في منزلة الحجاج بالسلطة
الحجاج بالسلطة هو نوع
من الحجاج الذي يعمل من خلاله صاحبه على الاستشهاد بأقوال لمفكرين أو علماء
مشهورين في مجال اختصاصهم، من أجل تدعيم فكرة يؤمن بها. بيدأن مثل هذا النوع من الحجاج قد
يتخذ أشكالا استعبادية ويقتل القدرة على الخلق والابتكار لدى صاحبه، مادام أنه يجعله
يقف عند مستوى ما يقوله القول المستشهد به دون أن يسائله أو يعمل على تجاوزه. هكذا فكثرة الاستشهادات
قد تشكل عائقا أمام حرية التفكير وتمنع العقل من ممارسة النقد والفحص اللازمين
لبلوغ الحقيقة. إن الذي يكتفي في المحاججة بالحجاج بالسلطة يتوارى ويختفي في الحقيقة وراء سلطة القول الذي استشهد به. ولذلك فهذا النوع
من الأساليب الحجاجية إذا لم يستخدم بالكيفية الصحيحة والمناسبة قد يمنع من ممارسة
التفكير الذاتي الذي هو أساس كل تفكير فلسفي.
وقد تساءل سقراط في كتاب
الجمهورية لأفلاطون عن معنى العدالة قائلا: ما العدالة ؟ وقد قدم بوليمارخوس
تعريفا للعدالة على شكل استشهاد يستمد قوته من قائله الشاعر الملهم سيمونيدس الذي
قال: العدالة هي الصدق في القول والوفاء بالدين. وقد قدمه بوليمارخوس دون أن يكلف
نفسه عناء التفكير فيه أو مساءلته بل قبله واحتمى به باعتباره يتضمن الحقيقة. غير
أن سقراط سيتدخل كعادته لكي يحث بوليمارخوس على التفكير ولكي يبين له ما يتضمنه
تعريف سيمونيدس من غموض ومفارقة.
وإليكم مقطعا من النص الذي يجسد هذا الحوار:
« سقراط: حسنا ما قلت يا كيفالوس، ولكن لننظر في الفضيلة ذاتها، أي العدالة، فما هي ؟ أهي الصدق في القول أو الوفاء بالدين فحسب . ألا ترى معي أن هذين الأمرين ذاتهما قد يكونان صوابا أحيانا وخطأ أحيانا أخرى ؟ لنفرض أن صديقا قد أودع لدي أسلحة وهو في كامل قواه العقلية، ثم أراد استردادها بعد أن أصابه مس من الجنون، أتراني ملزما بردها إليه ؟ لن يقول أحد أني ملزم بذلك، أو أنني أكون على حق لو فعله ذلك ، كما أن أحدا لن يعتقد بأن من واجبي قول الصدق لمن كان في مثل حالته.
كيفالوس: هذا عين الصواب.
سقراط: وإذن فالصدق في القول والوفاء بالدين ليس هو التعريف الصحيح للعدالة.
فتدخل بوليمارخوس قائلا: كلا يا سقراط ، فمن الممكن أن يكون هذا تعريفا صحيحا للعدالة لو كان لنا أن نصدق سيمونيدس.
فقال كيفالوس: سأغادر مجلسكم الآن، إذ أن علي أن أعني بالقربان، وسوف أترك المناقشة لأبني بوليمارخوس وبقية الرفاق.
سقراط: أليس بوليمارخوس وريثك الشرعي ؟
كيفالوس: يقينا، وغادرنا ضاحكا ليقدم قربانه.
سقراط: خبرني إذن، يا وريث المناقشة، ما الذي قاله سيمونيدس عن العدالة، وما الذي تقره في هذا القول ؟
بوليمارخوس: لقد قال أن من العدل إعطاء كل ذي حق حقه، وهو من رأيي على صواب في هذا القول.
