الاثنين، 31 أكتوبر 2016

هوية فر أم هوية جماعة ؟؟




تجربة فصلية في تدريس الفلسفة
هوية الشخص

التلميذة تسأل : الفكر والوعي والذاكرة هي خصائص تنطبق على الفرد كما تنطبق على الجماعة، فهل الأمر يتعلق هنا (في محور الشخص والهوية) بهوية فرد أم جماعة؟؟


بقلم: محمد الشبة



ونحن بصدد محاولة صياغة الإشكال المتعلق بمحور الشخص والهوية، سألتني تلميذة قائلة:
هل سنبحث عن الهوية المتعلقة بالفرد الواحد أم بهوية الجماعة التي ينتمي إليها ذلك الفرد أو الشخص؟
مما يعني أن سؤالها يتعلق بما يلي:
هل سنعالج في هذا المحور هوية الشخص كفرد واحد أي الهوية الفردية، أم أن الأمر يتعلق أيضا بهوية جماعة معينة، سواء كانت هذه الجماعة سياسية أو وطنية أو عرقية أو دينية ؟؟
وقد أجبتها، أثناء لحظة إنجاز الدرس، باختصار بما يلي:
- يبدو أن الهوية تتعلق بالشخص كفرد وليس بالهوية الشخصية الجماعية؛ ذلك أن مفهوم الشخص يطلق على الإنسان بغض النظر عن انتماءاته المختلفة؛ الوطنية والعرقية والدينية وغيرها. ولذلك فالأمر يتعلق بهوية الفرد الواحد وبالتساؤل ما الذي يجعله يحس بهويته كشخص. وبالرجوع إلى تعريف مفهوم الهوية عند جون لوك –باعتباره صاحب نص مؤسس في هذا الإطار- نجده يربطها بالشخص الواحد ويعتبرها ما يجعل ذلك الشخص مطابقا لذاته ويحس أنه نفسه في أزمنة وأمكنة مختلفة، ويرى أن الوعي المصاحب دوما لإدراكات وأفعال الشخص هو ما يمنحه هويته. كما أحلت التلميذة إلى تعريف للهوية أخذناه من معجم جمل صليبا جاء فيه ما يلي: "تطلق الهوية على الشخص إذا ظل هذا الشخص ذاتا واحدة رغم التغيرات التي تطرأ عليه في مختلف أوقات وجوده"، وبينت لها انطلاقا من هذا التعريف أن الهوية تتعلق هنا بالشخص الواحد، وهي تعني ما يمنح للشخص وحدته وثباته رغم ما يطاله من تغير. ولذلك فإشكال الهوية يتعلق بخاصية أو خصائص تظل ثابتة لدى الشخص وتجعله يحس أنه نفسه بالرغم مما يطرأ عليه من تغير في الزمان والمكان. وقد جعل بعض الفلاسفة هذه الخاصية في الفكر وجعلها بعضهم الآخر في الوعي أو الذاكرة أو الإرادة أو المزاج أو غير ذلك.
 وحينما حددنا مع ديكارت الهوية في الفكر وحددناها مع جون لوك في الوعي والذاكرة، تساءلت نفس التلميذة قائلة: إن مفاهيم الفكر والوعي والذاكرة لا تتعلق فقط بالشخص الواحد بل هي مفاهيم عامة تتعلق بالجماعات المختلفة أيضا، ولذلك فالهوية تتعلق أيضا بالجماعة ؟؟
فوضحت لها قائلا:
حينما نتحدث عن الفكر فإننا نكون أمام مفهوم عام ومجرد يشمل الناس جميعا، وبالتالي فهو لا يختص بجماعة بشرية دون أخرى. ولذلك فهو يطلق على كل شخص أو فرد مهما كانت انتماءاته الدينية أو الوطنية أو العرقية أو غيرها؛ فالأنا عند ديكارت أو الشخص عند جن لوك ليس هو الأنا الفرنسي أو الإنجليزي أو الكاثوليكي أو البروتستانتي... بل هو الأنا أو الشخص كإنسان له أفكار ومشاعر أي كذات واعية وعاقلة دون النظر إلى الانتماءات الضيقة والجزئية. ولهذا فالهوية تتعلق بكل إنسان فرد له خصائص تسمح له بالإحساس بهويته كشخص، وتجعله يدرك أنه نفس الشخص مهما طرأت عليه من تغيرات.
ونفس الشيء يمكن قوله بالنسبة للوعي أو الذاكرة أو المزاج مثلا كعناصر يمكنها أن تحدد هوية الشخص؛ فالأمر لا يتعلق هنا بذاكرة جماعة دينية أو ذاكرة وطن...الخ، بل ذاكرة شخص فرد بغض النظر عن محتوى تلك الذاكرة؛ فالمهم بالنسبة لجون لوك هو أن امتلاك الفرد لذاكرة ما، أي قدرته على استحضار أحداث الماضي في الوعي، هو ما يمنحه هويته الشخصية. وكذلك الأمر بالنسبة للمزاج؛ فهو يتعلق بمزاج فرد وليس بمزاج الجماعة، وكذلك الوعي فهو وعي فرد بذاته وبأفعاله وأحاسيسه دون النظر إلى محتوى هذا الوعي في علاقته بالجماعة أو الحزب أو الأمة أو الوطن الذي ينتمي إليه.




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.