الأربعاء، 2 نوفمبر 2016

أخطاء التلاميذ أثناء تحليل النص في الإنشاء الفلسفي



أخطاء التلاميذ أثناء تحليل النص
 في الإنشاء الفلسفي

بقلم: محمد الشبة




1- صعوبات وأخطاء التلاميذ أثناء تحليل النص:

 من الصعب في واقع الأمر إحصاء كل الأخطاء المرتكبة من قبل التلاميذ على مستوى تحليل النص في الإنشاء الفلسفي، لكننا مع ذلك يمكننا أن نستعرض أهمها انطلاقا من تجربتنا ومعاينتنا المباشرة والمتكررة لواقع الكتابة الإنشائية الفلسفية التلاميذية، سواء من خلال الفروض المحروسة أو الامتحانات النهائية.
هكذا وفضلا عن الخطأ الفادح الذي يرتكبه قلة من التلاميذ، والمتمثل في غياب التحليل نهائيا أثناء الإنشاء الفلسفي؛ إذ وجدت انطلاقا من استقراء واقعي للكثير من الأوراق الإنشائية للتلاميذ أن بعض مواضيعهم يغيب فيها تحليل النص نهائيا، أي أن التلميذ يكتفي هنا بطرح الإشكال وتقديم مواقف الفلاسفة، دون أن يكلف نفسه عناء الاشتغال على النص، ليرتكب بذلك خطأ منهجيا فادحا وخطيرا!! أقول فضلا عن هذا الخطأ المشار إليه، والذي ينم على أن هؤلاء التلاميذ واجهتهم معضلة التحليل فقفزوا عنها قفزا في محاولة تلافي صعوباتها!! فإننا نجد بعضهم الآخر يقتصر في التحليل على مجرد تكرار عبارات النص؛ حيث أن عدم امتلاكهم للمهارات اللغوية والقدرات العقلية على تفكيك عبارات النص والبحث عن دلالاتها العميقة، والتعبير عن كل ذلك بأسلوب لغوي خاص، جعلهم يكتفون بمجرد تكرار عبارات النص ونقلها حرفيا وكأنهم مجرد آلات كاتبة، وليسوا كائنات عاقلة ومبدعة!! هذا فضلا عن إغفالهم، أثناء حديثهم عن أفكار النص، لبعض جمله وجزئياته مما قد يؤثر سلبا على فهمهم الدقيق والمتكامل لأطروحته.
كما نلاحظ أن العديد من التلاميذ لا يعملون على إغناء النص بمعلومات وأمثلة من الواقع ومن رصيدهم المعرفي وتجربتهم الحياتية، فيقتصرون على مجرد الشرح اللغوي والمقتضب لجمل النص وفقراته وتكرار منطوقاته بشكل شبه حرفي. بينما المطلوب هو الغوص والتوسع في استخراج الدلالات العميقة الكامنة في تلك العبارات والمنطوقات والبحث عما تحتمله من معان ممكنة، وتوضيح ذلك من خلال معارف فلسفية أو غير فلسفية مستمدة من المعيش اليومي للتلميذ. فنحن حينما نجد هذا الأخير يقتصر على مجرد الشرح اللغوي لعبارات النص أو إعادة كتابتها بإحداث بعض التعديلات اللغوية الطفيفة عليها، فنحن نحكم على أنه لم يتوصل حتما إلى فهم عميق للمعاني المختزنة في مفاهيم النص وملفوظاته، إذ لو تمكن من ذلك لاستطاع أن يفهمنا بتقديم توضيحات وأمثلة ملموسة ومشخصة مادام أنه لا إفهام بدون فهم.
