالبقاء٬ وللفكر أن يتشكل على أرض بشر أحياء.
لهذا ، فإن أخلاقا ملموسة هي التي ينبغي
أن تحدد الجهد المبذول لأجل الكمال الشخصي ٬ ليس فقط في مجال الوجود الفردي٬ ولكن
أيضا٬ وأولا٬ في مجال التعيش وداخل المجموعة البشرية . وفي الحقيقة لا يتعلق الأمر
هنا بنظامين مختلفين ٬ فالعالم واحد٬ وكل نشاط بشري يندرج داخل هذا العالم الذي
تساهم قيمه في النمو والإرتقاء
.
يعتقد” الفرد” أنه إمبراطور داخل
إمبراطورية ٬ فيضع نفسه في مقابل العالم وفي تعارض مع الآخرين ٬ بحيث يتصور نفسه
كبداية مطلقة . وعلى العكس من ذلك ، يدرك الشخص الأخلاقي أنه لا يوجد إلا
بالمشاركة ، فيقبل الوجود النسبي ٬ ويتخلى نهائيا عن الإستكفاء الوهمي . إنه ينفتح
بذاته على الكون ٬ ويستقبل الغير. لقد فهم الشخص الأخلاقي٬ أن الغنى الحقيقي لا
يوجد في التحيز والتملك المنغلق ٬ كما لو كان بإزاء كنز خفي ٬ ولكن يوجد بالأحرى
في وجود يكتمل ويتلقى بقدر ما يعطي ويمنح .”
جورج غوسدورف Georges Gusdorf : “مقالة في الوجود الاخلاقي”، مكتبة أرموند كولان، باريز، 1949، ص: 201-202
.
- عن مقرر رحاب الفلسفة، 2باك مسلك الآداب والعلوم الإنسانية، طبعة 2007، ص18
· النص 3:
“حرية الإنسان هي حرية شخص ٬
وحرية هذا الشخص بالذات وكما هو مركب وموجود في ذاته وفي العالم وأمام القيم .
وهذا يستلزم أن تكون هذه الحرية ملازمة إجمالا لوضعنا الواقعي ومحصورة في نطاق
حدوده.
أن تكون حرا هو أن تقبل ،في البدء،
هذه الظروف لتجد فيها ارتكازا . ليس كل شيء ممكنا، ولا هو كذلك في كل لحظة . هذه
الحدود تشكل قوة عندما لا تكون ضيقة جدا . الحرية كالجسم لا تتقدم إلا بالحواجز
والاختيار والتضحية. ولكن فكرة المجانية هنا هي فكرة وجود غني ٬ والحرية في شروط
ملزمة ٬ ليست من الآن فصاعدا” وعيا للضرورة”٬ كما سماها” ماركس”.
إن هذا هو البداية ٬ لأن الوعي هو وعد
وبادرة للتحرر . ووحده العبد من لا يرى عبوديته ٬ مهما كان سعيدا تحت سلطتها . إلا
أن هذا البدء هو بالكاد إنساني . ولذلك ، فقبل إعلان الحرية في الدساتير أو
تمجيدها في الخطابات ٬ علينا تأمين الشروط العامة للحرية ׃ الشروط
البيولوجية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية ٬ والتي تسمح لقوى ذات مستوى متوسط
أن تشارك في أعلى نداء للإنسانية ٬ وأن نهتم بالحريات اهتمامنا بالحرية (….).
إن حريتنا هي حرية إنسان في موقف ٬
وهي كذلك حرية شخص تعطى له قيمة
∙ انأ لست حرا لأني أمارس عفويتي فقط ٬ بل أصبح حرا
عندما أوجه هذه العفوية في اتجاه التحرر ، أي في اتجاه شخصنة العالم ونفسي . إذن
ثمة مسافة تمتد من الوجود المنبثق إلى الحرية ٬ وهي التي تفصل بين الإنسان الباطني
على حدود الانبثاق الحيوي ٬ والإنسان الذي ينضج باستمرار بأفعاله وفي الكثافة
المتزايدة للوجود الفردي والجماعي . وهكذا فأنا لا استعمل حريتي بدون جدوى ٬
بالرغم من أن النقطة التي ألتحم فيها بتلك الحرية متباعدة في أعماق ذاتي
. وليست حريتي تدفقا فحسب ٬ بل هي منظمة ٬ أو بعبارة
أفضل هي مطلوبة بنداء.”
إمانويل مونيي Emmanuel Mounier : “الشخصانية” Le personnalisme ،
المنشورات الجامعية الفرنسية، 1995، ص 71-74 .
- عن مقرر رحاب الفلسفة، 2باك مسلك الآداب والعلوم الإنسانية، طبعة 2007، ص 20.