سقراط: إن من العسير قطعا أن يتشكك المرء في كلمات رجل حكيم ملهم مثل سيمونيدس، غير أن مرماه وإن كان واضحا لك، فهو غامض كل الغموض بالنسبة لي. »
وإليكم مقطعا من النص الذي يجسد هذا الحوار:
« سقراط: حسنا ما قلت يا كيفالوس، ولكن لننظر في الفضيلة ذاتها، أي العدالة، فما هي ؟ أهي الصدق في القول أو الوفاء بالدين فحسب . ألا ترى معي أن هذين الأمرين ذاتهما قد يكونان صوابا أحيانا وخطأ أحيانا أخرى ؟ لنفرض أن صديقا قد أودع لدي أسلحة وهو في كامل قواه العقلية، ثم أراد استردادها بعد أن أصابه مس من الجنون، أتراني ملزما بردها إليه ؟ لن يقول أحد أني ملزم بذلك، أو أنني أكون على حق لو فعله ذلك ، كما أن أحدا لن يعتقد بأن من واجبي قول الصدق لمن كان في مثل حالته.
كيفالوس: هذا عين الصواب.
سقراط: وإذن فالصدق في القول والوفاء بالدين ليس هو التعريف الصحيح للعدالة.
فتدخل بوليمارخوس قائلا: كلا يا سقراط ، فمن الممكن أن يكون هذا تعريفا صحيحا للعدالة لو كان لنا أن نصدق سيمونيدس.
فقال كيفالوس: سأغادر مجلسكم الآن، إذ أن علي أن أعني بالقربان، وسوف أترك المناقشة لأبني بوليمارخوس وبقية الرفاق.
سقراط: أليس بوليمارخوس وريثك الشرعي ؟
كيفالوس: يقينا، وغادرنا ضاحكا ليقدم قربانه.
سقراط: خبرني إذن، يا وريث المناقشة، ما الذي قاله سيمونيدس عن العدالة، وما الذي تقره في هذا القول ؟
بوليمارخوس: لقد قال أن من العدل إعطاء كل ذي حق حقه، وهو من رأيي على صواب في هذا القول.
سقراط: إن من العسير قطعا أن يتشكك المرء في كلمات رجل حكيم ملهم مثل سيمونيدس، غير أن مرماه وإن كان واضحا لك، فهو غامض كل الغموض بالنسبة لي. »
وسيبين سقراط فيما بعد لمحاوره الصعوبات والإحراجات التي يطرحها تعريف سيمونيدس للعدالة؛ حيث سيوضح له أنه إذا كانت العدالة هي إعطاء كل ذي حق حقه، أي إعطاء كل واحد ما يستحق، فوجب عن ذلك أن نعامل الأصدقاء بالخير إذا كانوا أخيارا والأعداء بالشر إذا كانوا أشرارا، لكن هل نقبل من العادل أن يلحق الضرر بأعدائه؟ هل يمكن للعادل أن يقترف الظلم بعدالته؟
على أية حال لم يكن هدفنا في هذه المشاركة هو فحص دلالات العدالة والبحث في تعريفها، وإنما كان هدفنا هو تقديم نص فلسفي أفلاطوني- سقراطي نوضح من خلاله منزلة الحجة بالسلطة في تفكير الفيلسوف. وقد تبين لنا كيف أن سقراط لم يسلم بالتعريف الذي قدمه بوليمارخوس للعدالة في سياق المحاججة، لمجرد أنه للشاعر الملهم سيمونيدس بل شكك فيه وأثار بعض الصعوبات التي ينطوي عليها. وهذا يعني أن الوقوف عند الحجاج بالسلطة يحول دون إمكانيات الانطلاق والبحث المشاغب الذي يمكن الفيلسوف من فحص الأمور وتقليبها على كافة الأوجه لاختبار صدقها. ووحدها الأفكار التي تصمد أمام مثل هذا الفحص العقلي هي التي نطمئن ولو مؤقتا إلى مصداقيتها وصلاحيتها. أما الحجة بالسلطة فقد تندرج ضمن مسار المحاججة على الأفكار كحجة مدعمة للموقف الذي نتبناه، لكن مع ذلك يلزم أن نبحث لها عن حجاج يدعمها هي الأخرى، ولن يكون سوى حجاج العقل الذي يقنع الذات قبل الآخر.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.