فضلا عن هذا، فإننا نجد بعض التلاميذ يقدمون فهما خاطئا لعبارات النص؛ وهو أمر ناتج في نظرنا عن قلة احتكاك التلميذ بالنصوص الفلسفية وعدم تمرسه على تحليلها؛ مما يجعله لا ينتبه عادة إلى كلمات النص، والتركيب الذي جاءت وفقه، والمعنى الذي تستهدفه، فيحملها معاني خاطئة غير تلك الكامنة فيها على وجه الدقة. ومن هنا نتوقع أن مفتاح التغلب على مثل هذا المشكل يكمن في ضرورة اشتغال التلميذ على أكبر عدد ممكن من النصوص الفلسفية، وذلك بالعمل على تحليلها ومناقشتها وكتابة موضوعات إنشائية انطلاقا من كل ذلك. وبتكرار المحاولة، ولمرات عديدة، سيتمرس التلميذ ولا شك على فك طلاسم المفاهيم والعبارات الفلسفية ويتعود على انزياحاتها الدلالية وأشكالها التعبيرية المختلفة. وهو بهذا سيتجنب ما أمكن ذلك إنتاج فهم خاطئ لجمل النص ومفاهيمه.
 ومن المشكلات والصعوبات التي تعترض تحليل التلميذ للنص أثناء الكتابة الإنشائية الفلسفية، نشير إلى ما يتعلق منها بمستوى التعاطي مع الجانبين الحجاجي والمفاهيمي ؛ إذ قد نجد إما غيابا تاما لأي تحليل مفاهيمي أو حجاجي للنص، فيتم الاقتصار على مجرد عرض أفكار النص بشكل مختصر دون توضيح الأساليب الحجاجية (مثال، مقارنة، استشهاد، تشبيه...) التي استخدمها الفيلسوف إما لإثبات أطروحته أو دحض أطروحات أخرى. كما لا يعمل التلاميذ على التعريف بالمفاهيم الأساسية في النص وتحديد العلاقات الموجودة بينها، وهو ما يساعد على ضبط تمفصلات النص والكشف عن أطروحته الحقيقية. وفي الحالة التي يقوم فيها بعض التلاميذ بالاشتغال على تلك الأساليب الحجاجية أو المفاهيم، فهم يفعلون ذلك بشكل مجزئ ومفكك ومفتقد لأية وحدة عضوية أو تدرج منطقي.
 في هذه الحالة الثانية، نجد التلميذ مثلا يقوم باستعراض بعض مفاهيم النص وشرحها بشكل معزول وكأنه بصدد القيام بعمل معجمي، كما يقوم بالمثل فيما يخص الأساليب الحجاجية؛ إذ يذكر أنواعها الواردة في النص ولكنه يفعل ذلك بشكل معزول عن السياق الذي وردت فيه داخله. هكذا نجد أن تحليل النص لدى التلميذ يتخذ ثلاث لحظات أساسية؛ الأولى تتمثل في تقديم أفكار النص، والثانية تكمن في التعريف ببعض مفاهيمه، في حين تتجلى الثالثة في ذكر بعض أساليبه الحجاجية. وبهذا النوع من الاشتغال نجد التلميذ ينتج تحليلا مفككا للنص، ومفتقدا لذلك التماسك والترابط بين مفاصله وأجزائه، مما يجعل التلميذ يخفق في تقديمها بنفس الروح التفكيرية التي صدرت عن صاحبها الفيلسوف.

