المحور الثالث: منطق الفلسفة
(مقرر في رحاب الفلسفة)
إعداد الأستاذ محمد الشبة
الفيلسوف كارل ياسبرز
مدخل:
يقول الفيلسوف الألماني إيمانويل كانط Kant: "لا
يمكن تعلم الفلسفة بل يمكننا فقط تعلم التفلسف". إذا تأملنا في عبارة كانط
تبين لنا أنه يميز بين الفلسفة والتفلسف؛ فالفلسفة لا يمكن تعلمها لأنها صرح لم
يكتمل بعد، ما دام أنه دائما يظهر فلاسفة يضيفون لبنات جديدة إلى هذا الصرح. أما
التفلسف فيمكن تعلمه، لأنه يشير إلى الطريقة وإلى الأدوات العقلية التي يستخدمها
هذا الفيلسوف أو ذاك في ممارسته الفكرية الفلسفية.
إن للفلسفة إذا منطق للتفكير خاص بها، أي أن لها أدوات
عقلية يستخدمها الفلاسفة في التفكير. وغرضنا في هذا المحور هو اكتشاف بعض تلك
الأدوات من أجل أن نستخدمها نحن بدورنا في التعامل مع وضعيات جديدة.
I- أدوات فعل التفلسف:
نص كارل ياسبرزKarl. Jaspers ص 42 – 43:
* فهم النص:
1- أ- يبدأ النص بشرح الأصل الذي انبثق منه الدافع إلى
التفلسف، والمقصود بالأصل هنا هو بداية التفلسف في أي زمان وفي أي مكان.
ب – و هكذا يتحدث النص عن بداية نظرية للفلسفة لا تنحصر
في زمان أو مكان معين، بل ترتبط بممارسة التفكير النظري في أي زمان ومكان .
2- أ- يعني الأصل في تجل من تجلياته الدهشة، وهي أولى
عمليات الفكر التي تربط الفيلسوف بالعالم الخارجي؛ إنها علاقة الغرابة أو التعجب
بين الإنسان وأشياء العالم.
ب- يعني الأصل في تجل من تجلياته الشك، وهو الخطوة
الأولى لفحص الأفكار والمعتقدات ونقدها من أجل الوصول إلى الحقيقة.
ج – يعني الأصل في تجل ثالث من تجلياته التساؤل حول الذات
وحول العالم، من أجل استكناه أسرارهما والبحث عن خفاياهما .
3- تعتبر هذه التجليات أدوات للتفلسف، لأنها أدوات تمكن
الفيلسوف من إنتاج معرفة خاصة غير مرتبط بالمعرفة العملية النفعية، كما أنها تمكنه
أيضا من بناء معرفة حول نفسه.
* الإطار المفاهيمي:
1 – يستخدم النص فعل الانبثاق للتعبير عن علاقة مفهوم
الأصل بفعل التفلسف. وهي علاقة بين الأصل كسبب وبداية وفعل التفلسف كنتيجة؛ لأن
الدهشة والشك والسؤال كأدوات عقلية هي التي مثلت الأصل الذي انبثق عنه التفكير
الفلسفي.
2-إن الأصل الذي تحدث عنه النص، والذي يتجلى أساسا في
الدهشة، تصبح معه الفلسفة أمرا جوهريا، لأن الدافع إلى التفلسف كأصل موجود دائما
في الحاضر وفي الماضي.
3- العلاقة الموجودة بين الدهشة والشعور بالجهل، هي
علاقة تكشف من خلالها الدهشة عن جهل الإنسان بحقيقة الظواهر وتدفعه إلى البحث عن
المعرفة. إن الدهشة الفلسفية ليست انفعالا نفسيا مرتبطا بالعواطف والمشاكل، بل هي
موقف عقلي تنبثق عنه أسئلة عقلية حول ظواهر الوجود. كما أن الدهشة الفلسفية هي
خطوة من أجل البحث عن الحقيقة، ولذلك فهي لا تجعل الفيلسوف في موقف الحيرة الدائمة.
4- إن الشك المنهجي هو أداة من أدوات التفلسف، وهو خطوة
أساسية للوصول إلى الحقيقة؛ فعبر الشك يعمل الفيلسوف على نقد المعارف وفحصها من
أجل التأكد من مدى صحتها. وقد ارتبط الشك المنهجي باسم الفيلسوف الفرنسي ديكارت
الذي شك في كل شيء ما عدا انه يشك، ومادام الشك نوعا من التفكير فقد توصل ديكارت
إلى أنه يفكر. هكذا صاغ عبارته المشهورة: أنا أفكر، إذن أنا موجود.
5- إن نتيجة التفكير في الذات من خلال النص تؤدي إلى
اكتشاف القدرة على تجاوز الوضعيات الأساسية المحددة للذات.
* إعادة صياغة الإطار
المفاهيمي:
يحدثنا صاحب النص عن الأصل الذي ينبثق منه فعل التفلسف
سواء في الماضي أو في الحاضر. ويتجلى هذا الأصل أساسا في الدهشة والشك والتساؤل. هكذا فالدهشة عند أرسطو هي الدافع الأساسي للتفلسف. كما أن ديكارت اعتمد
على الشك المنهجي الذي هو مجرد خطوة أو طريقة يسلكها الفيلسوف من أجل البلوغ إلى
الحقيقة. أما التساؤل حول الذات فهو تجاوز الوضعيات الأساسية المحددة لها.
* الإطار الحجاجي:
1- اعتمد صاحب النص على مجموعة من الأساليب الحجاجية من
أجل توضيح أطروحته. ويمكن تقديمها كما يلي:
- أسلوب العرض: ويتجلى في تقديم صاحب النص لفكرة الأصل
كقضية عامة، ثم العمل بعد ذلك على شرحها وتوضيح عناصرها الجزئية.
