صدرت لنا الأجزاء الستة الأولى من "سلسلة تحليل النص الفلسفي" في يناير 2018، عن الناشر الأطلسي التابع لدار أفريقيا الشرق بالدار البيضاء.
مدخل عام لسلسلة
تحليل النص الفلسفي
تعتبر
عملية تحليل النص الفلسفي عملية جوهرية في تدريس الفلسفة؛ ذلك أن معظم المهارات
التفكيرية والقدرات العقلية التي يروم الدرس الفلسفي تحقيقها لدى المتعلمين يكون
منطلقها هو الاشتغال على النصوص الفلسفية، لأن أدوات وأساليب وتقنيات التفكير لدى
الفيلسوف تتجسد، ولا شك، في ما يخطه يراعه من نصوص.
ولذلك،
أثبتت لنا تجاربنا الفصلية أن أحسن طريقة يمكن للتلاميذ من خلالها اكتساب قدرات
التفكير الفلسفي ومهاراته هي تقريبهم من النصوص الفلسفية، وذلك عن طريق دراستها
والاحتكاك بأساليب تفكير الفلاسفة المبثوثة فيها. ومن هنا، كنا نجد أنفسنا دوما
داخل الفصول الدراسية أمام نصوص فلسفية متنوعة، تطرح علينا مهمة فهمها وإفهامها
إلى التلاميذ، وذلك من خلال اعتماد مجموعة من الخطوات في دراستها، من أجل أن نقف
عند مختلف جوانب ومكونات النص الفلسفي، ونكشف عن الخصائص التفكيرية والعقلية
المميزة له، مادام أن الهدف من دراسته لا يكمن، بالدرجة الأولى، في اكتساب الأفكار
والمضامين، بل يكمن في تعلم القدرات والمهارات.
وإذا كانت
عملية تحليل النص تحتل مكانة أساسية في الدرس الفلسفي بالثانوي التأهيلي، وإذا
كانت النصوص الفلسفية ذات أشكال وخصائص متنوعة، وتطرح العديد من الصعوبات أثناء
تحليلها مع التلاميذ، فإن من بين الوسائل الكفيلة بالتغلب على الصعوبات التي تطرح
أثناء الاشتغال عليها، هو أن يعمل المدرسون على توثيق تحليلهم لها ونشرها على نطاق
واسع، من أجل وضعها موضع نقاش علني وموسع. وهذا ما ينسجم مع مبدإ لطالما نادينا به
في العديد من كتاباتنا الديداكتيكية، وهو المتعلق بمبدإ تقاسم التجارب الفصلية،
نظرا لما يمكن أن يحققه هذا التقاسم من تبادل للخبرات، وما يمكن أن يساهم به من
تطوير وإغناء لأساليب وطرائق تدريس الفلسفة.
وفي هذا
السياق، تأتي هذه السلسلة من أجل أن ترسخ هذا المبدأ المتعلق بتقاسم التجارب
الفصلية، وذلك من خلال التركيز على أحد أهم الأنشطة التعلمية في الدرس الفلسفي
بالتعليم الثانوي التأهيلي، ألا وهو الاشتغال على النص الفلسفي بالتحليل
والمناقشة. وهكذا، فقد تضمنت هذه السلسلة مجموعة من النصوص التي تعالج إشكالات
تتعلق بمجالات ومفاهيم فلسفية متنوعة، والتي عملت على تحليلها بمعية تلامذتي داخل
الفصول الدراسية.
وقد تختلف
طرق دراسة النص الفلسفي وتحليله من مستوى دراسي إلى آخر من جهة، وبحسب طبيعة هذا
النص من جهة أخرى. ولهذا، فقد كنا مع تلاميذ السنة أولى بكالوريا نقوم في الغالب
بتحليل النص تحليلا متكاملا، عن طريق الاشتغال على كل الخطوات المتعلقة بالمفاهيم
والأساليب الحجاجية والأطروحة والإشكال والمناقشة، في حين كنا لا نقتصر إلا على
بعضها مع مستويات أخرى، لاعتبارات بيداغوجية وديداكتيكية، أو لإكراهات تتعلق بطول
المقرر مثلا. كما أن طبيعة النص الفلسفي هي الأخرى قد تحتم على المدرس اتباع
استراتيجية ما في دراسته؛ فإذا كان النص مفاهيميا مثلا، كان من الأفضل تحليله
بالتركيز على جانبه المفاهيمي، أما إذا كان حجاجيا، فإن تحليله يكون مجديا وفعالا
بالوقوف عند أساليبه الحجاجية وتحديد وظائفها في النص.
أما استخلاص
أطروحة النص وتحديد إشكاله الرئيسي، فإنه لا يتأتى إلا بعد الاشتغال على مفاهيمه
وحججه، مما يعني أن التوصل إليهما يتم على نحو استقرائي، ويكون تحصيل حاصل لكل ما
قمنا به من عمل تحليلي سابق.
ولسنا في حاجة إلى التأكيد على أهمية الأمثلة
المستمدة من الواقع أو من مجالات معرفية أخرى أو من التجارب الذاتية للتلاميذ ...
في فهم النص وإضاءة مختلف مكوناته، بل وأهميتها أيضا في مناقشة أفكاره الأساسية
والوقوف عند جوانب القوة أو الضعف فيها. ومن شأن ربط أفكار النص بالعالم الذاتي
للتلميذ ومحيطه الاجتماعي وتجاربه الخاصة، أن يرسخ لديه أهمية قضايا الفلسفة
وإشكالاتها في حياته الفردية وفي علاقاته بأفراد المجتمع، وأن يرسخ لديه كذلك
ضرورة التفكير الذاتي في التعاطي مع تلك القضايا والإشكالات، سواء أثناء مساهمته
في إنجاز الدرس وبنائه، أو أثناء تدبيجه لكتابته الإنشائية الفلسفية.
كما تجدر
الإشارة إلى أننا لم نقدم هنا سوى الخلاصات النهائية المتعلقة بتحليل النص، أما
المسار المتعلق بالإنجاز الحي الذي قطعته مع تلامذتي للوصول إلى تلك الخلاصات فيظل
متخفيا، ويتعين على كل مدرس(ة) أن يكشف عنه أثناء اشتغاله على النص مع تلامذته في
الفصل الدراسي.
والله نسأل
أن يكون هذا العمل خالصا لوجهه الكريم.
محمد الشبة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.