الثلاثاء، 8 نوفمبر 2016

ماوكلي فتى الأدغال أو إشكالية وجود الغير



وضعية مشكلة لطرح إشكالية وجود الغير
ماوكلي فتى الأدغال

بقلم: محمد الشبة








يمكن مشاهدة الحلقة الأخيرة من سلسلة الرسوم المتحركة "ماوكلي فتى الأدغال" واستثمارها كوضعية مشكلة لطرح الأسئلة الإشكالية المتعلقة بوجود الغير.
وهكذا، فقبل أن يختار المدرس السند الذي سيعتمده كوضعية مشكلة، عليه أولا أن يحدد الإشكال المتعلق بمحور الدرس أولا، لكي يبحث له بعد ذلك عن وضعية مشكلة تسمح بإثارة أسئلته الإشكالية. فإذا كان صحيح أن على الوضعية المشكلة أن تقود إلى طرح الأسئلة الإشكالية ببساطة وتلقائية، فإن على المدرس أن يكون على علم بالإشكال الذي يود طرحه بشكل قبلي، وعلى الأقل في خطوطه العريضة، مما سيسمح له بتدبير النقاش الفصلي بينه وبين تلامذته من أجل تأزيم الإجابات وتقليب الأمور على أوجهها المتعددة، وإثارة التساؤلات الضرورية.

مجريات أحداث الحلقة الأخيرة من سلسلة ماوكلي:
أعلن أحد الصقور على عزم ماوكلي مغادرة غابة الحيوانات، وهو البطل الذي خلصهم من الشرير "شيريخان" وحقق لهم الأمن، وهو بطل لن يعوض أبدا. كما دعا ذلك الصقر الحيوانات إلى اجتماع طارئ من أجل هذا الحدث الأليم والمهم. ثم شوهد ماوكلي وهو متوتر وحزين على فراق أصدقائه من الحيوانات. وقد كان الاجتماع بطلب من ماوكلي نظرا لأهمية المسألة التي ستتم مناقشتها في الاجتماع بالنسبة إليه.
وقد حضر الاجتماع كل حيوانات الغابة وتم الإقرار على أنه اجتماع غير عادي، وأعلن الجميع أنهم تعودوا على وجود ماوكلي بينهم، ومن الصعب عليهم فراقه. وهكذا صعدت "أمه" الذئبة الصخرة وأعلنت أمام الجميع أن ماوكلي سيغادر غابة الحيوانات لكي يلتحق بغابة البشر ويعيش حياته الطبيعية بينهم، لأنه في الأصل طفل بشري وتربى مع الحيوانات، ودربه "باكيرا" على الصيد والدفاع عن نفسه، وقام بواجبه تجاه قبيلة الحيوانات وقتل الشرير شيريخان... وقد أقرت جميع الحيوانات أن ماوكلي كان بطلا ودافع بصدق عن الغابة ضد كل الأخطار المحدقة بها.
وقد ذكرت أمه الذئبة في خطبتها أمام الحيوانات أن الجد الذئب الحكيم "أكيلا" المتوفى قد حدثها بشأن مغادرة ماوكلي للغابة ذات يوم، وأن هذه المغادرة حتمية وضرورية. وذكرت أن وصية "أكيلا" للحيوانات هي أن يتركوا ماوكلي يغادر حينما يريد ذلك، ولذلك عليها أن تنفذ وصيته. لكنها ذكرت أن على ماوكلي أن لا ينسى "الحليب" الذي رضعه مع الذئاب.
 ثم تركت مكان الصخرة لحيوانين آخرين لكي يلقوا كلمة بهذه المناسبة. وقد تقدم ذئبين أخوين له ("صورا" و"أكرو") واعترضا على مغادرته بحجة أن حياة البشر لا تناسبه، وأن البشر قساة ولا يعرفون الرحمة أبدا، وهذا بخلاف الحيوانات التي تحترم ماوكلي وتعامله بدون تمييز. وقد صاح جميع الحيوانات في وجه ماوكلي بأن لا يغادرهم، لكنه لم يستطع أن يجيبهم وبدا متوترا وحزينا جدا.
أما الذئبة "لالا" فقد صعدت الصخرة وأعلنت رفضها للموقف الذي اتخذه "صورا" و"أكرو" ومن وافقهما من الحيوانات، وأعلنت على العكس من ذلك أن المكان الطبيعي لماوكلي هو أن يعيش بين بني البشر، وحجتها في ذلك أنه سبق لماوكلي أن ذهب للقرية البشرية لعدة مرات، وأنه قاتل "شيريخان" بتحريض من البشر، وأنه تعلق بأسرة بشرية ولحق بهم رغم البعد، وأن ماوكلي يمتلك مشاعر بشرية لا يمكن أن تنموا وتتحقق إلا بالتفاعل مع البشر.
وتقدم أحد الحيوانات وأعلن عن موافقته "لالا" في الرأي، وذلك من منطلق أن الدم الذي يجري في عروق ماوكلي هو دم بشر، وأن ماوكلي نفسه لن يستطيع أن يمنع نفسه من الذهاب إلى عالم البشر، وتمنى له السعادة معهم.
وبعد ذلك تقدم "باكيرا" مدرب ماوكلي الصخرة وأعلن بإصرار وقوة أنه سيغادر الغابة أيضا، متوجها إلى قرية البشر، ثم اختفى مغادرا الجمع، مما أثار استغراب الحاضرين.
وجاء دور ماوكلي لكي يصعد الصخرة ويشرح موقفه، ويبين للحيوانات سبب عزمه مغادرة الغابة. وفي البداية لم يستطع ماوكلي الكلام، وبدا مرتجفا وعيناه تدمعان، وهو في غاية الحزن والضعف. لكن أحد الحيوانات صاح فيه بقوة مشجعا إياه على الحديث: "تماسك يا ماوكلي، قضيت على "بينطو" و"شيريخان" والكلاب البرية، لا تنس أنك بطل هذه الأدغال." وقد كانت هذه الكلمات كافية لتجعل ماوكلي يتشجع ويبدأ بالحديث. وقد ذكر أنه بعد تفكير عميق قرر الانتقال إلى القرية البشرية، لأنه اعتقد أنه ذئب حقيقي لكن طبيعته البشرية كانت أقوى من ذلك. وقد حاول المقاومة والبقاء في الغابة، لكن الدماء البشرية كانت أقوى منه؛ إن له مشاعر بشرية لا يستطيع مقاومتها. وقد بدأ ماوكلي يبكي ويقول: "لا أستطيع أن أعيش كذئب وكإنسان في آن واحد." وصاح موكلي معلنا أنه لا يوجد أي حل آخر، وأن عليه الرحيل عن غابة الحيوانات، لكنه ذكر لهم أنه سوف يزورهم من حين لآخر، ولن ينساهم أبدا.
وأمام إصرار ماوكلي على الرحيل، لم تملك الحيوانات سوى أن تتمنى له السعادة في حياته الجديدة. وهذا ما بعث في قلبه الانشراح، وجعله يبتسم ابتسامة عريضة. وقد قدمت له  الحيوانات بهذه المناسبة فرو شيريخان كهدية تذكارية، وتقديرا له على شجاعته.  
وهكذا، ظهر ماوكلي وهو يلعب مع بني البشر في قريتهم، وهو في غاية السعادة والسرور. وقد قام وفد من الحيوانات بزيارته إلى قرية البشر، واستقبلهم ماوكلي وهو في غاية الفرح والحبور.

