الشهوة هي أساس فكر الإنسان
وفعله!!
بقلم: محمد الشبة
يقول اسبينوزا:
«إننا لا نسعى إلى شيء، ولا
نريده، ولا نشتهيه، ولا نرغب فيه، لأننا نعتقد أنه حسن؛ بل نحن، على العكس من ذلك،
نحكم على شيء بأنه حسن لأننا نسعى إليه، ونريده، ونشتهيه ونرغب فيه.»
يعتبرالفيلسوف اسبينوزا أن الرغبة هي ماهية وطبيعة الإنسان. ولذلك، فكل سلوكات وأفعال الإنسان تفهم
وتفسر انطلاقا من هذه الفكرة اسبينوزية المتمثلة في اعتبار أن ما يحرك سلوك
الإنسان هو شهوته الواعية، والتي هي الرغبة. ومن هنا، فالرغبة تتضمن الشهوة التي
تقترن بالجسد، وتتضمن الوعي الذي يرتبط بالعقل. وما يحدث هو أن العقل يضفي طابع
الوعي على الفعل الذي يسعى إلى تلبية مطلب الشهوة، فيغدو لشهواتنا وغرائزنا طابعا
عقليا وأخلاقيا وواعيا. أي أننا نبرر شهواتنا تبريرا عقليا وأخلاقيا ونعتبرها طيبة
وحسنة. فإذن ما يجعل الشيء حسنا وطيبا و"أخلاقيا" هو أننا نشتهيه ونرغب
فيه، وليس العكس. فالرغبة إذن هي التي تؤسس للفعل الإنساني حسب اسبينوزا وتقف كسبب
وراء القيام به، ومادامت الرغبة هي شهوة مصحوبة بالوعي، فإن العقل الواعي بقوانينه
وقواعده الثقافية والاجتماعية والأخلاقية يمنح المشروعية والمعقولية للأفعال التي
تلبي في العمق غرائز كامنة فينا.
والأمثلة على ذلك كثيرة في الحياة
الإنساني؛ فحينما نعتبر أن الزواج شيء حسن، فإننا نفعل ذلك لأننا نلبي من خلاله
غريزة الجنس المميزة لطبيعتنا البشرية. وحينما نعتبر القتل أو السرقة فعلين سيئين،
فلأنهما يتعارضان مع غريزة حب البقاء الموجودة فينا، والتي تلح علينا أن نبذل كل
جهدنا لكي نحيا ونحافظ على بقائنا.
وحينما نعتبر الصلاة وكل العبادات
أفعالا حسنة، فلأننا نريد –حسب منطق اسبينوزا- أن نلبي من خلال ذلك غريزة البقاء
والخلود الكامنة فينا؛ لأننا بواسطة تلك الأعمال نريد أن ينعم علينا الله بالخلود
في الجنة، وهذا ما نشتهيه ونريده.
كما أننا نعتبر طاعة قوانين الدولة أو
السير مثلا أعمالا حسنة، لأنها تضمن لنا الأمن والاستقرار والحياة وتجنبنا الموت
والقتل وحرب الكل ضد الكل، وهذا ما نشتهيه ونرغب فيه.
بل أكثر من ذلك؛ يمكن القول مع
اسبينوزا بان طاعة الأب أو الأستاذ هي شيء طيب وحسن مثلا، لأن في تلك الطاعة تلبية
لشهواتنا وغرائزنا؛ مادام أن الأب ينفق علينا (أكل شرب..) أو يمنحنا المال لتلبية
غرائزنا وشهواتنا، كما أن طاعة الأستاذ تجعلنا ننجح في الامتحان الذي سيجعلنا نحصل
على وظيفة أو منصب يمكننا من كسب المال الذي سنلبي به غرائزنا المختلفة.
ويمكن أيضا اعتبار كل القوانين
والمعاهدات الدولية هي محاولة في العمق لتلبية شهواتنا؛ فنحن نعتبر احترامها أمر
حسن مادامت ستلبي لنا غريزة الحياة وتجعلنا نتمتع بشهواتنا في أمن واستقرار،
وتجنبنا الموت والدمار الذي لا نشتهيه ولا نريده.
وباختصار، يمكن القول بأن الشهوة
والرغبة هي من يقف خلف مختلف النظم والقوانين العرفية والسياسية والأخلاقية التي
ابتكرها الإنسان لمنح المشروعية لشهواته ورغباته ويضفي عليها طابعا ثقافيا
وأخلاقيا.
فلا يكون الشيء حسنا عند اسبينوزا في
ذاته، بل فقط لأنه يمكننا من تحقيق شهواتنا ورغباتنا. فتلبية الشهوات والغرائز هو
من يحكم العلاقات بين الناس، وبين الدول. وما يحصل هو أن الإنسان يسعى إلى تغليف
الشهوة بغلاف الثقافة والأخلاق حتى يخفي منطقها الحيواني والشرس والهمجي، ويلبيها
بشكل إنساني ولطيف ومقبول. لكن هذا اللطف وهذا الطلاء هو بمثابة القشرة التي تغلف
اللب أو الجوهر الكامن فينا؛ والذي هو أننا كائنات تشتهي وأن الشهوة متأصلة فينا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.