· النص 4 :
“يعرف الإنسان بمشروعه. هذا
الكائن المادي يتجاوز دائما الوضعية التي يوجد فيها ويحددها بالتعالي عليها لكي
يتموضع بواسطة الشغل والفعل أو الحركة. ولا يجب الخلط بين المشروع وبين الإرادة
التي هي كيان مجرد، وإن كان المشروع قد يتخذ صورة إرادية في بعض الظروف. إن هذه
العلاقة المباشرة مع الآخر المغاير(…) وهذا الإنتاج الدائم للذات بواسطة الشغل
والممارسة هو بنيتنا الخاصة. وإذا لم يكن ( المشروع ) إرادة، فهو ليس حاجة أو
هوى كذلك. إلا أن حاجتنا مثل أهوائنا، وأكثر
أفكارنا تجريدا ترجع إلى هذه البنية٬ فهي دائما خارجة عن ذاتها نحو (….) ذاك ما
نسميه الوجود ولا نعني بذلك جوهرا ثابتا مرتكزا على ذاته، بل نعني به عدم استقرار
دائم واقتلاعا لكامل الجسم خارج ذاته.
وبما أن هذه الوثبة نحو التموضع تتخذ
أشكالا متنوعة بحسب الأفراد، وبما أنها تلقي بنا داخل مجال من الإمكانات نحقق
البعض منها دون البعض الآخر٬ فإننا نسميها كذلك اختيارا وحرية. غير أنه يرتكب
خطأ عظيم إذا ما وقع اتهامنا بإدخال اللامعقول، أو أننا نختلق “بداية أولى” لا
علاقة لها بالعلم، أو أننا نمنح الإنسان حرية – صنمية. وفي الواقع ٬ لا يمكن أن
يصدر هذا الاعتراض إلا عن فلسفة آلية. ومن يوجه إلينا هذا الاعتراض، إنما يريد
إرجاع الممارسة والخلق والاختراع إلى إعادة إنتاج المعطيات الأولية لحياتنا، إنـه
يريد تفسيـر الأثـر والفعـل أو الموقف بعــوامل إشراطـها٬ وإن رغبته في التفسير
تخفي إرادة جعل المركب مماثلا للبسيط ٬ ونفي خصوصيات البنيات وإرجاع التغير إلى
الهوية٬ وهو ما يمثل من جديد سقوطا في الحتمية العلموية.
وعلى العكس من ذلك يرفض المنهج الجدلي
فكرة الاختزال٬ واعتماد طرح معاكس، يقوم على التجاوز مع المحافظة، بحيث أن
أطراف التناقض - الذي وقع تجاوزه - غير قادر على بيان التجاوز ذاته ولا على
التأليف اللاحق. أن هذا الأخير- على العكس من ذلك - هو الذي يضيء هذه الأطراف
ويتيح فهمها.”
* جان بول سارتر Jean
Paul – Sartre : “نقد العقل الجدلي” Critique de la
raison dialectique
غاليمار، 1960، ص 95.
- عن مقرر رحاب الفلسفة، 2باك مسلك الآداب والعلوم الإنسانية، طبعة 2007، ص 20.
· النص 5:
” الإنسان بالنسبة للبعض، خاضع
للعديد من إشراطات الطفولة ، فهو ليس إلا المتحدث باسم الدوافع التي تخترقه. إنه
ضحية لتحديدات حتمية لاشعورية، فكلام الإنسان هو بالضبط كلام مهموس له به من طرف
(الهو) الذي يعبر عن ذاته في الإنسان عندما يحاول الإنسان أن يعبر عن ذاته.
وبالنسبة للآخرين، فإن البنية التحتية
الاجتماعية الاقتصادية هي دوما المحدد في المطاف الأخير. والتاريخ كما يعلن
ألتوسير “عملية بدون ذات”…
والأدب نفسه يعبر عن هذا الذوبان
للإنسان في عالم من البنيات التي تشترطه، وتستلبه، وتنزع عنه كل إمكانية للاختيار.
ويرى البنيويون أن البنيات هي وحدها ذات الدلالة. فالإنسان يعتقد أنه يفعل، في حين
أن البنيات هي التي تفعل.
إن الإنسان وقد دفع في عالم لم ينتجه
ولم يختره، وقد أغرقته أمواج الإنشراطات التي تلحقه، إن هذا الإنسان يختفي. ماذا
سيتبقى من الذات وقد امتصها عالم مناهض يغلفها ويحتويها كليا؟ هل يمكن أن نتحدث عن
الإنسان كما نتحدث عن ذات، أي عن كائن قادر على القيام بعمل إرادي؟
إذا نظرنا إلى هذه المسألة عن قرب،
سيبدو أنها أكثر تعقدا مما يتبادر لنا لأول وهلة. وإذا كان الشخص البشري، وقد أذيب
في العالم، يجرب عجزه ولا فعاليته بالنسبة للنظريات العلمية التي لا تدركه إلا
انطلاقا من طرائق موضوعية، فإنه مع ذلك يجرب ذاتيته. بعبارة أخرى فإن الشخص
البشري، وهو موقن مع التفسير العلمي، بأنه لا يفعل إلا ما يفعل به، ومن أنه لا
يعبر إلا عن مجمل الشروط التي يتلقى، فإنه مع ذلك يقنع ذاته بأن له شيئا يفعله، شيئا
يبقى عليه أن يفعله”.
· بول هودار P.Hodard
· عن مقرر الفلسفة للسنة
الثانية باكلوريا، طبعة 2005، ص 145.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.