الاشتغال الفلسفي على القصة:
دعوت التلاميذ إلى التأمل في القصة، وبعد حوار ونقاش حول أهم أحداثها (يمكن أن أدون مضمون هذا النقاش الفصلي لاحقا)، انتهينا إلى إثارة مجموعة من التساؤلات المتعلقة بإشكالية وجود الغير، ومن أهمها ما يلي:
- لماذا قرر ماوكلي مغادرة القرية؟
- لماذا اعتبر الاجتماع الطارئ حدثا مهما؟
- ما الذي استفاده ماوكلي من عالم الحيوانات؟
- ما الذي لم تستطع الحيوانات تقديمه لماوكلي؟
- لماذا اعتبر الجد الحكيم "أكيلا" أن ذهاب ماوكلي إلى قرية البشر أمر حتمي وضروري؟
- لماذا اعتبر "صورا" و"أكرو" أن حياة البشر لا تناسبه، وأن البشر قساة ولا يعرفون الرحمة أبدا؟ هل يعني ذلك أن عيش ماوكلي مع الحيوانات أرحم له من عيشه مع البشر؟
- لماذا كان يذهب ماوكلي إلى قرية البشر من حين لآخر؟ ما الذي كان يبحث عن عندهم؟ أين تكمن حاجة الأنا إلى الغير؟
- ما هي نوعية المشاعر التي اكتسبها ماوكلي من الحيوانات؟ وأي مشاعر وأفكار يمكن أن تنمو عنده حين ذهابه إلى عالم البشر؟
- إذا كان ماوكلي قد أعلن أن طبيعته البشرية أقوى منه، فهل يعني ذلك أن الحاجة إلى الغير طبيعية؟ ألا تتولد هذه الحاجة أثناء الاجتماع البشري نفسه، وأنها وليدة الاكتساب وليس الفطرة؟
- إذا كان ماوكلي قد بدى سعيدا حينما انتقل إلى قرية البشر، فهل يعني ذلك أن وجوده مع الغير سيكون مفعما بالسعادة في جميع الأحوال؟ أسوف لن تتخلله لحظات قلق وشقاء؟
- وإذا كانت الحيوانات قد ساعدت ماوكلي وطورت الكثير من مواهبه وقدراته، وخلقت له الكثير من ألوان الفرح و"السعادة"، فهل يعني ذلك أن وجوده مع الغير سيكون مليئا بالسعادة؟ وهل سيكون الغير عاملا مساعدا له على تطوير ذاته أم سيكون أداة لتهديدها وإضعافها؟ وهل وجود الغير معي نعيم أم جحيم؟
- وإذا كنت أرغب (وهذا ما حصل لماوكلي) في الانفتاح على الغير والتواصل معه، ألا أرغب أحيانا إلى الابتعاد والانعزال عنه؟ وهل يمكن أن تفيدني هذه العزلة مثلما أفادني ذلك الانفتاح؟

وهكذا، مكنتنا قصة ماوكلي من طرح تلك التساؤلات المتشابهة والمتداخلة والمتشابكة بحيث يفضي بعضها إلى البعض الآخر، والتي يمكن من خلالها إثارة نقاش مثمر حول وجود الغير، والانتهاء إلى طرح أسئلة دقيقة ومختصرة حول هذه الإشكالية.   

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.