السبت، 4 مارس 2017

شغب كرة القدم أو إشكالية العنف





وضعية مشكلة لطرح إشكالية مفهوم العنف
شغب كرة القدم













توضيح:

يتضمن مفهوم العنف ثلاثة إشكالات رئيسية؛ الإشكال الأول يتعلق بأشكال العنف ووسائله وتقنياته وعلاقته بالتكنولوجيا ووسائل الإعلام، وعلاقة العنف المادي بالعنف الرمزي. أما الإشكال الثاني فيتعلق بأسباب وجود العنف في التاريخ، وهل يعود ذلك إلى الطبيعة العدوانية للإنسان أم أن للعنف أسباب اجتماعية وتاريخية. في حين يتعلق الإشكال الثالث بمشروعية العنف، سواء كان صادرا عن الدولة أو عن الأفراد والجماعات، وحدود استخدامه من قبل أجهزة الدولة.
وهكذا كان علي كمدرس أن أضع هذه الإشكالات نصب عيني، لكي أبحث عن وضعية انطلاق تمكنني من خلق نقاش مع تلامذتي يفضي في آخر المطاف إلى طرح تلك الإشكالات. وبالتالي سيكون طرحها نابعا من ذوات التلاميذ ومن واقعهم المعيشي، مما سيجعلهم يحسون بقيمتها كإشكالات حقيقة وأساسية وليست مجرد إشكالات نظرية وحالمة خاصة بفئة الفلاسفة. وهذا ما سيجعلهم ينخرطون بحماس في طرحها والاهتمام بها ومحاولة تقديم إجابات وحلول لها.
 وكل هذا يندرج في إطار ربط الفلسفة بالحياة، وتحفيز التلاميذ على التفلسف من أجل معالجة إشكالات فلسفية تهمهم ككائنات عاقلة مثلما تهم الفلاسفة.


* مضمون الوضعية:

بعد انهزام فريق الوداد البيضاوي لكرة القدم في مباراة حاسمة له مع فريق الرجاء البيضاوي، خرج مشجعوه من الملعب في حالة حانقة وغاضبة جعلت الكثير منهم يمارسون مختلف أشكال العنف وأنواعه، سواء ضد مشجعي الفريق الخصم، أو عن طريق تكسير المحلات العمومية المجاورة للملعب ونهب ممتلكاتها. كما دخلوا في مواجهات عنيفة مع رجال الأمن الذين بدورهم واجهوهم بعنف مضاد استخدموا فيه العصي وخراطيم المياه، وأحيانا القنابل المسيلة للدموع. وهذا ما جعلهم يتمكنون في الأخير من القضاء على أعمال العنف والشغب، وتحقيق الأمن والاستقرار. وقد خلفت هذه الأحداث الأليمة استياء لدى الرأي العام الوطني، كما أثارت نقاشات عديدة لدى وسائل الإعلام السمعية والبصرية والمكتوبة.


* الاشتغال الفصلي على الوضعية:

سوف لن أقدم كل التفاصيل المتعلقة بالنقاشات الجزئية التي تمت بيني وبين التلاميذ، وبين التلاميذ فيما بينهم، لأنني سوف أقدمها قريبا في إطار "محاورة فصلية" تتعلق بمجريات هذه الحصة الدراسية الخاصة بهذه الوضعية المشكلة، وإنما سأكتفي فقط بتقديم ملخص موجز لها كما يلي:
بعد أن كتب التلاميذ الوضعية المشكلة في الدفاتر، وتعرفوا على مجريات الأحداث المتعلقة بها، وهي أحداث استفزتهم وأثارت اهتمامهم، لأنه من المهم أن تكون الوضعية المشكلة قريبة من وجدان التلميذ واهتماماته، انخرطت معهم في نقاشات تتعلق بأفعال العنف التي طبعت تلك الأحداث، سواء العنف الذي صدر عن المشاغبين أو العنف الذي صدر عن رجال الأمن (الدولة)؛
- وهكذا تساءلت معهم عن أشكال العنف التي عرفتها الأحداث والوسائل التي استخدمت فيه، فتوصلنا إلى أن العنف كان ماديا واستخدمت فيه العصي والخراطيم المياه والقنابل...الخ، وهذا ما سميناه بالعنف المادي الفيزيائي. لكن النقاش جعلنا نصل إلى أن العنف يكون رمزيا أيضا، فتستخدم فيه اللغة والكلمات، إذ أنه من الأكيد أن مشجعي الفريقين قد تبادلوا كلاما فيه تحقير واستهزاء ومس بالكبرياء... كما أن الدولة نفسها تمارس العنف الرمزي بشكل خفي عن طريق وسائل الإعلام والمنابر الدينية والبرامج التعليمية...الخ.
- كما تساءلنا عن الأسباب التي أدت بالمشاغبين إلى ممارسة العنف؛ فأشار بعض التلاميذ إلى أن هناك أسبابا نفسيا تتعلق مثلا بالغضب والكبرياء والتنافس (هوبز، فرويد...)، كما أشار بعضهم إلى الأسباب التاريخية والاجتماعية (إنجلز، ماركس...)، إذ أن معظم المشاغبين ينحدرون من طبقات اجتماعية فقيرة، فيكنون حقدا دفينا تجاه الدولة وتجاه الطبقة الراقية (لا ننسى أن المركب الرياضي بالدار البيضاء يوجد في حي المعارف كحي راق مقارنة مع الأحياء الهامشية للدار البيضاء)...
- وتساءلنا أيضا عن مشروعية العنف الذي عرفته الأحداث؛ إذ أفضى النقاش إلى أن هناك عنفا صادرا عن الأفراد، فانتهينا إلى أن هذا العنف غير مشروع اللهم إلا في حالات نادرة، وهناك عنف صادر عن الدولة (رجال الأمن) وهو عنف يمكن أن يتخذ طابع المشروعية مادام الهدف منه هو حماية الممتلكات وحقوق المواطنين.. لكن لا حظنا أن رجال الأمن استخدموا العصي وخراطيم المياه والقنابل المسيلة للدموع... ولم يستخدموا الرصاص الحي، مما جعلنا نستنتج أن عنف الدولة وإن كان مشروعا فإن ليس مشروعا بشكل مطلق، بل هو عنف مقنن وفقا للقوانين ويستخدم في إطار حدود معينة...
وانطلاقا من كل النقاشات التي تمت بين جماعة الفصل حول مجريات أحداث الشغب هاته، انتهينا إلى صياغة مجموعة من التساؤلات الإشكالية من أبرزها ما يلي:
ما هي أشكال العنف؟ ما هي وسائله؟ ما علاقة العنف بوسائل الإعلام؟ وهل يتم العنف بشكل مادي فقط أم بشكل رمزي أيضا؟ ...
ولماذا يمارس الإنسان العنف؟ هل له أسباب فطرية أم مكتسبة؟ وهل العنف متجذر في الطبيعة الإنسانية أنه وليد ظروف اجتماعية وتاريخية؟ ...
وما علاقة العنف بالحق؟ وهل يمكن للعنف أن يكون وسيلة لحماية الحق وضمان التمتع به؟ وهل يوجد عنف مشروع؟ وما هي مبرراته؟ وما هي حدود استخدام الدولة له؟ ...  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.