2-  من أجل تجاوز أخطاء تحليل النص والتغلب على صعوباته:

 انطلاقا من هنا نعتبر أن جودة أي تحليل للنص الفلسفي أثناء الكتابة الإنشائية، لا بد له من أن يتم انطلاقا من إنتاج التلميذ لنص آخر انطلاقا من النص الأصلي للفيلسوف. ومثلما خضع نص هذا الأخير لمنطق خاص في التفكير، ساهمت في إنتاجه عناصر متداخلة ومتحاينة، تمثلت في جملة من المفاهيم التي أثثت عباراته ومجموعة من الأساليب الحجاجية التي نسجت أفكاره، فإن التلميذ مطالب أيضا أثناء إنتاجه لنصه الخاص – وهو التحليل الذي سيقوم به – أن يبدع مثلما أبدع الفيلسوف ! وأن يجعل مقاربته التحليلية للنص تعكس ممارسة حقيقية للتفكير مع الفيلسوف فيما فكر فيه، وبالمفاهيم والأدوات التي فكربها. ولن يكون ذلك ممكنا إلا بتتبع تمفصلات النص والكشف عن الترابطات التي تحكمها، والكشف عن النتائج التي تفضي إليها. وأثناء تتبع التلميذ لمثل هذا المسار التفكيري للفيلسوف، سيكون عليه – وفي الوقت المناسب – أن يشرح هذا المفهوم أو ذاك، أو يكشف عن العلاقة القائمة داخل النص بين مفهومين أو أكثر. كما سيكون عليه في هذا السياق، أن يشير إلى الأساليب الحجاجية وفي نفس الوقت يحدد وظائفها داخل مختلف لحظات النص ومكوناته. وبهذه الكيفية، فهو لن يجعل الاشتغال على المفاهيم والأفكار والأفعال الحجاجية معزولة عن بعضها البعض، بل إنه سينتج أفكار النص في اللحظة التي سيكون فيها يحفر في  مفاهيمه ويحدد شبكة العلاقات القائمة بينها، كما أنه سيجد نفسه وهو يستخرج أساليب النص الحجاجية، يشير في نفس الآن إلى الأفكار والمضامين التي تعززها تلك الحجج أو تعمل على دحضها. وبهذا الشكل، سيكون التلميذ قادرا على الغوص في ثنايا النص وإنتاج خطاب تحليلي وفي لمنطق تفكير الفيلسوف نفسه، وعاكس لخصائص تلك الروح التي أبدعته.
 كما نود أن نشير إلى أن جودة أي تحليل للنص أثناء الكتابة الإنشائية الفلسفية، لن يكون ممكنا إلا بتقديم أمثلة توضح أفكاره، يستمدها التلميذ إما من تجربته الحياتية الخاصة داخل أسرته ومجتمعه أو يستقيها من تجارب الشعوب والأمم التي يفترض أنه تعرف عليها أثناء مساره الدراسي السابق أو من خلال وسائل الاتصال والإعلام المختلفة. ومن شأن ربط مضامين النص بمعطيات الواقع والتجارب الإنسانية للمجتمعات، أن يمثل محكا حقيقيا لاختبار مدى صلاحيتها ووجاهتها، ويجعل التلميذ يكشف عن حدودها ويتخذ منها مسافة تمكنه بعد ذلك من ممارسة النقد عليها، وهو النقد الذي سيبدأ مباشرة بعد تحليل النص واستخلاص أطروحته الأساسية، ليكون نقدا شخصيا وذاتيا يقوم به التلميذ اعتمادا على معطيات التحليل التي توصل إليها، ولكي يمهد بمثل هذا النقد المباشر والذاتي للنص إلى الانفتاح على المواقف والأطروحات الفلسفية، والعمل على استثمارها بشكل وظيفي وبحسب منطق التفكير مع فيلسوف النص فيما فكر فيه، ووفق مسار المناقشة الذي قد يفضي إليه هذا النوع من التفكير.
  انطلاقا من كل هذا نعتبر أن تحليل النص أثناء الكتابة الإنشائية الفلسفية، يمثل الأرضية الأساسية والضرورية التي ستشيد عليها كل أجزائه الأخرى. فبالرغم من أن عملية تحليل النص تأتي في ورقة التحرير، كخطوة ثالثة بعد خطوتين سابقتين هما التمهيد والطرح الإشكالي، فإنها في الحقيقة تعتبر أول خطوة يقوم بها التلميذ وهو يباشر عمله الإعدادي في المسودة. ولهذا نود أن نشير أنه أثناء اشتغال التلاميذ على صيغة النص، يكونون مطالبين في البداية بقراءة النص والاشتغال عليه في المسودة، وذلك من خلال تحليل مفاهيمه والوقوف عند أساليبه الحجاجية من أجل اكتشاف منطقه التفكيري واستخراج أفكاره وأطروحته المركزية. وبعد استخلاص الأطروحة يكون بإمكانهم، وبكيفية سهلة نسبيا، أن يحددوا إشكاله الرئيسي. وبعد هذا العمل الذي يتم في المسودة، يكون التلميذ ملزما أثناء كتابة موضوعه الإنشائي في ورقة التحرير، بابتكار تمهيد مناسب يسمح بطرح الإشكال وإعطاء مبررات مقنعة تستدعي صياغة تساؤلاته المترابطة والمتداخلة بشكل تلقائي وسلس. أما المناقشة، فلا نحتاج إلى التأكيد على أن جودتها تتوقف على انبثاقها انطلاقا من جزئيات النص ومعطياته الحقيقية، وإلا كنا أمام مناقشة مقطوعة الصلة بالنص ولا تربطها به وشائج قوية.
 ونحن نعتبر انطلاقا من كل هذا، أن نجاح التلميذ وتفوقه في كتابة إنشاء فلسفي بجودة ذات مواصفات عالية، أثناء تعامله مع صيغة نص للتحليل والمناقشة، لن يكون ممكنا إلا بنجاح وتفوق مماثل على مستوى المهارات العقلية التي يكون مطالبا بتجسيدها أثناء لحظة التحليل، كلحظة تنبجس منها الأفعال التفكيرية وتستمد منها وظائفها ومقومات عملها خلال كل أجزاء الكتابة الإنشائية الفلسفية.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.