- أسلوب التشبيه: ويتجلى في تشبيه الأصل الذي أدى إلى
التفلسف بالينبوع الذي انبثق منه فعل التفكير الفلسفي .
- أسلوب الجرد والإحصاء: و هو يتجلى من خلال تقديم
صاحب النص لفكرة الأصل في ثلاثة عوامل رئيسية عبرت عنها الأرقام المستعملة في النص : 1-2-3.
- أسلوب الحجاج بالسلطة: حيث دعم صاحب النص فكرته
بأفلاطون وأرسطو كعملاقين من عمالقة الفكر الفلسفي.
- أسلوب المثال: ويتجلى في إعطاء مثال في تاريخ
الفلسفة هو مثال الفيلسوف الفرنسي روني ديكارت الذي استخدم الشك كمنهج الوصول
إلى الحقيقة.
II- السؤال في الفلسفة:
نص طه عبد الرحمان ص 44-45:
* فهم النص:
أ- اشتهرت الفلسفة بممارسة السؤال ويحدثنا طه عبد
الرحمان عن شكلين من أشكال السؤال الفلسفي:
- السؤال الفلسفي اليوناني القديم الذي كان يعتمد على
الفحص، والذي جسده سقراط الذي كان يعتمد في ذلك على الحوار وطرح الأسئلة على
المحاور من أجل تفنيد أفكاره واعتقاداته.
- السؤال الفلسفي الأروبي الحديث: الذي كان يعتمد على
النقد، والذي جسده كانط بحيث أن النقد كان ينصب حول الشروط التي تجعل المعرفة
ممكنة.
ب- السؤال الفلسفي اليوناني:
- الفحص – فلسفة – سقراط – التحقق من صدق الأفكار –
أسئلة متشعبة.
السؤال الأروبي الحديث:
- التساؤل عن شروط المعرفة – النقد – فلسفة كانط –
معايير عقلية.
ج – اعتبر صاحب النص القرن 18 قرن النقد، لأن الفلسفة
جعلت العقل نفسه موضع تساؤل؛ فلم تتساءل عن إنتاجات العقل المعرفية وإنما تساءلت
عن الشروط التي تجعل المعرفة ممكنة، كما تساءلت عن حدود العقل.
* الإطار المفاهيمي:
1- اشتهر التفكير الفلسفي بممارسته لأشكال متنوعة من
السؤال. وقد كان ذلك من أجل بناء معرفة جديدة حول الإنسان والعالم ، ولأن كل
جواب في الفلسفة يتحول بدوره إلى سؤال جديد تنبثق عنه أجوبة جديدة، وهكذا دوليك.
2- يرتبط السؤال الفلسفي اليوناني ، باعتباره سؤالا عاما
حول مفاهيم أخلاقية مثل ( ماهي الفضيلة)، بالأسئلة الجزئية التي تعمل على تفكيك وتحليل السؤال العام من أجل توسيع مجال المشكلة المطروحة.
3- يتميز سؤال النقد عن سؤال الفحص، بأنه يذهب بالمتسائل
إلى البحث في شروط قيام المعرفة، ومعنى ذلك التساؤل عن العقل، وعن حدوده، وعن
إمكانيته الذاتية في بلوغ المعرفة.
4- سمي القرن 18 بأنه قرن النقد لأنه أضحى ممارسة شاملة
تتوجه إلى المعارف وإلى أدوات ومفاهيم بنائها. والمقصود بالنقد هنا هو ممارسة
عقلية تعترف بإمكانات العقل مع وضع حدود لتلك الإمكانات. وقد ميز كانط هنا بين
مستويين رئيسين:
- مستوى الظاهر أو الفينومين phénomène
- مستوى الباطن أو النومين noumène
فالعقل يمكنه أن يدرك الأول، بينما يتعذر عليه إدراك
الثاني.
فالعقل إذا لا يمكنه أن يعرف الأمور الميتافيزيقية.
* - إعادة صياغة الإطار
المفاهيمي:
يعتبر السؤال خاصية أساسية من خصائص التفكير الفلسفي. ويمكن التمييز بين شكلين من أشكال السؤال في تاريخ الفلسفة:
- السؤال اليوناني القديم: الذي مثله سقراط والذي كان
يعتمد على الحوار مع الآخر من أجل فحص أفكاره و تفنيدها.
- السؤال الأوربي الحديث: الذي مثله كانط والذي يعتمد
على نقد العقل وتبيان إمكانياته وحدوده في المعرفة.
* الإطار الحجاجي:
لقد أكد صاحب النص على اشتهار الفلسفة بالسؤال. ولإثبات
هذه الفكرة اعتمد على آلية حجاجية وهي تقسيم السؤال من أجل إبراز أنواعه ومميزاته.
- يتميز التفكير الفلسفي بمجموعة من الخصائص يمكن الكشف عنها
من خلال الرجوع إلى مفهوم الأصل، أي إلى الدوافع التي أدت إلى التفلسف. وفي هذا
الإطار اعتبر أرسطو أن الدهشة هي التي دفعت الناس للتفلسف. كما يعتمد التفكير
الفلسفي على الشك كخطوة رئيسية لبلوغ المعرفة، وهو ما يسمى بالشك المنهجي. وللشك
علاقة بالسؤال الذي اتخذ عدة أشكال في تاريخ الفلسفة من أهمها شكلين رئيسين هما :
- السؤال السقراطي: الذي يقوم على الفحص.
- السؤال الكانطي: الذي يعتمد على النقد.